2024/01/16 | 0 | 1403
قراءة في كتاب الفريج الشمالي (نقوش على جدار الذكريات)
قد نستغرب إذا رأينا احد ابناءنا مستسلم لجهازه الذكي الذي يتيح له التواصل مع من يريد في أي بقعة من العالم، يحضر له الاخبار والصور بلحظة وقوعها ويدله على أي شخص يريد، يوفر له أي لعبة الكترونية وكل مقطع فيديو يسليه، الجهاز الذكي بخوارزمياته يلاحقك ويزودك بما تريد من معلومات واحداث باللحظة الذي يتراوح قيمته من ٢٠٠٠ إلى ٥٠٠٠ ريال وهو في متناول يد طالب بالمرحلة الابتدائية يقدمه هدية له والده، لا نستغرب حين نقرأ في كتاب يوثق تاريخ الأجداد عن شخص تنازل عن مزرعته من أجل راديو يملكه بحريني يصلح راديوهات ليستمع من خلاله لخضيري ابوعزيز، ربما اغلب جيل هذه الايام لا يعرفون ما هو الراديو.
في عصرنا عصر الوفرة الترفيه والرفاهية حين تقول لأحد ابناءك، أن الاجداد كانوا يعملون لمدة ٧ سنوات بأجرة ٤٠ ريال وبشت وكسوة عيد، وبعض العوائل تنام بدون وجبة عشاء لا يستوعبون ما يسمعوه.
هذه المقارنة بين حقبتين الفارق الزمني بينهما أقل من قرن، هذا ما نقرأه في بعض الكتب ببعض المجتمعات.
يستطيع الباحث أن يعمل دراسة اقتصادية واجتماعية ويحلل اسباب ونتائج الظروف المؤثرة في البيئة الاجتماعية على معيشة الفرد والأسرة بذلك الزمن.
في زمن يعمل العامل لمدة ١٨ ساعة في الحياكة ويفرح العاملون بالحياكة حين يسقط المطر وينشدون:
طاح المطر وشانت وجيه المعازيب
وجه المعزب كار كنا وجه ذيب
لحطوا الغدا لا عصب ولا طيب
لحطوا العشاء صار ضرب المجاعيب
لم يسمع جيل اليوم عن كلمة (ساباط) وماذا تعني، وليس الجيل الحالي بحاجة لها لانه يعيش في أرقى المجالس والديوانيات وبأرقى انواع الديكورات والتكييف، حياة عصرنا حياة وفرة الموارد الاقتصادية والاستمتاع.
حين البحث عن مفردات وتاريخ الماضي، كيف نجد المعلومات التي توثق تاريخ الأجداد الكادحين والفاعلين في الحياة بنشاط وحيوية، كيف نحدد العلاقة بين اسلوب السكن والشوارع والمرافق العامة، ولماذا تم اختيار جغرافية معينة من الأرض، ودراسة ما تتضمنه التربة من موارد طبيعية بسببها قامت آثار وعرفت مفردات اندثرت لا نسمعها الآن، مثل البراحة والدوغة والساباط الذي يعني سقف بين حائطين بينهما طريق أو نافذ.
هذا ما استعرضه المؤرخ الباحث سلمان الحجي في كتابه الغني بالمعلومات عن موقع جغرافي وتاريخي في الهفوف يكاد يهجره سكانه بالانتقال إلى سكن عصري بأرقى أنواع التصاميم العصرية، كتاب ميداني يوثق موقع ارتبط بجغرافيا مختارة قريبة من المزارع والعيون، تتيح لساكنه العمل وممارسة بعض المهن والحرف.
انها منطقة جغرافية مشهورة ومميزة اختيرت بعناية في شمال الهفوف وللشمال بعد اقتصادي بعلم الاقتصاد، هذه المنطقة (الفريج) تحكي تاريخ اجتماعي واقتصادي وعلمي وهو أحد الاحياء الثلاثة الرئيسة بالهفوف (الكوت، الرفعة الشمالية، النعاثل).
كأي منطقة جغرافية شمالية تعمل على الاستقطاب في التنمية بالجهة الشمالية في الجهة المسكونة لتكون اكثر تنمية عن غيرها.
أن كتاب (الفريج الشمالي- نقوش على جدار الذكريات) للأخ الاستاذ سلمان الحجي يتضمن ٥٩٠ صفحة طباعة عام ١٤٤٥هحري، يسرد تاريخ منطقة جغرافية امتاز أهلها بالعمل والعلم بالرغم من صعوبة العيش بذلك الوقت، سكان الفريج الشمالي اصحاب حرف ومهن وبيئة اجتماعية كادحة تتجلى فيها اجمل صور التكافل والتضامن والعيش الاجتماعي السلمي.
