2020/12/14 | 0 | 4038
يعيشون بيننا
يحيى بن محمد الراضي - أبو هجر مواليد الأحساء عام 1390هـ
لم يَدُرْ في خلدي يومًا وأنا أنظرُإليه صبيًّا لعلهُ في الثانية عشرة من العمر بتلك الكوفية البيضاء، ودشداشتِه الصفراءِ، وهو يمشي على استحياءٍ لا تتجاوزُ نظرةُ عينيهِ ظلَّ قامتِه، ولم أكنْ أراهُ قط إلا في ذهابِه وإيابه من مدرستِه الابتدائية في قريته (الحوطة - بمدينة العمران)، مطأطئَ الرأسِ كأنه يبحثُ عن مستقبله.لم يَدُرْ بخلدي أنَّ هذا الشبلَ الخجولَ حدَّ الانكماشِ أنهُ سيحملُ هذه الألقابَ الكبيرةَ حسبَ الأعرافِ الدينيةِ، والأكاديمية، والأدبية:الشيخِ/ يحيى الراضي في المصطلحِ الحوزوي, الأستاذ/ يحيى الراضي في المصطلح الأكادمي. وسندباد القصيدة الهجرية كما أطلق عليه الأديب والشاعرالكبير ناجي بن داوود الحرز، كلقبٍ لشاعرٍ تنقَّلَ بالقصيدةِ بينَ البلدانِ كسفيرٍ للأدبِ والشعرِ والحبِّ، حملَ القصيدةَ في غرفةِ قلبِه ونضَّجَ شاعريتَه: من إيرانَ, إلى سوريا ولبنان، قبلَ أنْ يحلِّقَ بجناحيه: شعرُه وفقهه في سماءِ العراق. ورغم غيابِه عن الأحساءِ منذ نعومتِه إلا أنها مزروعةٌ على سفحِ عينيه/ براءةَ فسيلةٍ وشموخَ نخلةٍ.
ذابَ قلبيْ مِن صورةِ الأحساءِ
حاديَ العيسِ كم كتمتُ وفائي
خذْ فؤاديْ للقيصريَّةِ يهدى
ثمَّ عفِّرْ في أرضِ هَجرٍ سمائي
ثمَّ مزِّقْ دفاترَ الشوقِ فيها
ربما يقرأ الترابُ رثائي
لا أحبُّ الأحساءَ لا أشتهيها
هو ذا المستحيلُ مِن كبريائي
أنا جثمانُ غربةٍ يتسلَّى
بحكايا جماجمِ العظماءِ
أستعيرُ الهوى لأيِّ بلادٍ
في خيامِ لمهجَّرِ مِن غباءِ
لم أتبْ بعدُ مِن هوى غجريٍّ
بدويِّ التقى جديدِ الفضاءِ
(لا أحبُّ الأحساءَ) كبسولَ نومٍ
لهروبٍ مِن حرقةِ الانتهاءِ
لا أجيدُ الحديثَ عنها وفيها
وقصيدي لها مذابُ نداءِ
*
وقال في المنام ! :
يا موطني هاجَ الحنينُ إليكَ مِن أفُقٍ بعيدِ
وأنا وأنتَ كدمعتينِ أُريقتا في يومِ عيدِ
شاعرنا الشيخ أبوهجر لم يكن مٌلفتًا أو مستَغرَبًا أن يكونَ بهذا الوقارِ المغلَّفِ بالحياءِ، أو الحياءِ المشبَّعِ بالوقارِ لِما أعرفُهُ
عن أسرتِهِ وعائلتِه من الالتزامِ المطلق بكل ما هو عقدي وديني واجتماعي وعرفي، فأبوه رجلٌ لا تكادُ تخرج الكلمةُ من فيه إلا حيث مَطْلَبُها، قليل الظهور إلا في المناسباتِ الخاصةِ جداً، يقفُ في الظلِّ ولا
يتحركُ في الفراق, ووالدتُه واحدةٌ من القارئاتِ البارزاتِ في الخطابة وإلقاء الشعر ولعلها هي من أجرَتْ نهرَ ذوقِه الشعري وهو
يستلهمها نبع فرحٍ أو عزاءٍ وهو مازالَ صبيًّا في سنيه الأولى، وعمُّه هو الحاج الملا على الراضي المرشد الديني والخطيب الحسيني، خدمَ المنبرَ أكثرَ مِن خمسين عامًا، وكان قد سبقه من هذه العائلة بل ومن البيئة إلى
الدراسة الحوزوية في النجف الأشرف عدةُ طلبةٍ أصبحوا من كبارِ علماءِ الدين منهم المحقق الراضي ..، ولا أعلم إذا كان هذا هو المُحفِّزَ لأبي هجر للاندفاعِ بهذا الاتجاهِ ليبدأ رحلةً دينيةً حوزويةً في هجرةٍ طويلةٍ لطلبِ العلمِ بعدَ أن أنهى دراستَه في مدرسةِ العمرانِ الابتدائيةِ (بالحوطة) ليلبثَ في الغربةِ أمدًا طويلًا بين الدراسةِ والتدريسِ نهاراً إلى بواكير المساء، ومعانقة أُنثاهُ القصيدةَ حتى مطلع الفجر.
