2010/10/17 | 2 | 3967
أبا العلماء ... السيد هاشم العلي (الكبير)
كان (رحمه الله) يقيمُ صلاة الجماعة, ولجميع الفرائض في المسجد الجامع في الشعبة. ومن عادته إقامة صلاة الظهرين متأخرًا, ليتاحَ للعاملين في الأسواق والنخيل وغيرهم, حضور صلاة الجماعة. يقول سماحة السيد حسين ابن المقدس السيد محمد العلي :
"وكانت صلاة الظهرين تقام ُمتأخرة في حي الشعبة, منذ أيام المقدس السيد حسين السيد محمد العلي. ولكن, وبعد رجوعُ السيد هاشم بن المقدس السيد حسين العلي من العراق, أعتاد إقامته صلاة الجماعة في المسجد الشرقي, في أول الوقت".
تولى السيد هاشم بن السيد محمد العلي, إمامة صلاة الجماعة في المسجد الجامع بالمبرز, بعد وفاة أخيه المقدس السيد حسين العلي في عام ١٣٦٩ﻫ. واعتاد السيد أن يقيم صلاة الجماعة في مسجد حي المجابل، مرة واحدة في الأسبوع. ويُعرف السيد هاشم بن السيد محمد السلمان (العلي), في المجتمع، بالسيد هاشم (الكبير) [1]).
وصفه أحد معاصريه، الحاج عائش بن محمد الدجاني، بقوله :
«كان من ورعه وتقواه، أنه إذا انقطع لصلاة الليلِ، يسمعُ الجيرانُ صوت بكائه. فكان يخطبُ في المسجد الجامع بالمبرز، إذا وقع الخسوف أو الكسوف, ويُذكِّر المؤمنين بعذاب الآخرة وأهوالها، ويُكثر من البكاء والنحيب». انتهى
ولد (رحمه الله) في مدينة المبرز بحي الشعبة في عام ١٣٠٩ﻫ، وهي السنة التي توفي فيها المقدس السيد هاشم بن السيد أحمد السلمان (والد المقدس السيد ناصر) ([2]). فتربى في كنف ورعاية أخيه المقدس السيد حسين العلي (القاضي), وذلك بعد وفاة والده مبكرًا. وشارك أخاه (السيد حسين) في السكن، في منزله الكائن في الشعبة قرب براحة اليوسفي حتى تزوج السيد هاشم، وشيَّد له بيتًا بمحلة السدرة.
تلقى العلوم والمعارف الإسلامية (المقدمات والسطوح) على يد أخيه المقدس السيد حسين العلي (القاضي)، والعلامة الشيخ محمد بن الشيخ حسين الخليفة. وكذلك حضر لدى المقدس السيد ناصر السيد هاشم السلمان بحًثٌ في علم الأصول. هذا، وكانت جميع مراحل تعليمه في منطقة الأحساء, كما ذَكر ذلك الحاج حسين بن حسن بوكنان (حفظه الله)، في بحثه المعنون بـ (قبسات من أنوار هجر)، وكان مصدره لهذه المعلومات سماحة السيد ناصر بن السيد هاشم العلي (رحمه الله) ([3]).
-
بيت السيد بفريج (السدرة)
في الجهة الشرقية لحي الشعبة، يقع بيته بمحلة السدرة (ويعرف بالسبع الملفات)، وهو فريج كان يسكنه الكثير من عوائل مخايطة المبرز، منهم: الرشيد، والبووشل، والعوسي، والتمار، والكثير من عوائل الصاغة، والفلاحون، وغيرهم. ويُعتقد أن تاريخ بناء السيد هاشم لبيته في هذا الحي يعود الى ما قبل العام ١٣٥٠ﻫ.
وهناك ميزة لمحلة (السدرة)، لم نجدها في غيره من الفرقان، حيث تحيط المساجد بهذا البقعة من جميع الجهات. ففي الغرب, هناك المسجد الجامع, ومسجد اليوسفي, ومسجد الداغري. وفي الشرق هناك المسجد الشرقي. وفي الجنوب مسجد عيبان. وفي الشمال مسجد المهنا, ومسجد كرم. وفي وسط المحلة, مسجد السدرة. ومن خلال مآذن هذه المساجد, يصدحُ الأذان ويشق الفضاء في أرجاء هذا الحي ولجميع الصلوات.
وقام (مشكوراً), السيد حسين نجل المقدس السيد محمد العلي, بوصفِ بيتَ السيد هاشم العلي في فريج السدرة, على أنه :
«وهذا البيت كان بنائه من الطين، وله بابٌ من درفة واحدة في جهة الشمال. وللدخول للبيت عبر (دهريز)، وفي الجهة الغربية للدهريز هناك حوش للبهائم، وبئر ماء (مشترك) مع بيت المقدس السيد ناصر السلمان، وفي الجهة الشرقية للدهريز هناك مجلس السيد».
وعند الدخول لفناء البيت (الحوي)، هناك شجرة نبق (سدرة) في وسط الدار. ذكرت لنا الوالدة (حفظها الله) أن النساء في الفريج، كنَّ يأخذن بعضًا من أوراق هذه السدرة للعلاج والتبرك.
"يحيط بالحوي عدة لواوين (جمع ليوان) يسكنها أبناء السيد هاشم. وفي الجهة الشرقية الجنوبية للحوي، هناك مربعة كبيرة، فيها دار، وفوق هذه الدار (كندية) يستخدمها سماحة السيد هاشم العلي للنوم والعبادة في فصل الشتاء".
وهناك غرفة, في سطح الدار التي اشتراها السيد من عائلة الرشيد. كانت هذه الغرفة تُستخدم لتعليم القرآن الكريم، حيث يقومُ بالتدريس فيها ابنه السيد محمد السيد هاشم العلي (رحمه الله). وهناك غرفة أخرى, في سطح هذا البيت، كان يستخدمها السيد عبدالله ابن السيد هاشم العلي لخياطة الملابس الرجالية. ينقل لنا الأخ الفاضل أحمد بن سماحة الشيخ عبدالكريم البحراني, أنه درس القرآن الكريم, لفترة في سطح هذا الدار, على يد السيد محمد السيد هاشم العلي.
-
مجلس السيد هاشم (الكبير)
ومجلس سماحة السيد هاشم (الكبير), من المجالس المعروفة, والمفتوحة للجميع في هذا الحي؛ حيث تقام فيه المناسبات الدينية. وخصوصًا القراءة الحسينية صباح كل يوم، والتي كانت تقام بعد مأتم حسينية الهاشمية (السادة) بالشعبة. ومن القراء في هذا مجلس السيد هاشم: ملاَّ ناصر بن محمد الخميس، وملاَّ ناصر بن راشد (رحمهم الله جميعًا). وهو مجلسٌ للوعظِ والإرشاد، يطرح فيه أهل الحي وغيرهم أسئلتهم واستفساراتهم على السيد (رحمه الله). وفي هذا المجلس, كان السيد يستقبل جموع المهنئين له بعيدي الفطر والأضحى.
