2020/12/22 | 0 | 2240
التحديات المنهجية بالأحساء بين الماضي والحاضر
واحة الاحساء غنية بإرث متنوع تسوده الأخلاق وفن التعامل والاختيار وتتشعب منه فنون المعارف والتجارب والصناعات والحرف حتى تبلورت ذاتياً وقاومت رغم طبيعتها القاسية ومحيطها الأقسى فقد نجحت في تكوين منهجية خاصة روت عبر قرون كثيرة محيطها الاقليمي فصدرت العلماء والمفكرين وصنوف متنوعة من المهارات في الطب والهندسة والفقاهة وكل ابداع شهد له التاريخ وعاينته الحضارة .
مما لا شك فيه أن أسراراً خفية تتلبد خلف هذه البيئة العجيبة والتي استمدت هذا الإباء والشموخ من فطرتها السليمة حتى استوعبت الاختلافات في آن واحد وكيفت التعايش والتفاهم بصورة مبهرة لكل زائر فأصبحت مضرب مثل في أقاليم المملكة وباب فخر لسكان هذه المنطقة العزيزة.
التاريخ يشهد لهذه المنطقة في أصالتها وقوة حضارتها فاعتمادها على ثقافة الزراعة وهي أم الثقافات ولدت تشعبات وأثرت ميادين المعرفة بشتى صنوف الابداع حتى أن لكل مهنة قمم عالية من الجمال والرغبة ولكل فرع معرفي ابداع مميز لازمته وتفاخرت به على الاقران فمصطلح الاحسائي استند للإبداع في الصناعة والزراعة والعلماء وكافة المهن وبسيادة مشهودة على كل الاقطار.
ترى هل لا زالت الاحساء متصدرة في عصر النهضة الصناعية والفكرية أم أنها سكنت الى زاوية فتخلفت عن قطار التقدم والملازمة وهل تلبدت البذور حتى تسنح لها الظروف للانتعاش مرة أخرى بجيل جديد أم تم طحنها بأقدام الجهل الجديد والمسخ الحضاري.
نريد في هذا المقال أن نثبت نظرية قوة الحضارة قبالة سحابة التغير المؤقتة ونبحث جميعاً عن أهم المقومات الحقيقة والراسخة في الفطرة الاحسائية والتي قد تنتعش مرة أخرى مثمرة باسقة .
لنبدأ بأقوال مأثورة في الاحساء:
قال النبي (ص) : لو فُقد الإسلام من الأرض لوُجد في هجر كتاب أنوار البدرين للشيخ علي البلادي البحراني
وعنه (ص) : أريت دار هجرتكم سبخة بين ظهراني حرتين فإما أن تكون هجر أو تكون يثرب
وعن أبي طالب (ع) في كلامه لقريش حول النبي (ص) : إن ينصره الله الذي هو ربـه بأهل العـقير أو بسكان يثرب ( أهل العقير اشارة الى ميناء العقير التاريخي )
وعنه ( ص) في وصف أهل هجر : ليأتين ركب من قبل المشرق, لم يكرهوا على الإسلام
فلما رآهم رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- قال: (مرحباً بالقوم لا خزايا ولا نداما) ودعاهم وقال: (اللهم اغفر لعبدالقيس), وأوصى بهم خيراً وقال: (يا معشر الأنصار أكرموا إخوانكم فإنهم أشبه الناس بكم في الإسلام اسلموا طائعين غير مكرهين ولا موتورين ) ، كما قال النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- (أسلمت عبدالقيس طوعاً، وأسلم الناس كرهاً, فبارك الله في عبدالقيس وموالى عبدالقيس
هذا التراث الذهبي الذي يفخر به كل أحسائي لم يأتي مجاملة أو تقديما دون وجه حق وانما لنظرة ثاقبة يعتد بها من لدن صاحب الوحي الصادق الأمين صلوات الله عليه وآله، فيها معاني كبيرة وجديرة برسم ملامح الشخصية الاحسائية في صوابيتها ودقتها واخلاصها وتفانيها ، كل ذلك أسس لمنهج تربوي سماوي استطاع أن يكون قبلة للعشاق في رحب الابداع الخالد .
لنبدأ بتقييم الشخصية الاحسائية فهي ميالة للسكون والهدوء ونبذ الكراهية والعدوانية ولها القدرة على تسخير البيئة لتكوين مجتمع متعايش ومتسامح وهذا هو سر بلورة الابداع في كل فنونها فالكراهية والعدوانية عدو لدود للإبداع والتقدم لذا تشهد المجتمعات المتزمتة حالة من الرجعية والانزواء بل عجز عن التقدم والازدهار مهما بلغت مواردها من قوة .
