2010/10/04 | 0 | 3700
حاتم الصاغة... الحاج أحمد الميدان
عُرِفت الأحساء منذ القدم, كموطن لمحبي أهل البيت (عليهم السلام). فكان السكان, يحرصون على إقامة الشعائر الدينية في بيوتهم وفي الحسينيات, وبالخصوص في مواسم العزاء. فتراهم يستعدون لتلك المناسبات ويبذلون فيها الكثير. واعتاد الخطباء من (العراق, والبحرين, والقطيف, والأهواز) على الوفودِ إلى المنطقة الشرقية, ومنها الأحساء في تلك المواسم. فكان لابد من القيام بواجب الضيافة لخدام المنبر, وتوفير سبلِ الإقامة المريحة لهم, ومنها المأوى والطعام. وكانت إقامة بعضهم لأيام, بينما تمتدُ إقامة البعض الأخر لشهور.
وفي الذاكرة (أحد الرموز) اللامعة في حي الشعبة بالمبرز, ممن تطوعَ للقيام بهذه المهمة الإنسانية, وبطيب خاطر, فكان يستقبل خدام المنبر الحسيني من خارج المنطقة, ويعمل على إيوائهم في بيته, وذلك طوال فترة بقائهم في مدينة المبرز. ونعني به الحاج المرحوم أحمد بن حسن بن عبدالله الميدان([1]). والذي جسدَ السخاء, والكرم, وبذلُ المعروفِ في مجتمعه. علماً بأنه لم يكن (رحمه الله) من الأثرياء والملاك, بل هو من الطبقة المتوسطة في المجتمع. ولكنها النفوس الكريمة, التواقة للمعالي, حتى قيل أن الكَرَمُ شيمة الفضلاء, ولذلك لقب الحاج أحمد الميدان (بحاتم الصاغة), وهو جديرٌ بهذا اللقب.
وأود التنوية بأن الأخ الفاضل أحمد بن الحاج الشيخ عبدالكريم البحراني, والأخ الفاضل محمد بن المرحوم الشيخ عبدالله حسين السمين, (هم) من أقترح بالكتابة عن الحاج أحمد الميدان, لما سمعوا عنه من خصال حميدة. فلهم الشكر والتقدير, حيث ساهموا بأقتراحهم في أن نتعرفَ على شخصية أستثنائية جديرة بالدراسة والتحليل.
المولد والنشئة :
"ولد الحاج أحمد بن حسن الميدان في عام 1320هـ, في منطقة الحريق (أحدى ضواحي نجد), من أبوين صالحين. فوالده, الحاج حسن بن عبدالله بن الشيخ أحمد الميدان, والذي توفي في أثناء أحدى رحلاته إلى العراق لزيارة العتبات المقدسة بالعراق, دفن في الصحن الحيدري الشريف, بالنجف الأشرف. أما والدته, فهي الحاجة المؤمنة فضة بنت الحاج أحمد الحمراني". كان ذلك, ما أفادنا به الأخ الفاضل م. ياسر بن الحاج عايش الميدان, وذلك ضمن مشروع لكتابٍ له بعنوان (حاتم زمانه... الحاج أحمد الميدان).
تيتمَ وهو طفلاً صغيراً, بعد وفاة والده في البحرين. يقول (أبنه) الأخ الفاضل عبدالرسول بن أحمد الميدان, نقلاً عن والده : أن للحاج المرحوم عبدالله بن محمد السمين (والد الحاج محمد حيدر السمين) فضلٌ كبيرٌ علينا. يقول الحاج أحمد الميدان :
"كنت شاباً يافعا في البحرين, فخاف علي المرحوم عبدالله بن محمد السمين من الضياع. وبعد وفاة والدي, شجعني على العودة إلى الأحساء, وقامَ (مشكوراً) على تعليمي حرفة الصياغة, وأولاني من الرعاية والاهتمام الكثير".
عمل الحاج أحمد الميدان في الغوص, لحوالي خمسة عشر سنة, وبعد ذلك عمل في حرفة الصياغة في كل من دبي والبحرين. واستقر أخيراً بالأحساء موطن أبائه وأجدادة.
يقع بيته في حي الشعبة (بمحلة السدرة), قرب مسجد المهنا. والبيت (حاليا) يقع ضمن ساحة الأربعين المعروفة, بعدما إزيلت هذه المحلة بكاملها في عام ١٤٠٢/١٤٠٣ هـ.
