الزهراء (ع) على لسان ابيها (ص)

 بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، وعلى أهل بيته الطيبين الطاهرين. واللعنة الدائمة على أعدائهم أعداء الدين.

﴿رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي ~ وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي ~ وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِن لِسَانِي ~ يَفْقَهُوا قَوْلِي﴾.[ طه: 25 ـ 28.].

عن رسول الله (ص) أنه قال: «إنّ فاطمة بضعة مني، من أغضبها أغضبني».[السنن الكبرى، النسائي5: 97.].

لا زال الحديث عن السيدة الزهراء (ع) وسوف نتحدث عن الزهراء (ع) على لسان رسول الله (ص) وقد تقدم في الأسبوع الماضي الحديث عن بعض الآيات النازلة بحقها (ع) واقتصرنا على ما ذكرنا، وهنالك آيات كثيرة لا يسع الوقت والمجال لذكرها والحديث عنها.

لقد جسد رسول الله (ص) هذا الواقع الذي نزل من السماء في مقام السيدة الزهراء (ع). وهناك الكثير من الأحاديث التي صحّت عن رسول الله (ص) بحق الزهراء (ع) لا لأن فاطمة (ع) ابنته، بل لأنها المرأة المصطفاة المنتقاة من الباري جل وعلا. وقد كان الإعداد لها من الله سبحانه وتعالى، والحديث عن إعدادها وكيفية نشأتها يطول، فهناك إعداد سماوي من الباري تعالى لهذه المرأة العظيمة التي لم تعش إلا ثمانية عشر ربيعاً، لكنها بلغت ذلك المقام الرفيع الذي خُلّد في القرآن الكريم، ثم أكده رسول الله (ص) في الكثير من الأحاديث.

كان رسول الله (ص) يؤكد فضلها ومقامها كثيراً، وقد صدرت منه الكثير من الأحاديث وهو في المسجد، بحضور الصحابة. وكان يشير إلى شيء مهم، وهو أن مقام فاطمة ومنزلتها لا ينبع من كونها ابنته فحسب، بل ربط رضاها برضا الله جل وعلا، فرضا الله من رضا فاطمة، وغضبه من غضبها. فهذه العبارات لم تطلق جزافاً، إنما جاءت بخصوص امرأة معصومة لها مقامها العظيم عند الله تعالى.

ومن تلك الأحاديث التي أُثرت عنه (ص) قوله: «فاطمة قلبي».[الفضائل، ابن شاذان القمي: 146.]. وفي حديث آخر:  «وهي بضعة مني، وهي نور عيني، وثمرة فؤادي، وهي روحي التي بين جنبي».[الفضائل، ابن شاذان: 9. المقدمة. أمالي الصدوق: 113.]. وهذا الكلام يصدر ممن لا ينطق عن الهوى، وهو أفضل مخلوق على الأرض على الإطلاق، من آدم ومن بعده، بل حتى سكان السماوات.

وخرج رسول الله (ص) ذات يوم وهو آخذ بيد فاطمة (ع) فقال: «من عرف هذه فقد عرفها، ومن لم يعرفها فهي فاطمة بنت محمد، وهي بضعة مني، وهي قلبي وروحي التي بين جنبي، فمن آذاها فقد آذاني، ومن آذاني فقد آذى الله».[كشف الغمة في معرفة الأئمة، الإربلي1: 466.]. فالنبي الأعظم (ص) يؤكد هذا المعنى باستمرار، وهو أن رضا الله من رضا فاطمة وغضبه من غضبها، وأن من آذاها آذى النبي (ص) ومن آذى النبي (ص) فقد آذى الله تعالى. كما يؤكد معرفتها أيضاً، وضرورة إدراك منزلتها. فهناك ارتباط وثيق بين معرفتها وعدم أذاها. وأن من رضيت عنه رضي عنه الله تعالى، ومن غضبت عليه غضب الله عليه.

ومن الأحاديث التي وردت في بيان منزلتها، قوله (ص) فيها: إنها لسان الميزان، أي لسان الحق. فقد دخل رسول الله (ص) يوماً بيت فاطمة (ع) وأجلس الحسن عن يمينه والحسين عن يساره، وفاطمة أمامه، ثم دخل عليهم أمير المؤمنين علي (ع) فكان رسول الله (ص) يقول للحسن والحسين (ع): «يا حسن، ويا حسين، أنتما كفتا الميزان، وفاطمة لسانه، ولا تعدل الكفتان إلا باللسان، ولا يقوم اللسان إلا على الكفتين. أنتما الإمامان، ولأمكما الشفاعة».[كشف الغمة، الإربلي1: 506.]. فلا يمكن تشخيص الحق إلا من خلال لسان الميزان، ولا يقوم اللسان إلا بالكفتين.

ومن ذلك ما جاء عن النبي (ص) من قوله لها: «إن فاطمة ابنتي خير أهل الأرض، عنصراً، وشرفاً، وكرماً». [عوالم العلوم والمعارف، المولى عبد الله البحراني11: 128. ].

