2018/05/18 | 0 | 3124
سماحة الشيخ محمد العباد شهر رمضان بين القرآن والإعلام
قال تعالى:- (شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَىٰ وَالْفُرْقَانِ)
*دعوتان متضادتان* :
مع قرب شهر الله المبارك بدأت هناك دعواتان من الآن لإستضافة الشهر الفضيل ، الدعوة الأولى موجهة من السماء ومن القرآن الكريم تجاهنا تدعونا لأن نكون ضيوفاً عند الله عز وجل في شهره الكريم ،
والدعوة الأخرى موجهة من وسائل الإعلام من خلال البرامج المعلن عنها خلال هذه الأيام لبثها عبر القنوات الفضائية وتدعونا لمشاهدة تلك البرامج من المسلسلات والأفلام وغيرهما ، وهناك فارق كبير جداً بين دعوة القرآن لنا الى ضيافة الله ودعوة الوسائل الاعلامية وبالأخص الفضائيات .
*الدعوة القرآنية*
فيما يرجع للدعوة القرآنية للاستضافة الإلهية في شهر رمضان فقد انزل الله تعالى الآيات القرانية التي تعطينا معالم الاستضافة ومنها ايات في سورة البقرة من اية مئة وثلاث وثمانين الى مائة وسبع وثمانين هذه الايات تعطينا معالم الاستضافة الإلهية ومنها : -
( *يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ*)
( *أَيَّامًا مَّعْدُودَاتٍ فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ فَمَن تَطَوَّعَ خَيْرًا فَهُوَ خَيْرٌ لَّهُ وَأَن تَصُومُواْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ* )
( *شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِيَ أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَن كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُواْ الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُواْ اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ* )
( *وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُواْ لِي وَلْيُؤْمِنُواْ بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ*(
( *أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ هُنَّ لِبَاسٌ لَّكُمْ وَأَنتُمْ لِبَاسٌ لَّهُنَّ عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ كُنتُمْ تَخْتَانُونَ أَنفُسَكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ وَعَفَا عَنكُمْ فَالآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُواْ مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَكُلُواْ وَاشْرَبُواْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّواْ الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ وَلاَ تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلاَ تَقْرَبُوهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ* )
*معالم الإستضافة الإلهية في القرآن :-*
*التقوائية* : -
إن الله عز وجل يدعونا الى الصيام لنرتقي روحياً ومعنوياً الى درجات التقوى بأعلى قدر نستطيع ان نصل اليه ، وكلما كان العبد أكثر استجابة وانصياعا لهذه الدعوة ارتقى روحياً بحجم استجابته وخضوعه ،
وفي قوله تعالى : -
( *ياايها الذين امنوا كتب عليكم الصيام*...) اشارة الى الهدف السامي من الصوم هو التقوى والتقوى كما يقول الإمام امير المؤمنين علي (ع) في تعريفها كما ورد في نهج البلاغة : - ( *التقوى هي الخوف من الجليل والعمل بالتنزيل والرضا بالقليل والاستعداد ليوم الرحيل*)
ففي شهر رمضان المبارك يعيش المسلم هذه الأمور التي أشار اليها الإمام (ع) من الخوف من عدم قبول العمل وعدم الغفران و طبعا لاننسى باب الرجاء من الله في قبول العمل والطاعة كما وعدنا سبحانه وتعالى ،
ولكن هناك خوف حقيقي أيضا من أن يوفر المسلم بركات هذا الشهر الفضيل
وقد روي عن النبي الأعظم(ص) قوله " *فإن الشقي مَن حُرم غفران الله في هذا الشهر العظيم*"
والعمل بالتنزيل فينظر الى سلوكياته هل هي منسجمة مع ماجاء به القرآن الكريم أم لا .
والرضا بالقليل حتى لايطمع الى اكثر مما أعطاه الله عز وجل بحيث يدفعه الى السرقه واكل الحرام
والاستعداد ليوم الرحيل و إلى هذا المعنى أشار النبي الأعظم (ص) بقوله : -
( *وَاذْكُرُوا بِجُوعِكُمْ وَعَطَشِكُمْ فِيهِ جُوعَ يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَعَطَشَه* )
*الهداية القرآنية* : -
هناك علاقة وثيقة بين شهر رمضان والقرآن الكريم (شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِيَ أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ) اشارة الى أهمية التعاطي مع القرآن الكريم لتحقيق معلم من معالم الاستضافة في شهر الله والسعي الأكيد للإستفادة من هذه المائدة والتي ارتبطت بهذا الشهر العظيم لتكتمل الروحية و المعرفية
*الدعاء والتضرع*: -
وشهر رمضان يشكل مدرسة مهمة للدعاء و المناجات إذ نرى الله تعالى يقول : -
( *واذا سألك عبادي فإني قريب* )
والجميل ان هذه الاية نزلت بين آيات الصيام وذلك لأهمية وعظمة الدعاء في هذا الشهر الفضيل ، وكثير من الآيات تأتي بعد كلمة يسألك او يسألونك كلمة قل ، لكن في هذه الآية تميزت بالجواب المباشر من الله عز وجل الى عبده ( *فإني قريب* ) ،اشارة الى عظمة وأهمية الدعاء بين العبد وربه وعدم وجود الحاجز بين نداء العبد واستجابة الله عز وجل له .
