
2025/04/23 | 0 | 172
من منبر الجمعة.. الشيخ عادل المرعي: سماحة العلامة الحجة الشيخ جواد الدندن -قدس سره- كان شعاره السير إلى الله سبحانه وتعالى
-تقرير: عبدالله بن حسين العطية.
خصص سماحة الشيخ عادل المرعي -حفظه الله- خطبته في الجمعة الأولى من شهر شوال من عام ١٤٤٦هـ عن رحيل سماحة العلامة الحجة الشيخ جواد الدندن -قدس سره- وذلك في مسجد الرسول الأعظم -صلى الله عليه وآله وسلم- وقد ارتحل سماحة العلامة الدندن إلى جوار ربه في اليوم الأول من شهر شوال، مخلفًا وراءه إرثًا دينيًّا وعلميًا، وقد خيم الحزن والأسى على المنطقة سيما في مدينة الجرن التي عاش فيها سماحته مدة ٤٣ عامًا، تولى فيها إمامة الجماعة، والإشراف على الدروس الدينية، وإصلاح ذات البين، وإجراء عقود الأنكحة للمقبلين على الزواج، وغيرها من الخدمات الاجتماعية التي قدمها من استشارات دينية وتربوية، وقد افتتح سماحة الشيخ عادل المرعي -حفظه الله- خطبته بآية من الذكر الحكيم؛ وهي قول الله تعالى: ﴿إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ﴾(١)
وأردف قائلًا: لابد أن يكون العالم مظهرًا من مظاهر الزهد، مظهرًا للتقى، مظهرًا للورع، مظهرًا للموعظة والأخلاق الحميدة، وقد كان الشيخ الجليل -رحمة الله عليه- مصداقًا من مصاديق هذه الآية، وأحد المصاديق ما قاله الإمام الصادق -عليه السلام- في تفسير هذه الآية المباركة أن العالم من صدَّق فعلُه قوله، فكان -أعلى الله مقامه- ممن يفعل ويقول، ويقول ويفعل، فكان قوله يطابق عمله.
وأكد سماحته على تقواه وورعه، إذ يقول: منذ أن وعيت على هذه الدنيا وارتبطت به، وأنا أجده تقيًّا ورعًا ذاكرًا لله -سبحانه وتعالى- متأسيًا بالنبي -صلى الله عليه وآله- وبالأئمة من بعده -عليهم السلام- متأسيًا بأمير المؤمنين علي بن أبي طالب -عليه السلام- ونتذكر جميعًا ما رواه المؤرخون "عند رجوع الحسن والحسين -عليهما السلام- ومن معهما من خواصهما وأهل بيتهما، فمروا على خربة من الكوفة، فسمعوا أنينًا، فقفوا أثره، فإذا به رجل قد توسّد لبنة وهو يحن حنين الثكلى الوالهة، فوقف عنده الحسن والحسين وسألاه عن حاله، فقال إني رجل غريب لا أهل لي وقد أعوزتني المعيشة، وأتيت إلى هذه البلدة منذ سنة، وكل ليلة يأتيني شخص إذا هدأت العيون بما أقتات من طعام وشراب، ويجلس معي يؤنسني ويسلّيني عمّا أنا فيه من الهم والحزن، وقد فقدته منذ ثلاثةَ أيام، فقالا -عليهما السلام- له، وهما يبكيان: صفهُ لنا، فقال: إني مكفوف البصر ولا أبصره، فقالا: ما اسمه؟ قال: كنت أسأله عن اسمه فيقول: إنما أبتغي بذلك وجه الله والدار الآخرة، فقالا له: أسمعنا من حديثه، قال: دأبهُ التسبيح والتقديس والتكبير والتهليل، وإن الأحجار والحيطان تسبح بتسبيحه، وتكبر بتكبيره، وتهلل بتهليله، وتقدس بتقديسه، فقالا له: هذه صفات أبينا أمير المؤمنين عليه السلام"(٢)، إذًا هكذا كان الشيخ ذاكرًا لله -سبحانه وتعالى- متأسيًا بإمامه الإمام الباقر -عليه السلام- الذي كان يروي عنه ابنه الإمام الصادق -عليه السلام- إذ يقول: "وَكَانَ أَبِي -عَليهِ السَّلامُ- كَثِيرَ الذِّكْرِ ، لَقَدْ كُنْتُ أَمْشِي مَعَهُ وَإِنَّهُ لَيَذْكُرُ اللَّهَ، وَأَكُلُ مَعَهُ الطَّعَامَ وَإِنَّهُ لَيَذْكُرُ اللهَ ، وَلَقَدْ كَانَ يُحَدِّثُ الْقَوْمَ وَمَا يَشْغَلُهُ ذَلِكَ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ، وَكُنْتُ أَرَى لِسَانَهُ لَا زِقاً بِحَنَكِهِ يَقُولُ : لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَكَانَ يَجْمَعُنَا فَيَأْمُرُنَا بِالذِّكْرِ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ ، وَيَأْمُرُ بِالْقِرَاءَةِ مَنْ كَانَ يَقْرَأُ مِنَّا وَمَنْ كَانَ لَا يَقْرَأُ مِنَّا أَمَرَهُ بِالذِّكْرِ"(٣) ، فكان الشيخ أحد وأبرز مصاديق الذكر لله -سبحانه وتعالى-
وأشار سماحة الشيخ عادل المرعي إلى فضل سماحة العلامة -رحمه الله- وجهوده الكبيرة في تعليم الطلبة في كلمة تضمنت سجاياه قائلًا: ينقل أحد طلبة العلوم، وهو من الأصدقاء يقول: منذ بدايتي وعهدي بالحوزة عندما كانت في المسجد الكبير في الشعبة من جانب الساحة؛ ساحة الأربعين، يقول: منذ عهدي منذ بدايتي ودخولي الحوزة لم أكن أعرف الكثير من الطلبة، وبينما أنا جالس إذ مرت شخصية أبهرتني بنورها وجلالها، فقلت: من هذا؟ فسألت عنه، فقالوا لي: إنه أستاذ الحوزة، إنه الشيخ الجليل الشيخ جواد الدندن، إذًا الشيخ -رحمة الله عليه، وأعلى الله مقامه- كان له نور يضيء بوجهه المبارك، ولم يأت هذا النور جزافًا، وإنما بسبب الارتباط مع الله -سبحانه وتعالى- وذكره لله -سبحانه وتعالى- على كل حال، فقد كان فخرًا -بأبي هو وأمي- لكل من تتلمذ على يديه، وقد تتلمذ على يديه العشرات من طلبة العلم، وها هو النتاج اليوم ما رأيتموه من طلبه العلوم، ٩٥% ممن تخرجوا على يدي الشيخ -رحمه الله- فكل إنسان على يدي الشيخ كان يفتخر بأنه حضر ودرس لديه هذه المادة الفلانية، إذ يقول: درسني الفقيه العالم الشيخ جواد الدندن -رحمة الله عليه- وأنا أتكلم عن نفسي، ما فتحت عيني على الحوزة إلا وتلقفتني يد الشيخ -رحمه الله- فكان يعطيني وقتًا من وقته الثمين، وكان آنذاك في المسجد الكبير الشيخ مشغولًا، ومنهمكًا في تدريس السطوح العليا، ولكنه لم يأنف أن يأتي أحد مثلي وهو في بدايته في الحوزة أن يدرسه المسائل البسيطة الابتدائية، كمنهاج الصالحين، لم يأنف ذلك، وهو أستاذ المكاسب، ليس كما يفعل البعض أنه إذا وصل إلى هذه المرحلة لا يمكن أن ينزل مستواه إلى أن يأخذ الرسالة العملية ويدرسها لأحد الطلاب، لم نجد الشيخ إلا متواضعًا -رحمة الله عليه- وليس هذا فقط، بل كنا نلتف حول هذه الشخصية العظيمة ننهل من علومها سيما في بلدة الجرن، ومن المعلوم أن الشيخ -رحمة الله عليه- كانت عنده حلقات منزلية يدرس فيها المسائل الفقهية، ولم يأب، ولم يكل، ولم يمل بأن يجعل الإنسان واعيًا، وفعلًا قد وجدنا ثمار ما تلقيناه من هذه الشخصية العظيمة.
كما بين سماحته جهود الشيخ العلامة في الإرشاد الديني أثناء مواسم الحج، فيقول: كان الشيخ -رحمة الله عليه- مرجعًا أعلى في مسائل الحج، إذ إن طلبة العلم، والناس كلهم يرجعون إليه، ونعلم ماهية مسائل الحج في تنوعها وتعقيداتها، وأنها تحتاج هذه المسائل بحد ذاتها إلى اجتهاد، والشيخ تصدى لهذه المسائل، فكان مرجعًا وملاذًا للطلبة والمؤمنين، وعندما جاء الهاتف أيضًا كان هاتفه لا يصمت أبدًا خصوصًا في أوقات الحج سواء كان حاضرًا في البلدة أو كان في الحج، فكان يجيب على كل مسألة دون كلل وملل وتضجر، بل في كل وقت من أوقاته سيما في منتصف الليل وهو وقت للراحة والنوم إلا أن الشيخ لا يطفئ هاتفه أبدًا خدمة للمؤمنين.