ومن أهم معالم محلة السدرة, بيت المقدس السيد ناصر السلمان, وبيت السيد هاشم السيد محمد العلي (الكبير), ومسجد السدرة, ومدرسة بن غربين (الرباط), ومجالس المخايطة (مثل العوسي, والبوشل, والرشيد), ومحلة السبع الملفات, وبراحة عيدة, وبستان مسجد السدرة.
وعرف في المنطقة وخارجها, على أن بيته كان مقراً ومأوى لخدام المنبر, وخصوصا لمن يقراء في مدينة المبرز. حيث تميز واشتهر بحسن الوفادة, وعُرفَ بحديثه الممتع. وفي بيته مجلس مُستقل, مخصص لضيوفه وزواره.
وهو من صاغة المبرز المعروفين, له دكان للصياغة في القيصرية بسوق المبرز, مقابل المسجد الجامع بالسوق. ومن مشغولاته التي إشتهر بصناعتها الخزامة الذهبية([2]). وفي التسعينات بعد الثلاثمائة والألف من الهجرة, تم نزع ملكية هذا الدكان ضمن توسعة شارع المبرز. ومن جيرانه في سوق الذهب بالمبرز الحاج المرحوم علي بن أحمد البحراني (والد الشيخ عبدالكريم البحراني). ومن جيرانه في محلة السدرة, المرحوم عبدالرحمن بووشل, وهو من (معازيب المخايطة المعروفين) في مدينة المبرز, وقد اشترى الحاج أحمد الميدان بيت البووشل في فترة لاحقة.
أسرة الحاج أحمد الميدان:
اقترن بالفاضلة: فاطمة بنت المرحوم الحاج ناصر المبارك, وهي من بيتٍ كريم, عرف أهله بالخلقِ الرفيع والإيمان. وله منها أربعة من الذكور (علي, وحسن, وعبدالله, وعبدالرسول), وكريمة واحدة هي الفاضلة : فضة (أم عبدالله بن عايش الميدان) حفظها الله.
سألت الحاج محمد بن علي بن سلمان الميدان (بوعلي)
عن أم علي, زوجة الحاج أحمد الميدان, فقال :
"لقد عشتُ أسعد أيام الصبا والشباب, في بيت العم أحمد وتحت رعايته, حتى بلغتُ سن الزواج. فكانت العمة (أم علي) من النساء الصالحات, تُقيمُ في بيتها مأتمين للإمام الحسين في الأسبوع (يوم الثلاثاء, والخميس). وكانت (أي أم علي) من الداعمين للعم أحمد في السعي في دروب الخيرات. كما أنها حنونة على الجميع, ولها (نَفَسٌ) في الطبخ مشهود لها به. توفيت (رحمه الله عليها) في شهر صفر من عام ١٤٠٥ هـ, ودفنت بمقبرة الشعبة بالمبرز". رحمة الله عليها.
أخلاقه ومزاياه :
وللحاج أحمد الميدان باعٌ في أصلاح ذات البين, والرأفة والتحنّن على الضعفاء, ورعاية الأيتام, مما لا يمكن تفصيله". فبشرى له بهذه السمعة العطرة. وهو شخصٌ ودودٌ, لطيف المعشر مع أهله.
ينقل سماحة الشيخ محمد بن محمد المهنا (حفظه الله), عن لسان الحاج أحمد الميدان, هذا الموقف الجميل له, يقول :
حدث أنه في أحد الأيام ...
وأن نسيت زوجته (أم علي) أثناء الطبخ, أن تضع الملحَ في الطعامِ, فأصبح العشاء غير مستساغ (ماسخ), وقبل أن تقدم له الطعام, قالت له :
يا (بوعلي) أنا في هذه الليلة (مستحية) منك, لاني نسيتُ أن أملح الطعام!
فقال لها: وماذا ادراكِ, أني كنتُ (ناوي أقول لچ), أني مشتهي الليلة العشاء بدون ملح.
وكان ذلك تطبيقا لتلمس العذر للمؤمنِ وستر العيوب.
وعن حلمه... نقل لنا هذا الموقف اللطيف
كان رحمه الله في طريقه لإيران قادما من العراق, وكان الهدف زيارة الإمام الرضا, وللإطمئنان على ضيفاً كان عنده في الماضي([3]). كانت هذه الرحلة عن طريق البر (الباص) بالحافلة, وفي الطريق وجد أحد الزوار في أرضية الحافلة كيس (صرة), فيها بعض النقود. فأعطي هذا الكيس للحاج أحمد الميدان, والذي بدوره, بدء رحلة البحث عن صاحبها, وذلك بالإعلان عنها في الحافلة, وكما يقال (يُجَعِلُ عليها). ولكن لم يتقدم أحد من الزوارلذلك الكيس.
