2010/05/31 | 0 | 3165
الملا ناصر الخميس، الخطيب البكاء
ومنذ صباه أبدى (رحمه الله) ميلاً لخدمة المنبر الحسيني، ولكن بسبب ظروف البلاد الاقتصادية، أُرغم على مرافقة أعمامه لمهنة الغوص في البحر. وبعد أكثر من ثمانِ سنوات عاد الى الأحساء، واستعان بمكانة سماحة السيد حسين السيد محمد العلي (القاضي) في المجتمع ليتدخل ويقنع أهله وعشيرته بالسماح له وليتفرغ لخدمة منبر سيد الشهداء. استطاع السيد حسين السيد محمد العلي "رحمه الله"، أن يحققَ لهذا الشاب رغبته، حيث رأى فيه علامات الذكاء، والعشق الصادق للنبي الأكرم وآل بيته الأطهار. فلازم "فارساً" من فرسان المنبر في المنطقة، ألا وهو الخطيب الحسيني الملا ناصر بن حسين النمر، والذي تدربَ على يديه لعدة سنوات، حتى صُقلت موهبته، واعتمد على نفسه وأصبح في المنطقة، من خدام المنبر المعروفين. تميز بنعيه وبصوته المؤثر والحزين، خصوصاً عندما يقرأ أبيات للملا عطية الجمري.
محطات من دورة الاجتماعي :
هناك القليل من الناس، من تخلده أعماله في ذاكرة التاريخ. وشخصيتنا، عُرفَ كعضو فاعل في المجتمع. عاش "رحمه الله" هموم الناس، وسعى جاداً في حلها، أو التخفيف من أثارها.
كتب الحاج حسين ابن المرحوم حسن بوكنان "حفظه الله"، نبذة عن حياة الملا ناصر بن محمد الخميس، وهو من "عشاقه" ومحبيه، فقال :
"عُرفَ على أنه ملجاً، وملاذ لذوي الحاجات. استخدم "الحاج المرحوم الملا ناصر الخميس" مكانته ووجاهته في المجتمع، وجمع التبرعات، لشراء بعض البيوت لمجموعة من المعوزين في الحي.
ويقول الحاج حسين بن المرحوم حسن بوكنان: لم يكن المرحوم الملا ناصر الخميس يُعطي "للماديات" وزننا كبيراً، بل عرفَ عنة (رحمه الله)، القناعة والمرونة في هذا الجانب. فعلى سبيل المثال :
"وكان من القراء المعروفين، لما يعرف بالجزء الأبدي، (وهو قراءة جزء من كتاب الله في كل يوم لمدة سنة كاملة). وكانت أجرة القارئ في ذلك الوقت، في حدود الألف ريال للسنة الواحدة. ولكن الملا ناصر الخميس اعتادَ أن يأخذَ ما يعطى له. فكان البعض يعطيه ثلاثمائة أو خمسمائة للسنة الواحدة، فكان يقبلها راضيا. وعندما تقدم به العمر، وعجز عن القراءة بنفسه، اتفقَ مع بعض القراء، ليقوموا بقراءة هذه الأجزاء، ويقوم هو بدفع الفرق من جيبه الخاص". تلك هي النفوس الأبية، والعاطفة الصادقة نحو الجميع.
كان "رحمه الله" مقرباً من السيد ناصر بن السيد هاشم السلمان، وموضعاً لثقته. حيث أوكل السيد إليه والى المرحوم الحاج طاهر الناصر المبارك، أخذ وكالات عقود الزواج لأهل حي الشَعَبة. وفي السياسب، أوكل نفس المهمة، للشيخ عيسى بن عبدالله بن محمد الحاجي (ت 27/9/1425 هـ). والمعروف أن السيد ناصر ابن السيد هاشم السلمان، يبرمُ عقود الزواج في المسجد الجامع بالشعبة صباحا، أو في مجلس بيته ليلاً.
قالوا فيه:
وفي لقاء مع (سفير الحسين في هجر)، سماحة السيد محمدعلي السيد هاشم السيد حسين العلي "حفظه الله" (إمام المسجد الشرقي بالمبرز)، طلبنا منه أن يكتبَ لنا كلماتٌ في حق الملا ناصر الخميس، فكتب لنا :
"أن هذا الخطيبُ مشهور، ومعروف، ومحبوب لدى جميع الطبقات، لشدة ورعه وتقواه، وحسن أخلاقه، وتفانيه في خدمة أهل البيت، وإقامة شعائرهم، وعلى الأخص المآتم. فهو يبذلُ في إقامتها كثيراً مما يملك. وهو شديد العاطفة لهم، غزير الدمعة لما جرى في مصائبهم، وعلى الأخص الأمام الحسين (عليه السلام)".
