2021/08/27 | 0 | 2182
" المثقف " ( شيطنة المصطلح )
" لفيف " “ Lviv “
أكتب هذا الأسطر من مدينة لفيف الأوكرانية ذات الجمال و العراقة التاريخية ، بعد أن وصلنا لها مع قروب سياحي نظم هذه الرحلة وأعد لها برنامجها اليومي ، فقبل سويعات إنتهينا من جولة شملت بعض المرافق السياحية الجميلة لهذا اليوم الخميس 8/26 وكان أحدها " الحديقة الشعبية " التي تضم بيوت القرويين على ضفاف الأنهر في العصور القديمة ، ولفت نظري وجود تمثال لرجل كامل بلباس راقي متمدن ، و تسائلت مع نفسي " كأني رأيت تمثال هذا الرجل منصوبا في الساحة الخارجية لمبنى الأوبرا الواقع في مركز مدينة لفيف الذي زرناه قبل يوم ، وقد كانت زيارة سريعة لكثرة الجماليات في وسط المدينة ، ولم يكن المجال مفتوحا للتفاصيل . وجاء الوقت عندما خرجنا إلى أطراف المدينة ، وعند مدخل " القرية الشعبية " أن نعرف بعض هذه التفاصيل التي أثارها وجود هذا التمثال بوضعه المميز ، فقد كان المجسم يدل على تكريم بالغ و حفاوة مميزة و إفتخار بشخصية صاحب هذا المجسم .
رجعت الى المرشد السياحي لهذه الرحلة الشاب المصري المهذب المقيم في لفيف
" أشرف " وبعد أن وزع تذاكر الدخول على أفراد المجموعة و وقف جانبا ، بادرته بالسؤال عن شخصية هذا الرجل صاحب المجسم ؟ ، فقال : إنه للأديب و الكاتب و المفكر " تراس شيفشنكا " ، فقلت : أليس لهذا الرجل تمثال في الساحة الخارجية للأوبرا في مركز المدينة ؟ ، فقال : نعم ،؟وله عدة مجسمات صغيرة و كبيرة تتواجد في عموم أرجاء أوكرانيا ، خصوصا المراكز الأدبية . قلت : وما سبب هذا الإهتمام بهذا الرجل وما سر الحفاوة به ؟ . رد أشرف بكل ثقة و هدوء : إنه المثقف الأول في أوكرانيا الذي سطر كتبه باللغة الأوكرانية ، حيث أصبح " شيفشنكا رمزا للثقافة الأوكرانية و تعبيرا للجميل الذي يكنه الشعب الأوكراني للمثقفين . شكرت أشرف وقد بدت المرارة واضحة مني ، كما أن ملامحه بانت عليها الدهشة للمرارة التي لاحظها ، فبادرته ردأ للوقع في الظنون وقلت له : هكذا الشعوب المتحضرة تكرم الثقافة و المثقفين ، فبان سرور أشرف كونه أعطى معلومة لأحد زبائنه السواح .
لحقت بزوجتي التي أخذت تذكرتي الدخول للحديقة من أشرف و دخلنا الحديقة الشعبية الواقعة على تلة تقع على ضفة أحد الأنهر الصغيرة المحيطة بالمدينة ، وأخذنا ندخل بيوت الخشب بنماذجها الأصيلة الضاربة في القدم إلى أن وصلنا الى بحيرة البجع ، وبعد إلتقاط الصور من قبل السيد جابر ممثل شركة السياحة ، و إرسال الصور للعائلة بالواتساب ، أفترقنا (فريق آل أبوخمسين) إلى سفساطين كعادتنا ، فريق للرجال و فريقا للنساء وكلا ساقته أرجله إلى سفساطه . كان أبن العم عبد المحسن / أبا جليل الداعي للإشتراك في هذه السفرة قد أعد و كعادته الكريمة الخدومة ، دلة الشاي وبعض أنواع الكعك جلبه معه من السعودية لكل أفراد العائلة ولمدة أيامها حسب مقتضيات الجولات الخارجية ك "تهبيطة " و روقان في منتصف الجولة ، ثم قمنا لإستكمال جولتنا . وكما هي العادة فإن النساء يدخلن في تفاصيل الإحتياجات المنزلية التي إحتوتها بيوت هذه القرية الشعبية ، فلاحت الفرصة لي لتدوين زؤوس أقلام عن الأفكار التي عصفت و أثارت مرارة كاتب هذه الأسطر .
