2010/07/05 | 0 | 2829
المطوعة سلطانة...الشجرة المثمرة
في الخليج، تُطلقُ كلمة (المُطََوع) على المكان الذي تَتلقى فيه الفتياتُ أو الصبيانُ مبادئَ قراءة القرآن الكريم وتجويده. ويُسمَّى في بعض المناطق (بالكتاتيب).
وفي الأحساء، وقبل انتشار التعليم النظاميِّ في المنطقة، عَرفَ المجتمعُ هذا النوعَ من التعليم منذ قرون، وكان التعليم يُشجَّعُ ويُحثُّ عليه من قِبَل الأهالي على الرغم من شظف العيش وقلة الموارد في العقود الماضية. وتشير الكثيرُ من الوثائق القديمة، إلى أعداد كبيرة من النخيل وغيرها، قد أُوقِفتْ من قِبَلِ بعض المحسنين لدعم دور التعليم ومن يقومون عليها. وهذا موشرٌ على مدى ارتباط الناس بالعلم ودعمهم له في هذه المنطقة.
يقول الشيخ محمد عليِّ الحرز، في بحثه القيم بعنوان (المطوع في الأحساء، المعالم والتاريخ) :
"إن الأحساء كانت تمتلك في تاريخها وتراثها الخاصِّ في مجال التعليم من حيث الأسلوب، والمنهج، والمصطلحاتِ التعليمية، والاحتفاء بالختمة، وطريقة التحميدة، وغيرها، الأمر الذي ميَّزها وجعلها صرحًا علميًّا بارزًا".
ولم يكن المعلم في المطوع موظفًا رسميًّا يتقاضى راتبًا على عمله، وإنما يؤدي مهمته لوجه الله للمتعلم الذي لا يستطيع الدفع، أما ميسورُ الحال فيقدِّم أهلُه للمطوع ممَّا تملكه أيديهم من تمر أو حبوب أو نقود في نهاية المرحلة أو الفصل.
ومن ألأمثلة الدالة على ارتباط السكان بالتعليم ودعمهم له في هذا الحي, فقد تولى الحاج المرحوم أحمد بن محمد السعود الحداد مهمة الإشراف على ملف تعليم أبنائه وأبناء إخوانه (وأبناء المرحوم محمد السعود الحداد هم ثلاثة إخوة جاسم، وسعود، واحمد).
وذكر لنا ألأستاذ عبدالله سعود الحداد (بوزكي)، أن عمه أحمد (رحمه الله) قد استأجر بيتا في محلة حريجة, واتفق مع المرحوم الملا حسين الجبران (من البطالية) على أن يتولى مهمة تعليم أبنائهم في ذلك البيت. وأذن للشيخ الجبران في أن يلحقَ طلاب آخرين بهذه المدرسة, وله الحق في الأستفادة من أجرة تعليم هولاء الأطفال. وفي مرحلة لاحقة، قام الحاج أحمد بن محمد السعود الحداد على تسجيل أولاده وأولاد أخوانه بأول مدرسة حكومية في مدينة المبرز، وهي المدرسة الأولي بالمبرز. حيث تخرج أبن أخية الحاج طاهر بن سعود الحداد من هذه المدرسة في عام ١٣٨٣ هـ.
تعريف...
عَرفَ مُجتمعُنا أفرادًا تميزوا بالعطاء، فكانت خدمة الغيرِ ونفعهم هدفًا لهم ومصدرًا لسعادتهم، والقائمة طويلة لمن سلكوا هذا الطريق، وخصوصًا من نََذروا حياتهم في سبيل رسالة العلم والتعليم.
وفيما يلي نعرض مثالاً لإحدى المربياتِ الفاضلاتِ ممن حملْن مشعل العلم، وأخذْن بأيدي المتعلمين، وهي (المطوعة سلطانة) التي تُعتبر من الرائداتِ في مجال التعليم الأهليِّ المعروف بالمطوع.
أمضتْ هذه المعلمة أكثرَ من أربعين عامًا متواصلة في تعليم الفتياتِ في حيِّ الشعبة بمدينة المبرز؛ فتخرَّج من منزلها المئاتُ من المتعلماتِ اللاتي يلهجْن بالابتهال إلى الله بالرحمة لها بعد انتقال روحها الطاهرة إلى بارئها.
المولد والنشأة...
