2020/10/26 | 0 | 2369
صناعة الكتابة
الإنسان اجتماعيا بطبعه يتواصل مع أخيه الإنسان ومحيطه بعدة أدوات وأساليب. عندما كان الإنسان كان الرمز، وعند تطوره كانت اللغة وكان القلم مصاحبا له في مسيرته الإبداعية. الكتابة كما يراها "جاك لاكان" أكثر من كونها حروفا أو رموزا تستعمل للدلالة على أمر ما، بل هي الصلة الأجتماعية بأمتياز. و هي كما يراها "ابن خلدون"تستمد شرفها من شرف الإنسان نفسه لذا تراها خاصية من خواص الإنسان التي تميز بها عن الحيوان.
الكتابة لغة القلب والعقل والعلم وهي من هذه الزاوية بالنسبة للمثقف متنفس لما يختلج في مكنونة صدره وعلاج لروحه فتنقلها إلى رحاب الفضاء اللامتناهي ، يراد منها تشكيل الوعي الجمعي نحو الإصلاح والكمال. ومن زاوية العقل هي عملية عقلية يقوم الكاتب فيها بتوليد الأفكار و صياغتها و تنظيمها ثم وضعها في قالب معرفي عقلي قابلة للقراءة و الفهم.
يهدف الكاتب من خلالها لمعالجات فكرية لقضايا اجتماعية كبرى يبنى على صلاحها سعادة المجتمع وهي بذلك تضيف قيمة للمجتمع من خلال ما يكتبه الكاتب. وتتسع الكتابة باتساع اي علم آخر، منها الأدبية والعلمية و الفلسفية والدينية وغيرها، وتوضع هذه الكتابة في قوالب مختلفة كل حسب تخصصه وفنه.
وهي بذا لها دورا أساسيا في زيادة الوعي ليس للقارئ فقط، بل للكاتب نفسه، فهي تصقل العقل وتنشطه وتضيف إليه قيمة مضافة تتمثل في الازدياد والاتساع المعرفي. كما أن لها دورا في تشكيل الوعي الفردي وصولا إلى الوعي الجمعي، لذا فهي ليست بالمهمة السهلة و اليسيرة كما أنها ليست بالعمل الترفي وبمقدور كل من مسكت يده القلم و ملك القرطاس، إنها لا تتوفر إلا على من تسلط على القلم. والكتابة الواعية تظل حاملة معها عناصر ديمومتها لا تموت مع تقادم الزمن أو اختلفت هوية القارئ.
والكتابة والقراءة صنفان متشابكان، فما الكتابة إلا أحد مخرجات القراءة النهمة، كما أن القراءة أحد ممكنات الكتابة الواعية. وهذا التداخل العضوي لا يمكن فصلهما بحال من الأحوال. أنت لا يمكنك أن ترى قارئا نهما ليس مشتغلا بالكتابة، كما لا يمكنك أن ترى مكثرا في الأنتاج المكتوب ما لم يكن صاحبه قارئا نهما.
ويمكننا النظر إلى الكتابة من جهتين فكما لها غاية وظيفية تواصلية من خلال ما تنقله من فكر ومعلومات وتراث إنساني نحو الأجيال عبر الزمن من جهه،ومن جهة أخرى هي حاكيه عن الكاتب نفسه ومدى قدرته في التمكن من موضوعه. يعيش الكاتب من خلال ما كتبه عمرا أطول زمنا، فهو يعيش الأجيال القادمة كما هم يعيشوه من خلال أثاره.
ولكن متى يكتب الكاتب؟ لعل السؤال نفسه يطرح على كل مبدع لفنه. فالشاعر و الرسام لا يمكنهما أن يستشعرا اللحظة الأبداعية. فالبنسبة للكتاب يكتب عندما تتسلط عليه الفكرة و يكون أسيرها و مهووسا بها، تكون متلازمة له في حركته و سكونه لا تنفك عنه، حتى يوصلها الى يدي القارىء، هكذا نكون أمام عمل أبداعي. اما الكتابة الترفية المراد منها المتعة فأنها لا تنتج ابداعا قط.
سؤال اخر أجاب عليه المبدع عبد الله ناصر الداوود في جزأين أسماه " طقوس المبدعين" ما هي طقوس الكاتب المبدع؟ أستطاع الكاتب الكشف عن أي جو يعيشه الكاتب حتى يخرج الى النور مادته الأبداعية. الكاتب اتاح لنا معرفة كيف يصنع الأبداع.
