2022/08/27 | 0 | 1456
شاهد ما شفش حاجة
يولد الإنسان في أيّ مجتمع حرًّا مجرَّد من كلِّ انتماء وتبدأ معه مرحلة تشكّل الأفكار والتي تكون بطابعها البدائيّ تلقينيه من مورثات ذلك المجتمع وعاداته وتقاليده. هذه البداية تمثل النواة المتشكلة في عقله اللَّاواعي فتبدو له من الوهلة الأولى من البديهيَّات وبما أنَّ المجتمع يمارسها فهي منطقية وعقلانية . ينمو الفرد في ذلك المجتمع وتبدأ ابعاده بالتشكل فيصبح لا يرى إلا ما هو داخل ذلك العقل الجمعي ، وتتبادر لذهنه الكثير من الأسئلة بعقله الواعي فيمنعه دافع الخوف الذي يردع المتمرّدين على أيّ معلومة تأتي من خارج الصندوق . يكبر في ذلك الجو فتصبح التَّعاليم التي كان عقله الواعي يعارضها لتصبح جزءًا منه يدافع عنها بشتى الطُّرق لأنَّ عقله تحوَّل ببساطه لعقل مُنفعل .
يميل الإنسان للتَّصنيف وتستهويه فكرة نحن وهم، فهو يرى فيمن يشبهونه مكان الأمان ومن يختلف معه مكان الخطر، ولذلك ينطلق في حكمه على الآخرين وفق ذلك التَّصنيف وعليه يعيد ترتيب قراراته ومواقفه. مع مرور الوقت تزداد هالة الوهم حول أفكاره المتوارثة وتبدأ التَّصوُّرات في المبالغة وتأخذ قالبًا طقوسيًّا في بعض الأحيان لتستقرَّ في الوجدان وتكون أبعد ما يكون عن المنطقيَّة والعقلانيَّة .
أَجرى العالمان دانينغ وكورجر دراسة حول ثقة الإنسان ومعلوماته وتوصَّلوا إِلى أنَّ الجاهل أكثر شخص واثق بنفسه ومعلوماته فكلما زاد الجهل زادت الثقة وكلما زادت المعرفة قلَّت تلك الثقة، ولذلك تجد المنشغلون في حقول العلم يتواضعون أمام المعلومات التي يقدمونها مدركين بأنَّ تلك المعلومات تمر بمراحل من وضع الفرضيَّة ومعالجتها من كافَّة الأَوجه حتَّى تستقر كمعلومة موثوقة ، وكما يقول برتراند راسل " مشْكلة العالم أنَّ الحمقى والمتعصّبين هم واثقون من أنفسهم دائمًا وأحكم النَّاس تملؤهم الشُّكوك " .
الجاهل يرى من زاوية أحاديَّة وتجده واثقًا ومتعصِّبًا لأفكاره ، ونتيجة ثقته المفرطة يقع في مشكلة عدم إدراكه لجهله، ولذلك المعلومات التي لا تتطابق مع زاوية رؤيته يقابلها بالرَّفض لأنَّ ما يحمله من أفكار صورة مطابقة له أو هويَّة يحملها معه ولذلك يواجه صعوبة في تقبّل الآخر وكي ينزاح لمنطقة الأمان يصنّف الآخر بأنه مهرطق وزنديق .
يعاني الجاهل من وهم التَّفوُّق فهو العارف الملم، ولأن جلَّ معلوماته المتوارثة لم يكن شاهدًا عليها وتسربت إليه من " ألولوه " فهو في حقيقة الأمر غير قادر على التَّقييم لتلك المعلومة وخاصَّة بعدما غطَّاها برداء الحصانة الواهمة ضدَّ الشَّك .
زيادة منسوب الوعي والمرونة في تعاطينا مع المعلومات المتوارثة وقدرتنا على مراجعتها والوقوف على الأخطاء والممارسات التي تراكمت عبر العصور تجعلنا أكثر انفتاحًا على الآخر، متقبّلين لفكرة التنوع وأنَّ الحياة لا يمكن أن ترى بزاوية أحاديَّة .
