2019/11/30 | 0 | 5052
ذكرى المولد النبوي
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، وعلى أهل بيته الطيبين الطاهرين. واللعنة الدائمة على أعدائهم أعداء الدين.
﴿رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي ~ وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي ~ وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِن لِسَانِي ~ يَفْقَهُوا قَوْلِي﴾. [طه: 25 ـ 28].
نبارك لكم أيها الإخوة المؤمنون هذه الجمعة المباركة، ذكرى ميلاد رسول الله (ص) وكذلك نبارك لكم ذكرى ميلاد الإمام جعفر بن محمد الصادق (ع) التي تصادف السابع عشر من شهر ربيع الأول.
قال سبحانه وتعالى: ﴿لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُوْلِ اللهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللهَ وَالْيَوْمَ الآخِرَ وَذَكَرَ اللهَ كَثِيِرَاً﴾. [الأحزاب: 21].
هذه الآية الشريفة من سورة الأحزاب، تتحدث عن رسول الله (ص) وبالتحديد عن جانب من جوانب شخصيته، وهو كونه أسوة وقدوة. فالنبي (ص) كله كمال، وهو منتهى الكمال البشري، فلهذا نزل القرآن يطلب منا أن نتأسى برسول الله (ص).
والأسوة تعني الاتّباع والاقتداء، أي أنه تعالى طلب منا أن نقتدي بهذه الشخصية. وقد تكررت مفردة الأسوة في القرآن الكريم في موضعين : الأول في خصوص نبي الله إبراهيم (ع) والآخر برسول الله (ص) في الآية السابقة التي تلوناها. وقد جاءت في إبراهيم (ع) في شأن براءته من المشركين، فطلبت من الأتباع والمريدين أن يقتدوا بنبي الله إبراهيم في البراءة من المشركين. وأما الثاني في رسول الله (ص) فجاءت بخصوص ثباته ووقوفه في وجه الأعداء. أي أن الآية الشريفة أرادت الاقتداء برسول الله في هذا الشأن على وجه الخصوص، أي الوقوف في وجه الأعداء والإصرار على هذا الشأن. صحيح أن النبي (ص) أسوة مطلقة، إلا أنها في هذا الموضع أرادت هذا المعنى بالخصوص.
إن الأسوة من الأمور الملازمة للإنسان منذ وجوده، فهو مفطور على الأسوة، ومن الطبيعي للإنسان الذي يولد في هذه الدنيا أن يتأسى قبل كل شيء بأبويه، فإذا كان الأب والأم صالحَين، فمن الطبيعي أن يكون قد تأسى بالصالح، وغالباً ما يكون صالحاً، لأنه مقلد لحركات وسلوك والديه، صحيحاً كان أم سقيماً. فالقدوة والأسوة لا تعني الصحة على الإطلاق، فهناك من يقتدي بالصحيح وهناك من يتأسى بالسقيم.
فأنت تلاحظ بعض الأطفال يكذب، فلربما كان سبب ذلك الأبوين، فهو يقلد أبوين كاذبين أو أحدهما. وهذه أسوة في الجانب السلبي، وهو منهيّ عنه. وهناك أسوة في الجانب الإيجابي، وهو المطلوب.
لقد ولد رسول الله (ص) في فترة كان المجتمع المكي غارقاً في الضلالات والانحرافات والابتعاد عن القيم الإنسانية. في هذا الجو الصاخب المنحرف ولد رسول الله (ص). وعندما نلحظ هذه الحيثية، وهي ولادته ونشأته في جو منحرف متردٍّ، ثم تحويله إلى مجتمع آخر، بتغييره جذرياً ندرك ما كان عليه من عظمة، وماذا عمل لكي يتمكن من إحداث هذا التغيير.
فهذا الانتشال من الظلمات إلى النور الذي تمكّن منه رسول الله (ص) وذلك التحول الذي حدث بجهده وجهاده، لم يكن ليحصل لولا عظمة رسول الله (ص).
ولد رسول الله (ص) في ذلك المجتمع يتيماً، إذ فَقَدَ أباه وهو في بطن أمه، وهذا بحد ذاته مؤشر على عظمته، فعادةً ما يُعاني اليتيم من شظف العيش ووطأة اليُتْم، فلا يستطيع التحرك في الوسط الاجتماعي، ويكون مشغولاً بنفسه.
فالنبي الأعظم (ص) جاء إلى الدنيا وهو يتيم، فاقد الأب، وذلك في السابع عشر من ربيع الأول من عام الفيل. وهو عام 570 للميلاد، في التاسع عشر من شهر مايس، في مكة المكرمة.
كان المجتمع المكي قد دأب على إرضاع الأطفال عند أهل البادية، وتربيتهم هناك، لينشأوا على الفصاحة والشجاعة، وكان أبناء القبائل المحيطة بمكة، يقدمون إلى مكة، لكي يرضعون أبناء تلك القبائل مقابل أجور معينة. وكانت مكة منطقة تجارية كبيرة، فيها حراك تجاري وتبادل تجاري كبير.