وعند وصول الحافلة إلى الحدود الإيرانية, سلم الحاج أحمد الميدان هذه الصرة إلى مسؤول الجمارك, على أمل أن يأتي من يسأل عنها في يوماً ما.
وفي ذلك الزمان كان المسافرون يضعون مصروفات سفرهم (الخرجية), في صرة وتوضع في كيس تحت الثياب. وعند وصولهم لمدينة قم المقدسة, طلب الحاج أحمد الميدان من زوجته (أم علي) أن تعطيه بعض النقود لزوم شراء ما يلزم للإقامة, وكانت المفاجئة أن (أم علي) لم تجد كيس خرجيتهم. يقول إبنه (عبدالرسول), كُنتُ مرافقا لهم في هذه الرحلة, وكان الخبر مفاجئاً لنا جميعا, ولكن كانت هناك مفاجئة أخرى, لم يتوقعها جميع الزوار, وهي طريقة تفاعل الوالد مع هذا الموقف !..
فقد بدى لنا هادئا, ووجهه حديثة للوالدة قائلا :
لا تهتمي يا (أم علي) لما حدث, أنت مشكورة, وجزالك الله خيراً, حيث بهذه الواقعة سوف يتضاعفُ أجرنا في هذه الزيارة, فالأجرعلى قدر المشقة. وعاد الوالد إلى مركز الجمارك, حيث إستلم كيس نقوده من مسؤول الجمارك. وكانت تلك من الرحلات الموفقة, والتي تخللتها الكثير من الدروس والعبر.
ضيوفٌ من خارج البلاد العربية : كان بعض ضيوفه من خارج البلاد العربية. يتذكر نجله عبدالرسول بن أحمد الميدان, "أن الشيخ حسن الكشميري([4]), قام بزيارة للمنطقة, مزوداً بخطاب توصية من بعض مراجع التقليد في العراق, طالبين دعمه ماديا لبناء مدارس ودور أيتام في بلادهم. وكان الشيخ حسن الكشميري يحل ضيفاً على الوالد في حال وجوده في المنطقة". وبعد وفاة الحاج الميدان, نزل الشيخ الكشميري ضيفاً على سماحة الشيخ محمد بن محمد المهنا (حفظه الله) في حسينية المهنا.
ولم تقتصر ضيافة الحاج أحمد الميدان على خدام منبر سيد الشهداء, بل كان يقصده الضيوف من بعض قرى الأحساء. ففي الماضي, كان يعقد في مدينة المبرز سوق الأربعاء, في براحة المصبغة المعروفة. فكانوا يجلبون لهذا السوق منتوجاتهم الزراعية ومصنوعاتهم اليدوية مثل (المداد, والمهاف, والقفاصة, وغيرها). وبسبب الحرارة في فصل الصيف القائض, كان البعض منهم يلجؤون لبعض البيوت, إتقاءً لحرارة الشمس في وقت الظهيرة .
مصلح الساعات الكفيف :
وينقل سماحة الشيخ محمد بن محمد المهنا (حفظه الله), عن لسان الحاج أحمد الميدان, يقول :
"يقول, كان في ضيافتنا, في أحد الليالي الملا حسن, وهو ملا كفيف البصر من أهل تاروت. وبعد العشاء, طلب الملا حسن, أن نحضرَ له البشتختة (وهي طاولة صغيرة) تستخدم ليوضع عليها السراج في ذلك الزمان. فأحضرنا له الطاولة.
فما كان منه, إلا أن أخرج منديلاً ملفوف من تحت ثيابه, وفتحه وأفرده على الطاولة, وإذا فيه (سكاريب, وبراغي, وساعات يدوية), فسألنا ملا حسن عن هذه الأشياء !
فقال: انا أقوم بإصلاح الساعات العطلانة, فإذا كان لديكم ساعات تحتاج للتعمير, فأحضروها لي لاصلاحها لكم. هذا والرجل كفيف البصر, ولله في خلقه شؤون.
وهذا يذكرنا بالمرحوم عبدالمجيد البرهيم, وهو من سكان حي الشعبة بمحلة السدرة, وكان كفيف البصر, ولكنه يعمل "سباكاً" ماهراً, ويقوم أيضاً على إصلاح الدوافير.
