2013/05/30 | 0 | 6567
العلامة السيد ابو عدنان (الإمام علي (ع) رمز التميز الإنساني)
معجزة في جوف الكعبة:
قال الإمام علي (ع) وهو في مسجد الكوفة: «سلوني قبل أن تفقدوني»([1]).
بارك الله لكم ذكرى الميلاد السعيد لسيد الوصيين، إمام المتقين، أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (ع) وأعاده الله علينا وعليكم بالخير والبركة.
علي (ع) هو رمز التميز الإنساني. ومن أجمل ما قيل فيه بعد كلام المعصومين، ما قاله الشيخ الجليل محسن أبو الحب الحائري الكربلائي رحمه الله: علي جوهرة، صنعها الرب، وصاغها النبي محمد (ص).
ولد علي (ع) بين أبوين هاشميين، لكل واحد منهما قيمته، والقيمة بما تخلِّف وراءها من الأثر في بناء حياة الإنسان، والأخذ بيده صوب السعادة. فالأب أبو طالب، شيخ البطحاء، وشيبة الحمد، وكفيل النبي محمد (ص). ولو لم يكن المولى علي ابناً لأبي طالب، لكان لأبي طالب من صدارة أوراق التاريخ الحصة الكبرى، لكنها الضريبة التي لا بد من دفعها.
وأما الأم، فهي فاطمة بنت أسد، المرأة الهاشمية الجليلة العظيمة الكاملة، ولو لم تكن بهذه الصفات لما حظيت بذلك الشرف الرفيع، بأن تكون ظرفاً ووعاءً لأشرف وأقدس وأكمل نفسٍ عرفها الوجود بعد نفس النبي محمد (ص).
كلنا يعلم أن المساجد بيوت الله، وأن لها حرمة، ولا يجوز أن تلوَّث بما لا يتناسب وعلوّ شأنها وشرفها، لما لها من الإضافة لله، فهي بيوت الله سبحانه وتعالى ومساجده، ولما يؤمّنه التكليف الشرعي من التعامل والتعاطي معها. وليس هذا أمراً مستحدثاً في الرسالة الخاتمة، إنما كان في الرسالات السابقة، فلما داهم الطلق مريم (ع)، تلك المرأة الجليلة، وعاء النبوة والرسالة المتمثلة بعيسى (ع)، أُمرت أن تخلي بيت العبادة، لكن فاطمة بنت أسد ـ التي ما فتئ النبي (ص) يسميها أمَّه، ولا يناديها إلا بقوله: أماه ـ قصدت البيت الحرام، ولم يكن ذلك صدفة، فلو أنها كانت مجموعة من حلقات الصُّدَف، لما انتهت إلى ما انتهت إليه، إنما هو تخطيط رباني، حيث كانت المرأة الجليلة تحمل في داخلها لاهوت الأبد، ورمز الإنسانية الثاني من حيث الكمال.
جاءت فاطمة بنت أسد (ع) إلى بيت الله الحرام، وتعبدت على دين إبراهيم الخليل (الحنفية) وانشغلت بالطواف، وكان الطلق يداهمها في أشرف بيت، وأقدس مكان، وأطهر موضع، ويُفتح لها بابٌ، لا كالأبواب التي اعتاد أن يدخل منه من أراد أن يدخل، إنما من الاتجاه المعاكس. فقد عالجت الباب ولم ينفتح، طبقاً لبعض النصوص، وفي بعضها الآخر أنها لم تطرق الباب، لأن الطلق داهمها عند حجر إسماعيل، لكنها لم تلذ بالحجر، إنما استكملت دورتها، وعلى مقربة من الركن اليماني حصل ما حصل، حيث انشقّ جدار الكعبة عن ابتسامة لم يعرف لها التاريخ مثيلاً، فقد اعتاد أبناء البشر أن يبتسموا لبعضهم، ولكن أن يبتسم الجماد للبشر، فهذا أمر آخر.
نعم، انفرج الجدار، وكأنّ السماء ابتسمت لفاطمة، فما أحست إلا وهي في جوف الكعبة، والتحم الجدار وكأنَّ شيئاً لم يكن.