تنحيت جانبا وجلست على دكة خشبية لأحد البيوت "الكبيرة نسبيا " بعد أن تفرجنا عليه من الداخل ، وأخرجت الآيفون حلال المشاكل ، والقلم ذو الطرف الأسفنجي (الأصبع البديل ) للكتابة على شاشة الجوال وقبل أن أذهب الى النوت بوك لتدوين ما لاح في ذهني من أفكار . طرقت باب مرجعنا " قوقل " وسطرت سؤالي عن " تراس شيفشنكا " من هو ؟ .
تاراس شفشنكو :
وكان جواب " العم قوقل كالتالي :
" تاراس شفشنكو (بالأوكرانية: Тарас Шевченко) (9 مارس 1814- 10 مارس ) أوكراني. ولد في كييف ، .تخرج من الأكاديمية الإمبراطورية للفنون (1838–1844) رسام و شاعر و عالم إنسانيات ، وفنان ، و كاتب وكاتب مسرحي و ناثر، وإنثوغرافي [لغات أخرى] أول من كتب باللغة الأوكرانية ، يتقن اللغات الروسية وسلافونية كنسية و الأوكرانية . كان أحد مؤسسي جمعية سايريل وميثودياس، عام 1843، التي قادت حركة غير ناجحة سعت لحصول أوكرانيا على الاستقلال عن روسيا.
هذا هو حال المثقف في دولة حديثة العهد بالإستقلال (إستقلت أوكرانيا عن الإتحاد السوفيتي السابق عام 1991م) يكرم و تخلد ذكراه و يصبح رمزا وطنيا من رموز بلاده .
الجولة الأخيرة لجدول هذا اليوم هو زيارة أهم مكان تحبه النساء سوق " الأوت لت " و للمرة الأولى التي فرحت فيها بزيارة محبوب النساء هذا ، لأني سأجلس أحتسي كوبا من القهوة وأكمل موضوعا بدأت فيه بوضع نقاط عناصره ، طوال المدة التي أعلن عنها المرشد أشرف للمكوث في سوق " الأوت لت " ، وهذه الأسطر التي تقرأها عزيزي هي نتاج هذا العصف و نتاج هذه المعايشة القصيرة ومن بعد مع الشعب الأوكراني .
أمة إقرأ :
نحن أمة " اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ * خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ * اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ * الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ * عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ " و الثقافة مشروع هذه الأمة ، فماذا حل بهذا المشروع و بالقائمين عليه ؟ . في حقيقة الجواب على هذا السؤال مرارة في الحلق و فوران في المعدة حد الحرقان ، فالجواب ظاهر لكل عين ، فقد علت صراخات البعض من حماة الدين أن سارعوا و أحموا دينكم من "المثقفين " ومن " دعاة ومدعي الثقافة " وعلى سنوات مضت شنت حملات ضد الثقافة وضد " مدعيها " المثقفين من أقصى فئاتهم ، من اليمين إلى أقصى فئات اليسار ( المثقف المتدين والمثقف الحداثي الليبرالي ) وكانت حملات على إستحياء تخرج من هنا و هناك وبين الحين و الآخر ، إلا أن هذه الحملات زادت وتيرتها حدة حتى أصبح " شيطنة " الثقافة و المثقفين هو الهاجس الوحيد عند بعض الذين نصبوا أنفسهم وكلاء عن الله في حماية دينه .
مفكري الغرب :
الغريب في أمر هؤلاء الحماة أن بضاعة أغلب المثقفين التي من خلالها يتم الهجوم عليهم ، أصبحت بقدرة قادر بضاعة للحماة عن دين الله ، و أصبحت أسماء و أعلام الفكر الغربي يصدح بها من قبل علماء و طلبة الدين المرتقين للمنبر الحسيني الشريف ، ولَم يقتصر هذا الإستعراض للفكر الغربي في الأيام العادية ، بل أزاحت صاحب المناسبة بطل كربلاء الإمام الحسين عليه السلام من منبره وفي ذكرى إستشهاده وقمنا نسمع من أعلام المنبر المشهورين وعلى سنوات متعاقبة العجب العجاب حتى يخيل إليك أن الصاعد على منبر أبن بنت رسول الله ص هو أحد رموز الحداثة الليبرالية الذين يعوج لسانهم بذكر أسماء المفكرين الغربيين وليس نجفيا أو قميا أو مبرزيا . وقد توالت تكرار هذا النوع من الخطاب " العاشورائي " من قبل هؤلاء المعممين " الرموز " حتى غدى خطابهم كالإسطوانة المشروخة ، وغدت الدمعة على مصاب أبي عبدالله الحسين عليه السلام صعب منالها .