في هذه الأجواء، كانت النساء تأتي إلى مكة للبحث عن أطفال للإرضاع، ومن هؤلاء النسوة حليمة السعيدة، التي كانت قليلة اللبن ولم يكن يرغب فيها أحد مرضعةً لولده، وكان رسول الله (ص) من نصيبها.
وعادت حليمة إلى أهلها تحمل رسول الله (ص) وما إن وصلت وأرضعته حتى أصبح لبنها غزيراً. وهذه أولى علامات البركة التي ظهرت على رسول الله (ص). فتعجبتْ من ذلك، وأصرتْ أن تتمسك بهذا الوليد. وما هي إلا أيام قلائل حتى أصبحت المنطقة التي يقطن فيها أهل الحي خضراء ببركة رسول الله (ص)، بعد أن كانت قاحلة مجدبة لا زرع ولا ماء.
بقي رسول الله هناك لمدة سنتين، وعند الفطام عادت به إلى مكة، وأصرت أن تتمسك به أياماً أُخَر، فعادت به إلى البادية من جديد، وبقي هناك حتى بلغ الخامسة من العمر، ثم أعادته إلى مكة.
وقد كانت هناك عناية إلهية تحوطه، وإعداد إلهي، وقد وكل به ـ على بعض الروايات ـ ملك يرعاه. فعن الإمام علي (ع) في خطبته القاصعة : «ولقد قرن الله به (ص) من لدن أن كان فطيماً، أعظمَ مَلَكٍ من ملائكته، يسلك به طريق المكارم، ومحاسن أخلاق العالم، ليله ونهاره». [نهج البلاغة: 300 صبحي الصالح.]. فلماذا هذا الإعداد؟ لا شك أن ذلك لتهيئته لتحمل أعباء الرسالة وقيادة البشرية وإنقاذ هذه الأمة والعالم: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِيْنَ﴾. [الأنبياء: 107]. فإذا جاء يوم القيامة يفرّ المرء من أخيه وأمه وأبيه وصاحبته وبنيه، إلا رسول الله (ص) حيث يجلس على مرتفع فيقول مخاطباً الله تعالى: «يا رب، أمتي أمتي». [الكافي، الكليني8: 312]. فما أعظمك يا رسول الله!.
فالحري بنا أن نقتدي بهذه الشخصية العظيمة الكاملة التي بشر بها جميع الأنبياء منذ آدم حتى عيسى (ع).
لقد ركز رسول الله (ص) وأكد على الجانب الأخلاقي الذي يمثل روح الإسلام، وقد أوذي في هذا السبيل كثيراً حتى قال : «ما أوذي نبي مثل ما أوذيت». [بحار الأنوار، المجلسي39: 56]. والإنسان بلا أخلاق يكون خاوياً فارغاً مهما تعبّد وسلك طريق الصلاح. وقد كان رسول الله (ص) على خلق عظيم، وكما يقول أمير المؤمنين (ع) : «يسلك به طريق المكارم، ومحاسن أخلاق العالم».
فمن أخلاقه العظيمة أن جاراً له يهودياً يؤذيه، فافتقده يوماً، فسأل عنه فقيل له : إنه مريض، فطلب إلى أصحابه أن يتوجهوا معه لزيارة ذلك الرجل اليهودي.
فمن أراد أن يقتدي برسول الله (ص) فلا بد أن تكون هذه المفاهيم والمعاني والقيم أمامه يتحرك بها وينطلق بموجبها.
لقد كانت هناك رعاية خاصة من قبل الله تعالى وإعداداً خاصاً، ومن آثار ذلك الإعداد الإلهي أنه كان موحداً لله قبل أن ينشر الدعوة للتوحيد. وكان يمتعض من عبادة الأوثان ويرفضها علناً. وهذا كله من الرعاية الإلهية.
وكان يحج للبيت قبل البعثة، وكان يسمي عند أكل الطعام، ويحمد الله عندما ينتهي من الأكل، ويظهر ذلك أمام كفار قريش.
وهنالك الكثير مما يجدر بنا التحدث عنه، فحياة النبي (ص) مليئة بالدروس والعبر، ومن الحري بكل منا إذا مرت ذكرى مولد النبي (ص) أن يطلع على مكارم أخلاقه ويقتدي ويتأسى به.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين، وصلى الله على محمد وعلى أهل بيته الطيبين الطاهرين.
جديد الموقع
- 2024-12-22 احنا جيرانه (ص) أهداها الله كفوفه (1)
- 2024-12-22 يا يوم لغتي .. أينك أم أيني عنك
- 2024-12-22 ألم الرفض الاجتماعي
- 2024-12-22 نمط حياتك قد ينعكس على صفحة دماغك ويؤدي إلى شيخوخته أبكر مما تظن
- 2024-12-22 الكتاب السادس عشر لـ عدنان أحمد الحاجي (تطور اللغة واضطراباتها وعسر القراءة عند الأطفال)
- 2024-12-22 تأثيرات لغوية للقراءة الرقمية
- 2024-12-22 الزهراء (ع) .. المجاهدة الشهيدة
- 2024-12-22 نحو كتب في الشوارع
- 2024-12-22 بين فيزيائية الكتب وكيميائية الكلمات
- 2024-12-22 من أجل القراء المترددين