2022/03/10 | 0 | 3279
هل كل ما يكتب فلسفة؟
مصطلح الفلسفة أخذ رواجاً وانتشاراً في الآونة الأخيرة، وكثر الاستشهاد بالفلسفة وفلاسفتها ومصطلحاتها وعلومها وكل ما يرتبط بها. وهذا شيء يدعو إلى البهجة والتفاؤل، ولكن يجب أن نميز هل أن كل ما يكتب وينسب للفلسفة يعد فلسفة؟
أولاً مع الإقرار بأن المجال الفلسفي يعمل بخصوصيته كسائر مجالات الثقافة، إلا أن ذلك لا يعني إقامة حواجز عازلة بين فروع المعرفة التي ينفتح واحدها على الآخر، ويتغذى بعضها مع بعض. وفضلاً عن ذلك، هناك أعمال ثقافية تتصف بالجدة والأصالة، ومع ذلك يصعب تصنيفها، اذ هي تقع على تخوم الأنواع أو في مناطق التداخل بين المجالات. كذلك هناك علماء يتجاوزون النطاق العلمي الصرف القائم على إنتاج الحقائق المتعلقة بمجال اختصاصهم إلى إنتاج أفكار ومفاهيم حول الفكر والحقيقة والوجود وسواها من المسائل الفلسفية. أشير الى فرويد ولاكان وأمثالهم من العلماء الذين تعدوا النطاق الابستمولوجي إلى النطاق الانطولوجي، والذين أسهمت أعمالهم في إغناء الفكر الفلسفي أكثر مما أسهمت الأعمال الفلسفية الكلاسيكية العادية. فلا ينبغي للمرء إذن أن يتقوقع على فكره، فالفلسفة تبدي اليوم أقصى الانفتاح على ما كان مستبعداً من قبل. إنها تنفتح على الهوى والجسد والسجن، على المتخيل والأسطورة، على الفن والشعر، على النص والكتابة، والمجال يبقى مفتوحاً. فقدَر الفيلسوف أن يخرج من قوقعته الفكرية لإعادة ترتيب العلاقة بينه وبين فكره.
ثانياُ، ليس كل ما ينتج يعد فلسفة؛ هناك الجيد وهناك الرديء، هناك نصوص لها قوتها وكثافتها، ولكن هناك كتابات ضعيفة وهشَّة، هناك من يحسن القول الفلسفي، وهناك من لا يحسن، وأخيراً هناك خطاب تقرأه فيلفت نظرك بجمال العرض أو جدة الطرح أو جدية الأسئلة أو حداثة الحقل والموضوع، ويفرض نفسه عليك بأصالة الرؤية أو قوة المفهوم أو زخم الفكر أو غور التناول أو فاعلية العدة والأدوات. وفي المقابل ثمة خطاب تقرأه تقع فيه على سؤال حقيقي يُطرح، أو اشكال عالق يزُحزح، أو آلية منهجية تجترح أو حدس أصيل يشتعل، أو رؤية إلى العالم تنقلب أو فكرة خصبة تستثمر أو مفهوم جدير يبتكر أو صعيد للفهم يستحدث أو حقل للمعرفة يفتتح أو منطقة للوجود تستكشف. ولا أنسى تلك الكتابات الخادعة التي يدعي أصحابها أنها تشتمل على دراسات مبينة، مركبة متسلسلة، فيما لو أمعنت النظر فيها لوجدتها متحجرة لغةً رديئة أسلوباً متماسكة شكلاً خاوية مضموناً لا نبض فيها ولا توهج ولا لمعان، اذا هي تخلو من الحدوس الأصيلة والأفكار الخصبة التي توجه النشاط المعرفي او تقف وراء البناء العلمي والنسق المنطقي، انها دراسات لا شبيه لها عندي في بنانها سوى تلك الأنظمة المستفيدة منها، التي كان بُناتها يدعون انتسابها الى العلم والعقلانية، فيما هي كانت مستنفدة مفلسة، تفتقر إلى الحيوية وتقتل القدرة على الخلق والابداع.
وبالإجمال يمكننا أن نميز في هذا الخصوص بين العمل الفلسفي الرديء والعمل الجيد بالقول؛ حيث أن صاحب العمل الرديء أو الفاشل قد يتكلم على أعمال الفلاسفة ويشتغل على نصوصهم، فيمسخها بعد أن يُحيل الفلسفة إلى لا فلسفة في خطابه الركيك ومصطلحاته الرديئة وتداعياته الفكرية. في حين أن صاحب العمل الناجح قد يتكلم على ما ليس بفلسفة، وينفتح على ما تستبعده الخطابات الفلسفية، فستحيل ذلك فلسفة في كلامه المبتكر ونصه المميز. إذن ليس كل ما يكتب يعدّ فلسفة، ولكن ليس كل ما يكتب يخلو من هذه الصفة. فلا شك أن بعض العرب المشتغلين في حقل الفلسفة، إن في المشرق أو المغرب، يسهمون في اغناء هذا الحقل، اجتهاداً وابتكاراً، وأعني بهم الذين يدخلون إلى مناطق فكرية جديدة أو يستخدمون عدة معرفية جديدة في السبر والاستقصاء، أو الذين يولدون أفكار جديدة في قراءة العالم والأشياء سواء منهم الذين ينتمون إلى الجيل الذي ننتمي إليه أو إلى الجيل الذي سبقنا، أو الجيل الذي أتى بعده، واذكر منهم مطاع صفدي ومحمد أركون وصادق جلال العظم، إلى المتأخرين ممن لم يعرفوا أو لم ينالوا شهرة واسعة بعد مثل علي مبروك.
جديد الموقع
- 2024-11-22 عادات قرائية مفيدة
- 2024-11-22 مع أن الأديان تتحدث عن قيمة التواضع الفكري، لكن قد يصعب على رجال الدين بشكل خاص تطبيق ما يدعون إليه الناس
- 2024-11-22 يرجع الفضل في استمرارك في تذكر كيف تركب دراجتك الهوائية إلى منطقة المخيخ في دماغك.
- 2024-11-22 نظرة على البنوك في المملكة.
- 2024-11-22 المخرج الشاب مجتبى زكي الحجي يفوز بجائزة أفضل مخرج في مهرجان غالاكسي السينمائي الدولي35
- 2024-11-21 توقبع اتفاقية شراكة بين جمعية أدباء بالاحساء وجمعية هجر التاريخية
- 2024-11-21 أمانة الاحساء تُكرّم الفائزين بــ ( جائزة الأمين للتميز )
- 2024-11-21 سمو محافظ الأحساء يبحث مع معالي وزير التعليم خطط ومشاريع تطوير التعليم في المحافظة
- 2024-11-21 «الغربة باستشعار اللون».
- 2024-11-21 البيت السعيد