2021/02/09 | 0 | 4830
الصبر: حلية المتقين
كلمة ليلة السبت في مسجد الشيخ الأوحد "قدس سره"
بسم الله الرحمن الرحيم
تم الحديث ليلة السبت في مسجد الشيخ الاوحد بين الفرضين كما جرت العادة على ذالك
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، وعلى أهل بيته الطيبين الطاهرين، واللعنة الدائمة على أعدائهم أعداء الدين.
﴿رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِن لِسَانِي يَفْقَهُوا قَوْلِي﴾. [ طه: 25 ـ 28] .
قال تعالى في محكم كتابه الكريم: ﴿إِنَّما يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ﴾.[الزمر: 10].
الحديث في هذه الدقائق المعدودة حول الصبر، وهو كما عرّفه العلماء، بمعنى المقاومة والثبات في جميع الحوادث والمشاكل والمصاعب التي تعتري الإنسان في حياته.
وقد قسم العلماء الصبر إلى ثلاثة أقسام: صبرٌ على الطاعة، وصبر على المعصية، وصبر على المصيبة، ولكل قسم معناه الخاص.
فالصبر على الطاعة: أي المقاومة أمام المشاكل التي تعتري طريق الطاعة والعبادة، فهذا الطريق محفوف بالمشاكل والصعوبات والموانع، لأن الهدف من خلق الإنسان هو العبادة، كما قال تعالى: ﴿وَمَا خَلَقْتُ الجِنَّ وَالإِنْسَ إلَّا لِيَعْبُدُوْنِ﴾. [الذاريات: 56]. وهذا الطريق ليس معبّداً وسهلاً، إنما هناك ترصُّد من الشيطان كي يغوي عباد الله المكرمين، وهو ما يؤكده صريح الآيات والروايات في هذا الصدد. فعندما يصبر الإنسان ويثابر في هذا الميدان فإنّ له أجراً كبيراً وعظيماً من الله تعالى.
فمثلاً، ينام الإنسان ليلاً، ثم يريد الاستيقاظ لصلاة الفجر، فيجد أن هناك صعوبة في الاستيقاظ، ويجد هنالك صراعاً بين ميله للنوم من جهة، وبين واجب الطاعة، بين رغبة النفس في النوم، وبين القيام للعبادة. وهنا يأتي دور الصبر على العبادة، فيجعله يقاوم رغبة النفس، ويرجح القيام للعبادة.
وكذلك إذا كانت الأجواء شديدة الحرارة، وأراد الصلاة، أو الصيام في مثل هذه الأجواء اللاهبة، فهذا صبر على الطاعة. وكذلك الحج، ومن ذهب إلى الحج يدرك حجم المتاعب والمصاعب هناك، ويدرك حجم الصبر الذي يتناسب معها، وفي ذلك أجر كبير. صحيح أن هذه تكاليف إلهية إلزامية، لكن الله تعالى بفضله وكرمه يمنّ على العبد بالثواب الجزيل عند أدائها وتحمل المشقة فيها، والأجر على قدر المشقة.
وأما الصبر على المعصية، فهو الثبات والصمود أمام دوافع المعصية، من الشهوات والغرائز والنزوات والميول. فالامتناع عن المعصية بدافع طاعة الله تعالى، يحتاج إلى صبر لكبح جماح الشهوات وميول النفس وهواها، وكلما ازداد الصبر والتحمل في مقاومة الذنب، ازداد الأجر.
وهنالك صبر عند المصيبة، وهو الصمود أمام حوادث الدنيا وملمّاتها ومصائبها إذا ما وقعت وحصلت، فالدنيا مليئة بالمصائب والمصاعب، ومهما طال الزمان، فلا بد أن تأتي بعض الأيام على الإنسان يكابد فيها المصائب، ويجد نفسه بين أن يصبر فيحصل على الأجر والثواب، أو يجزع فيحرم من ذلك.
ولأهمية الصبر، تطرق القرآن الكريم إلى أكثر من سبعين مورداً له، ولم يمر به مرور الكرام، وعشرة من تلك الموارد تتعلق برسول الله (ص) رسول الإنسانية الذي نعيش ذكرى ميلاده، ونبارك لكم هذه الذكرى العطرة، مع ذكرى ميلاد حفيده الإمام الصادق (ع). وهذا ما يجعلنا نتوقف ونتأمل ونراجع الحسابات. ففي الصبر إذن رحمة وأجر وثواب، سواء كان عن معصية أم على طاعة وعبادة، أم عند مصيبة.