فهو محبٌ للمساكين ومقربٌ لهم، يعمل على إدخال السرور على قلوبهم. حريصًا على تقديم ما يؤكلُ في مجلسه. ففي الصيف يقدم الرطب، أو البطيخ (وخصوصًا في أيام البشرة)، وفي الشتاء تقدم (وجبة المفلق)، أو الخبز الأحمر. وهو سخيٌ كريم، فقد أعتاد المجتمع, على تقديم بعض المال للسيد (بعنوان الهدية), وذلك بعد إتمامه عقد الزواج (الملچة)، فكان السيد (رحمه الله) يحرصُ على توزيعها على الحضور، وخصوصًا من يقوم بكتابة عقد النكاح.
ومجلس السيد هاشم في بيته القديم مكونٌ من جزئين، الأول إيوان كبير, سقفه مرتفع بحوالي ستة أمتار، ومسقوف بجذوع النخيل بثلاثة عقد ويسمئ (چردًا)، ويستخدم هذا الإيوان صيفًا. طوله حوالي ٩ أمتار، وعرضه حوالي ٥ أمتار. وفي الجانب الشمالي الشرقي هناك موقد لإعداد القهوة.
تطل على الإيوان الخارجي مربعةٌ كبيرةٌ, لا تقل مساحتها عن الإيوان الخارجي، إلاَّ أنها أقل إرتفاعًا، وتستخدم في الشتاء.
وفي (دهريز البيت), هناك مدخل للستر. وهو عبارة عن جدار صغير يمنع الجالس في الإيوان الخارجي من رؤية من يمشي في مدخل البيت. استمر استخدام هذا المجلس، حتى العام ١٣٨٦ﻫ، عندما إشترى السيد بيت الرشيد، المجاور لبيته من جهة الشرق ([4]). وكان في بيت الرشيد (وهم من معازيب المخايطة في الشعبة), مجلسٌ كبير, يعرف بمجلس مخايطة الرشيد, فحول السيد هذا المجلس إلى (حسينية)، ونقلَ مجلسه إليها.
-
رؤية الإمام الحجة
ونقل لنا سماحةُ السيد علي بن السيد طاهر السلمان، نقلاً عن (والده) سماحة السيد طاهر السلمان (حفظه الله) :
«أن والده (المقصود السيد هاشم الكبير) رأى في المنام الإمام الحُجة (عليه السلام)، في مجلس هذا البيت، وسأله الإمام، ماذا تريد من هذه الدنيا ؟
فأجابَ السيد (رحمه الله) : التوفيق للأبناء في طلب العلوم الدينية».
-
حبه لسيد الشهداء...
عُرفَ عن سماحة السيد هاشم العلي، حبه وتعلقه بسيد الشهداء (عليه السلام), وحرصه الشديد على حضور مجالسه متفاعلاً مع ما يُطرَح فيها، مشجعًا على عقدها؛ فوفق لتأسس عددًا من مجالس أبي الأحرار (عليه السلام) في المنطقة، منها:
الحسينية الهاشمية في السياسب.
الحسينية الهاشمية في المجابل.
الحسينية الهاشمية في الشعبة (مكان مجلس مخايطة الرشيد) ([5]).
الحسينية الهاشمية في القرين.
مسجد الحياچ في السياسب.
مسجد وحسينية المجابل.
ساهم مع (آخرين) في تأسيس مأوى لزوار سيد الشهداء بمدينة رفحة السعودية.
وأوقف الكثير من العقارات في حياته, ليصرف ريعها في أعمال الخير والبر.
-
ذرية السيد هاشم العلي (الكبير)
تزوج السيد هاشم العلي (الكبير) من السيدة الجليلة (فاطمة بنت السيد حسن السلمان) من قرية القرين. وأنجب منها ابنة واحدة هي السيدة (مريم)، زوجها السيد أحمد ابن المقدس السيد حسين العلي، وهي قارئة حسينية في مأتم سيد الشهداء، وهي أم (فقيد المحراب) السيد محمد السيد احمد العلي ([6]).
وقد رُزق السيد هاشم (الكبير) من نعمة الذرية الصالحة بثمانية من الولد، وهم: (السيد محمد، السيد عليٌّ، السيد محسن، السيد طاهر، السيد ناصر، السيد أحمد، السيد باقر، والسيد عبدالله).
-
سماحة السيد طاهر السلمان، يتحدث عن والده
وعندما سُئلَ سماحة السيد طاهر بن السيد هاشم السلمان (حفظه الله) في مقابلة مع الأستاذ سلمان الحجي ([7]) عن والده السيد هاشم العلي، قال :
«كلُّ من تعرفَ على (الوالد السيد هاشم) يشهد بورعه وتقواه، أتذكر في ليلة وفاته.. رأيته في المنام عندما كنت أدرس في النجف الأشرف، وكان هو في الأحساء. ففي المنام، دعوته إلى التفضل عندي وإعتذر، فقلت له: أنت غير راضٍ عني ؟
فقال: أنا راضٍ عنك، كما أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) راضٍ عنك. وكررت الدعوة مرة أخرى، وكرر الإعتذار.
وكررت قولي له: أنت غير راضٍ عني ؟
فقال: أنا راضٍ عنك, كما أن الله راضٍ عليك.
وفي صباح ذلك اليوم، جاءنا الخبر في النجف الأشرف بوفاته».
ومن أبنائه السيد باقر (رحمه الله)
وفي دراسة قيمة للحاج حسين بن المرحوم حسن بوكنان (حفظه الله), عن حياة السيد هاشم العلي (الكبير) وأبنائه، بعنوان (قبسات من أنوار هجر), تطرق فيها للسيد باقر بن السيد هاشم العلي, فكتب :
«وفي بيت السيد هاشم الكبير، كان يعيش معه ابنه السيد باقر (رحمه الله)، والذي توفي شابًّا في عمرً لا يتجاوز الأربعين، عُرف عنه الزهد والورع».
وينقل الحاج حسين بوكنان عن الشيخ حسين بن المرحوم علي البوخضر (حفظه الله)
يقول: «كنتُ ملازمًا للسيد باقر في حياته، فكان يصلي المغرب والعشاء في المسجد. وكان يخرج من بيتهم, وفي يده كيس، فيطرق بيوت الفقراء والمساكين، ويعطي كل واحد منهم شيئًا من الخبز والتمر, حتى ينفد ما في ذلك الكيس».
ويكمل (الشيخ حسين البوخضر)، قائلاً :
«وإذا حان وقت السحر، خرج السيد باقر السيد هاشم السلمان، من منزلهم متجهًا للمسجد الشرقي، فيصلي ورده. وكان يصلي عند كل اسطوانة ركعتين, حتى يدور عليهم جميعًا».
