2021/07/16 | 0 | 2512
عشرون الجاسم من مايو بين الفنية والمقالية.
رواية العشرون من مايو للكاتب السعودي عبد العزيز الجاسم تتحدث عن أحمد الذي يتعرض لحادث سير مهول نتيجة اصطدام سيارة مسرعة بحافلة طلاب مدرسة وقد كان أحمد يمشي بالجوار فناله نصيب وفير من الحادث.
تصوير حيثيات الحادث كان جميلا واقعيا يدخلك معهم في المستشفى ويجعلك تشعر بالموقف الذي وضع فيه ذلك الطبيب مصطفى المسؤول عن فرز الحالات وتحديد الأولويات.
في الفصل الثاني يعود بنا الكاتب لما قبل الحادث ليرينا شخصية أحمد وكيف هي حياته ولكن كان يمكن تلافي أسلوب التقرير وعرض المعلومات عن الشخصية بطريقة مباشرة بعرض حياته بمجموعة من المواقف تبين كيف كان يعيش مثلا بدلا من ذكر أن لديه أربعة أبناء وزوجة يحبها يرينا مشهدا وهو يداعب أبنائه ويعرب عن مودة بينه وبين زوجته.
أحمد الرجل الجاد الحريص الذي لا يتهاون في الأخطاء والذي يفرض وصاية على آخوته وأخواته فينصح هذا وينتقد تلك ويحاول تقويم سلوك ذاك ولكن هل يمكن لشخصية كهذه وإن حسنت نيتها أن تكون محبوبة في عائلتها أظن أنها شخصية ثقيلة دم تحسب أنها الشخصية الوحيدة التي تفهم وبقية الشخصيات سفهاء يجب فرض وصاية عليهم.
شخصية لطالما تحاورت مع إخوتها ذكورا وإناثا حوارا انتهى بقطيعة ولو مؤفته لهي شخصية سمجة.
شخصية لا تريك إلا ما ترى حد الغثيان نرى ذلك جليا في تدخله في قرارات شقيقته منال التي اختارت رفض الزواج فحضها على قبول الخاطب الأخير رابطا مستقبلها وسعادته بالقبول. هذا التفكير الرجعي حقا مستفز لأنه يسلب حرية الاختيار من شقيقته فقط لكونها أنثى بل لكون هذا الرجعي مرتبط بأفكار بالية من قبيل تقديم الرؤية المجتمعية على الخيار والحرية التي يجب أن يتمتع بها كل إنسان ذكرا كان أم أنثى ومجرد كونه يلح في رؤاه يعد نوعا من فرض الوصاية الإيحائية التي تجاوزها الزمن لم يتوقف عند فرض الزواج على شقيقته بل تعدى ذلك لمحاولة فرض أن تترك عملها وتتفرغ لأبنائها الافتراضيين... ربما أراد الكاتب أن يحببنا في شخصية أحمد بإظهاره شخصية تهتم بمصلحة عائلتها لكنني على العكس كرهتها بسبب رجعية أفكارها وتعاملاتها وقد تلمست في بعض السطور أن الكاتب كان واعيا إلى أن شخصية كهذه تُكره من قبل كثير من الناس ومنهم غدير زوجة أخيه حسن التي تكرهه لأنه كان رافضا إياها زوجا لأخيه. وباختصار كانت شخصية أحمد هذا شخصية قاتل السعادة بكل صورة ممكنة لها. يكفيك مثالا لتعرف مقدار حشريته وبثارته أنه كان يخاطب نفسه حينما لم يجد أخاه حسنا في اجتماع العائلة بقوله: "لا بأس بذلك سوف أنظر في هذا الأمر لاحقا"
الحوارات الروتينية من قبيل النقاش في الإنفاق ليلة الزفاف بين مؤيد ومعارض أخذت مساحة عريضة وهي حوارات أراها مكررة أميتت نقاشا وبحثا وأدخلت القارئ في دوامة من التكرار والرتابة والملل تمنيت ألا أجد مثيلا لها حينما أتقدم في الرواية لكنني وجدت وهي رتيبة بسبب رتابة الموضوعات التي تدور حولها من قبيل الفتاة المعلمة التي تحذر من الزواج خشية أن يكون زوجها طامعا في مالها... أو مشكلات المعلمات مع الوزارة أو الزوجة الغنية المتكبرة على زوجها وأسرته والزوج الخروف الذي لا يقدر على أن يجعل زوجته تحترمه وتحترم عائلته كذلك النقد الاجتماعي المباشر في بعض الحوارات، بل أدخلتنا الحوارات في كثير من فصولها في أبحاث فلسفية وعلمية كحوار الدكتور مصطفى والدكتورة ناديا حول إلحاد ستيفن هوكينج فضلا عن حوارات وخطابات الموعظة التي أرى أن فن الرواية لم يوجد لها.
موضوعات أحرى أن تطرح في مقالات من أن تطرح في رواية فأنا لا أرى أن الرواية وجدت لحل المشكلات والقضايا وإن كان لا بد من جعلها وسيلة علاجية فينبغي الابتعاد عن المباشرة التي وقع فيها الكتاب.