وإذا ما تحلى الفرد بالصبر، انعكس ذلك على المجتمع أيضاً، فالمجتمع الذي يكون غنياً بالصابرين هو المجتمع الناجح الذي يستطيع أن يجتاز الصعاب ويتقدم للأمام.
فالعالم أو المتخصص في أي مجال من المجالات، إذا كان يتميز بالعلم، لكن ذلك العلم غير محفوف بالصبر، فإنه لا يتقدم أي خطوة. ولا خير في العلم ـ أي علم كان ـ ما لم يكن مصاحباً للصبر وقريناً له. فالصبر زينة العمل.
ومن هنا ندرك أن الصبر يمثل الرأس لكل عمل في هذه الحياة. فالكثير من العلماء يبحث في نظريات معينة، لكنه يتقدم خطوة ويتأخر أخرى كي يصل للقمة ونهاية المطاف في البحث، فإن فقد الصبر خسر بلوغ الهدف، وحُرم من تحقيق النتيجة.
بل إن بعض هؤلاء انتحر وفقد حياته بعد أن نفد صبره، وخابت آماله في بلوغ الهدف الذي كان ينشده ويسعى إليه. كل ذلك بسبب فقدان السلاح الأساسي وهو الصبر.
فالصبر إذن من الصفات الإنسانية العامة، وليس من أخلاق الدين فقط، فكل إنسان في هذه الحياة هو بأمسّ الحاجة إلى الصبر، وما من إنسان إلا ويحتاج هذه الميزة، وأن يتحلى بهذه الصفة الحسنة. وإلا فإنّ فقدانها أو ضعفها يجعله متخلفاً في حركته لا يتقدم أي خطوة إلى الأمام، بل يتراجع خطوات كثيرة إلى الخلف.
يقول أمير المؤمنين (ع):
«وعليكم بالصبر، فإنّ الصبر من الإيمان كالرأس من الجسد، ولا خير في جسد لا رأس معه، ولا خير في إيمان لا جسد معه». [نهج البلاغة: 482. صبحي الصالح]. فالإيمان يتقوّم بالصبر، ولا خير، ولا ثمرة في إيمان، بل يمكن تحقق الإيمان الصحيح بلا صبر.
وعن الإمام الباقر (ع) أنه قال:
«إذا جمع الله الأولين والآخِرين، ينادي منادٍ: أين الصابرون ليدخلوا الجنة جميعاً بغير حساب؟ قال: فيقوم عَنَقٌ من الناس، فتتلقاهم الملائكة، فيقولون: إلى أين يا بني آدم؟ فيقولون: إلى الجنة. فيقولون: وقبل الحساب؟ فقالوا: نعم، قالوا: ومن أنتم؟ قالوا: الصابرون. قالوا: وما كان صبركم؟ قالوا: صبرنا على طاعة الله، وصبرنا عن معصية الله، حتى تَوفَّانا الله عز وجل. قالوا: أنتم كما قلتم، ادخلوا الجنة ﴿فَنِعْمَ أَجْرُ العَامِلِيْنَ﴾. [الزمر: 74]».[ بحار الأنوار، المجلسي79: 138].
فللصابرين نداء خاص بعنوانهم، ومقام عظيم، بحيث يدخلون الجنة بلا حساب، ولو لم يكن لهم سوى هذه لكفى.
نسأله تعالى أن يجعلنا من أولئك الصابرين الذين وعدهم الجنة بغير حساب. وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين، وصلى الله على محمد، وعلى أهل بيته الطيبين الطاهرين.
جديد الموقع
- 2024-11-21 توقبع اتفاقية شراكة بين جمعية أدباء بالاحساء وجمعية هجر التاريخية
- 2024-11-21 أمانة الاحساء تُكرّم الفائزين بــ ( جائزة الأمين للتميز )
- 2024-11-21 سمو محافظ الأحساء يبحث مع معالي وزير التعليم خطط ومشاريع تطوير التعليم في المحافظة
- 2024-11-21 «الغربة باستشعار اللون».
- 2024-11-21 البيت السعيد
- 2024-11-21 القراءة للكسالى
- 2024-11-21 القراءة واتباع الأحسن
- 2024-11-21 روايات أسامة المسلم بين جيلين.
- 2024-11-21 ( غرق في المجاز، مَجازٌ في الغرق ): قراءة في ديوان الشاعر جابر الجميعة
- 2024-11-20 الدكتور عبدالمنعم الحسين يدشن حملة التشجير الثالثة ببر الفيصلية