2020/10/22 | 0 | 2450
على مائدة الطعام
الإنسان اجتماعيا بطبعه يتواصل مع أخيه الإنسان ومحيطه بعدة أدوات وأساليب. عندما كان الإنسان كان الرمز، وعند تطوره كانت اللغة وكان القلم مصاحبا له في مسيرته الإبداعية. الكتابة كما يراها "جاك لاكان" أكثر من كونها حروفا أو رموزا تستعمل للدلالة على أمر ما، بل هي الصلة الأجتماعية بأمتياز. و هي كما يراها "ابن خلدون"تستمد شرفها من شرف الإنسان نفسه لذا تراها خاصية من خواص الإنسان التي تميز بها عن الحيوان.
الكتابة لغة القلب والعقل والعلم وهي من هذه الزاوية بالنسبة للمثقف متنفس لما يختلج في مكنونة صدره يراد منها تشكيل الوعي الجمعي نحو الإصلاح والكمال. ومن زاوية العقل هي عملية عقلية يقوم الكاتب فيها بتوليد الأفكار و صياغتها و تنظيمها ثم وضعها في قالب معرفي عقلي، يهدف الكاتب من خلالها لمعالجات فكرية لقضايا اجتماعية كبرى يبنى على صلاحها سعادة المجتمع. وتتسع الكتابة باتساع اي علم آخر، منها الأدبية والعلمية و الفلسفية والدينية وغيرها، وتوضع هذه الكتابة في قوالب مختلفة لعل أحدها قالب الرواية.
وهي بذا لها دورا أساسيا في زيادة الوعي ليس للقارئ فقط، بل للكاتب نفسه، فهي تصقل العقل وتنشطه وتضيف إليه قيمة مضافة تتمثل في الازدياد والاتساع المعرفي. كما أن لها دورا في تشكيل الوعي الفردي وصولا إلى الوعي الجمعي، لذا فهي ليست بالمهمة السهلة و اليسيرة كما أنها ليست بالعمل الترفي وبمقدور كل من مسكت يده القلم و ملك القرطاس، إنها لا تتوفر إلا على من تسلط على القلم. والكتابة الواعية تظل حاملة معها عناصر ديمومتها لا تموت مع تقادم الزمن أو اختلفت هوية القارئ.
والكتابة والقراءة صنفان متشابكان، فما الكتابة إلا أحد مخرجات القراءة النهمة، كما أن القراءة أحد ممكنات الكتابة الواعية. وهذا التداخل العضوي لا يمكن فصلهما بحال من الأحوال. أنت لا يمكنك أن ترى قارئا نهما ليس مشتغلا بالكتابة، كما لا يمكنك أن ترى مكثرا في الأنتاج المكتوب ما لم يكن صاحبه قارئا نهما.
من هنا ومن هذا المدخل دعني عزيزي القارىء آخذك الى شخصية علمائية تسلطت على كرسي الخطابة و تمكنت ايضا من القلم. إنه ابن الأحساء وبالتحديد ابن المبرز. إنه أستاذ البحث الخارج في الحوزة العلمية، سماحة الشيخ عبدالجليل البن سعد من مواليد عام 1391 هـ. بدأت مسيرته العلمائية عندما تاقت نفسه إلى هذا المسلك العلمائي وهو لما يزلف عتبة البلوغ )1404-1405). حط أول ما حط ابن العتبان في المسجد الجبلي، فالتقت الروح بمحبوبها. فألتحق بمجالس العلم يأنس بالأصحاب و لا يمل مجالستهم. وبين عامي ( 1406-1407) هيأ الله له من يحلق به في عالم العشق، عشق علوم آل محمد (ع)، فأشتدت اليد على اليد و التصق القلب بالقلب، فكان سماحة الحجة المرحوم أمين المقرب كالقنديل يضيء له مسالك العلم و المعرفة. يقول فضيلته في هذا الصدد " وكان من ابرز أساتذتي المربي الفاضل الألمعي الكامل الحجة المرحوم الشيخ أمين المقرب- وأنه أحد القلائل الذين ورثوني الطموح الكبير في هذا المشوار، وغرس في خصلتين التواضع والتبني" .وما أن هل هلال رجب المرجب من عام 1409 الهجرية حتى ناداه حرم أهل البيت "ع " قم المقدسة ليشد الرحال إليها "بعد حكاية طويلة مليئة بالعجائب". وبعد سبعة عشر سنة تردد خلالها إلى مجموعة من العلماء والمراجع العظام، جاءه نداء أمه الأحساء، فأقفل راجعا مبلغا و أستاذا.
