في طليعة المُلبّين لنداء تأسيس ( منتدى الينابيع الهَجَرية ) الذي تشرفت بإطلاقه عام 1407هـ  وممن حضروا اللقاء الأول للمنتدى بمنزلي بمدينة ( المُبَرّز )  كان العلامة الأستاذ الشيخ محمد بن جابر الجاسم حفظه الله ،  وكان حينئذ خطيبا حسينينا له صولة و جولة في كل نواحي الأحساء ،  و يمتلك مكتبة  ضخمة عامرة بأصناف الكتب . رغم أنه في مطلع العشرينات من عمره .

الشيخ محمد لمن لا يعرف تفاصيل سيرته الذاتية والعلمية هو  محمد بن جابر الجاسم ، من مواليد قرية بني معن في الأحساء لعام 1384هـ ، شاعر قدير متمرس  كان لاحترافه الخطابة وما يستلزم ذلك من حفظ الكثير من الأشعار الدور الأكبر في استيقاظ موهبته الشعرية، له حضور واضح ومشاركات قيمة في المحافل الأدبية وخاصة في تأبين رجال العلم ورموز المجتمع. بعد تأسيس المنتدى بثلاث سنوات تقريبا هاجر إلى النجف الأشرف لإكمال دراسته الحوزوية ، من مؤلفاته: ( المرجع في علم الأصول ) و ( بحث في تفسير سورة المنافقين ) و( الرسالة الدينية )         و ( كشكول طالب العلم النجفي ) و( شروح على بعض كتب الأصول وعلم الدراية ) وديوان شعر كبير مخطوط ، وهو الآن من أكابر الأساتذة في الحوزة العلمية بالنجف الأشرف تخرج على يديه الكثير من طلبة العلم بل ومن الأساتذة وله اليد الطولى في علم الكلام والفلسفة إضافة إلى الفقه والأصول .

يقول الشيخ محمد عن حكايته مع المنتدى :

بسم الله الرحمن الرحيم

(  أقول بدءًا، وأختم صدقًا، أن هامتي لتنخفض أمام أساتذتي، وإذا رفعت بصري إليهم انحسـر، وإن كانوا من فرط تواضعهم أصبحوا حامّتي وخاصّتي، تالله ما تذكّرت صغر حجمي في آنٍ تقدّم ؛ إلا ازددتُ اعتدادًا بهم ، وشكرت دهرًا ضرب بيني وبينهم موعدًا ، حتى صرتُ أُدعى من حزبهم.

ومن أولئك ذو العز ناجي بن داود الحرز - دام علوُّ كعبه - ، ولعمري لن أنسى ذلك الإنسان الذي رأيته يحمل أوراقه داخلًا علينا في يوم من أيام سنة 1988م ، وكنت آنذاك فـي ريعان الشباب، تـهـزّنـي الطرفـة، وتأخذ بمجامع قلبي الكلمة الشاردة ، ليس بالصدفة.. وكان مجمع ذلك كله ذلك الضيف الذي حلّ خفيفًا علينا في دارنا الكائنة بقرية (بني معن) حرسها الله  من ريب المنون، وتالله ما كان يرتحل عنا إلا بصبر ما فتئنا نطلبه بعد فراقنا إياه، ولا ندركه حتى منّ علينا  ونحن عصبة ليس لنا إلا حب قرظ الشعر، وكنا نحتاج أن نصقل مواهبنا، فوجدنا لعمري ذلك المحك، فكنا نحمل أنفسنا إلى داره العامرة بمنطقة (الخرس) من (المُبَـرّزِ) نستضـيء بلموعٍ من قريحته، ونسكن ما شاء الله لنا أن نسكن إلى طيب سريرته، وكان لا يبخل علينا بالتوجيه ، ولا يسيمنا الخسف بالتسفيه ، وكان يقبل منا القليل ويعفو عن الكثير، حتى صرنا بعد وقت من أهل  الخير الوفير.

وكانت جلساتنا معه عصـر كل خميس ، تارةً فـي داره العامرة ، وأخرى في ديارنا الساترة، يحمل كلٌّ منا نتائج فكرته، وما سمح به الدهر من قريحته، وكان يثور النقاش، ويُؤتى بكل نابل ومراش، حتى تهدأ الفورة، بين يدي حاكم من كتب النقد والأدب، ككتاب (الصناعتين) لأبي هلال العسكري، أو (عيار الشعر) لابن طباطبا العلوي، أو (نقد الشعر) لقدامة ابن جعفر، أو (الممتع) لعبد الكريم القيرواني، أو (المثل السائر) لابن الأثير، أو (الفلك الدائر) لعبد الحميد، أو (العمدة) لابن رشيق، وغير ذلك من كتب اللغة والأدب والنحو والتصريف.

كنا ثمانية نفر، قد أبعد الله الحسد من قلوبنا، وكان كل واحد منا يرى نجاحه فـي نجاح الآخر، وما زاد أحدٌ منا إلا أرجع فضل تلك الزيادة إلـى صاحبه وزميله، ولم يمنّ أحدٌ منا على الآخر بما تراءى له من جميله، وما زلنا نتنامى حتى أينعت ثمارنا وآتت أكلها في وقت قصير أشجارنا، وبقينا إخوان صفا؛ حتى ونحن على حالةٍ من تفرق الأجساد، فلا نتناجى إلا بمداد من القلوب والأكباد، وبهذه اللمة بذرنا النواة، وصرنا نتطلع إلى ما تدخره الأوقات، ولم نزل نتعاهدها بالسقي حتى ازدهرت، ثم اهتزت وربت، فقام العود واخضـر، ونمت بأغصانه الأطيار، فافترّ يرقص طربًا، ويبدي عجبًا، كذلك ما بات يعرف بـ (منتدى الينابيع الهَجَرية).

النجف الأشرف  ـ  الرابع من ذي القعدة 1440هـ

                                                                                  محمد بن جابر الجاسم