هذه هي الزهراء (ع) على لسان رسول الله (ص) وبشكل مختصر. وأما على لسان الأئمة (ع) من الإمام علي (ع) حتى الإمام الحجة (عج) فليس هناك أحدٌ منهم (ع) إلا وأكد مقام الزهراء (ع) وأقتصر هنا على بعض الأحاديث:

أولها يستحق أن يكتب بمداد الذهب على ألواح الفضة، وهو ما قاله الإمام العسكري (ع): «نحن حجة الله على الخلق، وفاطمة حجة علينا». [عوالم العلوم والمعارف، المولى عبد الله البحراني11: 7.]. فالأئمة (ع) حجة الله تعالى على الخلق، والزهراء (ع) حجة الله على الأئمة (ع). ومن يتمعن في هذا الحديث يكفيه أن يعرف مقام فاطمة (ع).

وثانيها عن الإمام الصادق (ع) حيث سئل عن معنى: حي على خير العمل، فقال: «خير العمل برّ فاطمة (ع) وولدها».[التوحيد، الشيخ الصدوق: 241.]. فهذا النداء الذي ينادى به في الصلوات في كل حين، يعني برّ فاطمة صلوات الله وسلامه عليها، وبرّ ولدها.

وثالثها قول الإمام الصادق (ع) في معنى ليلة القدر: «الليلة فاطمة، والقدر الله، فمن عرف‏ فاطمة حق معرفتها فقد أدرك ليلة القدر».[ تفسير فرات الكوفي: 581.] .

ونكتفي بهذا القدر من الأحاديث، ولننتقل إلى موقف من مواقفها (ع) كي نقتدي بها. وقد ذكرنا في الجمعة الماضية إهداء الزهراء (ع) ثوب زفافها لإحدى بنات الشهداء في ليلة زفافها. ونذكر هنا موقفاً آخر، وهو عِقْدُ فاطمة الزهراء (ع). فقد كان رسول الله (ص) ذات يوم يصلي بالمسلمين في المسجد، ولما فرغ من الصلاة جلس بعد الصلاة والناس من حوله، فجاءه رجل فقير رث اللباس، وطلب منه أن يعينه في مأكله وملبسه، فسكت رسول الله (ص) لأنه لا يملك شيئاً، ثم أشار عليه أن يطرق باب بيت من بيوت المسلمين، هو بيت فاطمة (ع).

ومن الجدير بالذكر هنا أن ننبّه إلى أن الدال على الخير كفاعله، فمن لا يستطيع فعل الخير يمكنه أن يُدلّ عليه، فيكون في الأجر كفاعله.

نعم، أمر النبي (ص) بلالاً أن يأخذ الفقير إلى بيت فاطمة (ع) فأخذه وتوجه به إلى بيتها، وقال له: هذا بيت فاطمة ابنة رسول الله (ص). فنادى الفقير: السلام عليكم يا أهل بيت النبوة. ثم ذكر حاجته. ولم تكن فاطمة تملك شيئاً أيضاً، وقد أمضت ثلاثة أيام ليس لديها سوى الماء القراح.

وكان لديها عقد، حصلت عليه من فاطمة بنت عمها حمزة رضوان الله عليه، فما كان منها إلا أعطته الفقير المذكور، وهي تعتذر أنها لا تمتلك سواه. فأخذه ورجع إلى المسجد، وأخبر رسول الله (ص) ثم قال لمن في المسجد: من يشتري هذا العقد؟. فقام عمار بن ياسر وقال: أنا أشتريه. كم ثمنه؟ قال الرجل: قرص من الخبز، وقطعة لحم آكلها، وبُرد أكسو به بدني لأصلي لربي، ودينار يوصلني إلى أهلي. فقال عمار: لك عشرون ديناراً، ومئة درهم، وبردة يمانية، وراحلتي، وأُشبعك من الخبز واللحم. ففرح الأعرابي بما سمع من عمار. ثم رفع يده ودعا لفاطمة (ع). قال: اللهم أعط فاطمة بنت محمد ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر. فأمّن رسول الله (ص) وأمّن المسلمون على دعاء الأعرابي.

ثم إن عماراً أخذ العقد، وطيبه، ولفه ببردة وأعطاه الخادم، ثم قال له: أنت والعقد والبردة هدية مني لرسول الله (ص). فقبلها رسول الله (ص) ثم أمر الخادم أن يذهب هو وما معه إلى بيت فاطمة (ص) هدية منه إليها. فذهب الخادم إليها، وأخبرها بما جرى. فقالت له الزهراء (ع): أنت حرّ لوجه الله. فابتسم، فسألته عن ابتسامته فقال: عجبت من بركة هذا العقد: أشبع جائعاً، وكسا عرياناً، وأعتق عبداً، وعاد إلى صاحبه.

صلوات الله على فاطمة، ورزقنا الله في الدنيا زيارتها، وفي الآخرة شفاعتها، فهي صاحبة الشفاعة الكبرى.

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.