2011/07/15 | 0 | 2608
المرحوم محمد بن الحاج علي بن أحمد البحراني
والحاج محمد بن المرحوم علي البحراني (وهو شقيق سماحة الشيخ عبدالكريم البحراني) من مواليد الأحساء بمدينة المبرز. أما والده فهو الحاج علي بن أحمد البحراني, من صاغة المبرز المهرة, والذي عرف عنه (أي الحاج علي) النزاهة والورع والأمانة في التعامل. تَعلمَ حرفة الصياغة على يدي الحاج علي البحراني عدد من أبناء الأسرة الكريمة ومنهم أبناءه كما تعلم على يديه الحاج محمد بن المرحوم أحمد البحراني (والد الشيخ حسين البحراني رحمة الله عليهم).
إقترن الحاج علي بن المرحوم أحمد البحراني بزوجته الأولى المرحومة زهرة بنت الحاج محمد بن عبدالله البحراني وأنجب منها (الشيخ عبدالكريم, والفقيد السعيد, والمرحومة فاطمة أم جواد). أما زوجته الثانية فهي المرحومة أمنة بنت المرحوم أحمد بن إبراهيم القضي وأنجب منها (الحاج عبدالله, والحاج حسين, والحاج أحمد, والفاضلة أسماء).
وسمعت أن أم المرحومة زهرة بنت الحاج محمد بن عبدالله البحراني, هي المرحومة نورة بنت عبدالله بن إبراهيم بن علي البحراني (وإبراهيم هو صاحب الأوقاف المعروف في الهفوف).
أما أم الحاج علي بن أحمد البحراني, فقد نقل لي سماحة الشيخ عبدالكريم البحراني أن جدته من جهة الأب (المقصود أم الحاج علي البحراني) فهي المرحومة فاطمة بنت حسن بن أحمد البحراني وهي أخت المرحومة نرجس بنت حسن البحراني من الهفوف.
إقترن الحاج محمد بن علي البحراني بالفاضلة أمنة بنت المرحوم محمد بن أحمد البحراني (أم عبدالله), وأنجب منها (عبدالله, وعبدالمحسن, وعبدالمجيد, وعلي, وعبدالغني, وعدد من البنات الصالحات). وتزوج من الفاضلة فاطمة بنت المرحوم محمد بن أحمد البحراني (بنت المرحوم محمد بن أحمد البحراني الصغير), ولم يرزق منها بذرية. وعندما توفي (رحمة الله عليه) كان في ذمته أم عبدالله فقط.
وقدر لي أن أحضر موقفا بين الزوجتين قبل عدة سنوات توقفت عنده كثيراً, وعكس سمواً في الخلق وإنكار للذات من قبل أم عبدالله. حيث شاهدتها وهي تقوم على زيارة وتفقد الحاجة فاطمة بنت المرحوم محمد بن أحمد البحراني, عندما كانت تنام في مستشفى بن جلوي. ترك هذا الموقف في نفسي قدراً كبيراً من الاحترام والتقدير لأم عبدالله (حفظها الله ومتعها بالصحة والعافية). حدث الموقف قبل عدة سنوات .
التقيت بالأخ الفاضل أحمد بن الشيخ عبدالكريم البحراني
بعد الفاتحة وسألته عن مواطن تميز شخصية الفقيد, فقال :
في البداية أقول, لقد فقدنا رجلٌ فاضل هو في مقام الأب. فأنا منذ أن وعيت في هذه الحياة وأنا أراه من حولي, حريص على أوقات الصلاة وأدائها في المساجد. أكن له الكثير من الاحترام والتقدير, وأعتقد أنه شعورٌ متبادل.
فللعم محمد (رحمه الله) مواقف كثيرة في ذاكرتي على مدى عقود من الزمن. منها :
أتذكر جيداً أنه هو من بادر على القيام بتسجيلنا أنا والعم أحمد (بو أيمن) وأخي حسن (بوعلي) في المدرسة الأولى بالمبرز في عام 1388 هـ (تقريبا). حيث أخذنا معه إلى الهفوف للتصوير, ومن ثم أنهى إجراءات تسجيلنا في المدرسة. أتذكر أننا درسنا في هذه المدرسة على بساط مفروش على الأرض ولمدة أسبوع واحد, في ساحة مفتوحة تقع أمام فصولٌ مبنية من الطين, قبل أن يتم نقلنا إلى مدرسة صلاح الدين الأيوبي.
وفي أسبوعه الأخير كان (رحمة الله عليه وأسكنه فسيح جنانه) دائم السؤال عن أخيه (الوالد), وكانت أخر زيارة له للوالد قبل أسبوع من وفاته, وقد ذكر لي الوالد (حفظه الله) بعد وفاة أخيه قوله : "أن أخي محمد جاء وكأنه يودعني".