و في البحرين.. كان للحاج أحمد الميدان, بعض اللطائف:
عرف عنه (رحمه الله) أنه عذبُ الحديث، حلو المعشر, سمحاً في تعامله مع الجميع, وكان صاحب دعابة. ينقل لنا هذا المشهد الشيخ محمد بن محمد المهنا (حفظه الله), وهو ينقله عن الحاج أحمد الميدان نفسه.
يقول الحاج أحمد الميدان :
"كنت في صباى أعمل في البحرين صائغاً.
وكان لدي دكان صغير, له باب من درفتين, ومرتفع عن الأرض قليلاً. وفي أحد الأيام كنت أعمل في دكاني, وكعادتي كنت أردد أبياتٌ من النعي الحسيني بصوت منخفظ (أنوني لنفسي), وكان لي في ذلك الوقت صوت جميل. وفي هذا الأثناء, لاحظتُ أن هناك رجلاً طويل القامة, يقف بجانب الباب مصغياً, فقلت له تفضل...
فقال لي : أكمل القراءة
فقلت : له أنا لست بملا
فخر الرجل إلى الأرضِ ساجداً ...
فقلت : له الحمد لله, السجودُ عبادة, ولكن ما سبب سجودك الآن !
فقال الرجل: مبتسماً, أحمُدُ الله أنكَ (لست بملا) حتى لا يتأثر سوقنا
وعرفني بنفسه, فإذا به ملا أحمد بن رمل (رحمه الله)." كانت تلك إحدئ طرائفه الكثيرة.
ومن مظاهر كرم الحاج أحمد الميدان
ينقل سماحة الشيخ محمد المهنا, عن والده (رحمه الله), يقول :
"كنا نحضر مجلس السيد حسين العلي (القاضي) صباح كل يوم في بيته, وبعدها نرافقه إلى حسينية السادة, لحضور القراءة الحسينية. وفي أحد الأيام دعى الحاج أحمد الميدان, المقدس السيد حسين العلي, أن يشرفه في بيته عصر ذلك اليوم للقهوة.
فإستعد الحاج أحمد الميدان لذلك اليوم, حيث ذهب إلى الهفوف مبكراً, واشترى عدد من سمك البدح الطازج, وطلب من أم علي (زوجته) أن تُعده مقلياً, ليقدم عصر ذلك اليوم لسماحة السيد ساخناً. حيث كان الفصل في الشتاء, والجو بارد.
وكان تقديم السمك الطازج في ذلك الزمان, عنواناً للتقدير وحسن الضيافة
وتم تجهيز الطعام, وقال لهم الحاج أحمد تفضلوا
فمد سماحة السيد يده, وقال ما هذا ! (إحتمال أن هذه القصة عندما كُفَ بصر السيد حسين)
فقالوا له هذا سمك مقلي
فقال السيد : سمك في هذا الوقت, نحن مدعوين على العشاء هذه الليلة. "أعطونا ترنجة إذا عندكم".
يقول الحاج محمد بن مهنا المهنا (رحمه الله), قلنا للحاج أحمد الميدان, إذا كان السيد لا يريد السمك, فنحن نريده.
وتناولَ مرافقي السيد, ذلك السمك المقلي بسعادة, لأن هذه الوجبة الفاخرة لا تتوفر في كل يوم".
ومن مواقفه :
ففي إحدئ السنوات, زار المنطقة الشيخ أحمد الشهرودي, وهو أحد رجال الدين المعروفين بمدينة مشهد المقدسة, بدعوة من أحد رجال المنطقة. على أن يقوم الداعي بالتكفل برحلة الحج للشيخ وأسرته. وبعد وصول الضيف إلى البلاد, ترافقه زوجته وابنتيه, فلم يظهر ممن دعاهم, إلى ما يوحي بالتزامه, بما وعد إتجاه هذا الضيف. كان الموقف صعباً على الشيخ وأسرته, فهو في غربة, ولم يكن يتوقع هذا الموقف.
أشار البعض على الشيخ أحمد الشهرودي أن يَشرحَ وضعه للحاج أحمد الميدان. وهذا ما حدث, فقام الحاج الميدان باستضافة الشيخ واسرته في بيته. وكان الحاج أحمد الميدان يملك بيتاً أخر, غير بيتُ سكناه, يقع قرب (البراحة), والتي يطل عليها بيت العم أحمد بن حسين البحراني. فأرسل أحمد الميدان إلى المرحوم عبدالله بن سلمان الجنوبي, ليعرض ذلك البيت للبيع في تلك الليلة. وفعلاً تم بيعُ البيت في تلك الليلة بمبلغ وقدره سبعة آلاف ريال.
