2021/09/17 | 0 | 1733
زيارة الأربعين بين التاريخ والاستحباب والشعائر
سأذكر في هذا المقال المختصر موضوعات متفرقة تخص زيارة الأربعين ذات الحضور المكثف لدى الشيعة الإمامية من ناحية تاريخية ومن ناحية إستحبابية, وسوف أتطرق لكل موضوعة من موضوعات الأربعين, ثم أذكر النصوص بخصوصها, وبعض المقدمات الاستدلالية, ثم النتائج التي توصلتُ إليها حسب البحث.
١.هل عاد حرمُ الحسين إلى كربلاء بعد خروجهم من الشام وقبل وصولهم إلى المدينة؟
نحن نملك في هذه المفردة نصًا روائيًا واحدًا فقط رغم أنه مبكر, إنه نص الشيخ الصدوق المتوفى عام ٣٨١هـ في أماليه (أمالي الصدوق) عن فاطمة بنت علي تقول فيه: ولم يُرفع ببيت المقدس حجر عن وجه الأرض إلا وجد تحته دم عبيط, وأبصر الناس الشمس على الحيطان حمراء كأنه الملاحف المعصرة, إلى أن خرج علي بن الحسين بالنسوة ورد رأس الحسين إلى كربلاء.
ونجدُ نصاً تاريخيًا جغرافيًا للفلكي المعروف أبو الريحان البيروني المتوفى عام ٤٤٢هـ في كتابه الآثار الخالية يذكر فيه: في العشرين منه - أي صفر- رُد رأس الحسين, وفيه زيارة الأربعين وهم حرمه بعد انصرافهم من الشام.
وورد من النصوص عن السيد ابن طاووس في كتابه الملهوف على قتلى الطفوف وابن نما الحلي في كتابه مثير الأحزان و محمد بن أبي طالب في كتاب تسلية المجالس أنه:لما رجع نساء الحسين وعياله من الشام وبلغوا إلى العراق, قالوا للدليل: مُرَّ بنا على طريق كربلاء, فوصلوا إلى موضع المصرع, فوجدوا جابر بن عبدالله الأنصاري رحمه الله وجماعة من بني هاشم ورجالاً من آل الرسول, وقد وردوا لزيارة قبر الحسين فوافوا في وقت واحد, وتلاقوا بالحزن واللطم وأقاموا المآتم المقرحة للأكباد, واجتمعت إليهم نساء ذلك السواد وأقاموا على ذلك أياماً.(النص من الملهوف)
فإشارة إلى النصوص أعلاه يكون رجوع الحرم في الأربعين راجح, ولكن لا نستطيع الجزم بالرجوع لأن مثل الشيخ المفيد (ت ٤١٣) في ارشاده لم يذكر من ذلك شيئًا رغم مسيس الحاجة لذكره في موضوعه, ولم يذكره كذلك الشيخ الطوسي (ت ٤٦٠) أبدًا عندما ذكر زيارة جابر في الأربعين، وحصر مناسبة الأربعين بمقدم جابر إلى كربلاء، ولم يذكره العلامة الحلي ولا الشيخ الكفعمي عند ذكرهما لزيارة جابر.
ونفاه مستبعدًا إياه الميرزا النوري والشيخ عباس القمي والشيخ مرتضى المطهري.
لذلك الراجح حسب البحث والنظر -أن حرم الحسين عادوا إلى كربلاء بعد خروجهم من الشام قبل وصولهم إلى المدينة وأنهم التقوا بجابر بن عبد الله الأنصاري- رجوحًا معتبرًا لا جزمًا قاطعًا .
٢.هل عادوا إلى كربلاء في العشرين من شهر صفر؟
رجوع حرم الحسين إلى كربلاء ذكره السيد ابن طاووس في كتابه الملهوف, ولكنه لم يحدده في العشرين من صفر, وقد نفى ابن طاووس في كتابه المصباح العودة في العشرين من شهر صفر, واستبعده حسابيًا، وأقره أبو الريحان البيروني كما مر أعلاه، واستبعده في خصوص العشرين من صفر الشيخ المجلسي في بحار الأنوار - رغم إقراره بشهرته بين الشيعة- ونفاه آغا الدربندي في كتابه أسرار الشهادات, وقال القاضي أبوحنيفة النعمان المغربي في كتابه شرح الأخبار: أجلسهن –يعني يزيد- في منزل لا يكنهن من برد ولا حر فأقاموا فيه شهرًا ونصف حتى تقشرت وجوههن من حر الشمس ثم أطلقهن. وكلام القاضي يفيد أن مكوث الحرم في الشام استمر إلى ما بعد العشرين من شهر صفر.