كم ذا سهرتُ لأسكرَ الصفحاتِ من نجوى اليراعِ فتستلذُّ حلالا
الحبرُ خمري، والدفاترُ حانتي، والشعرُ يورِدُ للظماءِ زلالا
ونأيتُ عن وطني! لأسكنَ صفحةً بيضاءَ يملؤها الشعورُ مقالا .
سورية الشام كانت هي محطُّ مسيرتِه الثانية وفيها أسس مع مجموعةٍ من الشعراء وعلى رأسهم السيد مصطفى جمال الدين (منتدى الأربعاء الثقافي) عام 1995 وإدارة الأستاذ المرحوم بنوان اللامي, ليبدأ مرحلةً أدبيةً وشعريةً جديدةً منفتحة على القصيدةِ بكلِّ أشكالها... هذا الانفتاحُ الذي ربما لم يكُن مُتاحًا له في بعض مدن الحوزات!! الوادعة إلى التوجُّسِ
والاحتياط - آنذاك - عن التفنن واللغة الشاعرية.
هذه مرحلة ثقافية انتقلَ بها أبوهجر أو نقلته نحو قضيةِ حياتِه في الشعرِ والفكرِ وفي التفقُّهِ والنقدِ.
شيخنا يجمعُ الانسجامَ مع الأضدادِ ممن صحبهم ذهنيًّا بين الشريف المرتضى والمعري، بين ابن رشد والغزالي.. هذا تراثُه المؤثِّرُ ثم لم يعدْ يرى أيَّ شيءٍ أهمَّ من القضيةِ الثقافيةِ.
يحيى أبوهجر متواضعٌ في مظهرهِ حدَّ الشفقة، هادئٌ في طبعِه حدَّ السكونِ، متفجرٌ في خطابِه حدَّ البركانِ، جريءٌ في شعرهِ حدَّ الفتنةِ، ربما يحتاجُ نصُّه لأكثرِ من قراءةٍ لِما يحملهُ من ثقلٍ أدبيٍّ...شاعرُنا الراضي لم تُثقلْ كتفيهِ - عن حمل رسالة الشعر - عباءتُه، ولم تحرفْهُ عن مغازلةِ…
نماذج من شعره:
وفي يَومِ القيامةِ سوفَ نلقَى
قصائدَنا التي شهقتْ وطارتْ
ستأتي عبرَ ديوانِ الضحايا
كمَوتانا من الأجداثِ قامتْ
سيحملُها ملائكةُ النوايا
عرائسَ في زفافِ العذرِ جاءتْ
تعوِّضُنا عن العمرِ المسجَّى
على ورقِ التوجُّدِ حين عادتْ
**
وفي يومِ القيامةِ سوفَ نحظى
بما يمحوهُ جوَّالُ الكتابهْ
غدًا تنهالُ من أرشيفِ غيبٍ
على حجرِ المجاعةِ والصبابهْ
دفاترُ مِن أكفِّ الحورِ عادتْ
إلى الأحضانِ تجهشُ كالربابهْ
وتشغلُنا عنِ اللذاتِ شوقًا
إلى شكوى قرائحُنا المذابهْ
دفاترُ طالما صغْنا عليها
رذاذَ القلبِ مِن وحي الغلابهْ
ستشغلُنا الدفاترُ عن هُدانا
عنِ الجنَّاتِ عن حالِ الصحابهْ
نقلِّبُها، نقبِّلُها ونلهو
ونسهو بالقصيدِ عن القرابهْ
------
(على باب مسجد)
أبكي وأضحكُ كالمجنونِ يذهلُني
طردي من القربِ بعدَ الأنسِ بالدارِ
وعدتُ أطرقُ كالشحَّاذِ بابَكمُ
وكم دخلتُ بلا خوفٍ من العارِ