(ألا فليرحمك الله يا زين العابدين زمانه)
ولكن يد المنون, امتدت للسيد مبكراً. حيث توفي شاباً (رحمه الله) في مستشفي الشرق بالخبر، في شهر رمضان عام ١٣٩١ﻫ، وله ذرية من البنات. وصفه أحد السادة الفضلاء, من أبناء أخوته : "بأنه معروفٌ بالهدوء، مرنٌ في تعامله، وكان دائم الطلب من المؤمنين أن يسامحوه، والتحلل منهم".
-
ومن مواقف السيد هاشم النبيلة
نقل لنا الأخ الفاضل أحمد بن سماحة الشيخ عبدالكريم البحراني (حفظه الله), هذه الواقعة عن السيد هاشم السيد محمد العلي (رحمه الله)، والتي تنم عن قلوبً إشرأبت الرحمة، والعطف فيها, على المخلوقات جميعًا، يقول :
«كان سماحة السيد هاشم العلي (الكبير) يُشرِّفُ مجلس (الوالد) الشيخ عبدالكريم بن عليٍّ البحراني، في كل ليلة جمعة بعد صلاة العشاء، وبعد تناول طعام العشاء كان السيد يلقي بعض الإرشادات والمواعظ الروحية. والمعروف عن السيد (رحمه الله) حبه وعشقه لأهل البيت (عليهم السلام), فكان يحرص علي بيان حقهم، كاشفًا عن مدى ما تعرضوا له من ظلم وحيف.... وفي إحدى الليالي، وكانت ليلة جمعة، وعندما همَّ السيد بالمغادرة, ذهبتُ مرافقًا لسماحته حاملاً (التريك), لإنارة الطريق ولمساعدته ليصل إلى بيته بسلام، لأن الطرقَ في ذلك الزمان لم تكن مضاءة. وعند المفترق، شرقي مسجد اليوسفي, وقرب بيت المقدس السيد حسين السيد هاشم العلي (القاضي)، شاهدنا دابة (حمارة) ملقاة على الأرض، وهي لا تتحرك.
فقلت للسيد : هذه حمارة ميتة !
فأجابَ سماحة السيد (رحمة الله) :
لا...هذه الدابة ليست ميتة، وإنما هي منهكة، وهذا من تأثير الجوع، وإذا تُركت هنا على قارعة الطريق، وبهذا الضعف فسوفَ تنهشها الكلاب ليلاً.
فما كان منه (رحمه الله), إلاَّ أن ذهب إلى بيته, في فريج السدرة، وكنت مرافقًا له، وحملنا التمر والماء. وقام سماحته بإطعام تلك البهيمة بيده الشريفة.
وبعد فترة من الوقت، استعادت تلك البهيمة نشاطها، واستطاعت الوقوف والمشي باتجاه الشمال، ويحتمل أنها اتجهت إلى بيت مالكها».
ولقد ذكرني هذا الموقف, بما يمليه علينا ديننا الحنيف بالرأفة بالحيوانات، فما بالكم بإخواننا في الدين أو الإنسانية. إنه أحد الشخصيات النادرة، والتي تركت أثرًا في النفوس. فسيرته تذكرنا بالصفوة من أهل الزهد والورع.
-
بعض ٌ من شمائله
عُرف بحرصه الشديد على وقته، فمجالسه (رحمه الله), مجلس علم وتذكير بالله, يحريص على طرح القصص الهادفة, والمواعظ الدينية فيها. وهو من أهل العبادة وقيام الليل. وفي مقابلة مع الأستاذ سلمان الحجي, سُئل السيد محمد نجل المقدس السيد ناصر السلمان, كيف تصف لنا السيد هاشم بن السيد محمد العلي الكبير (رحمه الله) : فقال : "لا يحسب للدنيا شيئاً"
ووصفه أحد أحفاده من السادة الفضلاء, بقوله : "كان كثيرُ المطالعة, فطالما رأيته جالسا (في العريش في سطح الدار), وفي يده بعض الكتب الدينية, ذات الطبعات الحجرية القديمة".
وسمعت ممن جاوره في بيته بمحلة السدرة بالشعبة من أهل السنة والجماعة، يقول : «كنا نسمع بكاءه في جوف الليل».
التقيتُ (بابنه) سماحة السيد أحمد بن السيد هاشم السلمان (حفظه الله) وسألته: كيف تصف لنا والدكم (سماحة السيد هاشم) ؟ فقال: «إن السيد (الوالد) ذو عقيدة، وإيمان، وشكر، وعبادة؛ فكان (رحمه الله) :
حريصًا على تعمير آخرته، بقراءة القرآن، والعبادة، والذكر، وقام على تأسس الكثير من الأوقاف في حياته.
اتخذ لنفسه مكانًا للعبادة على سطح الدار، وهو عبارة عن عريش من سعف النخيل. وطالما رأيته مع السيدة (الوالدة) منشغليْن بالذكر والعبادة في هذا المكان.
وكذلك السيدة (الوالدة) رحمة الله عليها، كانت متفانية في خدمة الوالد؛ وهي بارة بوالديها, فبعد وفاة من يقوم على رعاية (أمها) في القرين، أخذتها معها في بيتها في السدرة، وقامت على الاهتمام بها, حتى توفيت ودفنت في مقبرة الشعبة.
وكان للسيد (الوالد) الكثير من المحبين, فكانوا يجلبون إلى بيت السيد (الوالد), بعض المنتجات الزراعية الفاخرة، فكان يقوم على توزيعها على الفقراء والمحتاجين، وغالبًا أنه لا يدخر منها شيئًا لأهل بيته.
ووصف السيد أحمد السلمان, أخاه السيد باقر (رحمه الله) بأنه من الأبدال، وكان من عادته قراءة أبيات من الرثاء الحسيني في البيت, وقرء في بعض بيوت الحي, بعض المجالس الحسينية.
وذكر لنا سماحة السيد حسين نجل المقدس السيد محمد العلي، هذا الحدث المؤثر, والذي جرى في جوار الأمام الرضا (عليه السلام) في إيران, يقول :
«نُقِلَ لنا أن العم السيد هاشم (رحمه الله), كان في بعض أسفاره متشرفا بزيارة الإمام الرضا (عليه السلام), وكانت أعداد الزوار الأحسائيين في تلك السنة كبيرة جداً. وقد هيئ (للعم) السيد هاشم مكان في صحن الإمام الرضا, وذلك لإمامة صلاة الجماعة. فكانت جموع المصلين خلفه لأداء صلاة المغرب والعشاء من الزوار الأحسائيين كبيرة, وخصص له حراسة من قبل خدام الحضرة الشريفة. كان هذا المشهد ملفتٌ لجموع الزوار العجم. فكانوا يتعجبون من كثرة أعداد المصلين خلف هذا السيد, الضعيف البدن, والذي لم يكن معمماً, سوى غترة خضراء متواضعة. ففي تلك السنة, كانت تلك الجماعة, وذلك الإجلال لهذا السيد, ولهذا العالم الجليل, مفخرة للجميع, وحدثاً فريداً, ومشوقاً, لجميع الزوار في ذلك العام».