كان القرشيون ينتظرونها، وأمضت الساعات، بل مضى يومٌ، وآخر، وثالث، والكل يترقب، ما عسى أن يحدث لامرأة في هذه الحال؟! لا تأكل ولا تشرب، فليس هناك ما يؤكل أو يُشرب، أضف إلى ذلك أن من حاول الدخول عليها لم يتسنَّ له الدخول. فمن أين كانت تأكل وتشرب؟ هذا ما ينظّر له القرآن الكريم في حادثة مشابهة، يقول تعالى: ﴿كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَّا المِحْرَابَ وَجَدَ عِنْدَهَا رِزْقَاً قَالَ يَا مَرْيَمُ أَنَّى لَكِ هَذَا قَالَتْ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللهِ﴾([2]). فمن تكفَّل بدخولها إعجازاً يتكفل بديمومتها إعجازاً.
ووضعت مولودها في قلب الكعبة، فوق الرخامة الحمراء، وهي قطعة من الجنة، ولله در الشاعر حيث يقول:
أنت العلي الذي فوق العلا رُفعا ببطن مكةَ وسط البيت إذ وضعا
وأنت أنت الذي حطت له قدمٌ في موضع يده الرحمن قد وضعا
وخرجت به في اليوم الرابع تحمله بين يديها، وفي بعض النصوص أن أباه تلقفه، ثم دفعه للنبي (ص) وفي نص آخر أن النبي (ص) كان الأسبق لعلي (ع) من أبيه، وكأنه يوفي ديناً لأبي طالب في رقبته.
وأخرج علي يده من خرقة لُفَّ بها من الجنة، وهو يشير إلى وجه النبي (ص) ويقول: أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً رسول الله.
وتحمل الأم وليدها إلى بيتها، ويهمس النبي (ص) في أذن أمه: اجعلي مهده عند فراشي، ففعلت، ثم غادرت الحجرة، وإذا بها تسمع من النبي (ص) حديثاً يناغي به المولى علياً (ع).
ومن حقنا جميعاً أن نسأل: ماذا كان يقول النبي (ص) لعلي (ع)؟ وهل كان علي في سنٍّ يمكّنه أن يفقه ما كان يقول النبي (ص) ؟ الجواب: نعم، لأننا نعتقد أن النبي (ص) لا يصدر منه إلا ما هو وفق الحكمة، وميزان الحكمة أن يكون عليٌّ (ع) يفقه ما يقوله النبي (ص). فكان يناغيه، وكان عليٌّ يتلقّى.
وربما أشكل البعض علينا ونسبنا للغلو والمبالغة المفرطة في مقامات أئمتنا (ع)، سواء كان ذلك من العامة أم من الخاصة، فقد تشكلت هذه الأيام وسط المؤمنين، بعض الجيوب المشككة في مقامات أهل البيت (ع)، وإن دلَّ هذا على شيء فإنما يدل على الابتعاد عن المصدر الأول، وهو القرآن الكريم، فكأن هؤلاء لم يقرأوا القرآن الكريم حيث يقول: ﴿فَأَشَارَتْ إِلَيْهِ قَالُوْا كَيْفَ نُكَلِّمُ مَنْ كَانَ فِيْ المَهْدِ صَبِيَّاً ~ قَالَ إِنِّيْ عَبْدُ اللهِ آتَانِيَ الكِتَابَ وَجَعَلَنِيْ نَبِيَّاً﴾([3])، فقد تكلم المسيح (ع) وهو في المهد، وحُكم الأمثال فيما يجوز ولا يجوز واحد، فما أقره النقل، وصدّقه العقل في حق عيسى (ع) لِمَ لا يصدق في مصداق آخر؟.
ولعل قائلاً يقول: لِمَ لا يقال مثل هذا في حق النبي محمد (ص)؟ فنجيب: إن التشكيك لم يحصل في حق محمد (ص) كي نحتاج لإقامة الدليل والبرهنة، وإلا فإنَّ القاعدة والدليل في الموردين واحد.
لقد تكفل النبي (ص) علياً (ع) وأودعه علم ما كان وما يكون إلى قيام الساعة. فكان عليٌّ (ع) أفقههم وأعلمهم وأعبدهم وأقضاهم وأشجعهم وأصبرهم، وما من صفة من صفات الكمال إلا حواها.