طبيعة وخصائص السكن تنبأ بطبيعة العلاقات الأسرية والاجتماعية المنسجمة فبناء وانشاء السوابيط لحاجة المجتمع في مناخ يغلب عليه الحرارة المرتفعة في اغلب ايام السنة، انشاء السوابيط من قبل بعض الأسر الميسورة دلالة على الانتماء الاجتماعي، العائلة الميسورة تقدم ما تستطيع فعله من أجل راحة غيرها بعقد اجتماعي ضمني للعيش التكافلي مثل بناء المساجد والحسينيات وتأسيس الأوقاف كحفر الآبار وبناء الساباط المبني من الجذوع والطين والحصر وإعداد البراحات للتجمعات وإقامة مناسبات الزواجات والأفراح.
الكتاب سفر غني باسماء العوائل وسوابطيهم واعمالهم وحرفهم ونشاطاتهم الخيرية والاجتماعية، ذكرت اغلب العوائل بما قدموه للمجتمع سواء الشيوخ منهم أو الوجهاء أو اصحاب الاعمال والمهن والحرف، الكتاب يوثق تاريخ منطقة سكنية مؤثرة اجتماعيا وثقافيا، جاءت العوائل من مختلف مدن وقرى الاحساء والبحرين انتجت وأسست مفردات و مفاهيم خاصة وعملت بحرف ومهن لها طابع خاص، مارسوا الحرف والمهن واسسوا اسماء الأدوات والآليات.
كتاب الفريج الشمالي يسرد حكايات الشهامة والكرم وقصص التعب والكدح التي لا تصدق بسبب صعوبة العيش إذا ما قارناها بزمننا، زمن الترف والرفاهية والعيش الرغيد.
فريج الشمالي ارتبط اهله بحب العلم وكذلك ممارسة التجارة والزراعة والحرف الفنية مثل الصفارة والنجارة والحدادة وصناعة الفخار.
ركز الكتاب على شكل البناء وما تقتضيه طبيعة الطقس التي تفرض على أزقة وشوارع الفريج شكل معين بالتصميم لتقليل تأثير الرياح والغبار والحرارة مثل انشاء السوابيط.
هناك عدد كبير من السوابيط التي تنسب إلى اسماء العوائل التي اسستها وكان للمرأة نصيب في مساهمتها بالمشاركة الاجتماعية وتجسيد التضامن مثل ساباط أم هاشم وهو الوحيد المعروف باسم امرأة المكون من غرفتين على شكل تدريجي.
في الكتاب معلومات قيمة ومفردات لم تعد تستخدم ولا يعرف معناها إلا من المتخصصين والذين عاشوها وهم قلة، إذا لم توثق بكتاب ستندثر وتمحى من ذاكرة الناس والتاريخ مثل اسماء شخصيات تركت آثار خيرية افادت المجتمع وقدمت خدمات اقتصادية اجتماعية.
من الحكايا الغريبة ما ورد في الكتاب صفحة ١١١، عيادة الدكتور (كستورا) بالقرب من موقع النقل الجماعي قديما الذي لم تذكر جنسيته، كان يرتب المرضى بالدفعة الأولى بمنحهم مسامير والدفعة الثانية قطع خشب والدفعة الثالثة يحملون اعواد كبريت.
يذكر في الكتاب احد تجارب العاملين، انه عمل ٧ سنيين ب ٧٠ ريال وكان بذلك الوقت تحسب السنة ١٣ شهرا بزيادة شهر عند الملاك الحياك، وفي حادثة طريفة تدل على ضيق ذات اليد أن احد الخبازين حج مع احدى الحملات على أن يزود صاحب الحملة بخبز يوميا لمدة سنة. توجد في الكتاب قصص ما هو أكثر مرارة في صعوبة الحياة وشظف العيش.
من يقرأ الكتاب يستطيع المقارنة في الأمراض المعدية بذلك الوقت ووقتنا الحالي مثل جائحة كورونا بعصر الانترنت مقارنتها بسنة الرحمة عام ١٣٣٧هجري الذي انتشر فيها الطاعون وموت عدد كبير بسكان قليل وامكانيات صحية شبه معدومة.
في صفحة ٢٤٠ يوثق الكتاب المطر الغزير لمدة ٤٠ يوما عام ١٣٦٠ هجري بسبب غزارة الامطار تهدمت بيوت واتلفت المحاصيل الزراعية ومنها التمر حتى وصل المن ٢٢ ريالا.
يتضمن الكتاب اسماء لا تتداول هذه الايام مثل المسطاح تستخدم لعمل الفخار، وكذلك لا نسمع عن يوم اسمه يوم القرش يوم احتفال لقدوم شهر رمضان.
من المناطق الجغرافية في الفريج الشمالي التي لها اهمية ونسيت ككلمة، (الخر) الأرض المنخفضة بالجهة الجنوبية الشرقية من الفريج ولها ذكريات اقتصادية تنموية لأن شركة ارامكو فتحت لها مكتب للتوظيف بهذا المكان.