التقيتُ بالحاج علي بن حسين البن صالح (وهو من سكان الحي, وبيتهم في طريق السيد من والى المسجد), ، وسألتُ ماذا تتذكر عن (سماحة السيد هاشم العلي الكبير)؟، فقال :
«كان (رحمه الله) غاية في التواضع، فكان هو من يقوم على أداء صلاة الأموات في حي الشعبة. حيث كان هناك مصلى (عبارة عن أرض مستوية) تقع غربي المقبرة الحالية. حريصًا على صلاة الجماعة مهما كانت الظروف. أتذكرُ (ومع كبر سنه) في فصل الشتاء، وفي أثناء هطول المطر الغزير، فكنا نراه, وهو قادم من بيته في محلة السدرة، لأداء صلاة الجماعة في المسجد الجامع».
وسألت (حفيده)، السيد ضياء بن سماحة السيد محسن السيد هاشم السلمان، عن (سماحة الوالد السيد هاشم العلي الكبير)،
فقال: «كنت صغيرًا في فترة حياته (رحمه الله), ولكن سوف أنقل لكم (ما سمعته) ممن صاحبه وعرفه :
ينقل عنه (رحمه الله) حبه للفقراء وملازمته لهم.
وكان يقطع حديث الغيبة في محضره, بالصلاة على محمد وآل محمد، حريصًا على تعمير مجالسه بذكر روايات أهل البيت (عليهم السلام).
كان يصلي صلاة الليل، حتى آخر عمره. وفي السنوات الأخيرة، وعندما كبر في السن وضعف حاله، وَضَعَ له عامودٌ في بيته ليستند عليه, وليتمكن من أداء ورده قائمًا. على الرغم من معرفته بأن ما يقوم به الإنسان في شبابه يحسب له في مشيبه، وعلمًا بأنه يجوز الإتيان بالنوافل جالسًا.
يحسب له (رحمه الله) توظيفه لأولاده كلهم (أو جُلِّهم) في طلب العلم والحث عليه.
وينقل عنه هذا القول: «ما أنتم فيه من فقر، خير لكم مما أقبل عليكم»، موجهًا حديثه للمجتمع، وذلك في فترة الطفرة الاقتصادية, وإقبال الناس على الدنيا. (انتهى).
ونَقَلَ لنا الحاج حسين بن الحاج حسن بوكنان، وهو ينقل عن بعض المؤمنين, من تشرفوا بمرافقته في السفر، أنه كان (رحمه الله) :
من المداومين على صلاة جعفر، فكان يحرص على أدائها في السيارة, إذا كان توقف السيارة غير متاح.
ومن أوراده الخاصة والتي يعشقها، «اللهم صلِّ على محمد وآل محمد وعجِّل فرجهم"، و"لا إله إلا الله الملكُ الحق المبين».
وغالبًا ما يسافر مع الحملاداري الحاج المرحوم محمد بن علي بن عيسى البوخضر، للعراق وإيران للزيارة.
يقضي الكثير من الوقت في الحسينية (الهاشمية) السادة بالشعبة، متفرغًا للعبادة، وقراءة القرآن الكريم. ويقتاتُ على القليل من الطعام مثل الخبز والقهوة (الحامض).
وفي لقاء مع أحد سكان الحي, وهو في العقد السابع من عمره. علق على سيرة السيد يقوله:
"كنت شاباً يافعا, في حدود الثانية عشر من عمري, وأتذكر أن والدي, قد مرت علية ضائقة مالية. فذهب الوالد الى بيت السيد هاشم الكبير(وكنت مرافقا له), فطرق الوالد الباب, وإجابة السيد : من بالباب, فأجاب والدي (أنا فلان). فمد السيد يده من خلف الباب, بعدد من الريالات. ويقول" أتذكر أنها كانت من العملة الفضية (الفرانسى), دون أن يرانا أو نراه. وأحتملُ أن هناك ترتيب مسبق بينهما على هذا الموعد".
وكان في المجتمع، عددٌ من المؤمنين الأخيار، والذين تفانوا في خدمة السيد هاشم العلي (الكبير)، ومنهم الحاج أحمد بن علي الدجاني (بومسلم)، والذي كان يرافق السيد حاملاً أمامه السراج (والتريك لاحقًا) ([8]، لإنارة الطريق للسيد في طريقة من وإلى المسجد, وخصوصًا لوقت صلاة الفجر، والعودة معه بعد صلاة العشاء. ومن بعده قام بهذه المهمة, المؤمن التقي طاهر المبارك الناصر (رحمة الله عليهم جميعًا). وأيضاً ممن قامَ على شؤون السيد المرحوم علي المؤمن (بو منصور). ومن العادات الجميلة في ذلك الزمان، أنهم يرافقون (يشيعونه) العالم وإمام الجماعة من المسجد حتى يصل إلى بيته.
-
جولاته للوعظ والإرشاد :
وكان من عادته (رحمه الله), التنقل بين قرى الأحساء للتبليغ، والإرشاد الديني, وإقامة صلاة الجماعة, ونشر تعاليم الرسول الأكرم وآل بيته الأطهار. وكان السيد (هاشم الكبير) يحظى (وفي عموم المنطقة) بالحفاوة والتقدير من الجميع، وكانت إقامته في بعض القرى تمتد لعدة أيام.
ففي المطيرفي، كان السيد هاشم العلي يزور هذه القرية بمعية أبن أخيه المقدس السيد محمد العلي, لإقامة صلاة الجماعة, وللوعظ والارشاد, فكانت تقام لهم ما يعرف بـ "دايرية السادة", وكان عدد السادة مع مرافقيهم, يتراوح ما بين الخمسة والستة أفراد.
ففي العادة, كانت الدعوة تقدم للمقدس السيد حسين العلي, ومن بعده الى إبنه المقدس السيد محمد السيد حسين العلي لزيارة البلد, وذلك قبل فترة كافية من الوقت. ويقوم بالتنسيق لهذه الزيارة, السيد محمد بن السيد علي الحسن العلي (غدير). حيث يقوم بالعمل مع بعض عوائل المطيرفي, على إعداد برنامج لاستضافة السيد, على وجبتي العشاء والغداء. وكانت مدة هذه الزيارة في حدود الأسبوع.
ومن ضمن من يتشرفون بدعوة السادة في هذه الدورية: الحاج علي بن عبدالله الخويتم، والحاج عبدالمحسن (وأخوه أحمد) أبناء صالح الخويتم, والحاج طاهر بن مبارك البخيتان, والحاج حسين العايش, والحاج حسين الجزيري, والحاج طاهر المبارك، والحاج علي الناصر, وغيرهم.
وعندما يزور السيد هاشم العلي قرية المطيرفي، ففي أول يوم لوصوله, يكون مجلسه لدى السيد علي بن السيد حسن العلي (والد السيد تاج العلي)، وبعدها يستقر في بيت المرحوم السيد محمد بن السيد علي الحسن (غدير)، حيث يبيتُ سماحة السيد هاشم العلي في بيته طوال فترة إقامته هناك.
