2019/07/24 | 0 | 2636
نظرة عابرة في ديوان ( قصائد ضاحكة ) للشاعر ناجي بن داود الحرز
يُعتبر الشعر الفكاهي من أبرز أغراض الشعر الإجتماعي ، فهو يمثل ظاهرة أدبية بوصفة نزعة إنسانية ، و عاطفة بشرية يعبّر بها الأوَادِم عن مكنونات خواطرهم ، ومكبوتات مشاعرهم ، فالإنسان ـ مهما كانت رزانته الإجتماعية ـ لا يستطيع أن يحيّد ضحكته ساعة تمرق نكتة تتدجرج فوق رخامة اللغة ، ولن يكون باستطاعته الوقوف محايدًا أمام تدفق شلال الضحك أو العبث بتياره حين يكون الضحك جماعيا ، لأنه سيبتل بماء الضحك .. فإرادة الضحك من إرادة الحياة .
ديوان ( قصائد ضاحكة ) للشاعر ناجي بن داود الحرز حقل لغوي مفخخ بألغام الضحك ، لا تبدو قصائده ـ الممتدة زمنيا ما بين عام 1405إلى عام 1421هـ ـ كلها متبرجة بالضحك منذ أول قراءة ، بل يظل الضحك كامنًا في تربة اللغة كُمُون اللغم في التراب ، و ربما يجوس القارىء خلال الديوان لتتفجر في وجهه الضحكات مدوية ، ولتتركه موجة ً ضاحكة لتدفعه موجة ضاحكة أخرى .. و هكذا شاعر الديوان ، فالديوان صنو شاعره ، ، فنراه يركن أحيانا إلى صوت الحكمة ، وكأنه يحاول الحفاظ ـ أو هكذا يوهمنا ـ على ذمام وقاره و رصانته ( الحرزية ) وسط جوقة الضحك ، من مثل قوله في قصيدة ( القرمبع ) :
الـشعرُ كـم لـلشعر فـي
زمــانــنــا مـــــن مـــــدّعِ
يــحـاول الــوقـوف فـــي
صــف الـمـجيدين مـعـي
هيهات ( يا أ حمد ) ليس
الـــطّـــبــعُ كــالــتّــطَـبُّـعِ
ولــيـس ( بـاقـلُ ) الـفـها
هاتِ كمثل ( الأصمعي )
إنّ بــــلـــوغ قــــمّـــة ال
مــجــد شــديــدُ الــوجـع
فـانـظر إلــى مـاذا يـؤولُ
الأمــــــرُ ( بـالـقـرمـبـعِ )
|
أو مثل قوله في قصيدة ( فرصة ) :
أو قوله في قصيدة ( الشريدة ) :
كم طامعٍ في الربح أص
فهذه الأبيات الحكمية المدسوسة بين خميلة الضحك ، على الرغم من قيمتها المعنوية قد توقف تيار الضحك عند بعض غير المتمرسين في اكتشاف ما خلف السطور .
الحس الفكاهي لدى الشاعر ناجي بن داود الحرز حسٌّ استحواذي ، يظل يلح عليه ، ويشكل به واقعه الخاص ، ورؤيته للحياة والموجودات من أشخاص و عجماوات ، ولا يفوت أن نشير إلى انطواء هذا الحس الفكاهي على جارحة نقدية تمثل ما يشبه عنصُرَي : الرفض والإحتجاج عبر اللاشعور الذاتي أو عبر اللاشعور الجمعي ، كما في قصائد : ( إرحمونا ، مصرع دجاجة ، شمشون الخكارة ، فرصة ) باعتبارها قصائد ضاحكة أولا ، وباعتبارها نماذج جلية على وضوح الحس النقدي بما ينطوي عليه من عنصرَي : الرفض والاحتجاج ثانيا ، فهذه القصائد تمثل بجلاء الطريقة الحرزية ـ حقا ـ كذات ناقدة تتوسل الشعر الفكاهي .. كما يؤسس لذلك الشاعر في مواضع مختلفة من الديوان .
فالحس الفكاهي في هذه القصائد ، ينطوي على لذعة من لواذع السخرية ، تهدف إلى نقد الواقع وإعادة تمثيله ، بإزاحة ألوانه القاتمة التي توحي بالرتابة والجهامة والسأم بفرشاة الفكاهة المبللة بالألوان الزاهية المرحة التي توحي بالظرف و التندر والتفكه ، فالسخرية أدنى مراتب النقد كما يقول ( جهاد الخازن ) ، وقبول السخرية سماحة كما يقول ( عباس محمود العقاد ) ، فعلى الشاعر بحسه الفكاهي الساخر نقد الواقع بالسخرية منه وعلينا قبول ذلك بسماحتنا .
فالنكتة فضّاحة ، تفضح الواقع الآسن ، فكيف بها إذا حُقنت بعقار الشعر فإنها تصبح أرقى الفنون الهزلية في التعبير عن الذات المُضحكة والضاحكة في آنٍ معا ! .
