2020/11/24 | 0 | 5792
من كتاب ( حكاية الينابيع ).. حكاية الأستاذالشاعر عبد الوهاب خليل أبو زيد
نواصل هنا نشر شيء من مادة كتاب ( حكاية الينابيع الهجرية ) الذي يؤرخ و يوثق سيرة العصر الذهبي الجديد للشعر الأحسائي الذي انطلق بانطلاقته ، فأصبحت الأحساء تزخر و تفخر بعشرات الشعراء الكبار و بعشرات الدواوين الشعرية التي زادت المكتبة العربية جمالا و روعة . وحديثنا هذه المرة عن شاعر و أديب و مترجم و باحث استثنائي من أعضاء المنتدى الأوائل هو الأستاذ عبدالوهاب أبو زيد.
وهو ـ لمن لا يعرف كل تفاصيل سيرته ـ عبد الوهاب بن خليل بن عبدالوهاب أبو زيد ، شاعر وكاتب وإعلامي ، ولد بمدينة الهفوف في الأحساء، حاصل على بكالوريوس لغة أنجليزية، عمل معلما للغة الإنجليزية ثم انتقل للعمل صحافيًا ومترجمًا في شركة أرامكو السعودية، شاعر مطبوع سلسل العبارة جزل المعانـي، بدأ نظم الشعر خلال دراسته في المرحلة الثانوية، ونشـر أول قصيدة لـه فـي جريدة اليوم السعودية عام 1408هـ، نشـر الكثير من قصائده ونصوصه في الصحف والمجلّات والمواقع الإلكترونية ، وشارك في إحياء الكثير من الأمسيات الشعرية ، عضو في مجلس إدارة نادي المنطقة الشـرقية الأدبي ، تُرجم له في معجم البابطين للشعراء العرب المعاصرين ، له ثلاث مجموعات شعرية مطبوعة : ( لي ما أشاء) و ( ولا قبلها من نساء ولا بعدها من أحد ) ( عشاء وحيد لروحي الوحيدة ) ، إضافة إلى العديد من الترجمات ، عضو بمنتدى الينابيع من بداية تأسيسه نهاية عام 1407هـ.
ولأن حديثي عن الأستاذ عبد الوهاب هو حديثٌ عن النفس، والعكس صحيح تماما فلنستمع إليه هو أولا وهو يسجل فصلا من تلك القصة المدهشة، واصفًا حكايته مع ( منتدى الينابيع الهجرية ) بالوعد الدائم مع الشعر:
وعدٌ دائمٌ مع الشعر
( الحديث عن البدايات المرتبطة بالذكريات البعيدة ؛ وإيقاظ الذاكرة من سباتها ؛ ومحاولة ألا تنسى أو تتوهّم أو تضل ؛ أو ربما تختلق أمرًا لم يحدث - في حيلةٍ من حيلها الكثيرة - ليس من السهولة بمكان وإن صور لنا الانطباع المباشر والاعتقاد الأولي خلاف ذلك. والعودة بشـريط الذاكرة لثلاثين عامًا أو تزيد إلى الوراء ليست بالأمر الهين، ولكنني سأحاول في السطور التالية نفض الغبار الذي تراكم عليها واستدعاء الماضي ليمثل في الحاضر، كي يبقى محفوظًا للمستقبل لمن قد يعنيه أمره.
البداية كانت حين كنت طالبًا في المرحلة الثانوية ( الثالث الثانوي على وجه التحديد ) حيث كانت خطواتي المتعثرة الأولى في طريق الشعر، وما يشبه الوعد بميلاد شاعر محتمل ، كان أحد الزملاء حينها ( عبد الرسول الشقاق ) قد وجّه لي دعوة لحضور لقاء سيضم عددًا من الشعراء الذين لا أعرف أحدًا منهم في منزل أحد أقربائه في قريتهم الوادعة "بني معن"، وقد شجّعه لدعوتي ما كان يسمعه مني من أبيات كنت أقرزمها في ذلك الحين.
كنت أصغر الحاضرين سنًا، في مجلس ضم أسماء توارى بعضها أو انصـرف عن كتابة الشعر، وكنت آخر من قرأ شعره حينها ، وكان أبرز تلك الأسماء وأكثرها لطفًا وتشجيعًا لذلك الفتى المرتبك الذي كنته هو أخي الأكبر وصديقي العزيز الأستاذ ناجي بن داود الحرز، الذي أطلق دعوته للشعراء الحاضرين للانتظام في لقاء أسبوعي.