ويتخلل برنامج هذه الزيارة, العمل على بث الوعي الديني, ونشر علوم أهل البيت, وأصلاح ذات البين, وإبرام عقود الزواج لأهل القرية. وكان السيد يقيم صلاة الجماعة في مسجد عبد الحسن في (وسط المطيرفي) بالقرب من الدروازه, قبل إعمار مسجد الشيخ أحمد بن زين الدين (رضوان الله عليه). وخلال تواجده في المطيرفي, كان السيد يذهب لعين الحوار، أو أم ناصر، أو عين حقيجة، وذلك للإستحمام.
عُرف عن أهالي قرية (المطيرفي) حبهم وإجلالهم للعلم والعلماء منذ القدم، ومن الأمثلة على ذلك، وجود عدد من (المطوعات) الرواد لتعليم القرآن الكريم في هذه البلدة، ومن ضمن من قُمن بهذه المهمة النبيلة في المطيرفي:
السيدة مريم بنت السيد كاظم السلمان منذ العام ١٣٢٥ﻫ. والمرحومة حجية بنت علي الحجي منذ ١٣٣٥ﻫ([18]). والمرحومة أم علي بن ناصر الخلف منذ ١٣٤٥ﻫ. والمرحومة أم علي محمد العبدالنبي منذ ١٣٦٠ﻫ. والمرحومة السيدة زهرة بنت السيد علي الحسن منذ ١٣٦٠ﻫ. والمرحومة آمنة بنت عبدالله عيسى البجحان منذ ١٣٧٠ﻫ. والمرحومة بتلاء بنت موسى علي البجحان منذ ١٣٧٥ﻫ ([19])
-
صينية السادة في المطيرفي :
ومن اللطائف التي تروى في هذا المجال, نقلَ لنا, عن وجود صينية كبيرة للطعام في المطيرفي, تعرف بصينية السادة. وهي صينية كبيرة جداً, لا تستخدم إلا (لوليمة السادة) في حال زيارتهم للبلد. فعندما يدعى السادة لوليمة في أحد البيوت, فكان الطعام يقدم في هذه الصينية بالذات. ويجلس على هذه الصينية السادة العلماء, وصاحب الدعوة, وضيوفه من أهل البلد.
ومن عادة أهل البلد, عندما يأكل السيد معهم, حرصهم على أخذ بعض الطعام من يده بعنوان البركة. فبعضهم كان يأخذ (لقيمات) من يده مباشرة, والبعض الأخر, كان يحضر معه (قدر صغير), ويطلب من السيد أن يضع له ولعياله بعض الطعام بيده من تلك الصنية. وهكذا, حتى تنفذ تلك الكمية الكبيرة من الرز واللحم.
وسؤالنا لأهلنا في المطيرفي, أين هي صينية السادة الآن !
وفي العمران، سئلنا الأستاذ السيد عبد الهادي بن السيد محمود السيد حسن الحداد (من العمران الشمالية)، عن زيارات سماحة السيد هاشم العلي (الكبير) لبلدة العمران، فقال :
«كان سماحة السيد هاشم السيد محمد العلي يزور العمران بمعية المقدس السيد محمد السيد حسين العلي (القاضي)، وتقام صلاة الجماعة بإمامته في المسجد الأوسط (أو المسجد الشمالي بالعمران الشمالية). وفي الغالب يقيم سماحة السيد هاشم العلي في بيت الجدِّ السيد حسن الحداد، وبعد ذلك في ضيافة (الوالد) السيد محمد السيد حسن الحداد. كانت تلك الزيارات تتكرر بواقع مرتين في الشهر, ولمدة ثلاثة إلى أربعة أيام في كل زيارة. ويقولُ الحاج مصطفى بن عبدالله المنصور (أبو سعيد) ([20]) «كانت تلك الزيارات امتدادًا لزيارات المقدس السيد حسين العلي (القاضي) الى منطقة العمران في حياته».
ويضيف الحاج مصطفى المنصور (حفظه الله): «إن سماحة السيد هاشم العلي كان يقيم في بعض الأحيان في منزل الحاج المرحوم الحاج عبدالله بن حسن العلي (والد الأديب المعروف الأستاذ محمد العلي). وبعد وفاة المقدس السيد محمد العلي في عام ١٣٨٨ﻫ, انقطع السيد هاشم العلي عن زيارة العمران». (انتهى)
وعرف عن سكان العمران الكرمُ وحسن الوفادة, وكانت علاقتهم بالعلماء وخدمتهم, تعود الى زمن حياة المقدس السيد حسين العلي. فكان أهالى العمران يتسابقون لإستضافة المقدس السيد محمد العلي, وعمه السيد هاشم العلي ومرافقيهم. وذلك ضمن (دايرية) في عدة بيوت على وجبتي (الغداء والعشاء). وذلك طوال فترة أقامتهم في البلد.
وكان من ضمن من يستضيفون السادة في العمران :
السيد محمد السيد حسن الحداد (المعروف بالسيد محمود) - العمران الشمالية, ومن قبله والده السيد حسن السيد حسين الحداد, والحاج المرحوم عبدالمحسن العيسى (العمدة) - العمران الشمالية, والحاج أحمد ناصر الحبابي (والد الحاج أبي عبد المنعم) - العمران الشمالية, والحاج عبدالله سلمان الناصر- (والد الأخ الفاضل جواد الناصر) - انتقل الى المنصورة , والحاج أحمد علي النجيدي - انتقل الى المنصورة ثم عاد أولاده الى الشمالية, والحاج عبدالله بن الشيخ معتوق العلي - العمران الشمالية, وملا أحمد المنصور- العمران الشمالية, وملا حسن المنصور- العمران الشمالية, والسيد باقر السيد محمد الحداد - العمران الشمالية, والحاج عبدالله الحسن الحسين العلي - العمران الشمالية, وملا عبدالله المنصور - العمران الشمالية, والسيد طاهر السيد حسن الحداد - العمران الشمالية, والحاج عايش حسين العنيزان - العمران الشمالية, والحاج أحمد العوفي - العمران الشمالية, والحاج عبدالنبي الشريط - العمران الجنوبية, والحاج أحمد حسين العلي - العمران العلية, والسيد طاهر الياسين - العمران الجنوبية, والسيد محمد الياسين - العمران الجنوبية, والحاج سلمان علي الحضري - العمران الشمالية, والحاج موسى الحضري - انتقل الى المنصورة, والحاج حجي حبيب السلطان - انتقل الى المنصورة, والحاج محمد بن الشيخ صالح الخلف (والد الأستاذ سلمان الخلف, بومصطفي) - العمران واسط, والحاج محمد بن الشيخ معتوق العلي - العمران الشمالية, والحاج عبدالله عباد الرشود - العمران الشمالية, والحاج عبدالله الحسن الوباري - انتقل الى المنصورة, والحاج علي الناصر الحبابي - العمران الشمالية, والحاج عبدالله وهب الحضري - انتقل الى المنصورة, والحاج أحمد الحسين - انتقل الى المنصورة, والحاج محمد محمد الحبابي - انتقل الى المنصورة ثم عاد أولاده الى العمران الشمالية. وقد يكون هناك أسماء أخرى, ولكن هذا ما استطعنا الحصول عليه, في الوقت الحاضر.
