2010/07/18 | 0 | 3223
الشيخ أحمد البن خليفة..... عالمٌ و باحثٌ مغمور
"من علمائها الكملاء، الأسعدُ الشيخ أحمد بن ملاَّ حسين الخليفة، اجتمعتُ به، فرأيته متخليًا، وعلى التأليف مقيمًا. أخبرني بكتاب له في أحوال الإمام الحجة، سماه مُجلِي القلوب في أحوال المهدي المحجوب، فقلت له: حقيق بأن يسمَّى بكشف الغيوب عن الإمام المحجوب. وله رسالة في شرح اللغز"([[1]).
والجدير بالذكر أن الشيخ حسين البلاديَّ (رحمه الله), هو ابن مؤلف كتاب (أنوار البدريْن في تراجم علماء القطيف، والأحساء، والبحريْن).
نسبه ومولده
هو: الشيخ أحمد بن ملاَّ حسين بن محمد بن خليفة بن عمار آل خليفة الصائغ([][2])، من مواليد الأحساء عام ١٣٠٥ﻫ ([3]). وله أربعة أخوة من الذكور هم: محمدٌ، وعليٌّ، وعبدالله، وحسن، وشقيقتان. وأمُّ الشيخ أحمد الخليفة هي المرحومة نرجس البن سليمان، وأما باقي أخوته وأخواته، فأمهم المرحومة رقية الرشيد ([4]). والمعلوم أن أخاه المرحوم عبدالله ([5]) قد فُقد في البحر في عام ١٣٤٤ﻫ، فيما عرف بعد ذلك بسنة (الطبعة). وكان ضمن من فُقد في تلك الحادثة من سكان حيِّ الشعبة، المرحوم عليُّ بن حسين بن عليِّ البحرانيِّ.
اقترن الشيخ أحمد البن خليفة (رحمه الله) بأربعة من النساء الصالحات، هنَّ :
١. المرحومة آمنة بنت عبدالله الخليفة.
٢. والمرحومة فاطمة بنت محمد السمين.
٣. والمرحومة بنت عليِّ السلطان.
٤. وأخيرًا المرحومة آمنة بنت محمد البراهيم (البوبرية)، وهي التي توفاه الله وهي على ذمته. كانت غايةً في التُّقي والورع، ساهمتْ في أحياء مجالس سيد الشهداء (كملاية) في بيتها، كما أنها تقرأ في بيت المرحوم أحمد بن محمد البن صالح، عصر الثلاثاء من كلِّ أسبوع، وتُعرف هذه التعزية الأسبوعية في المجتمع (بالعادة). وبعد وفاة الشيخ، تولى الاهتمام بشئونها أخوها الحاجُّ ناصر البوبرية الناصر. وكان الشيخ أحمد (رحمه الله) يكنِّي زوجته آمنة البراهيم (بأم الشيخ). انتقلتْ إلى رحمة الله تعالى في العام ١٤١٥ﻫ. ونُقل لنا أن الشيخ اقترن بزوجة بعقد منقطع (متعة) لمدة تسعين عامًا، وتُوفيت هذه الزوجة في حياته.
يقع بيت الشيخ أحمد البن خليفة في (ساباط) بشمال المسجد الجامع بحي الشعبة. والساباط, هو مدخل مسقوف لبعض البيوت, ولساباط عدة فوائد, منها: توفير الظل للمارة وقت الهجير, ويبنى فوقه غرف يستخدمها المجاورون لهذا الساباط. وساباط الخليفة يقع قرب بيت المقدس السيد هاشم العلي, والد المقدس السيد ناصر السلمان. ومن جيران الشيخ أحمد الخليفة, إخوانه ملا علي, والحاج محمد أبناء ملا حسين الخليفة. ومن جيرانه أيضاً الحاج حسن السلمان البن عيسى. ومدخل هذا الساباط مقابل بستان اليوسفي.