تميز سماحته بكرازميته في الدرس و الخطابة، فهو إن قعد على كرسي الخطابة، شدك الى حديثه مشدود السمع و البصر خوفا أن ينسل خيط الحديث هنا او هناك، حتى أنك لا تتزحزح من مجلسك إلا بعد أن يسلمك تمام حديثه. برع سماحته في شد المستمع إلى حديثه ببراعة توظيفه للغة جسده وكأنه درس "علم لغة الجسد" فأجاد تحريك عينيه في مجلسه ويحرك يديه و أطراف أصابعه بما يتناسب وموضع الخطاب. ولا تزيد نبرة صوته و لا تقل إلا بميزان، ذاك الميزان الذي يظل معايرا بدقة إلى نهاية الحديث. فلا تراه رافعا لنبرة صوته في موضع يستلزم ان يكون هادئا، ولا هادئا في نبرة صوته إلا حيث يكون مستوجبا لذاك.
كما أجاد قلمه الكتابة العلمية التخصصية في مجال العلوم الشرعية، فأرفد المكتبة الإسلامية بعدة نتاجات كريمة وقيمة، فكان من ثمرات فكره و جميل ما خطه قلمه:
- شرح دعاء الافتتاح
- معالم ليلة القدر
- رسائل نحوية
- الشيخ بهجت كما حضرته (رؤى ورواية )
- رسالة ( فقهية) في تأخير أعمال الرغائب
- الابتعاث إلى الخارج هموم وقضايا
- شواهد الإيمان
- تأملات في دعاءالإمام الحسين عليه السلام في يوم عرفة.
- الفريدة في الضرائح الجديدة ( رسالة فقهية علمية تحقيقيه )
- هوامش تدقيقية لحديث الكساء .
-جواهر الكلم ( حوارية صريحة تتناول العلاقات الذاتية والروى النقدية الخاصة بالمشهد الثقافي بالاحساء.
- ديني ماذا يعرف عني ؟؟ توجس فتاة من ذكورية الدين
- الحوزة العلمية وسؤال التطور والتحرر
- قوى الخير وقوي الشر في القرآن الكريم
ومن مقالاته التحقيقية :
- مربع الوحدة النبوية .
- الحيدري و الطوفان في حلقاته الأربع .
- ماذا تمثل لك فاطمة الزهراء سلام الله عليها..»
- الأخرس وصلته بلذة الدعاء والمناجاة »
- الأمة بين رضا فاطمة وسخطها.»
- التدبر في القران الكريم» العلم علمان علم الأديان وعلم الأبدان»
- التآلف والتسامح في القرآن الكريم»
- عرفان السيدة زينب عليها السلام»
ولعل جل علامائنا الأفاضل رحم الله الماضين منهم وأطال الله في عمر الباقين كانت وما زالت لهم إسهاماتهم الكريمة في إعلاء كلمة الله و تبيان منزلة أهل البيت عليهم السلام ولا غرابة في ذلك لأنها ميدان براعتهم وخلاصة علومهم، ولعل بعضهم كما أجاد قلمه تـميز ايضا بالخطابة. وأنا بهذا لم آت لك بجديد، ولكن ما شدني إلى الكتابة عن سماحة الشيخ عبد الجليل البن سعد الميدان الذي تطرق إليه حديثا فكانت باكورة انتاجه الأدبي الرواية الموسومة ب " صانع العبقرية"، فأضاف سماحته أداة اخرى من أدوات التواصل الاجتماعي بالإضافة إلى كتبه التخصصية و خطاباته، طرق باب الأدب من خلال روايته البكر.وكأنه مصرا أن يقول لك سأقترب منك مهما كانت ميولك، فإن كنت ميالا للقراءة فهاهي كتبي بين يديك، وإن كنت تعيش مهجة الاستماع فدونك محاضراتي، أما هواة الأدب فدونكم " صانع العبقرية" بين أيديكم.
إنني أكبر وأثمن لسماحته هذا النتاج الأدبي، وإن كنت لم أتطرق لهذه الرواية من باب المعالجة النقدية، فأنا لست ممن يمتهنون النقد ولا يمارسونه، ولكن ما شدني هو أن يتطرق قامة علمائية بحجم سماحته هذا الباب الأدبي الذي قل من يتطرق إليه من العلماء إن لم يكن معدوما، والذي تحسب له هذه الإضافة. إن عالم الأدب يرجعنا إلى بنت الهدى رضوان الله عليها ومجموعتها الرائعة التي تلذذنا بقرائتها في سنواتنا اليافعة.
الرواية من دار روافد للطباعة و النشر سنة 1441 الهجرية الموافق لسنة 2020 الميلادية و هي في طبعتها الأولى في حجمها القصير. أتت الرواية في ثمانية عشر قصة قصيرة بالإضافة إلى الإهداء و الفهرس. عند تصفحك الرواية تأخذك القصص الواحدة تلو الأخرى بعد الإهداء.