كان ذلك ما أفادنا به الأخ الفاضل السيد محمدحسن أبن السيد محمود الحداد, والذي أستقى معلوماته من مصادر عدة في العمران الشمالية. انتهى
وتجدر الإشارة إلى أن (العمران) وجوارها كانت ترزح تحت خطر داهم, كان يهدد العباد والبلاد. وهو زحف الرمال على البلد, وتهديد حياة السكان. فهبَّت لهذه المهمة الملحة ثلةٌ من رجال البلد الأوفياء, مطالبين الدولة بمشروع يحمي البلد وأمنه. وكان على رأس المطالبين والمتابعين لهذا المشروع الحيوي الوجيه المرحوم عبدالمحسن بن عيسى بن حسن العيسى (عمدة البلد في ذلك الوقت)، والحاج عبدالله بن الشيخ معتوق العلي, والمرحوم محمد بن الشيخ صالح الخلف، (رحمة الله عليهم جميعًا). حيث قابلوا (المغفور له) الملك فيصل بن عبدالعزيز, وتابعوا وبجديه هذا الملف, حتى كلَّل الله مسعاهم بالتوفيق، ونُفِّذ مشروع حجز الرمال, والمعروف حالياً بمنتزه الأحساء.
وفي القرين، كان للسيد هاشم العلي (رحمه الله) علاقة قوية مع سكان هذه القرية، فبالإضافة إلى روابط القربى والنسب مع بعض الأسر هناك، فكان للسيد الكثير من الأعمال الجليلة في هذه البلدة.
التقيت بالحاج ناصر بن حسين بن أحمد الحسن (من أهل القرين)، وسألته عن ذكرياته عن السيد هاشم العلي (الكبير) في القرين، فقال :
«إن السيد هاشم العلي (الكبير) هو من أسس أول حسينية في القرين، والمعروفة بالحسينية الهاشمية (الوسطى)، وعمل على أعمار المسجد الجامع الجبلي في القرية، عدة مرات.
وعندما يقوم السيد بزيارة قرية القرين، كان مقر إقامته (يبيت) في بيت السيد حسين والسيد علي أبناء السيد حسن السلمان. ويقيم صلاة الجماعة في المسجد الجبلي, ويقوم على إبرام عقود الزواج لأهل القرية.
ويعد الأهالي للسيد برنامج طوال فترة بقائه بينهم. ومن ضمن من يستضيفون السيد هناك: الحاج محمد بن علي الجبران، والحاج عبدالله بن أحمد السلطان، والحاج محمد بن عيسى العباس، والحاج شرار بن حسين العليوي، والحاج ناصر بن حسين أحمد الحسن، والحاج طاهر بن حسين الرشيد، وغيرهم. ويبدى سكان البلد الحرص على حضور مجلسه الشريف، والاستفادة من وجوده بينهم للتزود من علمه وإرشاداته». (انتهي).
وهنا نتمثل قوله تعالى وهو أصدق القائلين : هلْ جَزاءُ الإحسَانِ إلاَّ الإحْسانُ .
هذا، وتشتهر قرية (القرين) بزراعة الأرز الحساوي، وتقع بقربها عين أم سبعة المشهورة. ومن علمائها السابقين الأفذاذ، الشيخ محمد بن الشيخ محسن بن الشيخ علي القريني الأحسائي (توفي سنة ١٢٢٢ﻫ). وهو من أساتذة الشيخ أحمد بن زين الدين الأحسائي (رضوان الله عليه) حيث درس على يديه (العوامل) و (الأجرومية).
وله زيارات لمناطق أخرى, فكان السيد يدعى لبعض المجالس في الهفوف من قبل أسرة البوحليقة, وأسرة البوخمسين, والحاج سلمان الهاجري, والحاج محمد بن الشيخ إبراهيم الخرس. وفي قرية المركز, كان يستضيفه المرحوم علي العلي وأخيه الحاج أحمد (أبناء المرحوم محمد العلي).
وفي الحوطة يستضيفه الحاج محمد العباد (العمدة), والحاج محمد اليوسف. وفي حال زيارته لقرية البطالية كان يستضيفه هناك الحاج صالح المسلمي.
وفي قرية الرميلة عند السيد أحمد وآل اللويم. وفي القارة عند سادة العبد المحسن. وفي التويثير عند سادة الحاجي وغيرهم من أهل القرية. وفي الحليلة عند الحاج علي الخميس, وعند آل الوهاب. وفي بني معن عند آل عطية, وعند آل بني قرين. وفي الطرف عند المرحوم حسن البديوى, وملا علي الياسين, والمرحوم أحمد الهوى وغيرهم الكثير من العوائل. وكان السيد يذهب أيضا إلى قرية الشعبة, والجشة, والجفر وغيرها من القرى, وكانت إقامته في هذه القرى تمتد من يوم أو أكثر, حسب الظروف.
وكانت (للعم) المرحوم أحمد بن حسين بن علي البحراني, علاقة وطيدة مع ذرية رسول الله في حي الشعبةً, ومع سماحة السيد هاشم (الكبير) بالخصوص, حيث اعتاد السيد تشريف مجلس العم احمد أسبوعيا, لما كان بينهم ألفة واستئناس.
ومن ذكريات الحاج السيد حسن بن المرحوم عبداللطيف آل عبدالله
أشار الأخ الفاضل السيد حسن بن المرحوم عبداللطيف آل عبدالله (وهو من سكان حي الشعبة, وله اهتمام ومعرفة بالأنساب, وتاريخ وتراث المنطقة, ومن المشرفين في الوقت الحاضر على الجعفرية), الى نقاط مهمة, وذكريات جميلة عن سماحة السيد هاشم العلي. ولأهميتها, أفردنا لها قسم خاص بهذا الموضوع, فكتب :
وعن نسب السيد هاشم العلي, يقول السيد حسن بن المرحوم عبداللطيف آل عبدالله : "السيد سلمان من آل المشعشعين, نزح إلي الأحساء قادماً من الحويزة, وأنجب أولاده, ومنهم السيد علي, وهو الجد الأعلى للعائلة. و الأحرى كتابة أسمه (السيد هاشم بن السيد محمد بن السيد علي آل سلمان). وللتميز بينه وبين غيره ممن تسمى بهاشم من الأسرة, فينسب لجده علي (العلي).
وقفات مع سيرة السيد هاشم :
أشار السيد حسن بن المرحوم عبداللطيف آل عبدالله (وهو ممن عايش تلك الحقبة, وتأثر بتلك الأجواء) عن نقاط مهمة, تكشفُ لنا جوانب في شخصية السيد هاشم العلي.
يقول :
"وكنا جيرانه, فبيتنا في حي الشعبة, يحدُ بيت السيد بجزء من الغرب, وجزءٌ من الجنوب.
