بين الضمير والإكراه

رواية طبيب أرياف لمحمد المنسي قنديل تدور عن طبيب يتم إعطاؤه فرصة ثانية للحياة فبعد أن كان مسجونا يتم إخراجه وتعيينه طبيبا في قرية ريفية صغيرة فيستلم الوحدة ويتعامل مع المرضى المساكين الذين يعانون من أشد الأمراض فتكا في وحدة صحية بسيطة بأدوية شحيحة وإمكانيات متواضعة ويتعرف على الطاقم الطبي المتواضع والمكون من ثلاث ممرضات وحارس عجوز ويتلمس شبها بين الممرضة فرح والمرأة التي كان قد أحبها سابقا يتلمس شعورا بالاهتمام والود لفرح في الوقت الذي يتواصل مع حبيبته السابقة والتي حال السجن بينه وبين الزواج منها ويكتشف أنها مخطوبة لآخر فيفكر بفرح لكنه يصدم من كونها متزوجة.
تأتيه في العيادة مختلف الحالات المحزنة والمؤلمة والمبكية فهذا رجل مزاج يحاول الحصول على دواء يضبط به رأسه وهذا مريض كلى لا يملك من أمر نفسه شيئا ولا يملك طبيبنا له علاجا وهذه امرأة متبرمة بزوجها الذي يكبرها سنا ولم تجد غير الطبيب ملجأ لها وهذه أرملة حبلى من ماء الخطيئة تبحث عن سبل لستر فضيحتها خصوصا وأنها مسلمة أخطأت مع قبطي فلا أمل لهما بالزواج وستر الفضيحة الأمر الذي أجج على القبطي الناس فأحرقوا محل الخياطة الخاص به وأوشكوا على قتله.
يتعرف الطبيب على امرأة غجرية ومجموعة من النور المريبين الذين يتعرضون لبعض المشكلات التي تؤدي إلى تنازعات ودخول البوليس فكاد يجر مع من جر إلى القسم لولا شهادة بعض الحضور بأنه طبيب الوحدة ولا علاقة له بالمشاجرات فينجو ولكن المرأة الغجرية الجازية لا تنجو إذ يراها بعد أيام في العيادة تساق من قبل البوليس وقد تعرضت للضرب المبرح.
يتقدم الطبيب في علاقته بفرح المرأة المتزوجة من قريبها عيسى بحكم العادات فتستجيب له وتنساق لشهواته حتى يقع بينهما المحظور ومن الواضح في تفاصيل تلك العلاقة المحرمة أنها كانت بدافع الرغبة في الانجاب من جانب فرح التي لم توفق للحبل من زوجها وكانت بدافع الحب والشهوة من قبل الطبيب وكان ما أرادت فرح لكن الطبيب يتمسك بأبوة الجنين وحين يطلب زوج فرح عيسى منه مبلغا من المال كي يهرب إلى بلاد مجاورة طلبا للعيش يرى الطبيب أنها فرصة سانحة لإبعاد غريمه المغفل فيعطيه المال لكن النتيجة كانت قاسية حينما وجد عيسى ميتا في الصحراء مع مجموعة من الرجال بعد أن تركهم مرشدهم في منتصف الطريق.
برع الكاتب في تقمص شخصية الطبيب سلوكا وعلما فذكر أصناف الأدوية لمختلف الحالات وأصناف الإجراءات الطبية لمختلف التحديات وكأنه درس الطب وتضلع فيه.
اللغة رائعة تسوق سوقا مريحا للأحداث، والوصف كان دقيقا شافيا ووافيا جعلنا نعيش الحدث عيش حضور ومشاهدة، والأحداث جاءت بأسلوب تمكن به الكاتب من شدنا مهما كان الحدث صغيرا أم كبيرا.
أظهر الكاتب الاضطهاد الذي تمارسه السلطة إزاء الغجر وبالخصوص زعيمتهم الجازية التي يتعاطف معها الطبيب ويدافع عنها إزاء عنجهية الضابط الذي استغلها أبشع استغلال وخلف وعوده بعدم التعرض لها ولقومها.
الجانب السياسي الواقعي كان حاضرا على صورة خداع تظهره السلطة في صورة ديمقراطية حينما يتم التصويت الرئاسي في تلك القرية فلا يحضر أحد من الناس للتصويت ويتم تزوير الأصوات من قبل الضابط بمساعدة الطبيب الذي أجبر على ذلك وكانت الأصوات كلها في صالح رجل واحد أريد له التسيد رغم الناس وفي نفس الوقت بصورة ديمقراطية بمعنى أن الرئيس فاز بصورة ديمقراطية على رغم الأنوف تلك الديمقراطية العربية الناصعة.
الواقعية في الرواية جعلتها قريبة من المتلقي ترسم أبعادا خفية لشخصية الفلاح البسيط الذي يبدو بسيطا لكنه يتبع سبلا شتى من أجل الحصول على المعاش بالحق أو بالباطل كما يمثل ذلك شخصية دسوقي الحارس الذي يتسلم الأموال من المرضى الموسرين ويتقاسمها مع الطبيب وفي شخصية بسطويطي المسؤول عن فندق يستغله لجني أرباح شخصية من خلال السماح للزناة بممارسة الرذيلة في فندقه ومن خلال جلب المومسات للزبائن.
الواقعية جعلت للرواية جنبة سوداوية من واقع الفساد والفقر والجهل والخيانة واستغلال الضعفاء