هي الحاجة المرحومة (فاطمة بنت المرحوم عيسى بن أحمد البوحسن)(١). ويعرفها المجتمع باسم (المطوعة سلطانة)، وهي من مواليد حيِّ الشعبة القديمة بالمبرز عام ١٣٤٣هجرية. وقد ذاقتْ مرارة فقدان عطف الأم بوفاتها, وهي طفلة صغيرة، فتربَّت في كنف والدها وتحت رعايته مع اثنتين من الشقيقاتِ، وقامتْ على تعليمها (المرحومة مريم) وتُعرَف أيضًا بسلطانة الأم.
وبعد زواج (المطوعة سلطانة) من أحد أقربائها أنجبتْ خمسةً من الولد ولكنهم توفوا صغارًا. وبعد انفصالها عن زوجها الأول وُفِّقت بالزواج من أحد المؤمنين والذي كان لها خيرَ سندٍ لها في هذا الطريق المبارك, حيث ساعدها في أداء هذه الرسالة النبيلة في بيته ولفترة من الزمن.
البيت المدرسة...
إيمانًا منها - رحمها الله - بأهمية المكان والجوِّ الدراسيِّ في عملية التعليم، فقد اشترتْ المطوعة سلطانة بيتًا في المبرز، وهيأته ليكونَ مقرًّا للتعليم وتدريس الفتياتِ القرآن الكريم ومبادئ القراءة(٢).
يقع هذا البيتُ في الجنوب الغربيِّ للمسجد الشرقيِّ بحيِّ الشعبة، قرب (براحة أم عجاج) التي تقع قرب بوابة (دروازة) الشعبة القديمة في جنوب المسجد الشرقيِّ حاليًّا. ولهذه البراحة أهمية اقتصادية حيث كانت المكان الذي يتجمع فيه عمال المزارع صباحًا- ويُعرف باسم سوق (المچرية)- حيث يقفُ فيه الفلاحون الراغبون في العمل بالأجر اليوميِّ، وقرب صخرة معروفة في البراحة تُعرفُ بصخرة (أم عجاج). والوصف الهندسيُّ لهذه البراحة أنها على شكل مستطيل غير مستوٍ، تميل للارتفاع في اتجاه الغرب, وهي متوسطة المساحة، وحاليًّا أرضها مرصوفة بالبلاط.
يقول الشيخ (حسين بن عليِّ البوخضر) عن أهمية براحة أم عجاج: "كانت هذه البراحة في الماضي، هي نقطة تجمُّع الحجاج وزوار قبل انطلاقهم إلى الأماكن المقدسة، فكانت تقف في هذه البراحة سيارتان كبيرتان (من نوع المرسيدس) لتحمل الزوار وأمتعتهم لتلك الرحلة الإيمانية".
والجدير بالذكر، أنه في فترة لاحقة انتقل مكان تجمُّع الزوار ووقوف السيارات إلى خارج بوابة الشعبة، في جهة الغرب لمزرعة (وقف مستورة).
فالذكـرُ للإنسانِ عمرٌ ثانٍ...
عَُرِفَ عن المطوعة سلطانة عفة اللسان والتسامح. فعلى سبيل المثال، كان من المتعارَف عليه أن يدفع أهلُ البنت مبلغًا رمزيًّا من المال, وهي ريالاتٍ قليلة للمطوعة تُعرَف (بالشهرية)، إلاَّ أنها - رحمها الله - كانت رفيقة بالمتعلمين ولا تُلزِم الجميع بالدفعِ، وخصوصًا من تكون حالتهم المادية ضعيفة، بل كان البعض لقلة ذات اليد لا يدفعون لها إلا بعد أن تشبَّ البنتُ وتُخطب للزواج!.
كما عَملتْ على إعداد جيلٍ من القارئاتِ (المُلاياتِ) لخدمة المآتم الحسينية. وساهم هذا المقرُّ الجديد في استيعاب أعداد كبيرة، ووفر للفتياتِ المكان المناسب، والخصوصية اللازمة للتحصيل والإبداع. وبهذا ضربتْ لنا هذه المرأة الصالحة مثالاً رائعًا للعلاقة الحميمة بين المربِّي والتلميذ.
تخرَّجَ في هذه المدرسة العشراتُ من المعلماتِ اللاتي سرْنَِ على النهج نفسِه، وحملن مشعل العلم من بعدها، وكنَّ خير خلفٍ لتلك الأم الرءوم والمعلمة القدوة.