فنحن لا نملك نصًا تاريخيًا يحدد عودتهم في العشرين من صفر إلا نص العالم الفلكي البيروني السالف، وكذلك استنادًا إلى الشهرة المتداولة بين الشيعة منذ بضعة قرون, وهي شهرة ذكرها محمد الأندلسي القرطبي (ت 671ه) في كتابه التذكرة بأحوال الموتى والآخرة حيث قال: والإمامية تقول: أن الرأس أُعيد إلى الجثة بكربلاء بعد أربعين يومًا من المقتل, وهو يوم معروف عندهم يسمون الزيارة فيه زيارة الأربعين, وذكر هذه الشهرة لدى الشيعة كذلك الشيخ المجلسي في البحار وإن لم يوافقها, وغريب أن تخفى هذه الشهرة على أعلام الإمامية مثل الشيخين المفيد والطوسي فيهملاها ولا يذكراها, أو أنها حدثت بعد عصرهما.
وأما الجزم بالنفي لأن حساب الزمن والمسافة لا يساعدان فقد رد ذلك الشهيد القاضي الطباطبائي بكلام طويل لا يخلو من شيءٍ من القوة والمنطق .
ولذلك رجوعهم يبدو لَدينا- ظنًا لم يصل إلى مرحلة العلم والترجيح - كان في العشرين من صفر، وعندي أن من نفى الرجوع في الأربعين لا يملك دليلًا جازمًا للنفي.
٣.هل قدم جابر بن عبدالله الأنصاري مع عطية العوفي لزيارة الحسين في العشرين من شهر صفر؟
قدوم جابر بن عبدالله الأنصاري لزيارة قبر الحسين في العشرين من شهر صفر ذكرته النصوص الشيعية المتواترة المتكاثرة من القرون المتقدمة والمتوسطة والمتأخرة، فقد ذكره الشيخ المفيد في المزار الكبير, وذكره الشيخ الطوسي في أكثر من كتاب، وذكر قصته أبوطالب الزيدي في أماليه, وأمالي أبي طالب الزيدي هو أول مصدر يذكر قصة زيارة جابر بصحبة عطية مفصلة ولكن دون تخصيصها بالعشرين من شهر صفر, وعنه نقل الخوارزمي في مقتل الحسين والطبري الشيعي في بشارة المصطفى وابن نما الحلي في مثير الأحزان وابن طاووس في الملهوف كما مر, والشيخ المجلسي في بحاره وجعلها علة زيارة الاربعين لا رجوع الحرم.
قال الشيخان المفيد والطوسي: وفي العشرين منه كان رجوع حرم سيدنا أبي عبدالله من الشام إلى المدينة وهو اليوم الذي ورد فيه جابر من المدينة إلى كربلاء لزيارة الحسين.
وأما من شكك في كفاية الزمن لقدوم جابر, فلعله كان في الكوفة لا المدينة, وفي الخبر الثابت أن جابر عندما زار الحسين مع عطية العوفي عاد إلى الكوفة دون أن يلقى الامام زين العابدين كما سيأتي .
وعليه حسب التقصي يعتبر قدوم جابر بن عبدالله الأنصاري مع عطية العوفي في العشرين من صفر لزيارة الحسين بالزيارة الأربعينية المعروفة ثابت حسب النصوص المعتبرة الواردة .
٤.هل لزيارة الحسين في الأربعين خاصة فضل؟ وهل ورد في الروايات حث على زيارته في العشرين من شهر صفر؟
ورد ذكر زيارة الأربعين في الرواية المرسلة بلا أي سند, ولكنها مشهورة عن الامام الحسن العسكري, التي ذكرها الشيخ الطوسي في كتابيه المصباح وتهذيب الأحكام بلفظ يختلف قليلًا عن اللفظ المشهور فقال: رُوي عن أبي محمد الحسن العسكري (ع) أنه قال علامات المؤمن خمس : صلاة الخمسين وزيارة الأربعين والتختم في اليمين وتعفير الجبين والجهر ببسم الله الرحمن الرحيم. وتوجيهها بزيارة أربعين مؤمنًا فيه تكلف.