مع موسم الامتحانات:
أيها الأحبة: في الختام أود أن أهمس همسة خفيفة في آذان الأولاد والبنات القادمين على الامتحانات غداً، وهي:
إن أهل البيت (ع) ومن منطلق الخطاب القرآني بقوله تعالى: ﴿اقرأ﴾، زرعوا في ذهنية أتباع الديانة الخالدة حب العلم والمعرفة، فعلينا أن نستجيب للنداء. والعلم والمعرفة ليسا حصراً على العلوم الدينية، كالفقه والتفسير والكلام وغيرها، إنما هي العلوم التي توفر للإنسان السعادة، فكلها علوم محترمة طالما أنها في مصلحة الإنسان، أما العلوم التي تدمِّر ذات الإنسان، وتُسقط مبادئه وقيمه وأخلاقه، فهي العلوم التي نبذها وحرَّمها الإسلام، وتوعد عليها الكثير، كالسحر والشعوذة وغيرها، مع مسامحة في تسميتها علوماً.
أيها الأحبة: علينا أن نسعى أن لا يضيع تعب الليالي والأيام من قبل الآباء والأمهات هدراً، وعلينا أن نؤمِّنَ لآبائنا وأمهاتنا ابتسامة مشرقة لها طابعها الطيب من خلال التميز.
لقد انتهت حقبة النجاح وتخطي الفصول من فصل لآخر، والمراحل الواحدة تلو الأخرى، إلى مساحات التفوق والمنافسة على تحقيق المواقع المتقدمة عندما تحصى النتائج.
فالنجاح اليوم بمستوى عالٍ يعادل (الرسوب) في الزمن السابق، لأننا اليوم نحتاج الجيل الذي لا يتخلى عن وسامٍ أدنى من مرتبة الامتياز، كي نمسك مفاتيح الحياة بأيدينا.
ويا أيها الأولياء من آباء وأمهات: إن الأبناء والبنات أمانة في رقابنا، فإن كنا عشنا دوراً وأصبحنا رجال اليوم، وكان لآبائنا وأمهاتنا فضل كبير علينا، رحمهم الله من مضى وحفظ من بقي منهم، وألبسهم الصحة والعافية، إلا أننا اليوم في مرحلة نحصد فيها شيئاً أسسنا له نحنُ، وهو الوجود الطبيعي لأبنائنا وفلذات أكبادنا، فعلينا أن نهيِّئ لهم مناخاً متناسباً مع خصوصية المرحلة.
أسأل الله سبحانه وتعالى أن يوفق أولياء الأبناء والبنات، لأن يأخذوا بأيدي أبنائهم لما يحققوا به طموحهم، كما أسأله تعالى أن يساعد الأبناء والبنات أن يرسموا الابتسامة على ثغور آبائهم وأمهاتهم، وهو أمر ميسور لهم.
كما أسأله سبحانه وتعالى أن يوفقنا وإياكم في أبنائنا وبناتنا، وأن نعيش مجتمعاً يعيش السعادة في جميع جوانبه.
وفقنا الله وإياكم لكل خير، والحمد لله رب العالمين.
جديد الموقع
- 2024-12-22 احنا جيرانه (ص) أهداها الله كفوفه (1)
- 2024-12-22 يا يوم لغتي .. أينك أم أيني عنك
- 2024-12-22 ألم الرفض الاجتماعي
- 2024-12-22 نمط حياتك قد ينعكس على صفحة دماغك ويؤدي إلى شيخوخته أبكر مما تظن
- 2024-12-22 الكتاب السادس عشر لـ عدنان أحمد الحاجي (تطور اللغة واضطراباتها وعسر القراءة عند الأطفال)
- 2024-12-22 تأثيرات لغوية للقراءة الرقمية
- 2024-12-22 الزهراء (ع) .. المجاهدة الشهيدة
- 2024-12-22 نحو كتب في الشوارع
- 2024-12-22 بين فيزيائية الكتب وكيميائية الكلمات
- 2024-12-22 من أجل القراء المترددين