وفي حيِّ الشعبة، هناك الكثيراتُ ممن سلكنَ هذا الطريق (معلماتٌ للقرآن الكريم أو ملايات حسيني)، وقد زودني (الحاج حسين بن حسن البوكنان) مشكورًا بهذه القائمة.
المرحومة مريم حجي الكويتي
المرحومة أم عايش الزيد
السيدة فاطمة السيد حسن السلمان
المرحومة بتلة البراهيم
المرحومة نوره العبد الله
السيدة مريم السيد علي الحسن
المرحومة خيرية الأربش
المرحومة بتلة البوصالح
المرحومة فاطمة عبد العزيز العبدالواحد
المرحومة أم موسى الموسى
المرحومة أم جواد الشاوي
المرحومة أم عبد اللطيف النشمي
المرحومة أم عبد الله علي البحراني
المرحومة زهرة المؤمن
السيدة مدينه (أم عبد الله البوعلي)
المرحومة أم إبراهيم الصاغة
المرحومة آمنة الزيد
المرحومة فاطمة الكويتي (أم حسين)
المرحومة آمنة أحمد البناي
المرحومة فاطمة الجد
المرحومة فاطمة البوحسن (سلطانة)
المرحومة أم حسين الأربش
المرحوم أم فضل القمبر
المرحومة مريم محمد البراهيم
السيدة مريم السيد حسين العلي
المرحومة علي الماجد
المرحومة فاطمة الصالح
المرحومة بشرية البشر
المرحومة أم عايش الرشيد
مصدر هذه المعلومات: الحاج حسين بن حسن بوكنان
خدمة سيد الشهداء...
سخَّرت هذه المرأة جميع إمكانياتها لهذه المهمة والنبيلة، وقدمتْ للمجتمع خدماتٍ جليلة، فإضافة لشرف التوفيق لخدمة القرآن وتعليمه، كانت من المساهمين في مأتم أبى الأحرار كملاية حسينية، فجعلتْ من بيتها منارة للإشعاع ونشر علوم (آل محمد)، وتخرَّج من هذا البيت أعدادٌ من القارئاتِ، ممن سِرنَ على نهجها المبارك، لخدمة سيد الشهداء، ومنهم نساءٌ فاضلاتٌ، من الشداد، والخلاص، والحداد، والعبادي، والبوسنة وغيرهم الكثير.
وفي حال سفرها للحج أو للزيارة، فقد كانت تُوكِل مهمة الإشراف على المدرسة إلى الحاجة الفاضلة فاطمة بنت الحاج صالح الحسن - وهي في مقام ابنتها - حرصًا منها على استمرار الدراسة دون توقف.
عُرفتْ (رحمها الله) بحبها لخدمة سيد الشهداء في حياتها وبعد مماتها. فكانت مثالاً للداعمين لديوانه، فأوقفتْ بيتها ليكون في خدمته ولإحياء ذكرى مناسباتِ أهل البيت عليهم السلام. وبذلك تكون إن شاء الله من الراكبين في سفينة النجاة. والوليُّ على هذا البيت حاليًّا هو أحد العلماء الأعلام في المنطقة.
كما علمنا أنَّ لها أيادٍ بيضاء على كثير من المعوزين من أبناء المجتمع، لكننا لم نتمكن من الحصول على معلومات كافية في هذا الصدد.
وقفة مع هذه الشخصية...
استطاعتْ (المطوعة سلطانة) كامرأة، ورغم ظروفها القاسية أن تُسجلَ اسمها في سجل المؤثرين، وهم قلة في المجتمعات. ونعتقدُ أنَّ السرَّ يكمنُ في وعيها بأهمية الرسالة ومواصلة الطريق.
وعند سؤالنا لزينب.ع.م. البحراني(٣)، وهي من كاتباتِ الجيل الأدبيِّ الجديد: ماذا تقرأ في سيرة المطوعة سلطانة؟
"قد يبدو ما أقرأه أنا بعيدا عن ذهنك قليلا، أو على الأقل.. لا يقع على خطّ توقّعاتك بالنّسبة لفتاةٍ من الجيل الذي أنتمي إليه. ربّما لأنني أركّز اهتمامي على قوّة شخصيّتها كامرأة في تلك الفترة أكثر من تركيزي على فعاليّة وجودها الاجتماعي. ولعلّ سرّ ذلك يكمن فيما أراه حين أقارن بين أحوال المرأة في الزّمن الحاضر والزّمن الفائت، إذ كثيرًا ما يفاجؤني في سيرة امرأة الزّمن الغابر أنّها كانت تتدبّر أمورها بصلابة أكبر من حفيدتها أو ابنة حفيدتها الجديدة. رغمّ أنّ تسهيلات الزّمن الحاضر تهبها فرصة أكبر لتدبّر أمور الحياة بسهولة أوفر. ومن هنا يتصاعد إعجابي بشخصيّة المطوّعة (سلطانة/ بنت عيسى) لأنّها رغم جميع ما مرّ بها من أحداث مؤسفة، والتي منها وفاة أطفالها الخمسة، وانفصالها عن زوجها الأوّل، وضعف بصرها.. ثمّ ما تبع ذلك من مشاكل ألمّت بحياتها، لم تستسلم على الإطلاق!..