قطع الأعناق ولا قطع الأرزاق :
لَم يقتصر الأمر ويقف عند هذا الحد بل تطورت الأمور الى أن أصبح هذا النوع من الخطاب للفكر الغربي من على المنبر الحسيني مبارزة يشهر فيها المعمم سيفه أمام جمهوره الحاضر على المثقف " الغائب " فيخرج "المعمم " منتصرا على " المثقف " ببركات الصلاة على محمد وآل محمد التي صاح بها الجمهور الحاضر بأعلى أصواتهم بعد أن طلبها الخطيب المعمم عدة مرات في ذروة مقاطع دفاعه عن دين الله من " المثقفين " الذين إنكشفت مخططاتهم و بانت نواياهم في هدم مذهب أهل البيت ع الذي يمثل الدين الإسلامي الصحيح . و أصبح الأجر العالي الذي يتلقاه الخطيب المعمم من الوقف الحسيني لتعريف الناس عن مظلمة أهل البيت ع يذهب نفقة في المعارك الوهمية مع أعداء متوهمين ليحصد بعض المعمم فيها بطولات مزيفة .كأن أصحاب هذه المعارك الباحثين عن عدو من مخيلتهم المملوءة بالمعاجز و الأساطير في طريق مسدود مع منافس لهم في أرزاقهم من الخمس و الوقف الشرعي ، وأن هؤلاء الساعين اللاهثين على وضع نياشين إنتصاراتهم على صدورهم ، التي ترجمتها سخريتهم و تهكمهم بإبتسامات صفراء على الثقافة و المثقفين وهم متربعون من على منبر قال صاحبه قولته المشهورة " أكره أن أبدائم بقتال " و أراق دمه الطاهر مظلوما لا ظالما ، مدافعا لا معتديا ، فما بال هؤلاء المتربعون على منبره يبحثون لاهثين عن " ساحات المعارك " كي يطلقوا سهامهم الطائشة التي إينما تصيب فهي فتح عندهم و أيما فتح ، فالثقافة عندهم كفر و إلحاد و المثقف كونه "يبغض " مذهب أهل البيت ع ، تجوز غيبته و يجوز بهتانه و الكذب عليه بما يوقع الفتنة بينهم .
" كرمكم الله " إنه مثقف ! :
هذا هو حال الثقافة و المثقف عندنا في هذه الأيام ، حيث أصبح لفظ " الثقافة " بديلا عن لفظ كلمة " الكفر " أو " الإلحاد " ، و كلمة " المثقف " بديلا عن لفظة " الشيطان " ، فيكفي أن تعير شخصا ما أن تنعته أنه " مثقف " فهذه مسبة تكفي المؤنة ، ذلك كله بسبب شهوة أصحاب المعارك المقدسة الوهمية ، فأصبحت أمة إقرأ لا يراد لها أن تقرأ إلا ما إجترته في العصور الخاوية ، و أصبحت الثقافة و أصحابها من خانة :
" كرمكم الله " .
جديد الموقع
- 2024-04-30 سمو محافظ الأحساء يرأس المجلس المحلي للمحافظة
- 2024-04-30 سمو محافظ الأحساء يرأس اجتماع اللجنة العليا لإنشاء المستشفى الجامعي التعليمي
- 2024-04-29 وعي القلم والأمل نص مستخلص من مجموعة (كلام العرافة) للدكتور حسن الشيخ
- 2024-04-29 ريم أول حكم سعودية لرياضة رفع الأثقال حازت على الشارة الدولية
- 2024-04-29 بيئة الأحساء تدشّن أسبوع البيئة 2024 تحت شعار "تعرف بيئتك"
- 2024-04-29 منتدى البريكس الدولي يكرم الفنان السعودي الضامن في غروزني الشيشان ..
- 2024-04-29 حققوا المركز الأول على مستوى المملكة كأعلى تسجيل للطلاب طلاب "تعليم الرياض" يفوزون بـ13 ميدالية في أولمبياد "أذكى"
- 2024-04-29 جمعية العمران الخيرية بالاحساء للخدمات الاجتماعية تحظى بتكريم مرموق من مركز الملك عبد العزيز للتواصل الحضاري .
- 2024-04-29 مبادرة خطوة قبل الشكوى تبدأ فعالياتها بتأهيل اناث الدمام
- 2024-04-29 افراح الشبيب والعبدالسلام في قاعة الفارس بالاحساء