"ويشاهد ذلك منه، وهو في إثناء قراءته، فتراه يقراء (ويبكي وهو يقرأ)، فهو قارئ ومستمع في وقت واحد (إن صح التعبير). وهذه الخصوصية لم أجدها في غيره من الخطباء."
ويكمل سماحة السيد - رعاه الله - قائلا:
"قد عاش في الخطابة عمرا طويلا، فقد أدركته وأنا في زمان الصبى، فرأيته يمارس الخطابة حتى أخر عمره. تغمده الله برحمته، واسكنه الفسيح في جنانه إنه سميع مجيب".
فكان "رحمة الله" يملك ما هو أهم من الكرم والعطاء، فهو شخصيه بسيطة، جُبلت على "حب الناس"، والعمل على ما يجلب لهم السعادة، بل- أتصور- أنه كان يعيشُ لهم.
وسألنا السيد حسين السيد محمد السيد حسين العلي"حفظه الله" (إمام المسجد الشرقي بالشعبة)، عن الملا ناصر الخميس، فقال : "كان مؤمننا، تقيا، غزير الدمعة على مصاب سيد الشهداء، عرف عنه حبه وإجلاله لذرية رسول الله". ومن عاداته الجميلة، إقامة مأدبة رمضانية، خصيصا لذرية رسول الله في المنطقة". وله جهود أخرى كثيرة مثل مساعدة الفقراء، والأيتام، وإصلاح ذات البين".
فحب المساكين وتقريبهم، والإخلاص التام للعمل، والتواضع الجم والحقيقي مع جميع الطبقات، هي بعضاً من شمائله الحميدة. ومن توفيق الله عليه، أن منّ الله عليه بزوجاتٍ صالحات، وأبناء وبنات حرصَ على تربيتهم، على نهج محمد وآلة، فكانوا عونناً له في طريق الخيرات. وتلك من النعم الخفية على الإنسان. ولا بد من التنوية، لعامل مهم من عوامل نجاح، وأستمرار "مائدته الرمضانية"، حيث تقدم وجبتي الأفطار والسحور يومياً، وعلى مدى خمسون عاماً أو اكثر. فهناك من يقوم على العمل على إعدادها وإظهارها على أكمل وجه. "ونقصد بهم" أهل بيته، وبالخصوص "ام جواد" رحمها الله.
ووصف الحاج حسن بن عبداللطيف العبدلاة، الملا ناصر الخميس (رحمة الله)، فقال: " أن الملا ناصر الخميس، كان يطبق ما يقوله على المنبر. كان سخياً، ساعياً في طريق الخير للجميع. فعلى سبيل المثال: كان يحرص طوال شهر رمضان، على أن يشاركه العشرات على مائدة الإفطار يوميا. وهذا ليس فقط (مؤشراٌ) على كرمه وبذلة، بل على مدى استئناسه، وفرحته بلقاء أخوانه من المؤمنين".
خدمة زوار سيد الشهداء:
لم يقتصر تَعلق الملا ناصر الخميس بالإمام الحسين (عليه السلام)، على خدمة المنبر، بل عمل على تسهيل أمور زوار أبى الآحرار، فَعملَ (حملاداريا) منذوا العام 1365 هجريه، وحتى عام 1410 هـ. وشهد له الجميع بالحرص الشديد على سلامة وراحة الزوار. وسمعته يوماً يقول، أنه سُأل يوماً، على الحدود مع العراق " إلى اين تأخذ هولاء الشيبة ؟"، فأجاب، هم ذاهبون للتجارة، وانا خادمهم. نعم، لقد أجاد الوصف (أبا جواد)، حيث هي تجارة لن تبور.
كان (رحمة الله) على مستوي عالاًَ من التواضع ونكران الذات. ذَكر لنا الأخ أحمد بن محمد بن ناصر البحراني، مثالا على ذلك :
كان بيت الملا المرحوم ناصر الخميس، يقع في لجهة الغربية من صكة المسجد الجامع، تقابله صكة صغيرة، في هذه الصكة فتحة لبيت السادة المعروف.
يقول : " أنه إذا صادف وتأخر الخطيب، الموكل به القراءة تلك الليلة في المسجد الجامع، لإحياء وفاة أحد المعصومين. فكان القائمون على المأتم، يرسلون من يذهب إلى بيت الملا ناصر الخميس، فنطرق الباب، ونطلب منه المجي للقراءة (حوالي الساعة العاشرة أو العاشرة والنصف). علماً أن في تلك الساعة، يكون الملا (رحمة الله)، قد أوى الى فراشه وهو نائم. فكان يستيقظ، ويستجيب برحابة صدر، ويأتي مسرعاً للمسجد، وكان يعطي المجلس حقه في تلك الليلة".