جديد الموقع
- 2024-05-18 إيماءات الأطفال، وماذا تعني
- 2024-05-18 أفراح سادة آل سلمان "الكاظم "و العلي " تهانينا
- 2024-05-18 الشاعران بيلا والحرز في منتجع ماربيا
- 2024-05-18 قاسم العبدالسلام عريسا في الدانة البيضاء بالاحساء
- 2024-05-18 التمار والحسان تحتفل بزواج ابنيها " علي وحيدر "
- 2024-05-18 قطوف دانية من كلام الإمام الرضا (عليه السلام)
- 2024-05-18 مشهد الطروبة "في ذكرى مولد المولى أبو الحسن علي بن موسى الرضا عليه السلام"
- 2024-05-17 (نادي ابن عساكر) يستضيف الباحث (المطلق) في فعالية (الآراء التاريخية الشاذة)
- 2024-05-17 أفراح الجزيري تهانينا
- 2024-05-17 الكتاب الذي ينسيك أنك تقرأ
تعليقات
عبدالمحسن علي الحسين
2022-08-28مقالة رائعة وجميلة. يا ليت هؤلاء المتمردون على الموروث أن يتبعوا توصية العالمان دانينغ وكورجر في تقديم المعلومات بمراحل من وضع الفرضية ومعالجتها من كافة الأوجه حتى تستقر كمعلومة موثوق بها تفرض نفسها بسلاسة بعدما تم التأكد من أنها حقيقة لا تقبل الشك بعيدا عن أسلوب التصادم والتسفيه والنقد الجارح. حين يكون التمرد من أجل التمرد بإسلوب ساذج وساخر من الموروث دون علم ودراية بمصادر ومنشأ هذا الموروث فقط من باب خالف تعرف والهدف الأسمى عندهم الشهرة والظهور فقط فهنا تكمن المصيبة. إن من يريد نشر الوعي لابد له من التواضع والنزول أحيانا إلى مستوى عقل الجاهل لمخاطبته باللغة التي يفهمها ويدركها، حينما أراد الفيلسوف سقراط أن ينشر العلم في مجتمعه ويرقى بهم من الجهل إلى المعرفة تظاهر بالجهل فكان يطرح السؤال على بعض قومه بصفته جاهل يريد أن يتعلم منهم ويناقشهم بإسلوب علمي متواضع حتى يكتشف الجاهل جهله بذاته ويقتنع بالمعلومة التي يقدمها له سقراط وإن ما كان يعتقده هو الخطأ. هكذا نشر سقراط الثقافة والعلم في قومه. وفي قصة عن الإمامين الحسن والحسين عليهما السلام حينما رأيا رجل مسن يتوضأ خطأ، لم ينهراه ولم يقولا له أن وضوءك خطأ وأنت في هذا السن ولا تحسن الوضوء بل تظاهرا بأنهما مختلفان في صحة الوضوء وطلبا منه أن يحكم بينهما، فتوضئا أمامه ولم يجد إختلاف بينهما فقال لهما جزاكما الله خيرا أنتما تحسنان الوضوء أفضل مني، فعلما الرجل الوضوء دون خدش لمشاعر الرجل أو إحراج له، هكذا هي أخلاق المصلحين والدعاة والأنبياء والرسل. المتمرد على الموروث الذي يريد أن ينشر أفكاره وتمرده بأخلاق ساذجة محتقرا الموروث وقيمه ومبادئه بطريقة تصادمية وإن كان فكره وتمرده على حق يخلق نوعا من التشويش والبلبلة والصراع الفكري بين المجتمع فليس هناك اسلوبا للدعوة أفضل من أسلوب الحكمة والموعظة الحسنة. قال الله سبحانه وتعالى في محكم كتابه العزيز (ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ). عبدالمحسن الحسين