2019/08/21 | 0 | 3276
الدين و الحداثة قراءة في الحداثة كحاجة دينية للكاتب الدكتور توفيق السيف الفصل الثاني: الإسلام والنهضة: السؤال الخطأ
إن ما في نفوس المسلمين هو إسلام ملون بلون مجتمعهم فهو إسلام متخلف مثلهم، لذلك تجدنا ندور في دائرة مغلقة، فلننظر كيف قمع الكتاب وأهل الرأي حتى بلغ ما أغلق من الصحف والمجلات في بضعة أعوام ما يزيد على المائة وسخرت دولة علماء الدين أقوى المنابر و وسائل الاتصال من الإذاعة والتلفزيون والصحف ومنابر الجمعة لدعوة الناس إلى الدين طيلة ربع قرن ومع هذا فإن معظم الدراسات والبحوث الميدانية تشير إلى تراجع مستمر في الالتزام بالدين وأن المزيد من التدين لم يغير من واقع الحال شيئاً ولا دعاة الدين قدموا نموذجاً تختلف عما تعرفه من حال بئيس في شتى الأقطار، وخلاصة الكلام إن ما لدينا من الدين هو في حقيقة الأمر النسخة القديمة من الدين التي تركها لنا أجدادنا وفيها يختلط الجوهري من الرسالة بالصور والاطارات التي هي انعكاس للظرف الاجتماعي الخاص بزمن الأجداد وهي لا علاقة لها بالعصر، وإننا بحاجة إلى نسخة جديدة من الدين نسخة تتناغم مع عصرنا الراهن في حاجاته وتحدياته وهموم أهله.
ما هو طريق النهضة إذن؟: الحداثة؟
إن فكرة الحركة والنهوض اختلفت من حيث الشروط والمتطلبات والأدوات والمقاييس رغم أن جوهرها لا زال كما كان في تلك الحقبة، والحداثة مفهوم واسع نسبياً فعلى المستوى السياسي تعتبر المساواة وحاكمية القانون وحماية الحريات العامة هي الحد الأدنى من متطلبات التحديث ويتلوها المشاركة السياسية وصولاً إلى الديموقراطية الكاملة وعلى المستوى الاقتصادي فإن الشرط الأول هو توفر البيئة المناخية للاستثمار وحماية الملكية الفردية وعلى المستوى الاجتماعي نجد العقلانية وربط مكانة الفرد بكفاءته الشخصية لا هويته الموروثة وعلى المستوى الثقافي فإن احترام العلم وتحريره من قيود الايدولوجيا والتعويل عليه في تقديم الحلول هو الشرط الأول للحداثة.
الحداثة هي منظومة مفاهيم ومعايير تتعلق بسبل العمل والتعامل ولابد من ملاحظة ثلاثة أمور:
1. إن تجربة الحداثة قد تطورت في مجتمعات غير مسلمة فتلونت بلونها ولسنا مجبرين على أن نأخذها بهذه الألوان، ما يهمنا في الحقيقة هو مفاهيمها الأساسية.
2. الدين الذي بين أيدينا ليس منزهاً عن العيب ولابد من النظر النقدي في هذه النسخة من الدين وهذا لا ينقص من شأن الدين الحنيف، بل أراه جوهر فكرة التجديد في الدين، فمعني التجديد فيما أظن هو استنقاذه من قيود الارتهان إلى الواقع الخاص بحامليه.
3. إن علاقتنا مع الثقافات المختلفة والتجارب المختلفة بما فيها تجربتنا الخاصة علاقة تفاعل نقدي.
ينبغي أن لا نستسلم لبريقها كما لا ننتفخ غروراً وتكبراً عليها، ورن ما يصلح لنا اليوم هو ما يتناسب مع زماننا وما يستوعب نوعية الحياة التي نعيشها سواء عرفها الأجداد أم جهلوها أحيوها أو أبغضوها.
تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ ۖ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُم مَّا كَسَبْتُمْ ۖ وَلَا تُسْأَلُونَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ) البقرة-١٣٤)
المعاصرة إذن هي إعادة التاريخ إلى مكانه الطبيعي كمصدر للعبرة والمعرفة لا كمثال أو نموذج للحياة الفاضلة.