وبستان اليوسفي, هو مساحة من صغيرة الأرض, مزروعة وهي تابعة لمسجد اليوسفي بحيِّ الشعبة، ويقع هذا البستان شرقي دكان المرحوم عبدعلي البن عيسى. وقد شاهد هذا البستانَ مزروعًا بعضُ من سكان الحيِّ. يقول الحاج عليُّ بن حسين البن صالح: "كان بستان اليوسفي مزروعًا، وفيه حوالي سبع نخيلات من نوع الغر، وبعض من شجيرات الرمان. يحيط به جدارٌ من الطين بارتفاع حوالي المتر والنصف، وبوابة صغيرة من الخشب. وعندما كنا صغارًا، كنا نتسلق ذلك الجدار بسهولة".
وبعد وفاة الشيخ أحمد البن خليفة، اشترت زوجته (أم الشيخ) بقية بيت عائلة البشر الواقع في الشرق لبيت الشيخ أحمد من جهة الشرق - يفصل بينهما الطريق- وحولته إلى ملحق للطبخ، استخدمته لتهيئة وجبة (البركة)، في مناسبات وفيات ومواليد المعصومين (عليهم السلام).
يرتبط الشيخ أحمد البن خليفة بعلاقة حب وتقدير مع الشيخ محمد بن الشيخ محمدعليِّ الجبران، ومع الحاج حسين بن عبدالله البوناصر المهنا، ومع الحاج أحمد بن محمد البن صالح، (والأخير من صاغة الذهب المعروفين).
يقول الحاج محمد بن المرحوم أحمد بن محمد البن صالح (بوعبدالله): "كنت شابًّا في حدود الخامسة عشر من عمري، وأعمل في الصياغة مع الوالد في دكانه الواقع في المخرج الجنوبيِّ الشرقيِّ لبراحة المصبغة. اعتاد الشيخ أحمد البن خليفة أن يزور الوالد في دكانه عصر بعض الأيام، فكان حديثه شيقًا، يروي الكثير من النوادر والأحداث التاريخية، ويخبر ببعض المغيبات"! ([6]).
وصفته أنه معتدل القامة, ضعيف البنية, شديد في الحق, تزين وجهه لحية بيضاء خفيفة. كفيف البصر.
مكانته وأخلاقه :
عُرف (رحمه الله) بسعة إطلاعه، وكانت دراساته الدينية متنوعة، ولكنه تعمق في مجال الأبحاث الخاصة بالإمام الحجة، وكذلك استغل الكثيرَ من وقته في نسخ عدد من الكتب الدينية النفيسة. وله الكثير من الخصال والسجايا الحميدة، منها:
أنه عُرف بحرصه على صلة رحمه وأقربائه، وخصوصًا أخواته. فكان من عادته أن يزور أخته (أم عبدالله السبتيِّ) في الهفوف، وكانت تسكن في حيِّ الفوارس، بمحلة الحويش، ويقيم عندها بضعة أيام. حيث ترسل له دابةً لتنقله من المبرز إلى الهفوف.
وعن هذه الفترة، يحدثنا المؤرخُ الأحسائيُّ الحاجُّ جواد بن حسين آل رمضان، يقول: "في الثمانينات بعد الثلاثمائة والألف من بعد الهجرة النبوية، كنا نعمل في مجال خياطة المشالح الرجالية، في مجلس الحاجِّ أحمد بن محمد آل الشيخ عليِّ آل رمضان، وإذا علمنا بقدوم الشيخ أحمد بن ملا حسين الخليفة، لزيارة أخته (أم عبدالله)، فكنا نحرص على دعوته لزيارتنا في مجلس المخايطة. كان الجلوس معه ماتعًا، فمجلسه مجلس علمٍ وأدب. تميَّز بعلمه الجمِّ، متواضعًا مع الجميع. وكان يؤمُّنا لصلاة الجماعة في هذا المجلس في بعض الأحيان. وأتذكر أن هناك عددًا من كبار السنِّ في الحيِّ، يحرصون على الحضور لهذا المجلس، حرصًا منهم على الاستفادة من تواجده (رحمه الله)، كان منهم:
الحاج حسن بن محمد الحمينيِّ، والحاج سلمان بن أحمد آل بوحليقة، والحاج عبدالله بن الشيخ حسن آل رمضان. وكان الشيخ أحمد البن خليفة يزور المرحوم حسن بن محمد الحميديِّ في بيته بمحلة الحويش، ويلتقي هناك بالشيخ أحمد بن إبراهيم آل أبي عليِّ، والشيخ عليِّ بن أحمد بن يوسف آل شبيث، رحمة الله عليهم جميعًا".