ولمن يكتب الكاتب؟ سؤال ينفتح الى اسئلة أخرى أكثر عمقا. هل يكتب وفي ذهنه قارئ بعينه أو جماعة بعينها .. هل يكتب ليعالج نفسه من هم الفكرة المسيطرة على ذاته أم يكتب ليبرهن لنفسه القدرة على الأمساك بالقلم ،هذه الاجابات تثير تساؤلاً من نوع آخر هل الكتابة وظيفة اجتماعية يؤديها الكاتب؟ هل هي هواية يمارسها، أم هي ترف القصد منه مجرد المتعة؟ وهل يمكن ان تكون مهنة واحترافاً؟
يقول حسن مدني" لكن حين يدور الحديث عن الكاتب المحترف فمن العبث القول إنه يكتب لنفسه . إنه يكتب وفي ذهنه القارئ ، يكتب وهو يرغب في أن يقرأ آخرون ما كتبه، حتى لو كان هؤلاء الآخرون مجرد شخص واحد". أذن اننا هنا نتلكم عن الهدفية من الكتابة. الهدف هو جر القارىء او المجتمع – أي كان القارىء- الى الأيمان بالفكرة وعندها تكون الكتابة مسئولية أجتماعية وليست ترفا.
ويستمر حسن مدني ليقول "لا يجعل ذلك القارئ شريكاً في الكتابة، وإنما، أيضاً، يجعل من الكاتب نفسه قارئاً لنصه، ليتيقن أنه بلغ هدف الوصول إلى القارئ المنشود . إنه لا يكتب فقط، وإنما يقرأ بعين بصيرة ما كتبه، بل لعله "يقرأه" وهو لما يزل فكرة في ذهنه، للتحقق من أن الشراكة بين ما كتبه وبين القارئ محققة أو ممكنة". هنا نرى ان الكتابة رسالة ولا تتحقق هدفية الكتابة الأ بجودة الكاتب من حيث قدرته على الأتقان وهذه لا تتحقق الا بوجود الموهبة والمعارف والمهارات والخبرات اللازمة، ووجودة المادة المكتوبة و قدرة القارىء على فك شيفرة المادة و الأستفادة منها. وعندما تتواجد في الكتابة أحترافية الكاتب وروعة الأنتاج والقارىء الذكي، هنا نكون امام عملية قادرة على أنتاج الأبداع.
جديد الموقع
- 2024-05-04 افراح الدويل و الغزال في احلى مساء بالاحساء
- 2024-05-04 عميدة اسرة العليو بالاحساء في ذمة الله تعالى
- 2024-05-04 فريق طبي في مدينة الإمامين الكاظمين (عليهما السلام) الطبية يجري عملية تثبيت وتعديل الفقرات القطنية لمريض بعمر (56) عام
- 2024-05-03 مستشفى اليرموك التعليمي يجري عملية قسطارية طارئة لمريض يعاني من احتشاء العضلة القلبية
- 2024-05-03 مستشفى الأمام علي (عليه السلام) العام في بغداد يجري عملية تداخل قسطاري طارئ لمريض يبلغ من العمر 48 عام
- 2024-05-03 "بيئة الأحساء تنفذ يوم بيئي مع جماهير نادي الفتح الرياضي"
- 2024-05-03 النجف رصاصة طائشة تصيب زائر أثناء تأدية صلاة المغرب في الصحن الحيدري
- 2024-05-03 بعد عقم دام 7 سنوات أسرة ترزق بتوأم في مستشفى كمال السامرائي
- 2024-05-03 طوارئ مستشفى الحلة التعليمي في بابل تنقذ حياة طفل تعرض إلى صعقة كهربائية
- 2024-05-03 مستشفى بعقوبة التعليمي في ديالى ينجح بإجراء عملية تطويل عظم الساق لمريض يعاني من قصر الطرف السفلي
تعليقات
محمد ملا حسن الأصمخ
2020-10-26كتابة راقية ومتزنة واسلوب رقيق وهادئ ومترابط وله أبعاد ارجو لك التوفيق يا ابن الخالة و الاستمرار لتثري الساحة الفكرية بالافكار النيرة و الذكية وكلا المقالين في سياق واحد وارجو لك الموفقية ولنا الفخر و الاعتزاز بأمثالك ........... وشكراً لك المخلص ابن خالتك بوحسن محمد ملاحسن الاصمخ