2025/02/06 | 0 | 23
قراءة في رواية مرآة تطلق الرصاص
قراءة في رواية مرآة تطلق الرصاص، تأليف / عبد الله محمد النصر، الطبعة الأولى: 1433هــ /2012م
أن تعرف المكان جيد، وجيد أن تعرف ما تود أن تقوله عنه، لكن الأجود أن تعرف كيف تقول ما تعرفه عنه..
هذا الأمر الذي سيصرفني الآن عن الكتابة عنه ... إذ أجدني حاليا أحتاج إلى سعة اطلاع، ومعرفة مجمل ما فيه، لتكوين ثقافة كبيرة وضخمة عنه، ومعرفة أكثر بالأسباب والدواعي بكل أنواعها، ولاسيما النفسية.. بل أحتاج إلى زمن ليس بالقليل لذلك كله، لأخرج برواية تحرك النفوس الندية، وتجتذب العقول المفكرة إليها. وربما سأتولى الكتابة عنه في وقت ما، وقبل أن يسبقني إليه أحد.. أما الآن فأريد موضوعاً جاهزا، أبدأ كتابته مباشرة.
جاءت رسالة من وصال: أين حبيب الروح؟.. ترى بم هو مشغول؟. وحشني حبيبي جدًا، فأحببت أن أرسل له تحية شوق.. قرأتها بقلب مطرز بعشق أنثى يأنس ويشعر بطعم الحياة ويتوق إليها بجمال حضورها المستديم.. لكني سرعان ما توجست فمثل أسئلتها هذه، تشعرني بأمر ما، لا شك ستفاجئني به لاحقا، وكثيرًا ما يكون سوء فهم.. إلا أني لم أجبها، فعدت مجددًا إلى معبد التفكير فيما يوصد قضبانه على بإحكام لأكتبه.
ارتشفت فنجان التأوه بإرهاق، زفرت، وكأني أرى بخار احتراقي بخار القهوة التي أرتشفها.. وإذا بزوجتي تهاتفني من هاتف المكتب.. وما بين الرد من عدمه ... أجبتها بلا رغبة وبهدوء وبنبرة جافة (نعم).
(مرحبا حبيبي؟.. ما أخبارك وأخبار العمل؟) قالتها بنبرة مشوبة بالحياء والاهتزاز. تلفعت بالدهشة، فمذ سنوات لم تدعني (حبيبي) وتسألني عن أخباري؟.. أجبت باختصار (بخير!!).. بادرتني بقهقهة مسموعة:
وددت أن أقترح عليك الإتيان في ساعة استراحتكم ظهرا، لتناول الغداء معنا.
ها !!.. لا.. لا.. لا أعتقد أني هذا اليوم بالذات سآتي، فأنا مشغول.
براحتك، فقد وحشتني، وكان بودي أن نجلس إلى مائدة الغداء في وقتها، فمنذ زمن لم يحصل لنا هذا.
(أها) قلتها بفم مغلق مستغرب.. وسؤال تردد على تل رأسي: (إلام تسعى يا ترى؟).. فبادرتها: (في يوم آخر إن شاء الله.. سأتناول اليوم الفطائر التي، كعادتي كل يوم، اشتريتها لوجبة الغداء.. فأجابت: (إذن، لن أزعجك حبيبي، فلربما أنت مشغول فعلا.. إلى اللقاء).
وما يدهش أنها لم تحاورني مذ سنوات بهذا الاختصار والتهذيب العالي.. بل تقتحم مواضيع كثيرة، شكوى حالها معي مع الوضع المعيشي، مع الشقة، مع ابنها، مع أهلها، مع من يهاتفونها أو تزورهم نادرا.. بنحو يصل أحيانًا إلى التعجرف وعدم التفهم، بل يصل إلى شجار يمنعني من مواصلة الكلام، ولاسيما عبر هاتف العمل.
غادرت غرفة مكتبي لتحريك قدمي استرقت نظرة إلى الساحة الخضراء القريبة، تأملت أشجارها ونخيلها..
عدت إلى المكتب.....، فأنا لا أغادر مكتبي إلا نادرًا وللضروريات.. كاستدعاء المدير، أو عندما أكون قد ملئت منهم هباءً، أو لتوتر، أو لتعب، أو لاختناق جراء نفث آلات المكتب المحتشدة لروائح الأحبار والحرارة في الغرفة ذات القياس (4 × 6 أمتار)، وبها ثلاثة مكاتب خشبية وآلة تصوير كبيرة، وجهاز فاكس، وآلة طابعة، وآلتا تقطيع أوراق، وخزانة أوراق كبيرة، وثلاثة كراسي مراجعين، وسبعة رفوف خشبية كبيرة تغطي الجدران الثلاثة من أعلاها إلى أسفلها لحفظ المعاملات، وعدد من الصناديق الكرتونية مليئة بالأوراق الفائضة القديمة، وأربع سلال مهملات.. ولا سبيل للتعديل والتطوير أو ترحيل الفائض إلى مستودعات الحفظ الرئيسة، إلا بما يرتئيه سعادة المدير فقط، وإن كان خطأ. وقد نتج عن ذلك تقهقر في أداء العمل وجودته.