هل تفتحونَ؟ أنا (يحياكمُ) استمعوا
آوي إليكمْ أم آوي إلى النارِ
طرقتُ بابَ رجاءٍ طالَ موعدُه
وعدتُ أخجلُ مِن تيهي ومِن جاري
بالبابِ تبكي يدي والعينُ نافذةٌ
للشوقِ تدمعُ مِن أعماقِ تذكارِ
فسامحوني على هجري على شغبي
وأرجعوني إلى تأديبِ أطواري
تقبَّلونيَ درويشًا يسرُّ هنا
بخدمةِ الحبِّ لا توثينَ عشتارِ
بالبابِ أبكيتُ حتى النملَ يبصرُني
طريدُكمْ عائدًا مِن تيهِ أقطارِ
فلا التفلْسُفُ آوى جوعَ خاطرتي
ولا الدروسُ أفادتْني بمعشارِ
ولا تسلنيَ أين الناسُ كورَنَهم
قبلَ الوباءِ لهاثٌ خلف مزمارِ
-----
نيسانُ كيف نسينا خضرةَ البلدِ
وشهوةَ البوحِ عن تغريبةِ الكبدِ
هجرتَني يا نسيمَ الدارِ مفترشًا
تيهَ الزوابعِ بينَ الشمسِ والرمدِ
حتى ألفْنا فراقَ الحالِ واصطلمتْ
في الذكرياتِ تفاصيلٌ بلا مددِ
كلُّ الجهاتِ بلادُ الآخرين فهلْ
يا وردَ نيسانَ مِن شوقٍ إلى بلدي؟
-----
الشعرُ نشوتُكَ الأخيرةُ بعدما
هجرتْ أناجيلُ السعادةِ غيبَها
واستغفرَ العنبُ الشريفُ بسكرةٍ
ومغامراتُ الوجدِ جسَّتْ شيبَها
قلْ يا قصيدةُ هاهنا جسدُ التي
جسدُ التي؟ يا شعرُ إحذفْ ريبَها
سجِّلْ هواكَ بقبلةٍ صوفيةٍ
واخلعْ من القصصِ الشهيةِ عيبَها
يا شعرُ وحدكَ مبعثُ الأنفاسِ مذ
شقَّتْ على موتِ التحرُّرِ جيبَها.
وبرئتُ من شوقي إليكِ موليًّا
وجهي إلى عدمٍ أرَيتُكِ برقَه
------
هو شوقي الأصلي كيفُ نسيتهُ
بين الوجودِ وعدتُ أعبدُ شرقَهُ
شوقي إلى عدمٍ يذيبُ توثُّني
لوجودِ أطيافٍ تكذِّبُ صدقَهُ
يا أيها العدمُ الرحيبُ نسيتُها
فعلى الوجودِ بأنْ يرتبَ عِتقَهُ
جديد الموقع
- 2024-12-26 نحو معارض للكتاب الخيري
- 2024-12-26 معادلة الانتصار الإلهي والقيم العليا
- 2024-12-26 أحياة هي أم ظروف حياتية؟
- 2024-12-26 د.نانسي أحمد أخصائية الجلدية :العلاج البيولوجي أحدث وأهم الخيارات في معالجة الصدفية
- 2024-12-26 "ريف السعودية" ونادي الشباب يوقعان مذكرة تفاهم لتعزيز المسؤولية المجتمعية
- 2024-12-26 تجهيز عربة عيادة أسنان في الأحساء
- 2024-12-26 4 مليارات لفرص المسؤولية الاجتماعية خلال 21 شهرًا
- 2024-12-26 نقوش ميدان عام تؤصل لقرية أثرية بالأحساء
- 2024-12-26 ما الكون إلا زمان .. إلاك
- 2024-12-25 قراءة في حياة الشاعر علي الحمراني