المعاصرة تعني المشاركة الفاعلة في الثورة العلمية والتكنولوجيا الهائلة التي غيرت صورة العالم، وعطفاً على عنصر الثقافة فإن من الواجب هنا الإشارة إلى حاجتنا الماسة لأنسنة ثقافة المسلمين بمعنى إعادة الاعتبار إلى الانسان كوعاء للقيمة العليا في هذا الكون.
ولو نظرنا إلى آيات القرآن التي ذكر فيها الانسان لوجدنا جميع السمات التي عرضها (هوبز) ومن سار على نهجه من الفلاسفة والليبراليين اللاحقين. إنسان القرآن الكريم كان مستقل بنفسه مكتف بعقله مسؤول عن فعله مكرم من قبل الله بسجود الملائكة له وتسخير ما أودعه الله في الكون من أجل رفعته وهو في نهاية المطاف خليفة الله في أرضه، أما إنسان التراث الإسلامي فهو ضعيف مغرور جاهل وعاجز عن تحمل المسؤولية ويحتقر الفرد ويحتقر العامة فلا ينظر إليهم إلا كغوغاء أو همج رعاع.
وإصلاح الثقافة يستهدف:
الارتفاع بقيمة الإنسان وتحريره من سطوة السلطة وقمع المجتمع وقيود الخرافة والتقاليد.
إن النهضة تعني المعاصرة أي إعادة الاعتبار إلى الواقع الحاضر باعتبار شروطه و الزاماته معياراً لسلامة الأفكار والأعمال.
الفصل الثالث: البداية: نقد الذات
الذي يستحق الفخر هو شيء تصنعه بجهدك أما الذي ورثته فهو جهد الآخرين ولو كانوا آباءك، فهل يمكن لنا أن نتطور من دون الشك في ماهو قائم ومتعارف عليه؟ لكننا مع ذلك نواجه من يرفض إثارة الأسئلة ويعلل رفضه بكونها مثيرة للفتنة والريب.
الصنف الزول يبرر رفضه للأسئلة بالخوف من أن تؤدي إلى زعزعة المسلمات البسيطة التي ينطوي عليها الانسان العادي، ونعرف مثلاً نظام الرق أي استعباد البشر ولاسيما كونه نظاماً محمياً بالقانون لم ينته في العالم الإسلامي إلا بضغط الغربيين في منتصف الستينات من القرن المنصرم.
الإسلام معطل عن الفعل في حياة المسلمين لأن فاعليته رهينة بإرادة أهله وإرادة أهله معطلة لأن ثقافتهم تعطيلية، حياة المسلمين أشبه بمستنقع كبير آسن.
فاليوم هو اليوم وقد حان الوقت للنظر من جديد في أسباب ضعفنا الذي أغرى بنا الأعداء وأول هذه الأسباب هو تخلف ثقافتنا الذي أورثنا ضعفاً في التنظيم الاجتماعي وانغماساً في شكليات الحياة الروحية والمادية على السواء وغياباً لحرية الفكر والرأي والتعبير وعزوفاً عن العلم والإنفاق عليه وتبجيل أصحابه واستثماراً للدين والأخلاق في القهر والتسلط وانكماشاً لشخصية الانسان حتى غدا كَلاً بعدما خلقه الله عدلاً، فعلاجنا ليس في ادعاء القلق من الهزيمة بل في البحث عن أسباب الضعف التي أدت إلى الهزيمة، نحن لا نريد من الغرب ديناً إنما نريد معرفة الطريق الذي يمكننا من إعادة إنتاج العلم وتطويره ضمن الشروط الخاصة لبيئتنا وتطلعاتنا.
فتحول المجتمع المسلم من منتج للمعرفة يتقدم العالم في سعيه لبناء الحضارة الإنسانية إلى وارث لذكريات المجد لا ينتج علماً ولا يتفاعل مع التغيرات التي تترى من حوله، ولعله السبب في جانب كبير من فشل المسلمين جميعاً في استنباط منهج للنهضة والتحرر من هيمنة الغرب الغالب، ويمكن تلخيص هذا السبب في عاملين:
1. اعتقاد المسلمين في ذلك اليوم وفي هذا اليوم أن تراث أسلافهم قادر على تقويم الأجوبة المناسبة على التحديات التي يواجهونها اليوم والحق زن الذي وصلنا من تراث الأسلاف كان جوابهم على تحديات زمنهم وعلينا أن نستنبط الأجوبة المناسبة لتحديات زمننا.