قام الحاج أحمد الميدان على تهيئة ما يلزم من أمور السفر, والتكفل بتغطية مصاريف الشيخ وأسرته. وفي ذلك العام, رافق الشيخ أحمد الشهرودي, الحاج أحمد الميدان, وزوجته, وإبنه عبدالله, والحاج المرحوم علي بن سلمان الميدان (بو محمد) لأداء مناسك الحج. كانت تلك إحدئ مآثره الجميلة, والتي تنم على مدى ما تفيض به هذه الشخصية المثيرة من الإنسانية وفعل المعروف.
كما عرف عنه, السعي في مساعدة الآخرين والسعي في أعمال البر. ذُكر لنا, أنه في السبيعينات الهجرية تقريبا, كانت هناك أسرة من عائلة الميدان تسكن في إمارة أبوظبي (قبل الإتحاد). في تلك الفترة, كان سكان أبوظبي وما جاورها, يمرون بضائقة إقتصادية, حيث الفاقة والفقر الشديد.
فبادر الحاج أحمد الميدان إلى السفر إلى أبوظبي, كان ذلك في عام ١٣٧٨هـ تقريباً, وأقنع رب هذه الأسرة بالعودة إلى ديارهم. فرافقوه عائدين إلى الأحساء, حيث أهلهم وذويهم. وبعد عودتهم إلى البلاد, وقف الحاج أحمد الميدان مع هذه الأسرة في حياة عائلها وبعد وفاته, حتى إطمئن إلى تحسن أمورهم وإستقرار أوضاعهم. وهذا يدل على ما يتمتع به هذا الرجل من مروءة وخلقٌ رفيع ([5]).
مع الشيخ داود الكعبي...
كانت تربطه صداقة حميمة مع الكثيرين من رجال المجتمع في المنطقة وخارجها. ومن أصدقائه في الحي المرحوم (العم) عبدالحسين بن علي البحراني, والمرحوم حسين بن أحمد المحمدعلي, والمرحوم حمد النجدي, والمرحوم حسن العبدالوهاب, وهذا ليس حصراً, فأصدقائة ومحبية كثر في الحي وخارجه.
ولكنه يرتبط بالشيخ داود بن سليمان الكعبي بصداقة حميمة, وتآلف روحي ونفسي ملحوظ,. ومن مظاهر هذه العلاقة, تآخيهم في كثيرٍ من الأسفار. فقد سافرا سويا لأداءِ فريضة الحج في العام ١٣٨٠هـ. وكانت تلك الرحلة بالطائرة من مطار الظهران إلى مدينة جدة, برفقة الحملادار الحاج المرحوم عباس المؤمن.
وفي ١٣٩٣هـ, وفقَ الحاج الميدان للسفر للعراق, حيث صادف وجود صديقة الشيخ داود بن سليمان الكعبي, مع الحملادار الحاج المرحوم محمد بن علي بن عيسى البوخضر. وفي هذه السفرة إشتد المرضُ على الشيخ داود الكعبي, وقََدِمَ إلى العراق ابن الشيخ داود (الحاج محمد جميل) خصيصاً لرعايه والده. توفي الشيخ داود (رحمه الله) في ليلة الجمعة الموافق ٨/٨/١٣٩٣ هـ,. ونقل لنا الحاج محمد (جميل) بن الشيخ داود الكعبي أن المرحوم أحمد الميدان, كان من المتابعين وبحرص, لوضع الشيخ داود اُثناء مرضه في العراق.
يقول الحاج محمد جميل بن الشيخ داود الكعبي :
وبعد أن فاضت روح الوالد إلى بارئها, خرجت من البيت مبكراً, لأبلغَ بعض المؤمنين بوفاة الوالد, وكان أول من التقيت به في الطريق المرحوم الحاج أحمد الميدان, والذي تأثر كثيراً بعد سماع هذا الخبر, حيث فجع في صديقه المقرب. فجهز الشيخ داود الكعبي ودفن بجوار إمام المتقين. وكان من ضمن زوار تلك الحملة في ذلك العام, الحاج حسين بن أحمد المحمدعلي, وعبدالرسول بن الحاج أحمد الميدان.