- *الإنضباط في الوقت* : -
ونجد هذا المعنى في قوله تعالى : -
( *أياماً معدودات*)
فتحديد أيام و ساعات محددة للصيام والإفطار وليالي الفضيلة والقدر هي تربية للعبد على الإهتمام بالوقت وعدم اهداره بما لاينفعه ومع الأسف أن البعض يقضي ايام شهر رمضان فيما يعود للضرر اليه الدنيوي والاخروي
- *التأكيد على الترابط الأسري* : -
فالآيات آنفة الذكر تطالعنا بقوله تعالى : - ( *هن لباس لكم وانتم لباس لهن* ) فهذا الشهر الفضيل ليس شهرا للخلاف والصراع وخلق المشكلات بين أفراد الأسرة ومن هنا يؤكد الإسلام فضل إدخال السرور على أفراد الأسرة سواء كانوا آباء او امهات وأبناء وزوجات لأن شهر رمضان من أهم معالمه التأكيد على العلاقة الأسرية لاسيما بين الزوجين فإذا تأكدت العلاقة بين الزوجين تأكدت العلاقة بين الأبناء .
- *الاستشعار بالمحتاجين والفقراء* : -
فجعل فدية يدفعها إلى الفقراء من لم يستطع على الصوم لكبر السن ووجود الحرج بقوله تعالى : -
( *وعلى الدين يطيقونه فدية طعام مسكين) فإذا كان الرجل او المرأة كبيرين في السن غير قادرين على الصوم يخرجان عن اليوم الذي لايصومونه مقدار مد من الطعام ، و كذلك المريض مع الالتفات إلى وجود تفاصيل أخرى فيما يرجع للأحكام الشرعية لكن الآية تخاطب الغير قادرين على الصوم لكبر السن اوما يسبب حرجا ومشقة فإنهما يخرجان هذا المقدار للفقراء ، فالصوم هو استشعار بالمحتاجين و روي عن الامام الصادق (ع) ( *وأما علة الصيام ليستوي به الغني والفقير وذلك لأن الغني لم يكن ليجد مس الجوع فيرحم الفقير* )
- *الشكر على النعم*: -
فقوله تعالى : -
( *ولتكملوا العدة ولتكبروا الله على ماهداكم لعلكم تشكرون....)
فشهر رمضان من أكبر النعم التي انعم الله عز وجل بها على عبده المسلم لذلك يختم المسلم صيامه بيوم العيد ليشكر الله على هذه النعمة والتوفيق لصيام الشهر الفضيل وأداء الحقوق
هكذا يدعونا القرآن للإستضافه الكريمة في شهر رمضان المبارك والتي يدعونا الله سبحانه اليها .
*دعوة الإعلام :-*
عندما دخلنا مواقع البحث حول الإعلام في شهر رمضان وجدنا ان الدعايات التي تروج للمسلسلات في رمضان تعد بالمئات ان لم تكن بالألالف ، ومن خلال فضائيات عربية و إسلامية فعندما نبحث ونجمع البرامج والمسلسلات المروج لها لشهر رمضان نجدها أكثر من الدعوة الإعلامية والإعلانية الى الاستضافة الإلهية في هذا الشهر الفضيل وذلك لتحقيق أهداف مادية وإنحرافية مبتذلة ، وقليل جداً من البرامج التي تعطي المشاهد حق الاستضافة الإلهية
- *ماهي استضافة القنوات الفضائية*
-*تشويه المعنى الحقيقي للشهر الفضيل* : -
، والمعنى الحقيقي لهذا الشهر الفضيل هو ماأشارت اليه تلك الايات الشريفة لكن المواد الإعلامية افرغت شهر رمضان من محتواه الحقيقي والأصيل وحولته الى ملهى وترف وطرب وضياع للوقت .