تعلقه بالإمام الحجة :
كان محبًّا ومتعلقًا بالإمام صاحب الزمان. ونقل لنا الحاج جواد الرمضان: أن الشيخ أحمد البن خليفة (رحمه الله)، "كان يذهب لمسجد الشيخ جويخ، والمعروف حاليًّا بمسجد الإمام الحجة، بطرف الموازن. فيعتكف هناك بعض الليالي للعبادة، والقيام ببعض الرياضات الروحية، بهدف التشرف بلقاء الحجة عليه السلام. وكان يرافقه بعضٌ من محبيه، منهم الحاج حسن بن محمد الحميدي أو ابنه أحمد بن حسن الحميديِّ، كان ذلك في الستينات الهجرية، بعد الثلاثمائة والألف بعد الهجرة النبوية".
تميزه بخطه الجميل :
"كان رحمه الله يمثل مدرسةً في تعليم قواعد الخط العربي بالمنطقة، فتتلمذ على يديه في هذا المجال الكثيرون، ومنهم: المقدس السيد محمد السيد حسين العلي (أبوعدنان)، والحاج حسن بن محمد بوكنان، والسيد محمد أبن السيد علي الحسن". كان ذلك تعليق الحاجِّ حسين بن حسن بوكنان على جمال خط الشيخ.
وذكر الشيخ جميل بن الحاج عبدالله الخليفة، أن الشيخ قد عمل على نسخ العديد من النفائس بخطه الجميل، ومنها القرآن الكريم، ووفاة الرسول الأكرم صلى الله عليه وسلم، وغيرها الكثير. وينقل سماحة السيد عبدالله السيد هاشم السيد حسين العلي، أنه اطلع على دفتر صغير يحتوي على المناظرات التي جرت بين الشيخ ابن أبى جمهور والفاضل الهروي (نسبة إلى مدينة هيرات الأفغانية)، وهي منسوخةٌ بخط الشيخ. ويضيف السيد عبدالله بن السيد هاشم العليِّ قائلاً: "إن الشيخ (رحمه الله) هو من قام بتعليمي كتابة اسمي وهو كفيف"!.
خدمة سيد الشهداء :
عُرف كأحد خطباء المنبر في المنطقة، ففي بيته، كان يقرأ المقتل بنفسه، وبعد أن كُفَّ بصره، قام بهذه المهمة الحاجُّ حسين بوناصر المهنا. وكان الشيخ يقرأ كذلك في حسينية المهنا.
ومن ذكريات السيد حسين السيد محمد السيد حسين العلي، في هذا المجال، يقول :
"كان من عادة الشيخ أحمد بن ملاَّ حسين الخليفة، أن يقيم تعزية حسينية في بيته في وقت العصر، وكنتُ مع مجموعة من الصبيان نذهب إلى بيته لحضور ذلك المجلس. وهو شخصية مرحة، يحب الأطفال ويقربهم، فيجلس معهم لشرح بعض المسائل الشرعية والعقائدية. كان دائم الحديث في علم النحو. وأذكر أنَّ الحاجَّ حسن المهنا كان يقرءا في بيت الشيخ أحمد البن خليفة في بعض الأوقات". وقد أوقفَ بيته لخدمة الإمام الحسين (عليه السلام) بعد وفاته.
حبه للمسجد :
يتضح لنا من سيرته (رحمه الله)، أنه من المتعلقة قلوبهم بالمساجد. فعلى الرغم من إعاقته البصرية، وتقدمه في العمر، إلاَّ أنه كان شديد الحرص على إقامة صلاة الجماعة، فهو إمام مسجد الحياچ بحيِّ السياسب ([7]). وكان يؤمُّ المصلين في المسجد الجامع بالشعبة في حال سفر سماحة السيد هاشم العليِّ (الكبير)، أو تغيبه عن المنطقة.