تتفقد المقدمة فلا تراها تتقدم القصص، ولعلها سقطت من قلم سماحته من دون قصد، ولو كنا نتشوق أن ترشدنا إلى المحفزات التي أخذته إلى هذا المسلك الأدبي. إن مقدمة الرواية ضرورة، حيث أنها تضع القارىء في الجو العام للرواية و المحفز لها والهدف الذي يتحصل عليه القارىء في نهاية رحلته مع صفحاتها. إنها ملخص جاذب للرواية كاجتذاب الفراشات الملونة للنور. من هنا تمنينا من سماحته أن لا يتركنا من دون هذه المقدمة.
جاءت الرواية مطبوعة بالطابع الاجتماعي، فتجد البيت العائلي ونقاش بين الأب و ابنه وابنته -على مائدة الطعام- حول موضوع "التكليف" . يناقش فيه تعريفه و أهميتة بلغة بسيطة و شيقة. ينقلنا سماحته في قصته الأخرى ونقاش بين الشباب أنفسهم في أول درس من دروس التكليف. ففي الفصل الحادي عشر وقصة "السنابل الخضر" يستكمل النقاش حول التكليف الشرعي، ولكنه نقاش أكثر عمقا مع ثلة من الأساتذة ومجموعة من الشباب الذين التحقوا بالبرنامج. وهكذا القصة تلو القصة تعالج موضوعا اجتماعيا أخر.
في مجموعة من القصص الأخرى تندمج فيها اللغة العربية ببعض المصطلحات الإنجليزية. هذه المصطلحات الإنجليزية لم تأخذ أماكنها من الرواية اعتباطا بل وظفت توظيفا دقيقا، فهي تحكي شبابية الأبطال من جهة أولى، ولا تنس عصرنة حاضرنا المعاش الذي و بسبب العولمة أستجلبنا أشياء خارج ثقافتا و بعيدا عن الذوق العام ،وذلك على مستوى اللغة وعلى مستوى العادات الأجتماعية. القصص الأخرى تأتي في هذا الإطار العام للرواية، المناخ الاجتماعي الإيماني .
أما وسماحته طرح روايته الأولى ، هنا يأتي الدور المجتمعي للتفاعل معها على عدة أصعدة. إنني أدعو مجاميعنا الأدبية بتناول الرواية على الصعيد النقدي، فالرواية التي بين أيدينا رواية بكر وعليه فهي تحتاج إلى الدراسة النقدية لإبراز مكامن الجمال ليبنى عليها ونقاط الضعف للعمل على معالجتها. ودعوة أخرى إلى النقاد على المستوى الفردي ودراسة الرواية كوحدة متكاملة او كقصص منفردة. ودعوة أخيرة إلى متذوقي الأدب في الإشارة إلى جماليتها و العمل على تداولها أجتماعيا ليعطي المؤلف حافزا للتطور و طرح أنتاجات مماثلة تعالج ما يعاني منه المجتمع من علل تنهش في جسمه الضعيف.
الخلاصة،،،،،،،، عملية الأتصال تستوجب وجود طرفي الأتصال و مادته، فضيلة الشيخ يمثل أحد أطراف الأتصال و مادته "صانع العبقرية" وعليه يتوجب ان يتواجد الطرف الأخر و هو المجتمع حتى تؤدي الرسالة فاعليتها. ونحن هنا ندعوا الى التفاعل البناء حتى تأتي الرسالة هدفها.
جديد الموقع
- 2024-05-04 افراح الدويل و الغزال في احلى مساء بالاحساء
- 2024-05-04 عميدة اسرة العليو بالاحساء في ذمة الله تعالى
- 2024-05-04 فريق طبي في مدينة الإمامين الكاظمين (عليهما السلام) الطبية يجري عملية تثبيت وتعديل الفقرات القطنية لمريض بعمر (56) عام
- 2024-05-03 مستشفى اليرموك التعليمي يجري عملية قسطارية طارئة لمريض يعاني من احتشاء العضلة القلبية
- 2024-05-03 مستشفى الأمام علي (عليه السلام) العام في بغداد يجري عملية تداخل قسطاري طارئ لمريض يبلغ من العمر 48 عام
- 2024-05-03 "بيئة الأحساء تنفذ يوم بيئي مع جماهير نادي الفتح الرياضي"
- 2024-05-03 النجف رصاصة طائشة تصيب زائر أثناء تأدية صلاة المغرب في الصحن الحيدري
- 2024-05-03 بعد عقم دام 7 سنوات أسرة ترزق بتوأم في مستشفى كمال السامرائي
- 2024-05-03 طوارئ مستشفى الحلة التعليمي في بابل تنقذ حياة طفل تعرض إلى صعقة كهربائية
- 2024-05-03 مستشفى بعقوبة التعليمي في ديالى ينجح بإجراء عملية تطويل عظم الساق لمريض يعاني من قصر الطرف السفلي