- *استيراد ثقافة غربية* : -
ففي شهر رمضان من خلال المواد الإعلامية التي تعرض العلاقات المحرمة بشكل طبيعي ، والتبرج والسفور وحفلات اللهو هذه كلها ثقافة غربية بعيدة كل البعد عن إسلامنا .
- *تفريغ الشخصية المسلمة من مضمونها الايماني الحقيقي* : -
فيعرض الإعلام الشخصية المسلمة المهتمة بالصيام والصلاة بشكل سافر بعيد عما يريده الله سبحانه فالاعلام يرسم صورة المسلم فقط بالكلام وتصور المعتقدات دون ان تكون للمعتقدات ممارسات عملية وتطبيق في سلوك الإنسان المسلم واصبح اليوم البعض من المسلمين ينظرون لهذه الأمور بشكل طبيعي ، فيحضرون حفلات الطرب والرقص والنساء سافرات متبرجات وقد يكون هذا السفور في مكان فيه مصلى فيحضرون حفلة الغناء ثم يذهبون للصلاة ، وهذا تفريغ لمحتوى الإسلام فإذا لم يمتلك المسلم الإسلام بمنظومته الكاملة فلن يحقق الهدف الأسمى من شهر رمضان الكريم لكن الاعلام هكذا يريد ان يصنع من الشخصية المسلمة
- *إضاعة وقتل الوقت* : -
قد تقضي على المشاهد ساعات كثييرة لمشاهدة المسلسلات فيتبدد الوقت بلا فائدة ، والقرآن الكريم والروايات الشريفة اشارت الى كيفية ملىء الأوقات في شهر رمضان واعتنت بالجانب الروحي وكذلك اعتنت بقيمة الوقت المقطوع من عمر الإنسان ان لايضيع في عدم المنفعة.
- *إثارة الغرائز* : -
إن أكثر القنوات الفضائية تعرض مسلسلات تثير الشهوات والصوم من أهدافه ضبط هذه الشهوات ، يعني ان الإعلام في مواجهة صريحة ضد الدعوة الإلهية واستضافته للمسلم في الشهر الفضيل ببث مسلسلات وبرامج مثيرة للغرائز
قال الله تعالى وهو يحذرنا من مثل هذه المحاولات من شياطين الإنس : - ( *وَاللَّهُ يُرِيدُ أَن يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَن تَمِيلُوا مَيْلًا عَظِيمًا*) والإعلام في أكثره اليوم يأخذ بيد الشباب والفتيات الى مستنقع الشهوات والرذيلة .
*توصيات من أجل بلوغ الغاية من الاستضافة الالهية :-*
1 : - الاكثار من تلاوة القرآن الكريم فإن هناك استحبابا مؤكدا لتلاوته
2 : - كثرة الإستغفار وهو من أهم عوامل قبول الإستضافة الالهية
3 : - تعلم الأحكام الشرعية
4 : - إبراء الذمم وقد ذكرت روايات كثيرة أن ليلة القدر يستجيب دعوة كل داع الا المتشاحين .
5 : - السعي لاستغلال الوقت والجلسات الشبابية فيما يعود بالنفع الروحي عن طريق اعداد برامج لتلاوة القرآن والدعاء والمحاضرات
6 : - الحضور في المساجد والحمدلله مساجدنا عامره بالمؤمنين في شهر رمضان لكننا نؤكد على ذلك مع الحضور الى الحسينيات فإنها لاشك لاتخلو من الفائدة حتى وان لم تصل الى درجة الطموح.
7 : - التمسك بالقيم الأخلاقية ، فقد روي عن النبي الأعظم - ص - ( *من حسن منكم في هذا الشهر خلقه كان له جواز على الصراط يوم تزل فيه الاقدام*)
والحمدلله رب العالمين
جديد الموقع
- 2024-12-26 نحو معارض للكتاب الخيري
- 2024-12-26 معادلة الانتصار الإلهي والقيم العليا
- 2024-12-26 أحياة هي أم ظروف حياتية؟
- 2024-12-26 د.نانسي أحمد أخصائية الجلدية :العلاج البيولوجي أحدث وأهم الخيارات في معالجة الصدفية
- 2024-12-26 "ريف السعودية" ونادي الشباب يوقعان مذكرة تفاهم لتعزيز المسؤولية المجتمعية
- 2024-12-26 تجهيز عربة عيادة أسنان في الأحساء
- 2024-12-26 4 مليارات لفرص المسؤولية الاجتماعية خلال 21 شهرًا
- 2024-12-26 نقوش ميدان عام تؤصل لقرية أثرية بالأحساء
- 2024-12-26 ما الكون إلا زمان .. إلاك
- 2024-12-25 قراءة في حياة الشاعر علي الحمراني