ينقل الأخ الفاضل محمد بن علي الحسن المهنا, على لسان أحد سكان حي الشعبة, يقول : "كنت مسافراً للعراق للزيارة, وكان من ضمن الزوار في تلك السنة الحاج أحمد الميدان. كان من عادة الزوار في ذلك الزمان, السكن في مكان يعرف بالخان. وأتذكر في هذه السفرة, أن الحاج أحمد الميدان, إذا اشترى (رقي) جحة |
سئلنا سماحة السيد حسين نجل المقدس السيد محمد العلي ([6]), وهو من المعاصرين للحاج أحمد بن حسن الميدان عنه, وعن سماته, ومواطن تميزه. فكتب لنا هذا التعليق, في غرة شعبان من العام ١٤٣١ هـ :
"الحاج أحمد بن المرحوم حسن الميدان, من وجهاء محلة الشعبة في المبرز. كان يتحلى بمكارم الأخلاق, والتواضع, والحلم, والايمان, والمحبة الفائقة للنبي الأكرم وأهل بيته الأطهار (عليهم السلام). كان منزله مأوئ لخدام المنبر الحسيني, يستقبلهم برحابة صدر ([7]), وذلك لحبه للحسين (عليه السلام). وهو من المواظبين على أداء صلاة الفريضة في المسجد الجامع الكبير. عرف عنه إقامة الدعوات والولائم لعلماء الدين في منزله.
يقول سماحة السيد حسين نجل المقدس السيد محمد العلي :
"وكانت لديه (أي الحاج أحمد الميدان) عادة في شهر رمضان من كل عام, يقيم وجبة إفطار في أحد ليالي الشهر الفضيل. وعلى رأس المدعوين لهذه المأدبة سماحة العلامة الجليل (العم) السيد هاشم بن المقدس السيد حسين العلي, وجملة من المؤمنين, وكنت ممن يدعى لتلك المأدبة السنوية.
وبعد وفاة (العم) السيد هاشم, إعتاد على دعوة سماحة العلامة السيد محمدعلي السيد هاشم العلي (حفظه الله) لهذه الوليمة. إستمرت هذه العادة الرمضانية حتى أخر سنة في حياته, وأذكر أن آخر دعوة حضرناها لديه, كانت في بيته, والذي إشتراه من "البوشل".
"كان (رحمه الله) من الذين لهم باع في حسن الحديث والأداب. فهو من الذين يجيدون إلقاء القصة, والطرفة, ولديه قدرة فائقة على جذب من يستمع اليه ويشدهم لحديثه.
قدر لي, وأنا في مرحلة الصِبا, أن أستمع الى ثلةٌ من الرجال المتحدثين في ذلك العصر, وممن لهم القدرة التامة على شد الجمهور إليهم, وإدارة الحديث في المجالس. ففي المنطقة, كان هناك عدد من المتميزين في هذا الجانب, وكان على رأسهم (الوالد) المقدس السيد محمد العلي, فقد عرف عنه, أنه عذب الحديث, وله طريقة يتفرد بها في إلقاء القصة والطرفة. فكان يشدُ الجلوس إليه, بحيث أنه أذا ألقئ بطرفة, فكان يدخل البهجة والسرور على قلوب الحضور. ومن الذين تميزوا بحديثهم الجذاب, الحاج المرحوم صالح الحسين, فهو ممن عُرفَ بالحافظة القوية, وذا قدرة جميلة على أدا القصة. وهناك أيضا الحاج موسى المحمدعلي, وأخوه الحاج حسن المحمدعلي.
وممن له القدرة المميزة لأداء الطرائف, الحاج عبدالله بوعويس من أهل حي السياسب. فكانت جميع طرائفه وقصصه التي يذكرها, من التي جرت عليه في حياته. ولقد أتيح لى لمدة أسبوع, أن أستمع أليه وإلئ طرائفه, فكان يأتي في كل ليلة بطرفة جديدة, وهي من الطرائف التي يكون هو محورها. كان ذلك في إخر اسبوع في حياة الوالد (قدس سرة). انتهى.
ومن سماته التي تفرد بها, طريقته المؤثرة في الحديث. فكان يمتلك أسلوبٌ جميل في رواية النوادر والطرائف. يقول سماحة السيد حسين نجل المقدس السيد محمد العلي :
"وعرف عن الحاج أحمد الميدان القدرة الفائقة على رواية القصة, وبطريقة جذابة ومشوقة. ولقد شاهدت الناس, وهي تضغي لحديثه وقصصه, وذلك بحضور الوالد العلامة السيد محمد, وفي كثير من المحافل.