ووردت الرواية في كتاب الشيخ المفيد كتاب المزار مناسك المزار بلفظ صلاة الاحدى والخمسين وزيارة الأربعين ... الرواية, وكذلك جاءت في مصباح ابن طاووس والمزار للمشهدي و بحار الأنوار المجلسي وغيرها .
ونجد نص زيارة الأربعين لجابر بن عبدالله الواردة في كتاب المصباح لابن طاووس وهي رواية مرسلة بلا سند, وعنه نقلها المجلسي في البحار, وهي ذات الرواية التي نقلها الشيخ المفيد في مزاره مرسلة أيضًا وغير منسوبة لجابر, ولكنه ذكرها على أنها زيارة ليلة النصف من رجب, لا زيارة الأربعين وسماها زيارة الغفيلة .
وهناك الزيارة الاخرى المروية عن الامام الصادق في زيارة الأربعين : تزور عند ارتفاع الشمس وتقول ...الرواية
وقد ذكرها الشيخ الطوسي في تهذيب الأحكام وفي المصباح بسند متصل, فيه في البداية (عن بعض أصحابنا)، وأوردها المفيد مرسلة دون أي سند ،وعن الطوسي نقلها المجلسي والكفعمي وابن المشهدي وابن طاووس .
أقول ولكن بعد هذا نجد مثل الشيخ ابن قولويه (ت ٣٦٨ه) والذي جمع كل شاردة وواردة من رواية وخبر تتعلق بفضل زيارة الحسين ومواسمه وأيامه, بشكل مفصل قَلَّ نظيره, وذلك في كتابه المسمى بــ(كامل الزيارات), واسمه يكفي في أنه كامل شامل، وهو من المتقدمين السابقين للشيخين المفيد والطوسي, ومع ذلك لم يذكر ابن قولويه زيارة الأربعين, ولا نجد لفضلها أثرًا في كتابه، فهل تخفى على مثله؟ لا أدري ولكنه غريب جدًا ومستبعد.
وقد ذكر ابن قولويه فضل وثواب زيارة الحسين في يوم عرفة - بما لا يقارن بالأربعين وبغيرها- وكذلك فضل زيارة عاشوراء والنصف من شعبان ورجب, وفي غير يوم عيد ولا عرفة، ولم يذكر في فضل الأربعين شيئًا!
لذلك أقول أن فضل زيارة الحسين في الأربعين خاصة إذا استقرأنا الروايات وسبرنا الأحاديث الواردة عن أهل البيت, نجده وارد وراجح, ولكنه لم يصل إلى مرحلة القطع التام, كالقطع في استحبابه في مواسم اخرى مذكورة.
٥.تفاصيل لقاء جابر بن عبدالله الأنصاري مع الامام زين العابدين حسب القصة التي تُذكر على المنابر هل هي صحيحة؟
هذا التفصيل في اللقاء الذي نسمعه من على المنابر لا أصل له ولا مصدر الا كتب المعاصرين, وأول من ذكره حسب التتبع هو الشيخ محمد مهدي المازندراني المتوفى ١٣٥٨هـ في كتابه معالي السبطين, حيث قال فيه: وفي بعض كتب المقاتل ثم سرد القصة دون تسمية ولا ذكر لمصدره، وذكر القصة أيضا السيد محسن الأمين المتوفى عام ١٣٧١هـ في كتابيه أعيان الشيعة ولواعج الأشجان وبلا مصدر، والغريب أن السيد ينتقد من يورد أخبارًا بلا مصادر ثم هو نفسه يفعل ذلك .