يقول السيد حسين بن المقدس السيد محمد العلي: "وكان الشيخ أحمد البن خليفة (رحمه الله) يطيل الصلاة حتى كنا نعدُّ صلاة العمِّ السيد هاشم العلي (الكبير) خفيفةً بالنسبة له، مع أن العمَّ السيد هاشم كان ممَّن يطيل في الصلاة".
"وفي الأيام التي يصادف وجود الشيخ أحمد البن خليفة في الهفوف، كان يقيم صلاة الجماعة في مسجد الصحاف، الواقع بحيِّ (الكوت)، في محلة الوطاة. وكان هذا المسجد مهجورًا في ذلك الزمان". كان ذلك ما ذكره لنا الحاجُّ جواد ابن حسين آل رمضان.
وتجدر الإشارة إلى أنَّ مؤسس مسجد الصحاف هو الشيخ حسين بن الشيخ ناصر الصحاف، والذي عُرِف بالزهد والورع، وكان شاعرًا وأديبًا.
التزم الشيخ بأداء صلاة الجماعة في مسجد المهنا في يوم الجمعة من كل أسبوع، وكان يُلقي بعض المسائل الشرعية في هذا المسجد. ويُعتَبر هذا المسجد أقدم مساجد الشيعة في مدينة المبرز، حيث يرجع تاريخ تأسيسه للعام ١٢٠٢ﻫ، سبق وصلَّى فيه الشيخ أحمد بن زين الدين الأحسائي (رحمه الله) وقيل إنَّ مسجد الدندن في العيوني هو الأقدم، وهو موضوعٌ جديرٌ بالدراسة.
ومن اللطائف التي تُروَى عن الشيخ أحمد الخليفة :
ما نقله ابن أخته، الأستاذ عبدالله بن عبد المحسن السبتي، يقول: "كان الخال الشيخ أحمد رحمه الله، في زيارة لأخته (الوالدة) في الهفوف. وكانت ليلة ممطرة، فاستعد الشيخ للخروج من البيت قاصدًا أداء صلاة الفجر بالمسجد، فقال له أحد الإخوان: لماذا تتعب نفسَك بالخروج من البيت في هذا الجوِّ الممطر، والطرق غير سالكة؟ فقال له الشيخ: "اسكت ياصقيع"([8])، أما تعلم ما ثواب المشي إلى المساجد، أما تدري أن من مشى إلى المسجد، لم يضع رجله على رطب ولا يابس، إلا واستغفرت له الأرض إلى الأرض السابعة" (أو بما معناه).
الشيخ في أعين معاصريه :
كان- رحمه الله- مغمورًا رغم علمه وملكاته. وممَّا سمعناه من بعض معاصريه، نستطيع القول بأنه كان شخصية اجتماعية فذَّة، جليل القدر، على مستوى عالٍ من العلم والوثاقة.
وفي لقاء مع سماحة الشيخ محمد بن محمد المهنا (حفظه الله)، في ليلة الأربعاء الموافق ٣/٧/١٤٣١ﻫ، سألته عن الشيخ أحمد البن خليفة، فقال: "تربَّى الشيخ أحمد البن خليفة (رحمه الله) في بيتً طاهر، فوالده الملاَّ حسين البن خليفة عُرِف بالعفة، والتقى والورع، وكان الملاَّ حسين موضع ثقة المقدس السيد ناصر السلمان، والمقدس السيد حسين السيد محمد العلي، وقد أوكله المقدس السيد حسين العلي "القاضي" بالقيام بشئون مأتم الحسينية الهاشمية (السادة)، وكان يأتي بخطباء حسينيين فقراء، فيدربهم على القراءة الحسينية في المنطقة.