أتذكر أن الحاج علي العمران, دعى (الوالد) إلى مزرعته مع جملة من الأصدقاء, وكان من ضمن الضيوف الحاج أحمد الميدان (رحمه الله). كان ذلك في فصل الصيف, حيث توفر الفواكة الصيفية. وأتيح لي مرافقتهم, حيث الجلوس تحت العريش, والمصنوع من سعف النخيل. فيدور الحديث, والذي يشمل القصص والطرائف والفكاهات المؤدبة.
وكان المرحوم أحمد الميدان ممن يساهمون في تلك المجالس بالحديث, وكذلك الوالد. كانت جلساتهم للأنس والعبرة, والتفقة في الدين. هكذا كانت مجالس العلماء والخيرين في ذلك الزمان. وباختصار, كان المرحوم أحمد بن حسن الميدان, مؤمناً, تقياً, محبٌ لأهل بيت العصمة. متمثلاً بمكارم الأخلاق, عابداً صالحاً, لم يكن لأحد فيه مغمزة حتى نهاية حياته". انتهى.
كان ذلك تعليق سماحة السيد حسين نجل العلامة السيد محمد العلي, على بعض سمات وشمائلَ الحاج أحمد الميدان, وهو (اي السيد حسين العلي) شاهدٌ على تلك الحقبة ومعايش لأهلها. فهو من المحظوظين, حيث وفق لمعاصرة تلك الصفوة من سكان هذا الحي, وساهم مشكوراً في نقلِ بعضٍ من (رحيق حياتهم).
وسألت الخطيب الحسيني ملا أحمد بن حسن بن إبراهيم الوحيد, وهو من ضيوف الحاج أحمد الميدان, من أهالي تاروت, عن الحاج الميدان, فقال : (كان "رحمه الله", كريماً, طيب النفس, عفيف اللسان) انتهى.
غروب الشمس :
تعرض الحاج أحمد الميدان لوعكة صحية في أواخر حياته, فنقله أبنائه لمستشفى الشرق بالخبر, ليحظى هناك برعاية صحية لائقة. وبعد أسبوعين, من دخوله المستشفى, فاضت روحه الطاهرة إلى بارئها في مدينة الخبر, في يوم الثلاثاء الموافق ١١/٧/١٣٩٤هـ, حيث دفن بمقبرة سيهات. أقيمت له ثلاثة مجالس للعزاء تليق بمكانته في قلوب محبيه. أولاً, أقيمت لروحه الطاهرة, فاتحة في الجعفرية بحي الشعبة, وذلك لمدة سبعة أيام. والثانية في البحرين, أقامها أبن أخيه الحاج حسن عبدالله الميدان. والثالثة أقامها أبنه الحاج علي بن أحمد الميدان (بوحسين) بعد عودته من إيران ([8]). وهنا نشير الى أنه التحق بصديقه المقرب (الشيخ داود الكعبي الشهاب), بعد أقل من عامً واحد من وفاته.
وعلق السيد حسين بن المقدس السيد محمد العلي, على دفن الحاج أحمد الميدان في سيهات, قائلاً :
"ومن الطريف, أن الحاج أحمد بن حسن الميدان عاش عمره في الأحساء, وعاشَ أخوه المرحوم عبدالله بن حسن الميدان في البحرين, ولكن الموت جمع بينهما. فكانت تربتهما واحدة, وفي مقبرة واحد, حيث تم دفنهما في مقبرة سيهات. نسأل الله أن يحشرهما مع محمد وآله الطاهرين. انتهى.
في ذكرى الأربعين :
ولقد زودني م. ياسر بن الحاج عايش الميدان, بهذه القصيدة, وهي في رثاء المرحوم الحاج أحمد حسن الميدان, نظمها المرحوم الشيخ عبدعلي بن حسن الناصر(رحمه الله), وألقاها بالنيابة عنه الشيخ عبدالله بن حسين السمين (الوائلي الصغير), في الحسينية الجعفرية, بحي الشعبة, وذلك بمناسبة تأبين الحاج أحمد الميدان, في ذكرى الأربعين لرحيله.