توالت اللقاءات المتفرقة بعد ذلك وكرت سبحتها واتسعت دائرة الحضور وانضمت أسماء جديدة للمجموعة الأولى التي شكّلت نواة المنتدى الذي حمل اسم (منتدى شعراء الخميس) في البداية ، نسبة ليوم انعقاده ، ليتغير فيما بعد ويستقر على مسمى ( منتدى الينابيع الهجرية ) ، لا أتذكر متى حدث ذلك لأنني ابتعدت في مرحلة لاحقة عن المنتدى خاصة بعد انتقالي للعمل في الجبيل الصناعية عام 1995م.
ولا بد لي في هذا الاستذكار والاستدعاء من الماضي أن أفتح قوسًا للحديث عن العلاقة الخاصة التي كانت تربطني بأخي الأكبر، كما أسميته أعلاه ، الأستاذ ناجي بن داود الحرز. كان ناجي بالفعل أخًا أكبر لي ، يشجعني ويشد على يدي ويرفق بي ويؤازرني ، وهو من أوائل من كتبوا عن تجربتي الشعرية في أوائل تبرعمها ، وهو من كان يطلق على قصائدي الرومانسية حينها مسمى " وهابيات " ، غارسًا في لاوعيي فكرة امتلاك الصوت الخاص بي ، وهو أمر ليس بالهين أو العابر.
وللحق فإن ذلك الأمر لم يكن مقتصـرًا علـيّ ، فقد كان الأستاذ ناجي بما يتمتّع به من مكانة شعرية مرموقة وشخصية كاريزمية جذابة عرابًا شعريًا لكثير من الشعراء الشباب الذين تتالوا وتتابعوا على المنتدى حتى الآن .
ولا يُنسى لأبي عبد المجيد إصدار كتابه ( شعراء قادمون ) الذي تناول فيه تجارب بعض أبرز الأسماء الشعرية الشابة التي أثبتت تميزها وبروزها في المشهدين الشعريين المحلي والعربي . وأشير هنا إلى أن فكرة هذا الكتاب كانت تراوده قبل إصداره بسنوات طويلة ، وكان ينوي الكتابة عن أسماء أخرى سابقة تاريخيًا ، يأتي في مقدمتهم الأستاذ الشاعر جاسم الصحيح وأسماء أخرى كنت أنا من بينهم ، ولكن الأيام والسنون مرَّت حتى تجاوزنا سن الشباب و" هَرِمنا " بالفعل.
ولا بد أن أعترف هنا أيضًا بأن علاقتي بالمنتدى على صعيد الرؤية الشعرية لم تكن على سوية واحدة وأنها مرت بفترة تململ وشيء من التمرد الهادئ والمسالم - إن صحَّ التعبير- خاصة مع جنوحي ( أو لأقـل محاولتي ) مع أسماء أخرى بالطبع، يأتي في مقدمتها الصديق الشاعر والناقد محمد حسين الحرز لكتابة النص الحديث متأثرين بشعراء الحداثة الشعرية العربية بأسمائها البارزة والمعروفة. ومما يحويه ذلك من دلالة واضحة هو أن الـمـنـتـدى لم يكن مقتصـرًا علـى تيّـار وصوت شعري واحد، بل إنه ضمَّ واحتوى وحفل بأكثر من تيار، مما يدل على الإيمان بالتنوع والتعدد وإن كانت الغلبة لتيارٍ بعينه.
ختامًا، يظل ( منتدى الينابيع الهجرية ) مرحلة ومدرسة مهمة تخرج فيها عدد من أهم التجارب والأصوات الشعرية الأحسائية التي كان كل واحد منها بمثابة الينبوع الذي تفجرت موهبته ونمت واستوت على سوقها في ظل ذلك المنتدى الذي سيظل نخلةً سامقةً في سماء الأحساء التي هي على موعد دائم لا تخلفه أبدًا مع الشعر والشعراء، 7 يونيو 2019م ) انتهى كلام الأستاذ عبد الوهاب.
عبد الوهاب بن خليل أبو زيد وما أدراك ما عبد الوهاب بن خليل.. قصة بدأت لكيلا تنتهي وكما تفضّل بالإشارة -هنا- لبعض ملامح تلك القصة فهي قصة إخاء ومودة وعشق وحنين وولهٍ لا حدود له.
منذ التقينا أول مرة هناك في بني معن القرية الوادعة على سفح الجمال الهجَري إلى ولعي الذي يدفعني ربما ثلاث مرات في الأسبوع لطرق باب منزلهم في اليحيى بالهفوف، وإلى هذه اللحظة التي أحاول فيها السيطرة على تداعي الذكريات العرم لضبطها وإجلاس كل منها على مقعدها المناسب في كتاب ذكرياتنا الكريم ( حكاية الينابيع ) والتي ستكون هذه الشهادة الغالية بوّابة ضبط تلك الذكريات.