وتضمنت خطبة سماحة الشيخ المرعي بعض الصفات التي تمثل بها الشيخ -طيب الله ثراه- في قوله: وإذا ما أتينا إلى زاوية أخرى تتمثل في حلمه وصبره مع ما حصل من مشاكل في المجتمع إلا أنه بقي صالحًا شامخًا بصبره، كالجبل لا تهزه الريح أبدًا، بل بقي ثابتًا لم يكل ولم يمل، بالرغم من بعد المسافة إلا أنه يأتي ويصلي جميع الفرائض، وبالخصوص في شهر الباري -عز وجل- مع بعد المسافة إلا أنه يؤدي إمامة صلاة الصبح، صلاة الظهرين، صلاة المغرب والعشاء، فالشيخ كان مجتهدًا في هذا المحراب الذي أصبح اليوم مظلمًا في ظل رحيل شيخنا العظيم، كان شعاره الدائم (السير إلى الله سبحانه وتعالى)، وقد تعلمنا منه هذا الشعار، ولابد أن يتعلم منها كل واحد منا كيفية السير إلى الله -سبحانه وتعالى- دائمًا هذا شعاره الذي أعطانا القوة وأعطانا التقدم، وهذه الكلمات التي لابد أن تكتب بماء الذهب، وتعلق في كل مكان، هذا شعار الشيخ الذي كان يطلبه بخاصته، ما كان لله يبقى وما كان لغير الله يفنى، وهذا هو أثره اليوم، وقد أولعت ثمار هذا الشعار العظيم، وها هو اليوم الشيخ لم يدفن تحت الثرى، وإنما دفن في كل قلب إنسان مؤمن بهذه الكلمات وبهذا الشعار المتمثل في الارتباط بالله -سبحانه وتعالى- والعمل من أجل الله -عز وجل- وإني أوصي نفسي وأوصيكم بالاقتداء بهذه الشخصية العظيمة.
وقد أشاد الشيخ عادل بما قدم شعراء مدينة الجرن من أبيات رثائية في حق سماحة العلامة الحجة -رحمة الله عليه- قائلًا: وجزى الله شعراءنا بما قدموا من كلمات واعية حول هذه الشخصية، حيث يقول الميرزا عبد الله بن الشيخ حسين العطية هذه الأبيات الرائعة:
يبكيك محرابُ الهدى والمنبرُ
ومن الرَّزية مسجدٌ يتحسرُ
يا آية التقوى التي لم تكتمل
إلا وذكرك في مداها يُذكَرُ
تمشي ويمشي الذِّكرُ حولكَ دائمًا
فكأن كلَّ الأرض عندك مشعرُ
تمشي وترعاك السكينة مثلما
ترعى الملوكَ حراسةٌ لا تُقهَرُ
نعم كان ذاكرًا لله -سبحانه وتعالى- أنت تتكلم معه وهو يذكر الله كما كان الإمام الباقر -عليه السلام- في كل أحواله يذكر الله -عز وجل- هكذا كان الشيخ -رحمة الله عليه- وأيضا قال خادم أهل البيت وشاعر أهل البيت -عليهم السلام- الأستاذ ناصر الوسمي -حفظه الله- قال:
أوحشتَ محرابَ الصّلاةِ بفرضِنا
صَلّى.. ليشرُقَ للحبيبِ رجُـوعُ
ولكن هيهات أين الرجوع للشيخ، وأيضًا قال شاعر أهل البيت -عليهم السلام- الأستاذ جاسم الجعيدان:
لَا عَيْبَ فِيكَ سِوَىٰ الرّحِيلِ فَإِنَّهُ
بِشَريعَةِ الأَحبَابِ ذَاكَ يُعَابُ
فرحمة الله عليك أيها الشيخ الجليل، أيها الشيخ العظيم رحمة الله عليك يوم ولدت ويوم ارتحلت إلى جوار ربك ويوم تبعث حيًّا طاهرًا، ونسأل من الله -سبحانه وتعالى- أن يجعلنا من المهتدين بهذه الشخصية العظيمة، وأن يجعلها في أعلى عليين إنه على كل شيء قدير، وصلى الله على محمد وآله الطيبين الطاهرين.
(1) سورة فاطر، آية: ٢٨.
(2) الشريفي، محمود، مقتل وظلامات أمير المؤمنين عليه السلام، قم: المكتبة الحيدرية، ط١، ١٤٢٧هـ، ص٨٩.
(3) الكليني، محمد بن يعقوب، أصول الكافي، ج٢، بيروت: منشورات الفجر، ط١، ١٤٢٨هـ، ص٢٧٣.
جديد الموقع
- 2025-05-21 محاضرة "أخلاقيات السرد " للدكتور كميل الحرز وسط حضور نخبوي
- 2025-05-21 من المتوقع أن يتحلل الكون في 1078 سنة، أي قبل وقت أطول بكثير مما كان يُعتقد سابقًا
- 2025-05-21 بيئة الأحساء تُفعّل اليوم العالمي للنحل في لولو مول
- 2025-05-21 الجامعة الأهلية بالبحرين تتوسع في استقطاب الطلبة السعوديين المتميزين وتطلق حملتها من "الأحساء مول"
- 2025-05-21 برعاية سمو المحافظ : انطلاق منتدى ( الاحساء صديقة الطفل ) 25 مايو
- 2025-05-21 وفد الجامعة العالمية يلتقي الملحق الثقافي العراقي في لندن
- 2025-05-21 تخرج احفادي من الابتدائية فرحة اعادت لي ذكرياتي الاولى
- 2025-05-20 سمو محافظ الأحساء يُقلّد مدير الدفاع المدني بالمحافظة رتبته الجديدة
- 2025-05-20 "قرع الطبول في زيارة إسطنبول" للكاتب منير المنيري
- 2025-05-20 برعاية سمو محافظ الأحساء وكيل المحافظة يشهد حفل تخريج طلاب أكاديمية الكفاح المتوسطة تحت شعار طموح