وعن الشيخ أحمد بن ملاَّ حسين الخليفة، يقول سماحة الشيخ محمد بن محمد المهنا: "إنه في أحد الأيام، وبعد خروج الشيخ أحمد بن ملاَّ حسين البن خليفة من مسجد السياسب، قام بزيارة المرحوم أحمد السرحان في بيته. والحاج السرحان مقاول معروف، يقوم بتنفيذ مقاولاتٍ للبلدية في ذلك الزمان، ويعمل لديه العشراتُ من العمال. وبيته مجاور للمسجد، عُرف بالكرم والسخاء. فقام السرحان مُرَحِّبًا بالشيخ، وقال له: أنت من تُزار يا شيخ، ولك الحق. سُرَّ الحاجُّ السرحان بهذه الزيارة. وفي تلك الليلة، كان مع الحاج أحمد السرحان مبلغٌ كبيرٌ من المال، فأعطاه للشيخ، قائلاً له: هذه هدية مني لك يا شيخ. فقال له الشيخ: زيارتي لك ليست طمعًا في مال، فأنا ولله الحمد في غنى، ولم يقبل الشيخ تلك الهدية تعففًا".
ويضيف سماحةُ الشيخ محمد بن محمد المهنا، قائلاً: "وكان للمرجع الدينيِّ الشيخ محمد العيثان (رضوان الله عليه) والمعروف بشمس الشموس، كتاب بعنوان (الباكورة)، يرد فيه على النصارى وعقائدهم، وهذا الكتاب بخطِّ الشيخ أحمد بن ملاَّ حسين البن خليفة". وقد أكَّد الحاجُّ جواد آل رمضان (حفظه الله) هذا، وأنه اطلع على نسخة من هذا المخطوط.
وفي لقاء مع الحاجِّ جواد بن حسين آل رمضان، يقول :
"زرته في بيته، في المبرز، بحيِّ الشعبة، ولقد أطلعني على بعض مؤلفاته، ومخطوطاته، ومنها:
١- مُجلي القلوب في أحوال المهدي المحجوب، وهو كتاب مخطوط، في دفتر ضخم (مفقود).
٢ - كتاب صغير بعنوان فرقان الإيمان (مفقود).
٣ - وحدثني عن كتاب عن تاريخ البحرين، أعطاه للبعض، ولم يُعاد إليه (مفقود).
كان رحمه الله، باحثًا، عالي الهمة، بشوشًا، ضليعًا في اللغة العربية. متخصصًا في العلوم المرتبطة بالإمام الحجة، وعلامات ظهوره، وصفاته، دائم الدعاء له، مشتاقًا لنصرته. ويعتقد أنه كُفَّ بصره وهو في الخمسينات من عمره". وكان الشيخ أحمد البن خليفة من ضمن من ترجم لهم الحاجُّ جواد بن حسين آل رمضان في كتابه الموسوم (مطلع البدريْن في تراجم علماء وأدباء الأحساء، والقطيف، والبحريْن).
وصفه سماحةُ السيد عبدالله السيد هاشم السيد حسين العلي، فقال:
"عُرف عنه أنه كان لا يسكت عن الخطأ، وخصوصًا لمن يعتلي المنبر. فكان يراقب أداء الملالي، وكان لا يتردد في تنبيه الملاَّ أو الخطيب لأخطائه، بل كان يصحح لهم في الحال وهم على المنبر".
وذكر لنا الحاج حسين بن حسن بوكنان، أنَّ سماحة السيد ناصر السيد هاشم السلمان سُئل يومًا في المسجد الجامع في الشعبة، عن الشيخ أحمد بن ملاَّ حسين الخليفة، فقال:
"إن العلاَّمة الفاضل الشيخ أحمد بن ملاَّ حسين البن خليفة من مواليد العام ١٣٠٦ﻫ أو ١٣٠٧ﻫ، في حيِّ الشعبة القديمة بالمبرز. ويُعدُّ شيخنا من العلماء الفضلاء، كما أنه ذو إيمان رفيع. يُضرَب به المثلُ الأعلى في المنطقة في التقي والورع، حتى قيل "إن فلانًا يشبه الشيخ أحمد البن خليفة في إيمانه"، فهنيئًا له ذلك".
ويكمل سماحة السيد ناصر السيد هاشم السلمان حديثه عن الشيخ أحمد الخليفة، قائلاً :
"تعلَّم الشيخ القراءة والكتابة في الكتاتيب، حتى يُروى أنه ختم القرآن في سنٍّ مبكرة جدًّا، وهو لم يبلغ الخامسة عشر من عمره. فتفوق على أقرانه بخطه الجميل، حتى صار مضرب المثل في الكتابة لجمال خطه وكمال قواعده. اعتمد عليه الكثيرون من علماء المنطقة في الكتابة. ومن ضمن منسوخاته المفقودة (التحفة الفاخرة في ذكر مصائب العترة الطاهرة). وتجدُر الإشارة إلى أنه لدى الحاج حسين بوكنان تسجيلٌ كاملٌ لحديث سماحة السيد ناصر السلمان عن الشيخ أحمد البن خليفة ([9]. وللشيخ خبرة في فوائد الأعشاب وطريقة تركيبها. اعتمد عليه سماحة السيد محمد السيد حسين العلي (أبا عدنان) في كثير من الأمور، وقد ألزمه بإمامة الجماعة في مسجد السياسب، ومسجد المهنا".
وسُئل عنه الحاج محمد بن حسن بن حسين البن خليفة (بوفوزي)، فقال:
"عالم دين وخطيب حسينيٌّ من سكان مدينة المبرز، ولكنه ينتسب لنفس العائلة. كفيفُ البصر، عُرف بالروحانية".([10] .
وصفه الأخ الفاضل أحمد بن سماحة الشيخ عبدالكريم البحرانيِّ، وهو من سكان المحلة نفسها، فقال:
"شاهدته في أواخر حياته، كفيف البصر، يسكن في الساباط كما ذكر. وكان يؤمُّ الجماعة في المسجد الجامع في بعض الأيام، خصوصًا عندما يكون السيد هاشم الكبير (رحمه الله) غير موجود. ولا زلت أتذكر أنَّ الجميع كان يُظهِر للشيخ الكثيرَ من الاحترام والتقدير، وهذا يدل على أنه من المتقين الأخيار في المنطقة".
وينقل بعض أقربائه :
أنه كان يطلب كأسًا من الماء، ويستخدمه ليسبغ الوضوءَ بهذه الكمية القليلة، ضاربًا لنا المثل بالالتزام بالسنة المطهرة، وفي عدم الإسراف في كل شيء.
ومن طرائفه، ذكرت إحدي قريباته، أنه كان في زيارة لبعض أقاربه (وهي بنت أخته، أم الشيخ جميل بن الحاج عبدالله الخليفة)، فقدم له فطور الصباح، وكان من ضمن ما قدم له (الجُبنة)، وكان شيئًا جديدًا في ذلك الزمان، فسأل ما هذا؟ فقيل له: هذا جبنٌ، فتمثل بقول الشاعر، وقال:
فالجُبنُ عارٌ وفي الإقدام مكرمةٌ ** والمرءُ بالجبن لا ينجو من القدَر
ونُقل عن إحدى قريباته، أنه كثيرًا ما كان يشكر الله ويحمده على أنه سُلِب بعض النعم، ومنها البصر، والغنى، والولد، بحيث لا يرى المعاصي، ولا يطول حسابه أمام الله، ولأنه لا يضمن صلاح الأبناء، ولأن الإكرام حقًّا ليس في النعمة، بل في استخدامها. نقل لنا ذلك الأخ الفاضل عليُّ بن جمعة البن خليفة (عن خالته).