وعن عبادته وتهجده : "نعم... فوالدي يشهد بذلك, حيث يسمعُ بكائه في أثناء الصلاة والدعاء في جوف الليل".
وعن تأخير السيد هاشم لصلاة الجماعة, يقول :
"نعم أدركنا ذلك, حتى يدرك العمال والفلاحون, وهو بذلك يحصل على ثواب هذه الشريحة من المجتمع".
"وأتذكر حينما كنا أطفال, حيث هبت ريحٌ صفراء, ثم تحولت الى حمراء, بعدها أعتم الكونُ, وكانت مصحوبة بتراب. فخرجَ السيد من بيته متجها للمسجد, كان ذلك في الساعة الرابعة عصراً تقريبا, وهو مرتبك في مشيته. فلحقَ الناس به, فأعتلى المنبر, وهو يرتجف, مصفر اللون, يفرك بيده على رمانه المنبر, باكياً في دعائه, يسأل الله أن يرفع من نزل بالناس بسبب تجاهلهم, بارتكاب بعض المعاصي, ويحثهم على الاستغفار, واجتناب المعاصي".
"وكان (رحمه الله) لا تأخذه في الحق لومه لائم. فمن عادته البقاء على مصلاه في المسجد الكبير لأكثر من ساعة, بعد صلاة العشاءين, ويستمعُ للخطيب الذي يقرءا والذي في العادة بأمره. فكان يرسل المرحوم عباس المحمدعلي الى الشيخ المرحوم داود الشهاب (ملا داود), فيقول له : السيد يقول لك أقرءا بعد الصلاة في المسجد الكبير. فيستمر الشيخ داود في القراءة (أحياننا) لمدة ستة شهور, فلا ينقطع حتى يرسل له السيد مبلغً من المال".
وأتذكر كنت مع والدي وبعض المؤمنين من أهالي حي الشعبة, في المسجد الجامع بعد الصلاة, وذلك في الحوي الخارجي للمسجد, حيث كان مكشوفاً قبل الحريق. وكان السيد يصلي في هذا المكان في الصيف, وفي الشتاء في الرواق. فحدث أن كان أحد الشباب يتحدث في المسجد, وواصل حديثه, وارتفع صوته. فقام السيد هاشم له بعد مدة, غاضبا, ونهره, وقال له :
إن بيت الله للعبادة وليس (للسوالف).
وحتى أبناء عائلته كذلك, فقد كان السيد يوبخهم إذا صدر منهم في الحسينية أو المسجد ما يؤذي أحد أو تحدثوا بحديث فيه خشونة مع أحد المؤمنين.
وكان (رحمه الله) حريصاً على حفظ النعمة (أي الرز, الخبز الملقاة في الطريق). فيأمر من معه على رفعها عن الأرض وجمعها. وأحيانناً, هو يقوم بجمعها بيده المباركة, ويدفعها لمن لديهم طيور أو أنعام.
وفي رمضان, كان (رحمه الله) يقرءا الأدعية النهارية للشهر الكريم, في المسجد الجامع بأكملها وهي طويلة. ويتخللها القراءة الحسينية. حيث يبدأ السيد الدعاء : "هذا شهر رمضان, الذي أنزلت فيه القرآن، وهذا شهر الصيام، وهذا شهر الانابة وهذا شهر التوبة، وهذا شهر المغفرة والرحمة، وهذا شهر العتق من النار والفوز بالجنة.... ". حتى نهاية الدعاء.
بعده, يعتلي المنبر ملا ناصر الخميس, ويقرءا حسيني. بعدها, يواصل السيد الدعاء (سُبْحَانَ اللهِ بارِئِ النَّسَمِ سُبْحَانَ اللهِ الُمصَوِّرِ سُبْحَانَ اللهِ خالِقِ الأزْواجِ كُلِّها سُبْحَانَ اللهِ جاعِلِ الظُّلُماتِ وَالنُّورِ سُبْحَانَ اللهِ فالِقِ الْحَبِّ وَالنَّوى...) " حتى النهاية.
بعدها, يعتلي المرحوم ملا ناصر بن راشد, ويقرءا حسيني, ليرتاح السيد قليلا, بعده يواصل حتى يكمل باقي الأدعية النهارية. وفي علمي, أن (السيد) أنفردَ بذلك في تلك الفترة, والتي أدركناه فيها, فكان يقرءا الأدعية النهارية كلها مع طولها, وهو صائم ومع كبر سنه.
كان ذلك لحرصه على العبادة في هذا الشهر الكريم, وكان يستمر حتى ساعة متأخرة من العصر في المسجد الجامع.
وبعد وفاته (رحمه الله), استمرت قراءة الأدعية النهارية في المسجد الجامع, وصارت عادة حسنة, فكان السيد محمد بن المقدس السيد ناصر السلمان يقرئها في رمضان. وكنت مع والدي (رحمه الله) من المستمعين لذلك, وحدث في أحد السنوات, أن تأخر السيد (يوما),
فسأل الناس من يقرءا الأدعية اليوم !
فقمت, وبدأت في قراءة الأدعية, وبعد قليل, حضر السيد محمد السيد ناصر, فنبهني جماعة من المؤمنين إلى وصوله, فتوقفت...
فقال لهم السيد محمد السيد ناصر, دعوه يواصل.
ومنها, أصبحت أساعد السيد محمد في الدعاء, في نهار رمضان الى يومنا هذا ولله الحمد. وعلى نفس سيرة السيد هاشم العلي (رحمه الله), تتخلل الأدعية, القراءة الحسينية.
(الهم أعده علينا, وعلي جميع المؤمنين والمؤمنات, ولا تجعله آخر شهر رمضان, صمته لك, منذ أسكنتني أرضك, بل أجعله في أتم نعمة وعافية).
وعن الحسينية والتي أسسها في بيته :
"نعم أدركنا تلك الحسينية والتي أسسها السيد في بيته, وهي في الجهة الشرقية لبيت السيد (رحمه الله). فكان السيد يحرص على أحياء شعائر أهل البيت (صلوات الله عليهم أجمعين), وكان الملا المرحوم ناصر الراشد يقرءا عند السيد هاشم. وفي يوم الوفاة, يتقدم ذلك القراءة في النسخة (مثير الأحزان). وكان يقدم في هذا المجلس الطعام, وهو من الرز واللحم, أو الدجاج, وأحياننا (عيش مفلق).
وفي المناسبان (مثل الوفاة أو المولد), فكان السيد هاشم يرسل الحاج طاهر المبارك (رحمه الله) لإشعار الصاغة وأصحاب المحلات في حي الشعبة, لتذكيرهم بهذه المناسبة. وكنا نغلق المحلات, ونذهب لنستمع للقارئ الحسيني. ونأكل من البركة.