ديوان ( قصائد ضاحكة ) في متنه اللغوي ينتمي إلى لغة ناجي بن داود السهلة الممتنعة ، التي تتخفف ـ غالبا ـ من المجازات البلاغية ، والإكسسوارات البديعية ، ويبقى ناجي بن داود الحرز كالنهر في تشكيل سطح لغته ، حيث يمزجها بموهبته ، و يخصبها بفنه ، ويدعها كالطمي صالحة لاستنبات رؤاه الشعرية ، و منها ضواحكه الفكاهية ، و عاطفة الضحك لا يوائمها إلا هذا الأسلوب السهل البسيط ، ذو الصياغة الخالية من الكحول اللغوية ، بل والمنفتحة على الذاكرة الشعبية بمفرداتها و تراكيبها و سياقاتها الجمالية ، ولذا نلحظ على الديوان تشبّعه بالعبارات اليومية ، والكلمات العامية المشحونة بكهرباء الضحك ، يذروها الشاعر كالبهار في القصيدة ، كي يضفي عليها نكهة و مذاقا يُسهمان في دغدغة ( جسد القارىء ، و يدعوه للضحك كلما همّ بالإقلاع عنه .. ) كما قال الأستاذ عادل الرمل في تقديمه للديوان .
ولنا أن نتابع ذلك في الأمثلة التالية : ( يِلِمّ الأُطنِ تاني ، المجبوس ، القير والشكمان ، الروس والمصران ، الخكارة ، مطفوق ، صج ولج ، ينغق ، يبغق ، صطل ، ألطش ، القرمبع ، الرّصّات رصّة ، مقصة ، نويجي ، خبصة ، ينتوصّه ، لطشَتْ ما لطَشَت ، الجزدان ، قرصة ، عاير ) و كأن الشاعر باستنهاضه الذاكرة الشعبية عبر هذه المفردات والتراكيب بحمولاتها الدلالية يريد فتح باب الإجتهاد في الضحك ، بل و الغلو فيه ، باستثمار مخزونها التراثي الشعبي للمضاربة به في سوق الضحك .. !
إضافة إلى لجوء الشاعر و حرصه ـ في بعض القصائد ـ إلى إحياء الذاكرة وإنعاشها عبر التواصل الشعري مع التراث في مثل قصائد : ( وادي الشياطين ، تزوجت اثنتين ، الفاتن الصفراء ) بوصفها قصائد معارضة ، إحرازاً منه ـ وهو الحرز ـ لأوجه التشابه في التجربة كما في ( تزوجت اثنتين ) ، أو في الوزن والقافية على الأقل كما في ( وادي الشياطين ) و ( الفاتن الصفراء ) .
وأخيرا .. تمثل ظاهرة رثاء الحيوان ، وإنطاقه بما في طوايا النفس تقليداً أدبيا عريقاً ، لا في الأدب العربي فحسب ، بل وفي الآداب الإنسانية باعتبارها محاولة للتسلل إلى الواقع خصوصا إذا كان الواقع ملبّدًا بالغم السياسي و غيمه ، حيث تصبح ا لدعابة ضرورة ، و النكتة حتمية ، فيكون الحيوان ـ والحال كذلك ـ قناعا و رمزاً ، حيث تتخفى الفكاهة وراء حاجب اللغة من جهة ، ووراء لسان الحيوان بوصفه قناعا من جهة أخرى .
في ديوان ( قصائد ضاحكة ) حضورٌ مكثف للحيوانات ، والفراشات ، والطيور المحلية ، و كأن الشاعر يرصد إيقاع البيئة المحلية في أصوات حيواناتها ، مساهمة منه في شد انتباه القارىء إلى ما يثير فيه رغبة الضحك ، وبهذا وبالإنفتاح على الذاكرة ا لشعبية وقاموس اللهجة ( الحساوية ) لا ( المُبَرّزية ) ، لا يكتب الشاعر قصيدة شعرية تبعث على الضحك فحسب ، بل يشكل الديوان أيضا ( مصدرية شعرية للتاريخ الأحسائي ) بذاكرته و لهجته ، كما يقول الشاعر و الناقد الأستاذ محمد بن حسين الحرز .
إن الشاعر في قصيدته ( مصرع دجاجة ) و ( مصرع فتّ ) والأخيرة من خارج الديوان ، لا ينحو فيها منحى فكاهيا و كفى ، وإنما يجدها فرصة مواتية للتعبير عن مكنوناته و قناعاته و رؤاه دون حرج ، وكأن هناك فكرة ضاغطة عليه يصرح بها على ألسنة هذه الحيوانات المستأنسة .
جديد الموقع
- 2025-01-08 طلب النجاح أم الخوف من الفشل
- 2025-01-08 الإعلامي إبراهيم موسى يحصل على دبلوم إدارة الأعمال
- 2025-01-08 عناوين الكتب
- 2025-01-07 هل هناك معيار عالمي موحد لقياس نمو الطفل؟
- 2025-01-07 تقلبات الهرمونات ليست خاصة بالإناث فقط بل للرجال دورة هرمونية يومية تتزامن مع تقلص حجم أدمغتهم من الصباح إلى الليل وتستعيد حجمها الطبيعي أثناء الليل
- 2025-01-06 العمل التطوعي بالمطيرفي "مركز إكرام الموتى ونادي التاج الرياضي"نموذجين يحتذى بهما
- 2025-01-06 افراح العبدالنبي والغزال في قاعة نيارة الاحساء
- 2025-01-05 افراح الموسى والحمادة في قاعة أماسي الطرف بالاحساء
- 2025-01-05 الصبر والعوامل المحددة له
- 2025-01-05 الصبر والعوامل المحددة له