عادة روايات الموضوعات تركز على الموضوع وتهمل بقية الجوانب وهذا ما حدث هنا فالحبكة متفككة رغم البداية المبشرة التي عرضت موضوع الحادث
والشخصيات سطحية لم نتوغل كثيرا إلى بواطنها ولم نر لها أي أوصاف ظاهرية تذكر فهي بلا ملامح تقريبا.
محاولة الكاتب بأن يتعاطف القارئ مع شخصية أحمد ويزدري شخصية غدير بالنسبة لي جاءت عكسية إذ وجدت نفسي أتعاطف وأتفهم شخصية غدير مع بعض المآخذ والتحفظات وأزدري شخصية أحمد مع بعض الإيجابيات التي أتفهمها في شخصيته. فقد حاول الكاتب إبداء غدير وكأنها امرأة سطحية بسبب إقبالها على الحياة وحبها للسفر والهدايا وعدم رغبتها في الإنجاب وهذا من وجهة نظري إبراز لشخصية مختلفة عن الشخصيات النسائية النمطية وليس إبرازا لشخصية سطحية... كان يمكن للكاتب أن يتعمق أكثر شخصية غدير ويربطنا بها بأسبابها وتطلعاتها لكنه وقف معها على الحدود الظاهرية ولم يحاول ولوج بواطنها فالكاتب ينبغي أن يكون أول من يحاول تفهم شخصياته ويبرز نزعاتها المختلفة للقارئ كي يشاركه التفهم لكنا كاتبنا العزيز هنا يهمل ذلك وكأنه كان يتخذ موقفا متشنجا من هذه الشخصية.
التضخيم لأحمد وصل حد ادعاء أبيه أن كتاباته يستفيد منها الجميع لقوتها وصدقها وحينما استعرض الكاتب مقالا له لم يعد أن يكون مقالا وعظيا منبريا أماته الخطباء تكرارا.
الشخصيات كلها غير نامية باستثناء حسن الذي طرأ عليه تغير طفيف خجول لا يكاد يرى كما يجب التنويه إلى أن شخصية البطل أحمد رغم كونها بطل الىواية لكنها كانت شبه مغيبة إلا من بعض المواقف التي لم تكشف غير الجانب المثالي منه.
هذا يقودنا إلى النقطة الأخرى وهي المثالية في الرواية والشخصيات وإذا استثنينا غدير التي ظهرت شريرة لكننا لا يمكننا اعتبارها منطقية فهي شريرة لأنها شريرة مغرورة لأنها مغرورة لم يتعمق الكاتب دوافعها.
الحوار كان يخدم هدفية موجهة عن قصد وهي إما هدفية تربوية أو بيئية وفي كثير من فصول الحوار كنا نفتقد الاهتمام فما دخلي كمتلقي بحوار بيئي يشرح أضرار ردم القنوات على البيئة؟ موضوعات كهذه الصنف الأدبي المناسب لها هو المقالة لا الرواية. وهي بالمناسبة كثيرة جدا حوارات تربوية حوارات تتعلق بالمعلم ودوره في المجتمع ورسالته كل ذلك أخرجني من جو الرواية وأدخلني جو الندوة التربوية الحوارية. علما أن كثير من ذلك الحوار جاء متزامنا مع فترة اختفاء أحمد أي أن أحمد مختف وأخوه حسن يتحاور مع وجدي حوارات ثقافية! فالكاتب انصرف عن الحكاية المركزية بحكايات جانبية مملة ولو ركز علة الحدث المحوري وتبعاته لكان أمتع وأكثر فنية للعمل من أن يشطح يمينا وشمالا.
بل الأمر تعدى الحوار ليطال بعض فصول السرد الموجه الذي ساقه الكاتب سوقا من رقبته ليخدم هدفية أرادها لا حكاية حكاها.
هذا يقودنا إلى الحبكة التي ظهرت في البداية جاذبة بقصة الحادث لكنها ذابت وضاعت في خضم الكم الهائل من السرد والحوار الذي لم يخدمها كثيرا. وتحول الكتاب إلى أشبه بكشكول منوع يدون فيه الكاتب أفكاره ورؤاه.
وهذا يقودنا للنقطة التالية وهي بطء التقدم في الحبكة والأحداث فقد شغل الكاتب بالأمور الجانبية على حساب صلب الموضوع لدرجة أنه بعد مرور يوم فقط على اختفاء أحمد عن ذويه نرانا وصلنا صفحة ١٢٧ من أصل ٢٥٠ صفحة وهو حدث تبليغ ذويه عن غيابه للسلطات. وفي المقابل نرى النهاية تمخضت عن أحداث سريعة في أسطر بسيطة حادث حسن خروجه من المستشفى تقبله واقع الكرسي المتحرك تحوله للقراءة كل ذلك جاء في عدة أسطر فقط.