وفي السنوات الأخيرة، اشترى سيارة (هايلوكس)، خصصها لتوصيل مرافقية (المستمعة)، حيث ينقلهم معه من مأتم الى أخر، حاملا معه، جهاز مكبر الصوت اليدوي (المعروف بالمحقان). ولم نسمع بمن سبقه لهذا الموقف، حيث يوفر الملا، وسيلة النقل المجانية لمستمعيه. ولكن تلك هى النفوس الكريمة.
نهاية المطاف
عاش "رحمة الله" عمره محبوبا في مجتمعه. منّ الله عليه بموهبة فذة، وهي قدرته على كسب الأحباب والأصدقاء، وتلك "والله" نعمة عظيمة.
توفي "رحمه الله" في 26/4/1415 هـ. وفي الجعفرية، وفي ليلة الجمعة، الموافق 6/6/ 1415 هجرية، أقيم له احتفال تأبين يليق بمكانته، بمناسبة ذكرى الاربعين لوفاته، برعاية السيد محمدعلي السيد هاشم العلي، عكس الحضور صورة حبُ المجتمع له،. وقد رثاه السيد عبدالامير بن السيد ناصر السلمان بقصيدة يقول فيها:
على مثواك حلقت القُـــــــلوب *** وريع بك الأباعد والقريب
وبعدك أظلمت جَل الــــــنوادي *** وعَم على مرابعها النحيب
وناديك المبارك توجـــــــتــه *** كساء الحزن بالغدر الخطوب
خلت منك المنابر دون وعــــــد *** فلهفي غاب عامرها الخطيب
وطافت حول نعشــك في عويل *** حشود هزها الحدث الرهيب
رحلت بدون ميعاد ســـــــــريعا *** فلم يحظى برؤيتك الحبيب
تَمنى أن تعيــــش له طــــــويلا *** ويزهو فيك ناديه الرحيب
وتبقي تعمـــــــر الأعواد دوما *** فتخشع من قراءتك القلوب
فياويح الحمـــــــــــام بكل حين *** لــــــه مِنا على عمدٍ نصيب
ستبقى ذكــــــــــرياتك والليالي *** يرددها الأبـــــــاعدُ والقريب
وأفضل الناس ما بين الورى رجل *** تقضى على يده للناس حاجات
لا تمنعن يد المعروف من أحــــــــد *** ما دمت مقتدراً فالسعد تـــارات
وبعد سماع خبر نعي (أبا جواد)، شعر الجميع، وخصوصا سكان حي الشعبة، بعظم الفاجعة، وألم الفقد، فخلف هذا الحدث في نفوس مريديه، ومحبيه فراغا ولوعة. وينقل الحاج حسين بن حسن بوكنان "أنه سَمعَ عدة أبيات من الشعر"، نضمها والقاها سماحة السيد ناصر السيد هاشم السلمان في المسجد الجامع، يرثي فيها الملا ناصر الخميس، وتصور مدى العلاقة المتينة، والود المتبادل بينهما.
استثمر الملا ناصر الخميس (رحمه الله) سنى حياته، لتحقيق اهدافاً سامية، منها، خدمة منبر سيد الشهداء، والسعى في قضاء حوائج المؤمنين. فأحب الناس، وأحبوة، وبنوا له قصراً في قلوبهم، كشخصية مثالية، تستحق التقدير والاجلال.
فهل هو ممن عبرعنه الشاعر، حيث قال :
جديد الموقع
- 2024-05-01 النقد الأدبي بين الفاعلية والمجاملات الرقمية والإعلامية.
- 2024-04-30 سمو محافظ الأحساء يرأس المجلس المحلي للمحافظة
- 2024-04-30 سمو محافظ الأحساء يرأس اجتماع اللجنة العليا لإنشاء المستشفى الجامعي التعليمي
- 2024-04-29 وعي القلم والأمل نص مستخلص من مجموعة (كلام العرافة) للدكتور حسن الشيخ
- 2024-04-29 ريم أول حكم سعودية لرياضة رفع الأثقال حازت على الشارة الدولية
- 2024-04-29 بيئة الأحساء تدشّن أسبوع البيئة 2024 تحت شعار "تعرف بيئتك"
- 2024-04-29 منتدى البريكس الدولي يكرم الفنان السعودي الضامن في غروزني الشيشان ..
- 2024-04-29 حققوا المركز الأول على مستوى المملكة كأعلى تسجيل للطلاب طلاب "تعليم الرياض" يفوزون بـ13 ميدالية في أولمبياد "أذكى"
- 2024-04-29 جمعية العمران الخيرية بالاحساء للخدمات الاجتماعية تحظى بتكريم مرموق من مركز الملك عبد العزيز للتواصل الحضاري .
- 2024-04-29 مبادرة خطوة قبل الشكوى تبدأ فعالياتها بتأهيل اناث الدمام