ومن علامات شخصية العم (بوعبدالله) البارزة التعفف والتحرز في التعامل مع النساء بحكم عمله كصائغ, وهي من علامات التقى والبعد عن الشبهات, بل يعدها (رحمة الله عليه) من المروءة وكمال الرجولة.
يقول أحمد بن الشيخ عبدالكريم البحراني ...
ذكر لي العم محمد (بوعبدالله) هذا الموقف, يقول :
جاءته يوماً امرأة في دكانه بسوق المبرز, ويتضح من كلامها وتصرفاتها أنها من بيت كريم (أجاويد), وجلست على عتبة الدكان, وطلبت منه إصلاح بعض المصاغ. وكانت تتحدث معه بصوت خفيض (همسا), ولكنه في رده عليها كان يتعمد أن يرفع صوته أكثر من المعتاد.
فقالت له المرأة : لماذا تتحدث بصوت عالي (تصوت)... أنا أسمعك جيداً !
فقال لها : أنا متأكد أنكِ تسمعيني, ولكن هناك عدد من الرجال يجلسون قرب الدكان وأحب أن يعلموا أننا نتحدث عن المصاغ وقيمة تصليحه.
وهذا التصرف ينم على بعد نظره والحرص على السمعة والصيت في المجتمع, والبعد عن مواطن الشبهات والريبة. (انتهى كلام أحمد بن سماحة الشيخ عبدالكريم البحراني).
وفي لقاء مع أبنائه, سألتهم عن بعض نصائح والدهم
فذكر لنا ابنه عبدالمحسن, جملة من نصائح والده, يقول :
في حال الذهاب لأي مشوار خارج البيت, فكان يؤكد على : أهمية أن نعلم أحد أفراد الأسرة ونعلمه (جهة هذا المشوار, ومع من), وكان الوالد يقول أنها وصية والده له.
· وحتى في أخر أيام حياته, كان يوصي أبنائه وأحفاده (يوسف بن عبدالمجيد على سبيل المثال) على الصلاة جماعة في المسجد, وتأكيده القوي على حضور مجالس أبى الأحرار مهما كانت الظروف. وقد أعتاد أن يغلق دكانه في جميع مناسبات وفايات المعصومين. وينقل أبنه عبدالغني عنه أنه كان يردد هذه المقولة (من حصل يوم التعطيل... عطل يوم التحصيل).
· ومن إرشاداته (أن لا تأخذوا شيئا من أحد) حتى لو كنتم في حاجة ماسة لذلك الشيء.
· وكان يولي النظافة والطهارة إهتمام خاص, حيث خصص غسالة خاصة في البيت لملابسه.
· ومن عادته اليومية, فبعد صلاة الفجر, كان يجلس ويقرأ دعاء الصباح ويتلو بعضٌ من الذكر الحكيم من المصحف.
· وذكر لي أبنه (عبدالغني) أن الوالد كان يوصيني وهو في المستشفى أن أبلغ الوالدة أن لا تقطع العادة (والمقصود عادة تجمع أبنائه وبناته ليلة الجمعة وتحضير العشاء لهم). وهذا ينم على حرصه على اجتماع أبنائه وبناته في بيته وتكاتفهم.
· وكانت أهم وصاياه (التحرز) في التعامل مع النساء, وخصوصاً الأجنبيات. وأن يكون التعامل معهم في أضيق الحدود. يقول إبنه (عبدالمحسن), عملت مع والدي (رحمه الله) لأكثر من خمسة عشر سنة في مجال عمله, ووجدته صارمٌ وصريح في هذا الجانب.
· يقوم على جميع أموره الحياتية بنفسه, وقد تعلم قيادة السيارة مبكراً وأعتمد على نفسه في تنقلاته وقضاء شؤونه اليومية.
· وكان يوصي أبنائه باحترام الكبير وتقدير الصغير. يقول (أبنه عبدالمحسن), ومن عادة الوالد أن يتعمد القيام للشباب للسلام عليهم, وهم في سن أولاده, مع معاناته في سنواته الأخيرة من مشاكل في الركبة. وكنت أقول له : (لا داعي أن تقوم فهو شابٌ في سن أحفادك), فكان يقول لي: يجب أن أظهار التقدير والاحترام للشباب, فسوف تظل هذا المواقف في ذاكرتهم عندما يكبرون. ويضيف الوالد قائلاً : فأنا أتذكر إلى الآن من كان يعاملني باحترام وتقدير عندما كنت شاباً.
· وينصح أولاده وأقربائه بالاستشارة في أمورهم والتروي. وكان يركز على أهمية انتقاء الأصدقاء والأصحاب. فيقول : "سوف تحسبُ الناسَ عليكَ تصرفاتِ وأقوالِ من تصاحب ومن تماشي".