وكتب لنا السيد حسن آل عبدالله - وهو أحد القائمين على الحسينية الجعفرية بالشعبة- هذه الملاحظات عن الشيخ أحمد الخليفة، يقول:
عرف عن الشيخ أحمد الخليفة, أنه كان ينتقدُ قراءة القارئ المصري المعروف الشيخ عبدالباسط عبدالصمد. حيث كان من المعتاد في ذلك الزمان, أن يُستمَع الى شريط عليه تسجيل للشيخ عبدالباسط قبل القراءة في حسينية السادة بالشعبة, فكان الشيخ أحمد (رحمه الله) يأمرُ القائمين على الحسينية بوضع قارئ أخر, لأنه يرى أن هذا القارئ يلحن أثناء القراءة.
يقول السيد حسن آل عبدالله: "حدثني والدي (رحمه الله) عن الشيخ أحمد الحليفة فقال: "كان هناك عهدٌ وميثاقٌ بين الشيخ أحمد البن خليفة والحاج المرحوم حسين البوناصر المهنا، لنصرة الإمام الحجة في حال خروجه آخر الزمان".
وفي معرض حديث السيد حسن آل عبدالله، عن جده الحاجِّ حسين بن عبدالله البوناصر المهنا، فيقول: "هو جدي من ناحية الأم، من صاغة المبرز المعروفين. كان متخصصًا في النقش على الخواتم، والمهور، والجوامع، قبل توفر مكائن النقش. اشتهر بتحرزه في عمله، فلم يكن يخلط ذهب أكثر من زبون في بوتقة واحدة, أثناء الصبِّ احتياطًا منه، لأنه قد يكون ذهب زيد أفضل من ذهب عمرو".
عُرف الشيخ أحمد البن خليفة بخطِّه الحسن. ولقد رأيت في الغرفة الصغيرة التي تقع في مدخل المسجد الجامع بالشعبة من جهة الشمال- والمخصصة للأوراق التي تحتوي على آياتٍ قرآنية أو فيها لفظ الجلالة- رأيت الكثيرَ من الأوراق، والتي كانت بخط الشيخ ملقاة في تلك الغرفة. وقيل أنَّ أحد أقرباء زوجة الشيخ الأخيرة وضعها هناك، بعد وفاة الشيخ أحمد رحمه الله.
ويكمل السيد حسن آل عبدالله حديثه عن الشيخ أحمد الخليفة، قائلاً: "ولقد كنتُ أحد شهود هذه الواقعة، في المسجد الكبير بالشعبة (الجامع). ففي أحد الأيام حضر المرحوم ملاَّ عبدعلي المحسين إلى الشيخ أحمد الخليفة، وكان معه كتاب مخطوط. فقال الملا عبدعلي المحسين للشيخ أحمد: لدي كتاب مثير الأحزان([11])، وقد سقطتْ أو ضاعتْ منه بعضُ الأوراق حتى موضع الإمام الباقر (عليه السلام)، فقام الشيخ أحمد وأملى على الملا عبدعلي المحسين الأجزاء المفقودة عن ظهر قلب. ورغم ذلك فقد كان الشيخ يكرر هذه المقولة بأن (حمامة الحيِّ لا تطرب)". انتهي.
وفي لقاء مع الحاج عليِّ بن إبراهيم الحاجي (حفظه الله)، وهو في العقد السابع من عمره، من سكان حيِّ السياسب، سألته عن الشيخ أحمد الخليفة، فقال:
"صليت خلف الشيخ أحمد بن ملا حسين البن خليفة لحوالي عشر سنوات في مسجد الحياك بالسياسب، فوجدتُه من رجال الدين الأخيار. ففي ذلك الزمان، لم يكن هناك مكانٌ للوضوء بهذا المسجد. وكان الشيخ أحمد يقف عند أيِّ بيت من بيوت الحيِّ، ويطلب كأسًا من الماء ويتوضأ به. متواضعًا مع الجميع، له علاقاتٌ طيبة مع عدد كبير من رجال الحيِّ، ومنهم: المرحوم عبدالله بن أحمد القميش، ومحمد بن أحمد الخليف، والمرحوم عبدالله بن محمد الحاجي (والد الشيخ عيسى الحاجي)".
