"يعتقد كثير من الناس أنه بإمكانهم شراء اللذة (المتعة) (1)، في حين أن ما يجري في الواقع أنهم هم من يبيعون أنفسهم لها." - بنيامين فرانكلين
فاللذة لا تقتصر على مراعاة لذة الذات فحسب، بل تشمل أيضًا مراعاة لذة الآخرين. كيف نسعى إلى لذة الذات ولذة الآخرين معًا في وجود تناقض ثابت بين هاتين الأجندتين؟ يبدو أن مفهوم اللذة يختزن الكثير من المعلومات التي يمكن أن نستفيد منها لمعرفة السلوك البشري.
ذكر إيمانويل كانط (2)، منذ أكثر من مائة عام، أن اللذة هي "شعور" لأنها سمة شخصية ولا يمكن تأويلها على أنها تنتمي إلى كائن (خارجي). وهكذا، يبدو أن كانط رأى أن الملذات هي أحاسيس، ولكنها ملذات شخصية (خاصةً بالشخص).
الكثير من المفارقات في السلوك البشري كان وراؤءها ما يمكن اعتباره ملذات سلبية. الملذات السلبية هي سلوكيات تبدو ظاهريًا كريهة أو مثيرة للاشمئزاز ولكنها تيقى مغرية وجذابة لنا في ظل الظروف المناسبة.
تدور "مفارقة اللذة" حول التناقضات الموجودة داخل اللذة. يبدو أن اضطرابات التحكم في الإندفاع (3، 4)، على وجه الخصوص، مرتبطة بإحساس متصور بالمتعة السلبية وتقدم بعض التأويلات للسلوكيات المعادية للمجتمع (5) مثل الهوس بالسرقة [أي هوس بسرقة أشياء تافهة الثمن والقيمة، لا هو بحاجة إليها ولا هو بعاجز عن شرائه (6)] وهوس إضرام الحرائق (7) والاضطرابات الانفجارية (8) مثل غضب (9) الطريق.
«لا تنغر بما تبديه اللذة حتى تعلم أن ما تكنه سليم وآمن —توماس جيفرسون. [المترجم: هذا القول يشبه الحكمة العربية التي ورد أنها عن عنترة بن شداد العبسي: إن الأفاعى وإن لانت ملامسها.. عند التقلب فى أنيابها العطب].
فهم اللذة السلبية
اللذة السلبية تظهر حين نجدها في شيء خالٍ منها في العادة. الشعور باللذة في قراءة رواية ستيفن كينغ المخيفة والمروعة هو مثال على هذه اللذة السلبية، التي تؤدي إلى الرعب والإثارة المخيفة في ظل الأمان النسبي والتركيز على القراءة. الرعب يزود القارئ بتجربة ممتعة سلبية وذلك لأن ما يخيفه (هنا يعبر عنه من الناحية المجازية بنمر يمثل الرعب محجوز "في القفص" وليس خرًا طليقًا. يمكن ملاحظة مثال آخر على الانجذاب إلى الرعب عندما يغطي الأطفال الصغار وجوههم بأيديهم أثناء مشاهدة فيلم رعب خوفًا ثم يفرجون بين أصابعهم في الوقت المناسب لرؤية أسوأ حدث في المشهد.
بتغيير أو بتعديل الشخص لانفعالاته ولدوافعه لتجربة اللذة السلبية، فإننا نرفع من مستوى إمكانية تعديل الأفعال التي يُنظر إليها عادة على أنها غير سارة (خالية من اللذة أو المتعة) إلى أفعال تمارس على أنها أفعال ممتعة. إن البهجة من مشاهدة المنافسات الرياضية والتي تنطوي على عنف (مثل الملاكمة ورياضة الرغبي ورياضة هوكي الجليد)، أو الرياضات التي قد تنتهي بإصابات (مثل سباقات السيارات، ومصارعة الثيران، والطيران البهلواني)، كلها تدعم جاذبية اللذة أو المتعة السلبية.
دوافع المجرمين المصرين على الاستمرار في ارتكاب جرائمهم للتوهم والتحضير والتخطيط، والاختباء، والهروب، والتسبب في الأذية والسخرية تؤكد أيضا حقيقة اللذة السلبية. ويعتقد مايكل أبتر Michael Apter أن البحث عن الإثارة هو دافع قوي للسلوك البشري، بما في ذلك السلوك المعادي للمجتمع.
الإنفعالات فوق الغرضية
يمكن فهم مفارقة الانفعالات بشكل أفضل من خلال تأويل تجربة الحالة فوق الغرضية parapathic emotions [التي ينصب اهتمام الشخص المراقب على البحث عن الإثارة ذاتها ويهتم بالسلوك في حد ذاته دون الاهتمام بمآلات ذلك السلوك (10، 11)] يعتقد هذا المراقب أن الانفعالات فوق الغرضية تُمارس في إطار واقٍ أو ضمن فقاعة يشعر فيها الممارس أنه في عزلة لا يلاحظه أحد. من يمارس يشعر بالأمان عن الخطر في هذه الفقاعة ("وكأنه يقول: قد يكون الشخص الآخر في خطر لكني في أمان.").
يمكن أن يؤل هذا السبب في أنه حتى الشخص الأكثر تعاطفاً من الناحية الوجدانية لا يزال بإمكانه التباطؤ عند وقوع حادث على إحدى الطرق السريعة يحاول مشاهدة فوضى ذلك الحادث من مسافة آمنة منه. ربما لا تزال الطبيعة المؤلمة للحادث تعطي هذا المراقب للحادث الذي يشعر أنه ضمن فقاعة لا يلاحظه أحد مستوى معينًا من المتعة من خلال هذه المشاعر فوق الغرضية.
الشماتة
"الألم مقدمة للذة " الماركيز دي ساد
المصطلح الألماني للشماتة يفيد بأن الاستمتاع الداخلي (النفسي) أو المتعة التي يشعر بها الشخص (المراقب) من شماتته بشخص آخر تعرض إلى مشكلة. هنا نرى بشكل مباشر أن هناك تناقضًا بين لذتنا ولذة الآخرين. لو شمتُ بك، فمتعتي من هذه الشماته هي على حساب ألمك.
من ضمن الشماتة أشياء، مثل الضحك من انزلاق شخص آخر وسقوطه على الأرض، أو الاستمتاع بألم ومعاناة شخص فظ قد تعرض للتنمر، أو الاستمتاع بتو-به سيل من الشتائم اللفظية المهينة والمؤلمة إلى الآخرين. قد لا يكون الشاتم دائمًا على علم بدوافعه أو الآثار الاجتماعية لسلوكه بسبب مقدرته على حجب مشاعره في نفسه التي تعوَّد عليها جيدًا.
الإيثار
في الجانب الإيجابي، يمثل الإيثار اهتمامًا غير أناني برفاه الآخرين. الشعور بالمتعة من خلال إظهار طبيعة العطاء وتعزيز المواقف الإيجابية تجاه التفاعل الاجتماعي. مكسبي هو عبارة عن متعتك ومكسبك هو عبارة عن متعتي.
هناك قبول للاختلاف وتعزيز الإيجابية والتفاؤل. تبرع الفرد بموارده للآخرين من باب إنساني وخيري بقصد نفعهم يُعتبر المثل الأسمى للذة الإيجابية. مفارقة اللذة هي أن وجهات النظر الإيجابية والسلبية للذة تعتبر مقدمة وجودية لا يمكن إنكارها.