التقيت بسماحة الشيخ عبدالوهاب بن المرحوم محمد البحراني (حفظه الله)
و سألته كيف تصف لنا الحاج المرحوم محمد بن الحاج علي بن أحمد البحراني, وما هي مواطن تميز الفقيد !
فقال : هو من المؤمنين الأخيار, فلقد عرفته عن قرب لعدد من السنوات, لديه (رحمه الله) مستوى عالي من الاعتداد بالنفس, كما كان لديه فراسة في معرفة الرجال ومعادنهم, منظم في برنامج حياته اليومي (في أوقات أكله, ونومه, وذهابه لدكانه). يحرص على إكرام من يفد عليه أكبر الإكرام,. كما عرفنا عنه نظافة الملبس والجسم والاهتمام بهيئته. لم يعرف عنه تدخله في شؤون الآخرين, كما أنه حازم في أموره وفي بيته.
وٍسألت الأخ الفاضل حبيب بن المرحوم حسين بن محمد البحراني عنه فقال :
المرحوم الحاج محمد بن العم علي البحراني (رحمه الله) : من الشخصيات العصامية, عرفنا عنه احترامه للجميع, كان لحضوره هيبة, كما كانت تظهر على محياه سمات الوقار والإيمان. عرف عنه اهتمامه الخاص بمظهره العام. يحترم الجميع و لا يرضى بذكر الآخرين بسوء في مجلسه.
كما نقل لي الأخ حبيب (بوحسين) أن أخيه الحاج علي بن المرحوم حسين بن محمد البحراني (بو أحمد) وصف الفقيد قائلاً "لم نعهد منه التدخل في شؤون الآخرين, ولم يعرف عنه التعدي على الغير بالقول أو الفعل (نقلتُ كلام بوحسين أو في ما معناه). (انتهى).
وصفه أخيه الحاج عبدالله بن المرحوم علي أحمد البحراني, بقوله :
عرف عن أخي (بوعبدالله) الشهامة والوفاء بما يعد به, وهو من صاغة سوق المبرز المعروفين, وكان يصوغ المرتعشات, والمناجر, والنجاريات, وهي من المصاغات التي تحتاج لدقة ومهارة. وأتذكر أن أخي بوعبدالله هو من قام على تسجيلي بالمدرسة الأولى بالمبرز.
كما أن الوالد (الحاج علي البحراني رحمه الله) من الرجال الذين يتسمون بالهدوء والرزانة, محترم في مجتمعه وعشيرته, وخصوصا في مجال حرفته. وهو مشهور بالنقش الجميل والمتقن على المصاغ. (انتهى).
وفي رأي أن اهتمام الفقيد وسعيه لتسجيل إخوانه وأبناء أخيه بالمدارس الحكومية في مرحلة مبكرة, هو جانب علينا التوقف عنده, فهو يعكس مستوى فكره النير اتجاه التعليم النظامي, في وقت كان المجتمع في المنطقة قد انقسم إلى فريقين, فريق مع التعليم النظامي وفريق آخر ضد اللحاق الأبناء بالمدارس, بل محاربٌ للمدارس النظامي الحكومية, وكان الفريق الثاني هو الأقوى في المجتمع في ذلك الوقت. علما أننا نتحدث عن حقبة السبعينيات والثمانينيات بعد الثلاثمائة والألف من بعد الهجرة النبوية الشريفة.
كف العباس (عليه السلام) ...
اعتادت أحدى المؤمنات الكبيرات في السن (عجيز) المجئ إلى دكان الحاج محمد بن المرحوم علي البحراني في سوق المبرز. وكانت لهذه المرأة عادة سنوية في شهر محرم من كل عام, حيث تطلب من المرحوم أن يقوم بصياغة (كف من الفضة) يرمز لكفي أبي الفضل العباس (عليه السلام). وكان (أبو عبدالله) يقوم بهذا العمل في كل سنة ويوليه اهتمام خاص, حيث تحرص هذه المؤمنة على أن يكون هذا الكف الرمزي والمصنع من الفضة جاهزاً قبل اليوم السابع من محرم ليوضع في مجلس عزاء سيد الشهداء.
وفي إحدى السنوات, مرت على الفقيد ظروف صحية قاهرة ألزمته الانقطاع عن عمله لفترة أشهر, وصادف قرب حلول شهر المحرم, وهو شهر الحزن وحضور مجالس العزاء والقراءة الحسينية, وهو الذي عرف عنه حرصه وحثه على حضور مأتم سيد الشهداء .
وفي اليوم الرابع من شهر محرم الحرام (تقريبا), حاول جاهدا العودة لدكانه ومقر عمله متوقعا مجئ تلك المرأة, وأيضا لحضور مجالس العزاء, ولكن الظروف لم تتيسر.
