2022/09/08 | 0 | 2872
" الخمينية " : من تقديس الخطاب إلى تقديس الشخص
ورثنا نحن الشيعة كل علل التاريخ وأمراضه ، وهذا ليس معناه أن بقية الفرق والمذاهب منه براء ، أو لا يمتّون إلى أمراضه بصلة . على الإطلاق ، فالتاريخ الإسلامي ظل تاريخا يعيد نفسه ويكررها بالنسق ذاته ، وبالأخطاء ذاتها ، وبالعصبيات التي تصنع الأحداث ، وتقيم الدول وتسقطها .
لكن منذ مجيء " الخمينية " تحول التقديس الشيعي للمرجعيات من الخطاب إلى الشخص ، وهذه الظاهرة واحدة من هذه العلل وأمراضه الكثيرة .
ما المقصود بهذا الكلام ، وما بيان توضيحه ؟
كان الفرد الشيعي ملزما أن يقلّد أحد المراجع الكبار في حياته ، ويرجع له في المسائل التي تتعلق بالقضايا الفقهية والتشريعية من واجبات ومحرمات ومواريث إلى آخره من المسائل التي تواجه الفرد في حياته الدينية .
هذا التقليد الراسخ في الأوساط الشيعية أوجد مكانة مقدسة للعالم المرجع ، ووضعه موضع الاحترام والتبجيل ، خصوصا وأنه ينوب عن الإمام الغائب ( المهدي المنتظر) ويقوم مقامه في تحصيل الحقوق والأخماس ونشر علوم الأئمة . وبخلاف المؤسسات الدينية السنية كالأزهر أو الزيتونة التي لم تكن مستقلة عن الدولة ، كانت الحوزات الدينية تتمتع باستقلالية بمواردها المالية من أوقاف وأخماس عن موارد الدولة .
لذلك كان علماء الحوزات ومراجعها الكبار مؤثرين وكلماتهم كانت مسموعة سواء كان ذلك في الشأن الديني أو الاجتماعي أو حتى السياسي ، ولا أريد في هذا المقام الاستشهاد بحالات من التاريخ ، يكفي الرجوع إلى تاريخ مرجعية السيد محسن الحكيم في العراق ؛ ليتضح الأمر وتبان الفكرة .
ما يهمني توضيحه هنا أن حالة التقديس في ارتباطها بالعلماء المراجع لها ارتباط وثيق بقدسية الأئمة ومنزلتهم في التراث الشيعي ، وكون هؤلاء المراجع أيضا في نظر المقلدين لهم أنهم امتداد متين يتصل بتراث الأئمة ، وبكونهم حاملين وناشرين لعلومهم .
رغم هذه الهالة غير أنهم كانوا حذرين أن يضعوا أنفسهم موضع الإمام الغائب ومنزلته . لذلك ظلت بعض المهام بالنسبة لهم منوطة بخروج الإماموظهوره ومنها قيام الدولة الشيعية وظهورها على يديه ، وما عقيدة الانتظار أو فلسفته عند بعضهم سوى إشارة إلى ذلك .
لكن بمجيء ولاية الفقيه فقد انكسر هذا الحذر على يديها ،ومن ثم استولت على مهام الإمام كلها ، وسمحت لنفسها أن تستولي على السلطة السياسية باسم الإمام الغائب عن طريق تقاليد المرجعية التاريخي للحوزات وبآلياتها .
وهنا نصل إلى لب الأزمة التي تطال المرجعية ذاتها في لحظتها الراهنة ، وذلك من جهتين : فمن جهة أولى فرضت ولاية الفقيه وضعا واقعيا وجدتْ المرجعية نفسها تحت المجهر الإعلامي والسياسي ، أو أن الأضواء كانت مسلطة عليها بعدما كانت لا ترى حتى بالعين المجردة من فرط ابتعادها عن الأضواء ، الأمر الذي فتح الباب ، من جراء ذلك ، على تساؤلات وإشكالات عدة ، لم تكن قبل ظهور ولاية الفقيه يُلتفت لها ، أو ينظر إليها بعين الريبة
من ضمنها كيف يستطيع الفرد الشيعي أن يوفق بين متطلبات تقليده واتّباعه للمرجعية التي هي بالأساس تعيش في بلد آخر وبين متطلبات ولائه لوطنه الذي يعيش فيه ؟ ولولا بروز الخمينية في المنطقة لما ظهر مثل هذا التساؤل على السطح ، ولما ظهر أيضا ، لو كانت الخمينية إيديولوجية سياسية لم تتوسل المرجعية للبروز السياسي ، فالبابا مقره في روما وأتباعه في شتى بقاع العالم ، مع تحفظي الشديد في المقارنة بين عالمين مختلفين .
أما من جهة أخرى ، فقد استطاعت " الخمينية " أن تنزع قدسية الخطاب المتصل بالأساس باجتهاد المرجع الذي يظل اجتهادا بشريا في نظر مقلديه ، وبالتالي هناك حدود فاصلة بين خطابه وشخصه ، وتضع بدلا منه قدسية الشخص المتماهي مع شخص الإمام نفسه ، ومن ثم تصل بهذه القدسية إلى أعلى مراتبها في شخص ولي الفقيه .
خلاصة هذا التحليل ، في الوضع الذي آلت إليه المرجعية في علاقتها الملتبسة بولاية الفقيه ، والآثار المترتبة عليه ، هو أنه لم يجر في التاريخ الإسلامي استغلال الديني في السياسي مثلما يجري الآن على يد الخمينية ، حتى الإسلام السياسي السني لم يتجاوز في توظيفه للديني مدونة النصوص والخطابات فقط ، وهذا ليس تفاضلا . لكن لأبيّن مدى خطورة ما يجري في المنطقة على أيدي هؤلاء .
جديد الموقع
- 2024-11-25 أمير الشرقية يفتتح أعمال مؤتمر الفن الإسلامي بنسخته الثانية في مركز الملك عبدالعزيز الثقافي العالمي "إثراء"
- 2024-11-25 أمير الشرقية يرعى ملتقى "الممارسات الوقفية 2024"
- 2024-11-25 سمو محافظ الأحساء يستقبل رئيس وأعضاء جمعية عناية بالمصاحف
- 2024-11-25 العباد عضوا في المجلس الاستشاري للتعليم الخاص بالاحساء
- 2024-11-25 الوصول إلى حالة الإنغماس وقياس مستواها
- 2024-11-25 اكتشاف أقدم أبجدية معروفة في مدينة سورية قديمة
- 2024-11-25 زوايا المدينة
- 2024-11-24 التفوق العلمي طريق الى التقدم والازدهار
- 2024-11-24 قافية أيوب الأخرس
- 2024-11-24 البريد السعودي يصدر طابعاً بريدياً بمناسبة اليوم العالمي للطفل