نعـتـك القـطـيـفُ وهجرُ الحســا وقـلـبـي عـلـيــــــك مُلي بالأسـى
أيا كـوكــبـاً غـابَ من أفــقــنـــا لقد كُـنتَ نورَ الضُحى والـمــــسا
لقد كان بـيـتُـك مأوى الضُيـوف ومـلـجـــأ الـيـتــيــم لــذا أُســـــسا
فـمــن لـلـغـــريــبِ إذا مـا أتــى عـلـى بـابِ أحــمــد عـندِ الـمســـا
فمــن لـلـمـكـارمِِ ومـن لـلــنــدى ومـن لـلــنــوادي يـكـن مؤنـســـا
لـقــد أقـلـقــتـنـي يـدُ الـنــائـبـات أرى الـبـيـن فـي جـنـبـنـا عرســا
فـقـدنـا الـــكـرام مـعـاً والعـظـام فـدمـعـي عـلـيــهم غـدا أخـرســا
فـقـدنـا مـحـمـد نـجـل الحُـسـين (α) لـقــد كـان عــزاً لـنـــا ســــائـسا
رمـتـنـــا اللـيـالي بِرُزءٍ عظـيـم فـصـبــراً فــإن الـبُـكــا لـلــنــســا
فـيــا أيـه الـحـفــل مني اسمعوا فــإن لـكـم هــاهـنــا أشـــــمــســا
لـكـم هــاشــمٌ وحـسـين الـتُــقى ونـاصـرهـا الـقـطـبُ لا تـيـأســــا
فــشـأن الـزمــان عـداء الـكــرام ولا بـد للـحـــر أن يُـــــرمــســـــــــا
(α) : المقصود المقدس السيد محمد السيد حسين العلي, والمتوفي عام ١٣٨٨ هـ.
السمعة العطرة...
ويعتبر أبا علي, مثالاً لذلك المجتمع الطيب, والذي كانت تسوده جملة من الشمائل الجميلة. ينقل الأخ الفاضل محمد بن علي الحسن المهنا, على لسان أحد سكان حي الشعبة, يقول :
"كنت مسافراً للعراق للزيارة, وكان من ضمن الزوار في تلك السنة الحاج أحمد الميدان. كان من عادة الزوار في ذلك الزمان, السكن في مكان يعرف بالخان. وأتذكر في هذه السفرة, أن الحاج أحمد الميدان, إذا اشترى (رقي) جحة في فصل الصيف, فكان يأخذ منها ما يكفيه مع زوجته, وكنا نراه يحمل من تلك (الرقية) الصغيرة لجيرانه, في الخان, ليشركهم معه, برحابة صدر وتلذذ. علماً أنه كان يسكن معنا في الخان, من هم أكثر سعة ويسراً منه. ولكنها النفوس الكريمة, والتي جُبلت على العطاء, فأصبح الكرم مصدر سعادتها". إنتهى.
وكأنه (رحمه الله) اكتشف بفطرته, أحد مفاتيح السعادة المهمة, وهو (أعمل شيئاً لغيرك). إجتمعت في شخصيته الكثير من سمات المؤمنين, ومنها, سماحة الوجه, والتسامح, والحلم, فكان يقابل الإساءة بالإحسان, فعد من أهل الجود والكرم. وكان لزوجته الصالحة المرحومة فاطمة بنت المرحوم ناصر المبارك (أم علي), دوراً بارزٌ في مسيرة حياته. فقد ساعدته وبرحابة صدر, للقيام بواجب الضيافة, وبذل المعروف ([9]). فكان محبوبٌ عند الخاصة والعامة من الناس, فرحم الله (الحاج أحمد الميدان وزوجته, وأبنائه) وأسكنهم فسيح جنانه.
جديد الموقع
- 2024-05-01 النقد الأدبي بين الفاعلية والمجاملات الرقمية والإعلامية.
- 2024-04-30 سمو محافظ الأحساء يرأس المجلس المحلي للمحافظة
- 2024-04-30 سمو محافظ الأحساء يرأس اجتماع اللجنة العليا لإنشاء المستشفى الجامعي التعليمي
- 2024-04-29 وعي القلم والأمل نص مستخلص من مجموعة (كلام العرافة) للدكتور حسن الشيخ
- 2024-04-29 ريم أول حكم سعودية لرياضة رفع الأثقال حازت على الشارة الدولية
- 2024-04-29 بيئة الأحساء تدشّن أسبوع البيئة 2024 تحت شعار "تعرف بيئتك"
- 2024-04-29 منتدى البريكس الدولي يكرم الفنان السعودي الضامن في غروزني الشيشان ..
- 2024-04-29 حققوا المركز الأول على مستوى المملكة كأعلى تسجيل للطلاب طلاب "تعليم الرياض" يفوزون بـ13 ميدالية في أولمبياد "أذكى"
- 2024-04-29 جمعية العمران الخيرية بالاحساء للخدمات الاجتماعية تحظى بتكريم مرموق من مركز الملك عبد العزيز للتواصل الحضاري .
- 2024-04-29 مبادرة خطوة قبل الشكوى تبدأ فعالياتها بتأهيل اناث الدمام