إذن تفاصيل لقاء جابر بن عبدالله الأنصاري بالامام زين العابدين - وليس أصل اللقاء, لأن أصل اللقاء مذكور في بعض المصادر- في القصة المقروءة على المنابر في الأربعين من بعد قول الراوي: واذا بسواد من ناحية الكوفة فقال جابر لعطية انظر ... فإن كانوا من أصحاب عبيد الله بن زياد لعلنا نلجأ إلى ملجأ, وإن كان سيدي ومولاي زين العابدين فأنت حر لوجه الله - ولم يكن عطية العوفي عبد رق أساسًا - وقيل اسم رفيق جابر عطا كما عند ابن طاووس, أقول هذا التفصيل في اللقاء بين جابر والإمام لا أصل له ولا مصدر لا معتبر ولا ضعيف.
٦. هل تعظيم الأربعين تعظيمًا زائدًا فوق استحباب الزيارة, وشعائر المشي بقصد الاستحباب الزماني للمشي له أصل في الروايات الواردة والواصلة إلينا؟
عند استقراء الروايات الواصلة إلينا عن أهل البيت لا نجد نصوصًا روائية تحث الشيعة على زيارة الحسين مشيًا على الأقدام في خصوص زيارة الاربعين, ولا توجد عندنا من الروايات في فضل زيارة الأربعين خاصة ماشيًا أو راكبًا بمقدار روايات فضل زيارته في عرفة أو في عاشوراء أو في النصف من شهر رجب - ولزيارة النصف من رجب فضل غفل الناس عنه ، لذلك قال المجلسي تُسمى الغفيلة لغفلة عامة الناس عن فضلها وحرمانهم منها - ولا مثل فضل زيارة النصف من شعبان, أو ليالي القدر أو العيد في كتب الأعلام الذين كتبوا مثل ابن قولويه والشيخين المفيد والطوسي والسيد ابن طاووس وابن المشهدي والكفعمي والمجلسي وغيرهم .
نعم فضل زيارة الأربعين كان معروفًا منذ أيام الشيخ الطوسي على الأقل - في القرن الرابع أو الخامس الهجري- ولكن لم يأخذ زخمًا كبيرًا موسميًا, و يكون يومًا مشهودًا للزيارة إلا متأخرًا حسب تتبع نصوص التاريخ.
وأما اشتداد طقوس المشي فبدأت بأفراد يمشون لزيارته في الاربعين قبل حوالي قرن ونصف مع الميرزا النوري صاحب المستدرك, والذي توفي بعد أكله في -طريق زيارة الاربعين- طعامًا مضى عليه أيام فتسمم وتوفي بعدها, ثم ازدادت الجموع السائرة مشيًا نهاية القرن الرابع عشر الهجري واصطدمت مع سلطة البعث فبدأ بقمعهم .
ثم انفجرت بعد سقوط النظام البعثي في العراق انفجارًا عظيمًا, بعد حرمان منها مارسه النظام خلال فترة حكمه على الزائرين، ولم تزل الجموع الزاحفة تزداد عامًا بعد عام حتى غدت في السنين الأخيرة من أعظم تجمعات البشر على وجه البسيطة.
إذن تعظيم زيارة الأربعين تعظيمًا زائدًا فوق استحباب الزيارة، وطقسنتها وشعائر المشي فيها خاصة بقصد الاستحباب الزماني للمشي, لا أصل له إلا من باب الزيارة الحسينية العامة المستحبة، والوارد استحباب المشي إليه عمومًا في أي وقت دون اختصاص ذلك بزمن الأربعين في العشرين من شهر صفر.
وصلى الله على محمد وآله الطاهرين و أصحابه المنتجبين
جديد الموقع
- 2024-04-20 افراح المبارك والموسى تهانينا
- 2024-04-20 مركز بر حي الملك فهد يقيم احتفالا للمتطوعين بعيد الفطر ١٤٤٥
- 2024-04-19 البدر توقع كتابها سُمُّكِ ترياقي
- 2024-04-19 مكتبات من بشر
- 2024-04-19 المدة والملكية والترجمة وسائل لاستغلال مؤلفي الكتب
- 2024-04-19 أفراح البخيتان بالمطيرفي تهانينا
- 2024-04-18 مكتبات ليست للقراءة فقط
- 2024-04-18 الخميس: رغبتنا صعود لدوري الكبار
- 2024-04-18 "ختام ملتقى موعود مع انطلوجيا القصة القصيرة السعودية"
- 2024-04-18 بر الفيصلية يقيم حفل معايدة لمنسوبيه .