شلل الأطفال والشعر

يمكن أن تكون الإصابة بشلل الأطفال حكمًا قاطعًا بانتهاء حياة طفل، أو ملازمته للسرير أو لمقعد متحرك مع بعض النشاط، بعيدًا عن أي دور مجتمعي. وتُعد هذه الأمور قيودًا يفرضها المرض، وقد لا يلوم أحد أي طفل مصاب به حينما يبقى منعزلًا أو متخلفًا عن رفاقه ومن هم في سنه، وألا يكون له دور يذكر.

لكن الشاعرة الفرنسية ماري كلير بانكار (ولدت عام 1932) كانت استثناءً في ذلك، حين رفضت الاستسلام لمرضها، وأن يكون دورها في الحياة مجرد الاهتمام بحياتها الشخصية. فحينما أصيبت بهذا المرض، واضطرت في طفولتها إلى ملازمة السرير خمس سنوات، عدتها فرصة ذهبية للقراءة، وبدأت بالتهام الكتب التي حولها جميعًا دون استثناء، ومن ضمنها الكتب التي كانت تسبق عمرها أو تفوق قدرتها على استيعابها. وهي تعترف بأن هذه القراءة هي التي أنقذت عقلها وجسمها. وقد انعكس هذا فيما بعد على قدراتها اللغوية، وكتابتها للشعر، الذي بدأت بنظمه عندما كانت في الرابعة عشرة من عمرها، كما قالت.

ولم تقتصر قراءاتها على الأدب الفرنسي أو الغربي، بل كانت منفتحة للغاية على الأدب العربي، فقرأت كثيرًا من الأعمال الأدبية، التاريخية والمعاصرة، كما أبدت إعجابًا بالقصيدة العربية.

لكن المدهش في حكاية الشاعرة ماري هو في نصوصها التي لم تتضمن أي شكاوى أو سوداوية أو أي أحكام سلبية على الحياة، بل كانت مفعمة بشحنات نضالية ضد الرضوخ والاستسلام. ورغم أنها ركزت على الشعر فإن لها مساهمات في مجالي الرواية والنقد أيضًا.

وقد تمكنت هذه الشاعرة من إصدار أكثر من 20 كتابًا ومجموعة شعرية، كان منها: لكن، توليفة، أن نسكن الملح، وجهكم حتى العظم، استكشاف المريب، نباتيات، حياة عنيفة، أثر الحيّ، ذرة، مشاريع متتالية، أيادٍ منحلّة، الذاكرة الملغاة، أوبرا الحدود، المحجوب/ المكشوف، صحبة الموت، حيّ ليمون بين الأسنان، عموديّات سرّ.

تميز شعرها بدرجة من الدقة والبساطة، بل إنها تدعو دائما إلى الاقتضاب في الكتابة ولا ترى حاجة للكتابة الغزيرة من أجل إيضاح مكنونات الأمور. وقد حصلت هذه الشاعرة على جائزة ماكس جاكوب للشعر عام 1979، وجائزة النقد عن بحثها (نهاية قرن شرهة).

* كنت دائمًا وحيدًا، أقضي الوقت كله في بيتي أقرأ ثم أقرأ. لقد أعانتني القراءة وكانت مصدر ملذاتي. فيودور دوستويفسكي