ايضا الكتاب يوثق لأشهر المجالس المشهورة والمعروفة بكرم اصاحبها وهي عديدة، يذكر الكتاب بعض العوائل التي هاجرت من الوطن لبعض دول الجوار، كما اهتم الكتاب بذكر المهن واسماء التي مارستها بذلك الزمن مثل الغوص واحتراف البناء والنجارة التي هي أكثر مهنة عمل فيها الأهالي ولأن القرآن الكريم الكتاب الذي لا يفارق المسلم كمنهج حياتي، ذكر الكتاب القارئات من النساء ومدراس القرآن المشهورة والقائمين عليها وكذلك الملايات الحسينية، كما ذكر افضل الاعمال التي لا بد منها مثل القابلات وحفارين القبور ومغسلين الاموات والطباخون والفخار والعاملون بالخياطة الذين ذهبوا البحرين بمهنهم، ايضا ذكر الكتاب المعالجون بالطب الشعبي والمحامون مع ذكر عادات رمضان والاعياد وبعض التقاليد التي تدل على تضامن المجتمع في الأفراح والأتراح.
كتاب الفريج الشمالي للأخ سلمان الحجي احد كتبه العديدة هو وثيقة تاريخية تركز على الشخصية الفردية والشخصية العائلية وما تركته من آثار اجتماعية واقتصادية ويوثق أدوار افراد المجتمع رغم صعوبة الحياة لكنهم ساهموا في التكافل والتضامن وعاشوا هموم الماضي بالتعاون ليخففوا اسباب صعوبة الحياة. الجدير ذكره في الكتاب انه اعتمد الباحث الكاتب سلمان الحجي بشكل كبير في معلوماته على شخصيتين متميزين في تاريخ الاحساء وهما استاذنا الكبير شيخ المؤرخين الحاج جواد الرمضان والحاج صاحب الذاكرة العميقة الموسوعية المرحوم علي عبدالوهاب المرزوق.
كما اهتم الكتاب بذكر المهن واسماء التي مارستها بذلك الزمن مثل الغوص واحتراف البناء والنجارة التي هي أكثر مهنة عمل فيها الأهالي ولأن القرآن الكريم الكتاب الذي لا يفارق المسلم كمنهج حياتي، ذكر الكتاب القارئات من النساء ومدراس القرآن المشهورة والقائمين عليها وكذلك الملايات الحسينية، كما ذكر افضل الاعمال التي لا بد منها مثل القابلات وحفارين القبور ومغسلين الاموات والطباخون والفخار والعاملون بالخياطة الذين ذهبوا البحرين بمهنهم، ايضا ذكر الكتاب المعالجون بالطب الشعبي والمحامون مع ذكر عادات رمضان والاعياد وبعض التقاليد التي تدل على تضامن المجتمع في الأفراح والأتراح.
كتاب الفريج الشمالي للأخ سلمان الحجي احد كتبه العديدة هو وثيقة تاريخية تركز على الشخصية الفردية والشخصية العائلية وما تركته من آثار اجتماعية واقتصادية ويوثق أدوار افراد المجتمع رغم صعوبة الحياة لكنهم ساهموا في التكافل والتضامن وعاشوا هموم الماضي بالتعاون ليخففوا اسباب صعوبة الحياة. الجدير ذكره في الكتاب انه اعتمد الباحث الكاتب سلمان الحجي بشكل كبير في معلوماته على شخصيتين متميزين في تاريخ الاحساء وهما استاذنا الكبير شيخ المؤرخين الحاج جواد الرمضان والحاج صاحب الذاكرة العميقة الموسوعية المرحوم علي عبدالوهاب المرزوق.
جديد الموقع
- 2024-12-29 المرأة في الشعر الإسلامي الزهراء أنموذجًا
- 2024-12-28 افراح البقشي تهانينا
- 2024-12-28 القبلة بوصفها ملاذًا للذاتقراءة في ديوان «قبلة تسرق الحزن» للشاعر عبدالله العطية
- 2024-12-28 المخطوطات الأحسائية والعالمية والباحث في التاريخ
- 2024-12-28 أفضلية الورقي.. أسباب أخرى
- 2024-12-28 برامج جديدة متاحة لعلاج للمصابين بالتأتأة
- 2024-12-28 بقايا دخان السجائر الإلكترونية من المواد الكيميائية المترسبة على أسطح الأشياء قد تلحق ضررًا بالجهاز المناعي للأجنة
- 2024-12-26 نحو معارض للكتاب الخيري
- 2024-12-26 معادلة الانتصار الإلهي والقيم العليا
- 2024-12-26 أحياة هي أم ظروف حياتية؟