كما أن المجتمع الاحسائي وعبر التاريخ لازم البعد عن التوتر والانكفاء على فنونه لتنميتها لذا نلحظ وعبر التاريخ حالة الركود على مستوى الازمات السياسية وهذا ما يفسر الطبيعة الاحسائية البعيدة عن التوتر الاقليمي .
بقيت الاحساء الى منتصف القرن العشرين ذات اكتفاء ذاتي شامل وعلى كل السبل ولم تستطع أدوات المدنية الحديثة اختراقها والعبث بمنهجيتها مطلقاً بل لربما كانت مصدرة لثقافتها لكل من حظي بمناهل هذه المنطقة بل واستطاعت عبر الفائض من ثقافتها التأثير على أقاليم أخرى وتشكيل معالم امتزاج أثرت الواقع لهذه المناطق واسهمت في التقدم .وها نحن نعاين أثر الهجرة الاحسائية في أقاليم الزبير والبصرة والكويت حيث الحفاظ على القيم الاصيلة المتوارثة في عروقهم فخراً واعتزازاً نمت على أثرها هذه المناطق وازدانت بعمق حضاري .
وكما ألمحنا أن ما بعد النصف الثاني من القرن العشرين وبدايات القرن الواحد والعشرين ظهرت على السطح تحديات جديرة بالتغطية والحدس لمآلتها على أرض الواقع وسبل مواجهة التغير من ارث حضارة الاحسائيين .
وتتلخص التحديات على محاور أربعة:
1- التحدي الزراعي
2- التحدي الاجتماعي
3- التحدي العلمي
4- التحدي السلوكي
مع تطور النهضة الصناعية باكتشاف النفط وتطور استخراجه وصناعته انخرط ابناء وشباب المنطقة هذا المنحى وبالتالي حدث انسلال تراكمي من المهنة الاساس للزراعة بما تحمله من انعكاس للشخصية الاحسائية نحو البيئة الصناعية ذات البعد المدني المجرد من تاريخ البيئة الاحسائية بل المستوردة من خارج النطاق الاقليمي ، هذه الحالة تركت فجوات متتالية للشخصية انعكست على البيئة الاجتماعية فتعززت الفوارق والطبقية خاصة ما تعود عليه من مردود مالي بين مقارنة بالتكسب الزراعي المتواضع .
كما أن القدرة على الابتعاث العلمي تعززت كنتيجة للرخاء والسيولة توافق معها وفاة آخر مرجع ديني أحسائي الشيخ حبيب بوقرين قدس والذي بموته انتهى عصر المرجعية الدينية الاحسائية وبدأنا بالمرجعية العامة للشيعة في قطب التشيع النجف الاشرف ، ورغم أن ذلك يحسب كتقدم لا يشوبه أي وجل مطلقاً الا أنها فتحت الباب للتعدد في المرجعية وبالتالي ظهور فوارق بل ومدارس معرفية قد تتباين في بعض الفصول العلمية تنعكس على المجتمع مباشرة .
كل ما سبق تتجلى آثاره على السلوك الأصيل لأبناء البيئة الاحسائية من ناحية التقدم او الركود او الرجعية لذا كان من اللازم تأصيل المنهجية الاحسائية من حضارتها ومحاولة غرس الجذور كي لا تتعرى ثمرات جهد السابقين وتذوب في خضم صراع حضاري في غالبه عقيم . والأمل معقود بالجيل الصاعد لتثبيت القيم التي لازالت قائمة في البقية من أصول الشخصية الاحسائية.
جديد الموقع
- 2024-05-02 تزامناً مع اليوم العالمي للصحافة و باستضافة نادي كيو بارك .المعلق الرياضي جعفر الصليح .16 عام أمام المايك في 6 قنوات و المعلق العربي و الأجنبي اضافة لمتعة الكرة السعودية
- 2024-05-02 أفراح العايش والفرحان تهانينا
- 2024-05-01 النقد الأدبي بين الفاعلية والمجاملات الرقمية والإعلامية.
- 2024-04-30 سمو محافظ الأحساء يرأس المجلس المحلي للمحافظة
- 2024-04-30 سمو محافظ الأحساء يرأس اجتماع اللجنة العليا لإنشاء المستشفى الجامعي التعليمي
- 2024-04-29 وعي القلم والأمل نص مستخلص من مجموعة (كلام العرافة) للدكتور حسن الشيخ
- 2024-04-29 ريم أول حكم سعودية لرياضة رفع الأثقال حازت على الشارة الدولية
- 2024-04-29 بيئة الأحساء تدشّن أسبوع البيئة 2024 تحت شعار "تعرف بيئتك"
- 2024-04-29 منتدى البريكس الدولي يكرم الفنان السعودي الضامن في غروزني الشيشان ..
- 2024-04-29 حققوا المركز الأول على مستوى المملكة كأعلى تسجيل للطلاب طلاب "تعليم الرياض" يفوزون بـ13 ميدالية في أولمبياد "أذكى"