2021/07/26 | 0 | 4268
أرض السافلين نكسة في فن الرواية
رواية أرض السافلين لأحمد خالد مصطفى تدور عن أرواح تجوب عوالم سفلية وتستجلي بواطنها وخلفياتها وتلتقي بمختلف الشخصيات التاريخية تبدأ الرواية بمقدمة يعرف فيها الكاتب الانترنت المظلم وما يدور فيه من سفالة حيث يمثل الانترنت المعروف لدينا ٥% من حجم الانترنت وال ٩٥% المتبقية هي الانترنت المظلم الذي يعج بكل المحرمات ولن نطيل في الحديث عنه اختصارا للوقت ولكن نختم حديثنا عنه بالنصح بعدم محاولة الدخول فيه فهو سوء لا خير فيه.
الرواية بدت للوهلة الأولى عميقة وواعدة لكنها أخذت في الانحدار المخيف بعد صفحات قليلة.
نتعرف فيها على بناء يضم باحة دائرية تضم سبع نوافذ كل نافذة تمثل جزءا من ذلك العالم السفلي الشرير ويأخذنا الكاتب في جولة مطولة في تلك النوافذ كي يجلي لنا حقيقتها وباطنها.
فالنافذة الأولى تمثل عالم الدعارة وما يدور فيه من صراعات بعضها فكرية وبعضها بهيمية فيطرح موضوع حقوق العاهرات واليوم العالمي للعاهرات وما يطالبن به من تشكيل نقابة تحفظ حقوقهن وأن الدعارة مهنة كأي مهنة وينبغي تغيير مسماها وتلطيفه ليصبح عاملة في مجال الجنس ويطرح وجهة النظر المناهضة وتمسكها بوجوب القضاء على تلك المهنة ويطرح رؤية الدول لها لما تمثله من شريان اقتصادي ومصدر مهم لجذب السواح ثم يستجلي حقائق ملايين الداعرات بنمذجة لأربع قصص في أربع دول أوروبية وأمريكية وعربية تختزل كل ذلك العالم حينما يطرح قصة الطفلة اليتيمة التي تم بيعها فتنوقلت من لئيم إلى شبكة من اللؤماء لينتهي بها المطاف لتكون عاهرة في ماخور دعارة فتجبر نفسها على الابتسام للزبائن بينما باطنها يضج بمأساة حقيقية ولا يمكن لها تغيير مصيرها فهي أسيرة شبكة مافيا منظمة لو فكرت بالهروب منها لتضوعف لها العذاب.
نلتقي بشخصية جاك السفاح الذي يقتل العاهرات ويشارك في ذلك النقاش مستميتا في إدانة أقدم مهنة في التاريخ.
فتاة تظن أنها ستعمل في مطعم لتجد نفسها عاملة في الدعارة، يعود بنا أيضا إلى مكة في السنة الأولى للدعوة ونجد أحد رؤوس المنافقين يدير بيتا للدعارة قبل نزول الآيات التي تحرم إجبار فتياتكم على البغاء
ننتقل إلى النافذة الثانية نافذة الشياطين ونبدأ برحلة إلى مناجم الفحم في أمريكا قبل النفط حينما كان الفحم المصدر الأول للوقود ونرى الشركات الكبرى تستخرجه من الجبال حتى يضرب العمال إضرابا مسلحا وينصبون خيامهم قبال مداخل الشركة مانعين بقية العمال من الدخول والخروج حتى تقع واقعة حريق في هيامهم نتج عنها تفحم إحدى عشر طفلا نتج عنه مذبح لادلو الشهيرة.
يستعرض الكاتب حياة أولئك العمال المساكين الذين يموت منهم خمسة رجال يوميا بسبب الاختناق أو الانفجارات أو الانهيارات ولا يتقاضون غير دولار ونصف يوميا إزاء عمل أربعة عشر ساعة يوميا ولا يستلمونها نقدا بل إيصالات لا تصرف إلا في المتاجر التابعة للشركة أي أن الشركة تستلم بالشمال ما تعطيهم من مال باليمين فضلا عن استغلال الأطفال في العمل الشاق دون من يدافعةعنهم غير امرأة تدعى الأم جونز.
من الجور النازل على هؤلاء البائسين أن القوات تمر عليهم برشاشاتهم وترعبهم بطلقات عشوائية ربما أصاب شيئا منها أطفالهم.
نجد حضور شيطان يقلب الحقائق ليحول العمال من مظلوم إلى ظالم وهو شيطان البروباغاندا الصحف الكذوبة.