2. المبالغة التي أظنها غير مقصودة في تحميل الإسلام أموراً ليست من سنخه ولا هي مطلوبة منه، فالواضح أن على المجتمعات تصميم نموذج المدنية التي تريدها والبحث عن الطرق الضرورية للوصول إليها، وإذا كان للإسلام من دور في هذا الجانب فهو تقديم القيم والمعايير الأساسية وليس نماذج العمل التي تختلف بالضرورة من زمن لآخر ومن مجتمع لآخر.
فكثير من علماء الشيعة المعاصرين وقعوا في الإشكال حين قرروا أن نظام ولاية الفقيه هو الصورة الوحيدة للحكم المشروع، بل أغرق بعضهم فادعى إن للفقيه صلاحية الحكم بما يمليه عليه نظره من دون التزام حتى بالدستور الذي هو بمثابة عقد بينه وبين شعبه ومن هو بين هؤلاء محمد جواد لاريجاني حيث قال صراحةً- إن رأي الفقيه فوق الدستور و إن بإمكانه تغيير الدستور متى شاء.
يقول الدكتور توفيق السيف: إن تحميل الإسلام كل هذا العبء هو تكلف لا طائل تحته بل مآله إلى تقييد عقول المسلمين وكبت تطلعاتهم وتعطيلهم عن إبداع نظام حياتهم وطريق تقدمهم وما يهم الإسلام أولاً و أخيراً هو القيم الأساسية التي يجب الالتزام بها على أي حال مثل قيمة العدل والنظام والرحمة والتعاون والقوة وما إليها.
والذي فعله الإسلام في يومه الأول هو تحرير النفوس والعقول فلما تحررت تحدت وأبدعت وتقدمت واتحدت وعزت وغلبت، ويشير الكاتب أيضاً إلى زن الدين كامل و ليس شامل وهذا لايعد نقص بل لعل بيان غير المطلوب يعد تكلفاً، ثم ألا ترى أن تشدد بعض من قومنا في إلزام غيرهم بطريقة تدينهم الخاصة قد أدى إلى نفور هؤلاء من الدين كلياً، وعطفاً على حديث التكلف في ربطه بكل شيء بالإسلام قد عمق من مشكلة التفارق بين العلم والهوية.
كما أن البحث العلمي في مجالات العلوم المدنية لا يحصل على تمويل من الحقوق الشرعية كالزكاة والخمس والأوقاف وأمثالها، إنكم ترون أهل المال ورجال الدين والدعاة والمؤمنين ينفقون الملايين من المال على بناء مسجد أو حسينية أو لنشر كتاب ديني لكنهم لا ينفقون عشر ذلك على بحث علمي نظري أو تطبيقي ولا يدعمون بالمال أو غيره مؤتمراً لحملة العلوم المدنية، فهذا و أمثاله دليل على أن هذه العلوم وحملتها لايحظون في قومنا بالتقدير والقيمة التي تليق بالعلم و أهله.
الفصل الرابع: سؤال الحداثة
المعاصرة تتجلى في الإقلاع من المرحلة التقليدية التي لاتزال أسرى مفاهيمها وإطاراتها ومؤسساتها إلى مرحلة الحداثة التي تمثل نمط الحياة السائد في العالم المتقدم، الحداثة في صيغتها الأوروبية غير قابلة للاندماج ضمن نسيجنا الثقافي اللهم إلا أن نبذل جهداً لتعديلها.
التعامل النقدي هو تأكيد على واحد من قواعدها الكبرى أي (الحداثة) أي كونها منتجاً إنسانياً قابلاً للتعديل والتطوير لا ايدولوجيا ثابتة ولا وحياً منزلاً من السماء، وعلى هذا الأساس فإننا نختار الحداثة التي تناسبنا ولو اختلفنا بعض الشيء عن مراد من جربوها قبلنا.