عبد الوهاب أبوزيد ، القصيدة التي تـمشـي على قدمين ، كما وصفته ، وكما أصفه دائمًا ، كان له طعم السُّكّر في كوب الإبداع الذي كنا نترشّفه في أماسي بحثِنا كلٌّ عن ذاته ربما في ذوات رفاقه الشعراء الشباب ، الذين تكوكبوا على مجمر الوجد يتناوبون البكاء تارةً والضحك تارةً أخرى ، وإن كان أغلبه ضحكٌ كالبكاء!!
والده الأستاذ خليل كان أحد المثقّفين والقُرّاء النهمين ، ويمتلك مكتبةً ضخمة فـي وقت كان الناس فيه مشغولين بأمور أبعد ما تكون عن الثقافة ، وذلك ما جعلنا نعقد عددًا غير قليل من لقاءات المنتدى أول نشوئه في منزلهم بمدينة الهفوف ، لنكون قريبين من تلك المكتبة العامرة ، إضافة بالطبع إلى كرم ولطف ودماثة أخلاق الأستاذ خليل وترحيبه الدائم بنا ، ولعـل أقدم الصور التي توثّق لقاءاتنا التقطت هناك في ذلك المنزل.
لم أكن أكتفي باللقاء الأسبوعي بعبد الوهاب ، بل كنت لا أكاد أنقطع عن منزلـهم أكثر من يومين كحدٍّ أقصـى ، غير منتبهٍ لـم قد يسبّبه ذلك من إشغال له عن استذكار دروسه مثلًا ، فالحنين كان وما يزال سيد الموقف ولا شيء غير ذلك ، ولعل هذه الأبيات التي كتبتها ارتجالًا على باب منزلهم ذات زيارة لـم تتم لعدم تواجده في المنزل تشـي بشـيء من كينونة تلك العلقة ، وذلك الشغف :
جـــئـــتـــكــمْ (نـــــــــــاجٍ) ولــــــكـــــنْ
تلك الزيارات المتوالية تمخّضت أيضًا عن صداقة ومودة مع والده الحاج خليل، فأصبحتُ أتردد أيضًا عليه في متجره بين الحين والآخر، نتجاذب أطراف الحديث فـي شؤون الـمجتمع وتصـرفات الزمن، وكنت أستأنس بمعلوماته الثرية وثقافته الجيدة، وكمؤشر على عمق تلك المودة أسجل هنا هذا الخبر الذي لم يسمع به ربما أحد من قبل، وهو أن الحاج خليل عندما قرّر تزويج عبد الوهاب سألني عما إذا كنت أعرف من لديهم عروسا مناسبة له ، فأشرت عليه ببيت الملا محمد صالح بن الشيخ كاظم المطر، الخطيب والشاعر وزميلنا أيضًا في المنتدى ؛ وأحد أصدقائي المقربين، لما أعلمه من حياة نموذجية تكتنف منزله ، وبالفعل حظي الأخ عبدالوهاب بمصاهرة ذلك الرجل المحترم وتلك الأسرة المرموقة ، وكأني سأختم هنا بهذه القصيدة المنثورة التي علق بها الأستاذ عبد الوهاب على حديثي عن علاقتي به ؛ ليقول كلمة الفصل ومسك الختام:
(من الصعب أن تكون موضوعيًا فيما يمس صميم الذات ولبها وجوهرها، والحديث عن صداقة وأخوة ومحبة عمْرٍ ليس بالأمر الهين بالتأكيد، كلماتك يا أبا عبد المجيد أصمَت فؤادي بسهامها التي لا تطيش؛ ولا تخطئ هدفها؛ ولا تحيد عن مرماها، دمت سالمًا لمحبيك ومريديك وما أكثرهم وما أكثرك.. )
جديد الموقع
- 2024-11-21 توقبع اتفاقية شراكة بين جمعية أدباء بالاحساء وجمعية هجر التاريخية
- 2024-11-21 أمانة الاحساء تُكرّم الفائزين بــ ( جائزة الأمين للتميز )
- 2024-11-21 سمو محافظ الأحساء يبحث مع معالي وزير التعليم خطط ومشاريع تطوير التعليم في المحافظة
- 2024-11-21 «الغربة باستشعار اللون».
- 2024-11-21 البيت السعيد
- 2024-11-21 القراءة للكسالى
- 2024-11-21 القراءة واتباع الأحسن
- 2024-11-21 روايات أسامة المسلم بين جيلين.
- 2024-11-21 ( غرق في المجاز، مَجازٌ في الغرق ): قراءة في ديوان الشاعر جابر الجميعة
- 2024-11-20 الدكتور عبدالمنعم الحسين يدشن حملة التشجير الثالثة ببر الفيصلية