ويقول السيد حسن آل عبدالله : أتذكر في أحد الأيام, إذ زاد الحضور في حسينية السيد هاشم في بيته, وكان جلهم من الشباب, فتضايق بعض المسنين (المتقاعدين), فقال أحدهم :
أيه (يوم العيش) تجون, فأجابه السيد, وأخذ بخاطر الشباب, وأصحاب المحلات, وقال :
لا يا حَجي, هؤلاء أغلقوا محلاتهم تعظيماً للشعيرة, أما بعضكم فقبل التقاعد لم نره. وحدثني والدي (رحمه الله), أن سماحة السيد هاشم العلي, كان يحترم جيرانه ويتفقدهم, وكذلك من يصلي خلفه.
-
ومن الرجال الذين تفانوا في خدمة السيد :
يقول السيد حسن آل عبدالله :
ومنهم الحاج أحمد بن علي الدجاني والحاج طاهر بن المرحوم ناصر المبارك (رحمها الله), فبعد وفاة الأول, أصبح الثاني يتقدم السيد بالاتريك حتى ينير الطريق. وكان (أي السيد هاشم) محترماً من الجميع, وله هيبة في نفوس الناس, حتى أنه إذا كان في طريقه يمشي, فكان الناس تسير خلفه, ولا يتقدم عليه أحد. وكذلك (أبو منصور), وهو الحاج علي بن حسين الزين المؤمن, فكان رحمه الله, يذيب السكر للشربت (الأحمر والأصفر), بقطعة خشب, أشبة (بمضرابة) الهريس.
-
وعن مرض السيد ووفاته :
يقول السيد حسن آل عبدالله :
كنا نصلي خلف السيد في المسجد الجامع بالشعبة, فانقطع عن الحضور للمسجد, فاستأذنا السيد علي بن السيد محسن السلمان (وهو احد أحفاده, ومن طلاب العلم ومن أقراننا في العمر), بأننا نحبُ زيارة السيد, فدخلنا عليه وهو مضطجع على فراش تحت جدار يستظل به, في ضحى النهار. ورأيناه يشتكي من ألم في إذنه ويخرج منها الغي والصديد. فسلمنا عليه, ودعونا له بالشفاء, وسألناه الدعاء (رحمه الله). وكان يوم وفاته يوما مشهود, حيث ازدحم الناس يبعضهم, وامتلأت الطرقات, والمقبرة, والمغيسل. ولكون وفاته كانت في أبان قيام الثورة الإسلامية, فانطلقت بعض العبارات المقتبسة من بعض الهتافات. وكان يلاحظ البكاء على الفقيد, وحتى اللطم والعزاء, فجسد الناس حبهم لهذا الفقيد الكبير(ولعل السيد حيدر أبا الحسن) من لبنان القي قصيدة في مجلس العزاء, أرخ فيها تاريخ وفاة السيد :
"أرخ هاشم سيد ومن النبلاء"
ومن ذكريات د. طاهر البحراني مع السيد هاشم (الكبير)
ودَوَنَ الأخ الفاضل د. طاهر بن الحاج حسين بن محمد البحراني, بعضٌ من ذكرياته في حي الشعبة بالمبرز, فكتب :
لقد أعتدت أن أقضي جزءاً من العطلة الصيفية المدرسية في مدينة المبرز, كي أساعدَ خالي الحاج حسين بن المرحوم أحمد البحراني (والملقب آنذك بالعراقي), في دكانه لبيع المواد الغذائية. وذلك عندما كنت في المرحلة الدراسية المتوسطة والثانوية, ولكي أمسك دفاتره, إن صح التعبير, كما يصطلح عليه هذه الأيام. فأدونَ المواد الغذائية التي يشتريها من تجار الجملة في دفتر, وأسجل المواد الغذائية المباعة بالآجل وما أكثرها في دفتر آخر. لتستوفى فيما بعد, بعد شهور أو سنين أو قد لا تستوفئ.
إذن, ومن خلال وجودي في المبرز, تعرفتُ على كثير من الوجوه والشخصيات, وعلى بعض الحارات, والسكك, والمساجد, والحسينيات. ومن الذين ألفتُ رؤيتهم سماحة السيد محمد بن السيد حسين العلي, قاضي الشيعة آنذك. لكثرة تردده على مجلس الحاج المرحوم (العم) عبدالله البحراني (جد الحاج أحمد وعلي تقي البحراني), فكان له عادة أسبوعية يأتي الى هذا المجلس (فيما أظن يوم الثلاثاء أو الأربعاء), وكان يأتي بصحبته العم المرحوم حسن بن عبدالله البحراني (السالم), والمرحوم الخال صالح بن علي البحراني, وآخرين.
ومن الذين ألفتهم في هذا الحي, سماحة السيد هاشم بن السيد حسين العلي (والد السيد محمدعلي المعاصر), حيث كان يصلي في المسجد الشرجي, كما هو (الآن) معروف بهذا الاسم. وهو (أي السيد هاشم) من الأتقياء الورعين. أصيب بشلل غير مكتمل بجانبه الأيسر, ورجله اليسرى, مع انحناء شديد في قامته, فكان محدودب الظهر. وكان السيد يجد صعوبة في القيام والقعود, ويجد مشقة في لبس نعليه, وفي سيره. ومع ذلك, كان يتمكن من الصلاة دون مساعدة أحد. كان محبوباً لدى الناس, ويوم وفاته كان يوماً مشهوداً, وحزيناً. وقد أقيم له حفل تأبين كبير في المسجد الجبلي بالشعبة, حضره ح
جديد الموقع
- 2024-05-01 النقد الأدبي بين الفاعلية والمجاملات الرقمية والإعلامية.
- 2024-04-30 سمو محافظ الأحساء يرأس المجلس المحلي للمحافظة
- 2024-04-30 سمو محافظ الأحساء يرأس اجتماع اللجنة العليا لإنشاء المستشفى الجامعي التعليمي
- 2024-04-29 وعي القلم والأمل نص مستخلص من مجموعة (كلام العرافة) للدكتور حسن الشيخ
- 2024-04-29 ريم أول حكم سعودية لرياضة رفع الأثقال حازت على الشارة الدولية
- 2024-04-29 بيئة الأحساء تدشّن أسبوع البيئة 2024 تحت شعار "تعرف بيئتك"
- 2024-04-29 منتدى البريكس الدولي يكرم الفنان السعودي الضامن في غروزني الشيشان ..
- 2024-04-29 حققوا المركز الأول على مستوى المملكة كأعلى تسجيل للطلاب طلاب "تعليم الرياض" يفوزون بـ13 ميدالية في أولمبياد "أذكى"
- 2024-04-29 جمعية العمران الخيرية بالاحساء للخدمات الاجتماعية تحظى بتكريم مرموق من مركز الملك عبد العزيز للتواصل الحضاري .
- 2024-04-29 مبادرة خطوة قبل الشكوى تبدأ فعالياتها بتأهيل اناث الدمام
تعليقات
بو عبدالكريم
2010-10-18موضوع متميز يعكس شخصية إيمانية, وهي قدوة لشبابنا طلاب العلم فشكر لكتاب الموضوع تحياتي