خلاصة القول: إن الانفتاح على العالم ولا سيما الغرب المتحضر لا ينبغي أن يكون أمراً مخيفاً اليوم كما كان قبل قرن من الزمان، والحداثة ليست مجرد تقدم تقني بل هي أيضاً نظام قيمي ونحن بحاجة إلى الأمرين معاً أي التقنية والقيم.
فلا نأخذ شيئاً على سبيل التقليد الأعمى بل نأخذه بعد التعمق والنقد والمجادلة والبحث عن كيفية تنسيجه ضمن ثقافتنا الخاصة، وبكلمة موجزة فإننا بحاجة إلى النظر إلى الحداثة الغربية باعتبارها منجزاً إنسانياً يحق لنا أن نستفيد منه كما يستفيد منه غيرنا.
وفي الإسلام كل مسلم شريك في صناعة الحقيقة الدينية وكل صاحب علم مطلوب منه إظهار علمه، وفي كل الأحوال فإن تعدد الأقوال هو السبيل لجلاء ظلمة الجهل ومعرفة طريق السلامة، أما التحقق من النجاح في إصابة الحقيقة فليس تكليفاً على الانسان، إذ التكليف مشروط بالسعة ولايكلف الله نفساً إلا وسعها.
والأصل في تقييم العمل الديني هو النية فإذا كانت نية الانسان أو الجماعة هي نيل رضا لله من خلال التعبد كما تراه ديناً فذلك هو مقدار ما تحاسب عليه فنقول الدين واحد لكن التدين قد يكون متعدداً لأن علم الله كامل فهو على الدوام واحد لهذا لابد أن يكون دينه واحداً أما معرفة العباد فهي ناقصة وبالتالي فإن تدينهم متعدد أيضاً، لذلك فإن القراءة الجديدة تنكر وجود نظام ثابت للإدارة العامة والنظام السياسي في الإسلام بينما تميل أكثر مدارس العلم الديني إلى القول بأن نظام الإسلام السياسي والاجتماعي محدد ولا يمكن تغييره.....انتهى
الكتاب جميل وخفيف وعباراته لطيفة وغير معقدة، الكاتب طرح وجهة نظره فمن حقك تختلف أو تتفق معه فهذا لا يضر، ولكن لا يحاول البعض أن يشعل في داخله ناراً انتقامياً، الكتاب يستحق القراءة، لذلك ما ورد في التلخيص البسيط ليس كل ما ورد في الكتاب فهناك الكثير من الذي قد يستفز عقلك لتفكر، ويثير عندك تساؤل لتبحث عن جواباً له، وأعتقد بأن أموراً كثيرة اختلفت عن تاريخ الكتاب فلو أن الدكتور يلتفت له ويضيف ما يستحق الإضافة.
جديد الموقع
- 2024-05-04 بيت الشعر في الفجيرة ينعى الأمير بدر بن عبد المحسن
- 2024-05-04 الأمير سلطان بن سلمان : الأمير بدر بن عبدالمحسن ترك ارثاً لا يمكن أن يحمى مهما طال الزمن
- 2024-05-04 افراح الدويل و الغزال في احلى مساء بالاحساء
- 2024-05-04 عميدة اسرة العليو بالاحساء في ذمة الله تعالى
- 2024-05-04 فريق طبي في مدينة الإمامين الكاظمين (عليهما السلام) الطبية يجري عملية تثبيت وتعديل الفقرات القطنية لمريض بعمر (56) عام
- 2024-05-03 مستشفى اليرموك التعليمي يجري عملية قسطارية طارئة لمريض يعاني من احتشاء العضلة القلبية
- 2024-05-03 مستشفى الأمام علي (عليه السلام) العام في بغداد يجري عملية تداخل قسطاري طارئ لمريض يبلغ من العمر 48 عام
- 2024-05-03 "بيئة الأحساء تنفذ يوم بيئي مع جماهير نادي الفتح الرياضي"
- 2024-05-03 النجف رصاصة طائشة تصيب زائر أثناء تأدية صلاة المغرب في الصحن الحيدري
- 2024-05-03 بعد عقم دام 7 سنوات أسرة ترزق بتوأم في مستشفى كمال السامرائي