نهاية المطاف
يصف سماحة السيد عبدالله ابن السيد هاشم السيد حسين العلي (إمام مسجد الإمام الحسن بالهفوف)، ظروف وفاة الشيخ أحمد، فيقول:
"كنت في العراق مع الوالدة الكريمة وباقي الأخوة للزيارة، وكان الشيخ (رحمه الله) متشرفًا بزيارة سيد الشهداء، مع الحملادار الحاجِّ عبداللطيف بن عبداللطيف المهنا. فاشتد عليه المرض في مدينة كربلاء المقدسة, وصعدت روحه الطاهرة إلى بارئها في العام ١٣٩٣ﻫ"([12]. وفي أثناء مرضه, غادر بقية الزوار مع الحملادار الى إيران, وبقي معه في الخان زوجته (آمنة), والمرحوم محمد بن أحمد البن خليفة, وهو الذي كان يقوم على شؤونه في إثناء مرضه. أقيم لروحه الطاهرة مجلس عزاء (فاتحة) في الحسينية الهاشمية (السادة) بالمبرز. ولا يوجد تاريخ دقيق ليوم وفاته. سوى من نقله لنا السيد عدنان نجل المقدس السيد محمد العلي, أن الشيخ أحمد الخليفة توفي في شهر صفر, ودفُن في صحن سيد الشهداء، قرب باب الشهداء من الداخل. علمًا أن هذه السفرة كانت الأولى والأخيرة له. فهل يكون هذا القبر وفي هذا البقعة الطاهرة، تكريمًا له وتتويجًا لحياته وعلمه؟!
كان ما مرَّ قبساتٍ من حياة الشيخ أحمد بن ملاَّ حسين البن خليفة (رحمه الله)، وغيضًا من فيضٍ، وخصوصًا في الجانب الأخلاقيِّ والإنسانيِّ في شخصيته. تميَّز بالعمل الجاد في بحوثه وكتاباته، وكان متواضعًا، واصلاً لرحمه. ترك هذه الدنيا وقد سطَّر بخطِّ يده الكثير من العلوم والأبحاث لخدمة دينه ومعتقده. وللأسف فإنَّ جميع مؤلفاته ومخطوطاته مفقودة أو مغيبة، ولعلها ترى النور في أحد الأيام. فرحمه الله وأسكنه فسيح جنانه.
- شكراً وعرفان :
أهداني مشكورًا الأخ الفاضل عليُّ بن جمعة الخليفة، نسخة من وفاة الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله)، وهي بخط الشيخ أحمد بن ملا حسين الخليفة رحمه الله. كما زودني الشاب سمير بن حسين الخليفة بصورة الشيخ أحمد الخليفة, وهي الصورة المنشورة مع الموضوع. فلهم جزيل الشكر والتقدير.
جديد الموقع
- 2024-05-01 النقد الأدبي بين الفاعلية والمجاملات الرقمية والإعلامية.
- 2024-04-30 سمو محافظ الأحساء يرأس المجلس المحلي للمحافظة
- 2024-04-30 سمو محافظ الأحساء يرأس اجتماع اللجنة العليا لإنشاء المستشفى الجامعي التعليمي
- 2024-04-29 وعي القلم والأمل نص مستخلص من مجموعة (كلام العرافة) للدكتور حسن الشيخ
- 2024-04-29 ريم أول حكم سعودية لرياضة رفع الأثقال حازت على الشارة الدولية
- 2024-04-29 بيئة الأحساء تدشّن أسبوع البيئة 2024 تحت شعار "تعرف بيئتك"
- 2024-04-29 منتدى البريكس الدولي يكرم الفنان السعودي الضامن في غروزني الشيشان ..
- 2024-04-29 حققوا المركز الأول على مستوى المملكة كأعلى تسجيل للطلاب طلاب "تعليم الرياض" يفوزون بـ13 ميدالية في أولمبياد "أذكى"
- 2024-04-29 جمعية العمران الخيرية بالاحساء للخدمات الاجتماعية تحظى بتكريم مرموق من مركز الملك عبد العزيز للتواصل الحضاري .
- 2024-04-29 مبادرة خطوة قبل الشكوى تبدأ فعالياتها بتأهيل اناث الدمام