2021/03/08 | 0 | 2589
شعاع روح
إن الله خلق الأنسان وكرمه بأن أسبغ عليه نعمة العقل ، مركز التفكير والإبداع ، وأوكل إليه مسؤولية إعمار هذه الأرض . وهذا الإعمار يتعدى الفهم القاصر على ما ألفناه من حرث وبناء ، بل يتعداه إلى ما هو أسمى من ذلك ، وهو إعمار الروح والعقل . والسمو هنا هو نتاج سمو الروح والعقل الذي به ميز الله الإنسان عن بقية مخلوقاته .
الكل مخلوق بعقل يفكر به ، وقلة هم أولئك الذين يولدون بعقل لا ليفكروا به ، بل ليبدعوا به . وليكون هذا الإبداع سمة مميزة لأولئك الذين أثروا الحياة بالعطاء الذي لا ينضب . ولعل السؤال هنا عن ماهية الإبداع ؟
الإبداع حالة استثنائية تتلبس قلة من الناس يسمون بالمبدعين ، ولهم القدرة على التفكير خارج أطر الزمان والمكان . وبفعل هذه القدرة الاستثنائية تتكون لديهم القدرة على النظر بعيدا ، بعدا يتجاوز الأشخاص العاديين من حيث الفعل وردة الفعل . ولك أن تقول إن شئت بأن المبدع : هو ذاك الذي له القدرة على إدراك العالم بعقل فريد يمكنه من الإدراك الأوسع للبيئة المحيطة ولابتكار أنماط خفية ، وإنشاء روابط بين الظواهر التي قد تبدو للوهلة الأولى بأنها غير متصلة ، كل ذلك لتتحصل على عمل إبداعي لا يمكن أن يتخيله العاديون ، لا على حدود التصور ولا على حدود الفعل . هذا النتاج الإبداعي يعتبر إضافة للمجتمعات الإنسانية حيث يضعها في خطوط متقدمة في ترتيب المجتمعات البشرية الناهضة أو يختصر الكثير من السنوات الضوئية لإسعاد البشرية . ولا يقتصر هذا الإبداع على حقل من حقول المعرفة ، ولعل المبدع يمتلك مخزونا معرفيا في أكثر من حقل معرفي ، وفي هذا تتجلى آيات الإبداع .
بعد أن أدركنا القيمة الإنسانية للمبدع ، لنا أن نتساءل : ما موقف المجتمعات من هذه الثلة التي أثرت وما زالت تعيش المجتمعات أثارها على المستويات المعرفية المتعددة ؟. ولعل الجواب على شفاه الكثيرين هو : التكريم.
التكريم من المعاني السامية التي تقاس بها المجتمعات الحية على مستوى تقدمها الإنساني ، وهو ظاهرة ثقافية وسلوك حضاري لا تخلو منه معظم المجتمعات ، رغبة في ترسيخ القيم الاجتماعية العليا . وتكمن جمالية التكريم بأنه يحافظ على التوازن الفكري والنفسي للنخب بكافة أنماطهم ، فهو من ناحية يشعر المبدع بالفخر و الغبطة والامتنان ، ومن الجانب الآخر هو رسالة تحفيز مبطنة للسائرين على خطى الإبداع ، والجنبة الأخيرة هو شهادة حياة للمجتمع ، إذ أن المجتمع الذي يتجاهل إبداعات أبنائه يستحق وصفه بالميت .
الكل متفق على أن التكريم يتجلى سموا ورفعة إن كان في حياة المبدع ، لما له من الانعكاسات النفسية الإيجابية على الشخصية المبدعة ، ومحفزة له على ممارسة الفعل الإبداعي بإخلاص وحب وتفان . وكما كان الجميع متفقا على التكريم في حياة المبدع ، لا نرى هذا الجمع متفقا على جدوى التكريم بعد الممات.
تقف المجتمعات أو قل الثلة المثقفة والمبدعة على مفترق طرق عند مبدأ التكريم بعد الممات . فهناك من يصطف في طابور المؤيدين ، وهناك من يصطف في طابور المعارضين . بل ويذهب المعارضون إلى أبعد من الرفض ، ويتعداه إلى جلد الذات وأن يطلق عليه بـ (التكريم القاسي) أو التكريم (بعد فوات الأوان).
في حقيقة الأمر، أن التكريم في حياة المبدع ليس أقل من التكريم بعد عروج الروح إلى بارئها. إذ أن الروح وإن غابت عن أعيننا إلا أنها تعيش لحظات التكريم والبهجة والاحتفاء. ومن جنبة أخرى ، أن التكريم بعد عروج الروح هو تكريم لذواتنا أولا ، واحترام لعقولنا ، إذ أننا لم نربط علاقتنا مع المبدعين بتواجد هذا الجسد الترابي ، بل ذهبنا بعيدا ، ذهبنا إلى تكريم الروح التي لا تذبل ولا تغادر ولا تخبو . إن التكريم بعد الموت عنوان للارتباط مع القيمة الأسمى في الإنسان وهي "روحه المبدعة والخلاقة". فما الجسد وإن تواجد على هذه البسيطة إن لم تمتلك روحا معطاءة ومبدعة وجاذبة بشيء.
ختاما،،، إلى أرواح مبدعينا العظماء الذين أضافوا إلى حياتنا جميع ألوان الجمال على مستوياته المتعددة ، نقول وبصوت جهوري " : وإن غادرتنا أجسادكم تظل أرواحكم ملهمة لنا ، وأينما يممنا وجوهنا سنرى آثاركم أدبا وشعرا وفنا وتشكيلا فتثير فينا مكامن الإبداع ، فلأرواحكم التحية والسلام .
جديد الموقع
- 2024-05-04 بيت الشعر في الفجيرة ينعى الأمير بدر بن عبد المحسن
- 2024-05-04 الأمير سلطان بن سلمان : الأمير بدر بن عبدالمحسن ترك ارثاً لا يمكن أن يحمى مهما طال الزمن
- 2024-05-04 افراح الدويل و الغزال في احلى مساء بالاحساء
- 2024-05-04 عميدة اسرة العليو بالاحساء في ذمة الله تعالى
- 2024-05-04 فريق طبي في مدينة الإمامين الكاظمين (عليهما السلام) الطبية يجري عملية تثبيت وتعديل الفقرات القطنية لمريض بعمر (56) عام
- 2024-05-03 مستشفى اليرموك التعليمي يجري عملية قسطارية طارئة لمريض يعاني من احتشاء العضلة القلبية
- 2024-05-03 مستشفى الأمام علي (عليه السلام) العام في بغداد يجري عملية تداخل قسطاري طارئ لمريض يبلغ من العمر 48 عام
- 2024-05-03 "بيئة الأحساء تنفذ يوم بيئي مع جماهير نادي الفتح الرياضي"
- 2024-05-03 النجف رصاصة طائشة تصيب زائر أثناء تأدية صلاة المغرب في الصحن الحيدري
- 2024-05-03 بعد عقم دام 7 سنوات أسرة ترزق بتوأم في مستشفى كمال السامرائي