وقضاء وقته بأي أمر، فنهرب لنتنفس، وسعادته يلقي باللائمة كلها علينا وكيف تفكر في الخروج مبكرًا حين نجد الفرصة، أو في حال انتهاء الوقت مباشرة ولا نتريث كما يفعل هو؟.. خفتت طاقتي في الأداء، بسبب هذا وبما أتلقاه منه وكأن إدارة المصلحة الأم تحديدا، وعدم وجود جهة في توافقه وتدعم أفكاره وأفعاله. المصلحة تنصفني منه، (ما به المدير مجاز؟) سألت صالحًا، فأجاب: (هذا مدير.. يا عبد الاله. والمدراء لا يُسألون عما يفعلون، وهم يسألون).. نعم يخرج حتى لو كنا في غاية الاضطرار، ولا يسمح لنا إلا في أقسى أحوالنا بجدل حاد، وذل، ومهانة، أو يوافق على إجازة دون راتب أو اضطرارية لئلا تتجرأ على الطلب مجددا، ويضع نسخة منها في ملفاتنا، ليذكرنا عند كل طلب بأننا كثيرو الإجازات.
تبسمت لما قاله بألم، وجلست وراء طاولتي أصوغ في الجوال ردا على رسالة وصال، فلو لم أجبها، ستسألني عن السبب، وهي التي لا تقتنع بمبرراتي مهما صدقت، وستشك في صرفي للوقت فيما لا يرضيها ولاسيما في محادثة أو مراسلة إحداهن تحديدا. وستعمق الشك بشعورها الذي تدعي بصدقه التام، ولن أتخلص، إلا يجدل منهك لكلينا.. أما بشأن رسالتها الإلكترونية، فلسوف أتعذر لها بالانشغال بالعمل، ولن أكشف لها مؤقتا أني سوف أكتب رواية.
أجبتها بأني أسرق نفسي لبعض قراءات متفرقة في الأنترنت، رغم انشغالي بأعمال المكتب.. وهي تتنسك في محرابي حين تمدني بطاقات عظمى أتوكأ عليها بقية يومي. وسيجت الرسالة بقبلة ساخنة. ثم عاد ذهني يتدلى في أمر الرواية ... تصفحت أوكار حياتي، ورحت أبحث عما يجدر به أن يكتب.. إلى أن استطال ذهني لكتابة حكايتي ومطلقتي التي تزوجتها قبل بضع سنين، فهي من أحدثت في حياتي شرخا أوصلني إلى حالة معيشية مأسوية ما زالت آثارها تتقد في قلب زوجتي فتقابلني كل حين بالبرود والصدود بفعلها أكثر من كلامها.
فكرت في كتبها بتفصيل ممل محفزا قلمي على ذكر أبعادها وآثارها المختلفة، متكلما عن شخوص الحدث الثانوية الحاضرة والغائبة، بل متعلقاتها الداخلية والخارجية المخفية والظاهرة.. لكني لن أستند إلى امرأة مثلها كما لن أستند إلى جدار مائل، وبعد أن فض هذا التذكر بكارة غثياني التام، وعرى جمر الغضا المخفي وراء الرماد وألهبه نارًا في أحشائي، كما فتح أمامي تابوت التوتر والاضطراب، وجعلني أبكي على ما كنته، وكيف أمسيتُ الآن. بل وبما وجدت في كتابة هذه القصة سيرة شخصية لا تهم ولن تهم أحدا سواي، وستضيع وقت القارئ الذي سيشتمني أو سيبصق علي، حيث لن أضيف إليه شيئًا..
جديد الموقع
- 2025-02-06 هل غمر الجسم في الماء البارد مفيد صحيًا؟
- 2025-02-06 م ق ج عن القراءة
- 2025-02-06 الكتب ومهارة الانتقاء
- 2025-02-06 علاج نقص الحديد عن طريق الوريد أثناء الحمل علاج آمن وفعال لفقر دم المرأة الحامل للوقاية من المضاعفات الصحية لكل من الأم ورضيعها
- 2025-02-06 لا يمكن تذكر ما لا يمكن سماعه: العلاقة بين فقدان حاسة السمع وبين صحة الدماغ
- 2025-02-06 حليب الإبل بديل جيد لمنتجات ألبان الأبقار
- 2025-02-06 الفرفرية بعد التقيوء ظاهرة نادرة في الأطفال ولكنها تحدث
- 2025-02-06 في ذكراك في يوم الأربعين
- 2025-02-06 عقد قران الشاب عدنان ابن المرحوم راضي الحمر تهانينا
- 2025-02-06 أيهما أفضل صحيًا ممارسة التمارين الرياضية على معدة فارغة أم بعد تناول وجبة غذائية