ينتقل الكاتب إلى موضوع آخر وهو موضوع أحداث ١١ سبتمبر ليوغل في نظرية المؤامرة فيقرر أن الطائرات لم تكن لتسقط البرج بالكامل لولا افتعال تفجيرات بهدف هدم المبنى مستدلا بالعثور على آثار تلك القنابل ومستشهدا بحادثة مماثلة وقعت سنة ١٩٤٥ حينما اصطدمت طائرة بمبنى الامباير ستيت ولم ينهر المبنى بل تضرر الدور الذي صدمته الطائرة. بمعنى أن المخابرات الأمريكية هي التي فجرت البرجين وأن بن لادن الذي اعترف وتبنى التفجيرات إنما هو بن لادن مزيف والحقيقي مات سنة ٢٠٠١ وأن القاعدة لم تفضح القضية لأنها مستفيدة من البروباغاندا التي توفرها جعل زعيمها بعبعا يرعب الأمريكان. ولا يخفى ما في ذلك من تنطع وتكلف واستنتاجات وتحليلات مبنية على الاستحسانات لا الحقائق. وكأن الكاتب يريد إثبات نظرية المؤامرة بالحق وبالباطل ويطرح كل تحليل يجر النار إلى قرصه.
طرق الكاتب موضوع الإعلام وكيف يري الناس ما يريد ويستر عنهم ما لا يريد ويكذب ويحرف من أجل خدمة أجندته الموجهة.
تمكن الكاتب من تصوير الخبايا التي لا يراها الناس فمثلا المومس تتعرض للإجبار ابتداء من الاختطاف أو حتى الشراء من أهلها مستغلين فقرهم ثم تمر بالاغتصاب والضرب وكسر العزيمة حتى تخضع في النهاية. تلك الحكاية تجعلك تتعاطف مع تلك الفتيات مهما كنت تحتقرهن ومهما كنت متزمتا في قضية أن الظروف لا تبرر الجريمة.
كذلك خبايا السجون وما تحوي من تعذيب واستخراج الاعترافات تحته.
مايكل جاكسون وما أثير حوله من شبهات تتعلق بالمثلية الجنسية والتحرش بالأطفال ثم تحول لونه إلى الأبيض لا بسبب عمليات التجميل بل بسبب مرض البهاق...
استحضار إنشتاين وفولتير ودارون ونيوتن ورذرفورد وأرسطو وابن سينا وابن رشد وجاليليو حشرهم جميعا في فصل الإلحاد وجردهم من الأهواء ليكونوا عقولا مجردة ثم جعلهم يتناقشون عن قضايا الوجود والإلهيات في صفحات كثيرة جدا فلسفية وعلمية ودينية بالتأكيد لا تتحملها رواية وفصل بينها بفاصل سمج بمساحة ثلاثة أسطر خرجوا فيها يستريحون ويدخنون وكأنه بذلك كسر الحدة العلمية للطرح!
رغم أن الكاتب قرر الموضوعية في الطرح لكننا نراه يميل إلى النظرية الإسلامية ويجعلها توافق العلم الحديث من خلال رحلة خيالية كرتونية للفضاء قام بها الناطق الرسمي باسم المسلمين وبدأ يطبق كل مشاهدات الفضاء على ما ورد في النصوص الدينية رغم أن ذلك الناطق الرسمي لم يذهب للفضاء حقيقة إنما اعتمد على ما قاله العلماء من آراء ونظريات لم يختبرها بنفسه. بل ويناقض نفسه ففي الطرح النظري كان يقول أنه لا يمكننا التمييز بين السماوات السبع بالنظر فلا يوجد شقوق أو علامات يمكن من خلالها تمييز سماء عن سماء لكنه حينما خرج في الرحلة الكرتونية تلك كان يقول نحن الآن في السماء الثالثة والتي تمثل مجرة درب التبانة فلما ابتعد أكثر قال نحن في السماء الرابعة وهلم جرا.
فصل كامل عن عالم المخدرات وعرابه الأشهر بابلو اسكوبار وسونيا أتالا ويقرر أنه لا يوجد حكومة تحارب المخدرات فعلا فهو مصدر ثاني أكبر دخل في العالم ويستشهد بحادثة تعاون بين الرئيس الأمريكي ريجان وبين سونيا لتوريد كميات مهولة من المخدرات إلى أمريكا واستغلال أموالها في الحروب السياسية ضد الشيوعية.
فصل كامل عن العملات وكيف بدأت بعد مشوار طويل من المقايضة ثم التحول إلى العملات الذهبية والفضية والورقية.
ظهر في الكتاب أن الكاتب يتمتع بمعرفة واطلاع للظروف السياسية والحياتية المحيطة به واستعرض عضلاته في الرواية بما يشير لذلك.
نجح الكاتب في موضوع التشويق وأمسك بزمام القارئ بطريقة تحتسب له في بداية الرواية لكنه ما لبث أن أخفق إخفاقا ذريعا إذ وجدت نفسي أصاب بعدم الاهتمام بصورة أسرع من المتوقع وبدأت أطوي صفحات كثيرة لا علاقة لها بمسمى رواية فما علاقة الرواية بالإلكترونات والنيترونات إلا كعلاقة طز بسلام عليكم.
ورغم أن الكاتب افتتح الحكاية بقوله تحرر... تحرر من كل شيء وأنت آت. إلا أنه شخصيا لم يتحرر من نظرية المؤامرة.