لم تسلّم أمرها للتداعي والانهيار النفسي وصولا إلى الموت أو الجنون، بل كافحت لتكمل حياتها بطريقة تؤكّد أنّها بفطرتها وحدها استطاعت الوصول إلى ما تعجز عن بلوغه الكثيرات من المتعلّمات وحاملات الشهادات المدرسيّة والجامعيّة العالية في العصر الحديث.. بل تفوّقت بصلابة شخصيّتها الفطريّة، والتي ربّما لم تفطن إليها هي نفسها، على الكثير من شبّان ورجال فترتنا الرّاهنة، الذين سرعان ما يلقي بهم اليأس في هاوية العجز وفُقدان الثّقة بالنّفس، ومن ثمّ الانطواء على الذّات والانزواء عن الاختلاط الفعّال بالمُجتمع". انتهي
نهاية المطاف...
يقول الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم) : «خيرُكُم من تعلَّم القرآنَ وعلَّمَه». والمطوعة سلطانة من الرائداتِ في مجال التعليم وخصوصًا القرآن الكريم في حيِّ الشعبة قبل انتشار المدارس الحكومية للبنات.
ضربتْ هذه المؤمنة لنا مثالاً جميلاً، لمن سخَّر إمكانياته جميعها لرسالة التعليم، وعملتْ على غرسِ روح العلمِ والعطاء، وخصوصًا لمن يتعلمُ تحت رعايتها. كانت ولعقودٍ من الزمن تعمل بصبر وهمة عالية، وتفانٍ رغم الإعاقة، حتى أنهكتها آلام المرض. وظلت طريحة الفراش لأشهر، وفي هذه الفترة تكفلتْ برعايتها السيدة الفاضلة أم الأستاذ حسين بن عليِّ العبدالله (الشاعر). وفي تاريخ ١٥/٢/١٤١٧هجرية، انتقلت إلى رحمة الله تعالى، ودُفِنتْ في مقبرة الشعبة. رحمة الله عليها، وأسكنها فسيح جنانه.
ملاحظة: سوف يصدُر هذا الموضوع وغيره، ضمن كتاب بعنوان " كشكول حيِّ الشعبة...سيرة الحيِّ والمجتمع"، بقلم الكاتب. ففي حال وجود أخطاء أو إضافاتٍ الرجاء التنبيه عليها.
جديد الموقع
- 2024-05-01 النقد الأدبي بين الفاعلية والمجاملات الرقمية والإعلامية.
- 2024-04-30 سمو محافظ الأحساء يرأس المجلس المحلي للمحافظة
- 2024-04-30 سمو محافظ الأحساء يرأس اجتماع اللجنة العليا لإنشاء المستشفى الجامعي التعليمي
- 2024-04-29 وعي القلم والأمل نص مستخلص من مجموعة (كلام العرافة) للدكتور حسن الشيخ
- 2024-04-29 ريم أول حكم سعودية لرياضة رفع الأثقال حازت على الشارة الدولية
- 2024-04-29 بيئة الأحساء تدشّن أسبوع البيئة 2024 تحت شعار "تعرف بيئتك"
- 2024-04-29 منتدى البريكس الدولي يكرم الفنان السعودي الضامن في غروزني الشيشان ..
- 2024-04-29 حققوا المركز الأول على مستوى المملكة كأعلى تسجيل للطلاب طلاب "تعليم الرياض" يفوزون بـ13 ميدالية في أولمبياد "أذكى"
- 2024-04-29 جمعية العمران الخيرية بالاحساء للخدمات الاجتماعية تحظى بتكريم مرموق من مركز الملك عبد العزيز للتواصل الحضاري .
- 2024-04-29 مبادرة خطوة قبل الشكوى تبدأ فعالياتها بتأهيل اناث الدمام