يقول الفقيد (رحمه الله) :
في ذلك اليوم شعرت بالحزن الشديد, وخطر ببالي (تلك المرأة المؤمنة) وأنها سوف تأتي للدكان كعادتها في هذه الأيام, لتطلب (الكف الفضي), ولن تجدني بالدكان وهي لا تعرف ظروفي وما أمر به من مشقة وألم. ولن تتمكن هذه المؤمنة من القيام بعادتها السنوية.
عندها يقول :
توجهت وبحرقة مناديا, أبي الفضل عليه السلام, ومتوسلاً به :
"سيدي أبي الفضل, سهل أموري, أريد الذهاب لدكاني لعمل كفك السنوي"
سيدي : أعدك أني سوف اذهب إلى الدكان مباشرة!
سيدي: عندما أسترد طاقتي وتتيسر أموي, فلن أغير ملابسي, ولن أحلق ذقني, قبل أن أنهي عمل (كفك) ليكون جاهزاً قبل اليوم السابع من المحرم.
يقول أبوعبدالله :
وفي اليوم الخامس من المحرم, تحسنت الظروف بشكل ملحوظ وأصبحت قادراً على الرجوع إلى الدكان.
يقول (أبو عبدالله) :
توجهت مباشرة إلى الدكان, ولم يهنأ لي بال في ذلك اليوم حتى أنهيت صياغة (كف أبي الفضل). (انتهى).
وفي هذه الواقعة مضامين عدة, ودروس منها التوكل على الله والتمسك بأهل العترة (عليهم السلام). روى لي هذه القصة الأخ الفاضل أحمد بن سماحة الشيخ عبدالكريم البحراني, وهو بدوره قد سمعها مباشرة من الفقيد.
وفي الختام :
عندما ينتقل الإنسان إلى الدار الآخرة, يترك خلفه أرثٌ مادي ومعنوي, ومن ضمن تركة الفرد, الذكر الحسن والسمعة العطرة في مجتمعه. ولقد جسدت لنا شخصية الحاج محمد بن المرحوم علي البحراني عدد من الشمائل والصفات الحميدة, قد عرضنا شيئا منها. وذلك من باب دراسة سير الرجال, والتوقف عند بعض محطات حياتهم والتمعن في طريقة عيشهم. وقد تورث دراسة جوانب من حياة تلك الشخصيات التأسي بهم, وقد تسهل محاولة محاكاتهم, وخصوصا في الجوانب الايجابية منها. فنحن أولاً وأخيراً بشر قد نصيب ونخطي, والفرق بين الناس في هذا الجانب هو جسامة الخطأ !
دفن (رحمة الله عليه) في مقبرة الشعبة بالمبرز, وأقيمت له فاتحة في حسينية الرسول الأعظم, وهي أول فاتحة تقام في هذه الحسينية منذ افتتاحها في مناسبة وفاة الرسول الأكرم عام 1431 هـ. فرحمة الله عليه وحشره مع محمد وآله الطيبين الطاهرين.
ملاحظة: هذه نسخة أولية, وأرجو تنبيهي على مواطن الأخطاء في هذا التعريف, وأدعو كل من يملك معلومات جديدة أو صورة لتضاف لهذا التعريف قبل نشره في موقع الأسرة.
جديد الموقع
- 2024-05-01 النقد الأدبي بين الفاعلية والمجاملات الرقمية والإعلامية.
- 2024-04-30 سمو محافظ الأحساء يرأس المجلس المحلي للمحافظة
- 2024-04-30 سمو محافظ الأحساء يرأس اجتماع اللجنة العليا لإنشاء المستشفى الجامعي التعليمي
- 2024-04-29 وعي القلم والأمل نص مستخلص من مجموعة (كلام العرافة) للدكتور حسن الشيخ
- 2024-04-29 ريم أول حكم سعودية لرياضة رفع الأثقال حازت على الشارة الدولية
- 2024-04-29 بيئة الأحساء تدشّن أسبوع البيئة 2024 تحت شعار "تعرف بيئتك"
- 2024-04-29 منتدى البريكس الدولي يكرم الفنان السعودي الضامن في غروزني الشيشان ..
- 2024-04-29 حققوا المركز الأول على مستوى المملكة كأعلى تسجيل للطلاب طلاب "تعليم الرياض" يفوزون بـ13 ميدالية في أولمبياد "أذكى"
- 2024-04-29 جمعية العمران الخيرية بالاحساء للخدمات الاجتماعية تحظى بتكريم مرموق من مركز الملك عبد العزيز للتواصل الحضاري .
- 2024-04-29 مبادرة خطوة قبل الشكوى تبدأ فعالياتها بتأهيل اناث الدمام