الرواية فكرية بامتياز لكنها كانت على حساب بعض الأمور الفنية بل كل الأمور الفنية كالشخصيات التي جاءت مشوهة بلا ملامح واضحة فلم يهتم الكاتب بوصفها لا ظاهريا ولا باطنيا. وهذا طبيعي فحينما ستركز تفكيرك وجهدك ناحية اليمين ستهمل الشمال لا إراديا. ولم يترك شخصياته تصول وتجول بحرية بل حدها وحدد لها مسارا لا تحيد عنه يخدم أيدلوجية آمن بها وهي آيدلوجية المؤامرة.
المبالغات كانت حاضرة فرغم أن المنشأ كان واقعيا لكن الكاتب قام بتضخيمه بوضع عدسته المكبرة واستمر بتسليط تلك العدسة حتى احترقت الأشياء من حوله لأنه لم يتنبه إلى أنه يسلط تلك العدسة في وضح النهار والشمس تخترق العدسة وهي في أوجها.
الحوارات هي المتسيدة في مشهد الرواية وقد استغلها الكاتب ليعرض الأفكار التي أراد تمريرها فلم يترك الشخصيات تسير على سطح الرواية وفق طبائعها النفسية المختلفة والتي من المفترض أن يرسمها بعناية بل ساقها سوقا لتقول ما يريده هو دون أن يحدد أبعادا نفسية لشخصياته المشوهة من الأساس.
وحتى الحوارات المناهضة لنظرية المؤامرة لم يوردها الكاتب إلا ليؤكد النظرية فجعلها تطرح الشبهات ليقوم بتفنيدها يتجلى ذلك في شخصية ألكساندريا المناهضة للنظرية وشخصية زورك المنافحة عنها.
كون الحوار سيد الرواية في جزء كبير منها على الأقل لا يعني جودته دائما بل يعني كثرته وهذا ما أدخله في كثير من المراحل دائرة السلب حينما يتحول إلى خطابيات طويلة يقاتل فيها صاحبها لإثبات آرائه.
الحبكة مهلهل لا تدري معها على أي أرض تقف ويكفيك لتعرف ذلك شيئا أضافه الكاتب بغية إضفاء نوع من الإثارة فتحول إلى تأكيد على تهلهل الحبكة وهو أنه جعل القارئ يختار الفصول التي يريد البدء بها على الأقل الفصول الأخيرة مما يعني أنه لا فرق إن قرأت الفصل الأخير قبل الخامس فأي تهلهل وتهافت أكبر من ذلك؟!
لا ترابط بين الموضوعات فالكاتب يدخلك مكانا ويخرجك منه إلى آخر دون ربط أو منطقية فما علاقة طز بسلام عليكم؟
وإن أردت وصف الرواية في جمل قليلة سأقول أنها رواية غير متزنة فنيا وتحتاج إلى هدم وترميم بل حتى ذلك لن يجدي معها لأنك حينها ستخرج بعدد صفحات لا يتجاوز الخمسين صفحة وهذا العدد عادة لا يقبل كمسمى رواية.
رواية بدأت بداية واعدة وانتهت نهاية محبطة.
رواية حاولت دمجت العلم بالرواية ففقدت البوصلة فلا هي رواية ولا هي كتاب علمي بل مخلوق مشوه بلا ملامح أو بملامح منفرة.
يبدو لي أنه لا علاقة للكاتب بفن الرواية مع شديد الاحترام وربما سمع عن شيء اسمه رواية فقرر الخوض في غمراته دون أن يقرأ رواية واحدة قبل ذلك.
جديد الموقع
- 2024-11-25 أمير الشرقية يفتتح أعمال مؤتمر الفن الإسلامي بنسخته الثانية في مركز الملك عبدالعزيز الثقافي العالمي "إثراء"
- 2024-11-25 أمير الشرقية يرعى ملتقى "الممارسات الوقفية 2024"
- 2024-11-25 سمو محافظ الأحساء يستقبل رئيس وأعضاء جمعية عناية بالمصاحف
- 2024-11-25 العباد عضوا في المجلس الاستشاري للتعليم الخاص بالاحساء
- 2024-11-25 الوصول إلى حالة الإنغماس وقياس مستواها
- 2024-11-25 اكتشاف أقدم أبجدية معروفة في مدينة سورية قديمة
- 2024-11-25 زوايا المدينة
- 2024-11-24 التفوق العلمي طريق الى التقدم والازدهار
- 2024-11-24 قافية أيوب الأخرس
- 2024-11-24 البريد السعودي يصدر طابعاً بريدياً بمناسبة اليوم العالمي للطفل
تعليقات
Ghaida Altayeb
2022-10-15الرواية جميلة جدا الى حد الخيال وانصح اي شخص بقرائتها
عادل
2023-01-31الرواية جميلة وممتعه وتحتوي على الكثير من المعلومات الموثقة ولا اعلم لماذا تهاجم الكاتب !!
احمد
2024-03-21انت مجاي تنتقد، جاي تسقط واسلوبك بالكلام خبيث، واضح الغل بكلماتك
حنين
2024-04-04الكاتب احمد خالد مصطفى كاتب رائع وكل رواياته ممتعة وجميله وغنيه بالمعلومات انت الذي تبدو انك لم تقرأ روايه في حياتك انا شخصيا انصح بقرائتها