هذا يقودنا لنقطة أخرى في نفس موضوع النهاية أعتقد أن اللجوء إلى الخيار السعيد لم يكن موفقا ولا واقعيا وإنما لجأ إليه الكاتب من أجل إسعاد القارئ وإن كان على حساب الواقعية وإن كان فيه معجزة أو شبه معجزة ولو ترك الكاتب النهاية مفتوحة بترك أحمد على حاله أو مقفلة ولكن برحيله لكان أجمل وأكثر واقعية. أيضا النهاية السعيدة جاءت سريعة وعادت الأمور لحالتها في سطور وحتى لحظة العودة لم تعط حقها.
كذلك الخاتمة الشعرية تندرج ضمن إقحام الشعر في الرواية وهو شيء فعلناه في بدايتنا الكتابية لكننا ندمنا عليه مع التقدم في سلم الوعي الكتابي.
ملاحظة بسيطة وهي وجود بعض التفاصيل من قبيل تنقلات عائلة أحمد في المستشفى من قسم إلى قسم بحثا عنه كانت طويلة ورغم أن الرواية تتحمل التفاصيل لكن من الحسن اختصار التفاصيل المملة.
لذلك كله أعتقد أنه ينبغي بل يجب اختصار النص ليتحول من ٢٥٠ صفحة إلى ١٠٠ صفحة تكون محكمة مرصوصة خالية من الحشو والزوائد.
ملاحظة بسيطة أخرى كانا الكاتب متحاملا على المعلمين وقد غلف ذلك بإطار شخصية وجدي لكن شخصية الكاتب كانت واضحة فيه فقد أقحم نفسه إقحاما فجا فالذي يتحدث هو عبد العزيز على لسان وجدي هذا غير التحامل غير المبرر والذي وظف للدفاع عن المعلمين فيه شخصية مهزوزة كحسن الذي كان أسوأ محامي عن المعلمين في الرواية.
هذا يقودنا للنقطة التالية وهي ظهور شخصية الكاتب في أجزاء كثيرة من الكتاب تحديدا في مناطق الجدليات وهي تشكل الجزء الأكبر من النص.
هذا يقودنا إلى النقطة التالية وهي المقالية في نص يعتبر رواية أضعف كثيرا منه وأخذ أكثر مما أبقى.
ملاحظة أخرى تدرج ضمن السياق غير المنطقي حينما وقع الحادث وشاهد الدكتور مصطفى البطل المصاب أحمد اهتم به وعني به عناية خاصة دون وجود سبب أو مبرر لذلك.
اللغة جاءت عادية تكاد تخلو من الجماليات وإن وجدت فهي خالية من الابتكار. مع بعض الأخطاء اللغوية من قبيل استخدامات خاطئة لكلمة بلى التي يجاب بها عن جملة منفية لإثبات تحققها. ومن قبيل جزم المرفوع. وتنوين الممنوع وإثبات همزة ابن وابنة بعد النداء وحقها الحذف. وفي موضوع بلى الأمر استفزني لكثرة ما تكرر استعمال بلى بطريقة خاطئة فحاولت تتبعها فوجدت أنها استخدمت سبع مرات فقط بطريقة صحيحة رغم أنها وردت بالعشرات.
مع بعض الأخطاء الاستعمالية من قبيل استخدام هُرع للدخول في رابط على الجوال وكان أجمل لو استخدم أسرع أو بادر لأن هرع يتضمن الهرولة أو المشي باضطراب.
غياب المفاجأة والانبهار بسبب الأحداث المتوقعة.
يوجد تعابير جميلة هنا وهناك من قبيل قوله "تسمو فراشة الروح على نائفات السحب" إضافة إلى الاقتباسات من القرآن كقوله "فقلوبنا مسها الضر والله أرحم الراحمين".
من الأمور الإيجابية في الرواية التشويق في سرد الموضوعات فمن يحب الروايات الفكرية سيجد سلوته في هذه الرواية ولن يمل منها كموضوعات مرصوفة.
جديد الموقع
- 2024-11-22 عادات قرائية مفيدة
- 2024-11-22 مع أن الأديان تتحدث عن قيمة التواضع الفكري، لكن قد يصعب على رجال الدين بشكل خاص تطبيق ما يدعون إليه الناس
- 2024-11-22 يرجع الفضل في استمرارك في تذكر كيف تركب دراجتك الهوائية إلى منطقة المخيخ في دماغك.
- 2024-11-22 نظرة على البنوك في المملكة.
- 2024-11-22 المخرج الشاب مجتبى زكي الحجي يفوز بجائزة أفضل مخرج في مهرجان غالاكسي السينمائي الدولي35
- 2024-11-21 توقبع اتفاقية شراكة بين جمعية أدباء بالاحساء وجمعية هجر التاريخية
- 2024-11-21 أمانة الاحساء تُكرّم الفائزين بــ ( جائزة الأمين للتميز )
- 2024-11-21 سمو محافظ الأحساء يبحث مع معالي وزير التعليم خطط ومشاريع تطوير التعليم في المحافظة
- 2024-11-21 «الغربة باستشعار اللون».
- 2024-11-21 البيت السعيد