مقدمة (1)
الحليب سائل حيوي وغني، يحتوي على مغذيات كبروية وصغروية، وهرمونات، ونبيت مجهري طبيعي معوي (2) مما يشكل ويؤثر في مكونات الحليب، بما فيها نبيت الحليب المجهري الطبيعي والبريبايوتك [وهي مكملات غذائية تحتوي على بكتيريا نافعة تشبه إلى حد كبير تلك الموجودة بشكل طبيعي في الأمعاء (3)] والحويصلات الدقيقة (4)، وعوامل نمو (5)، وعوامل مناعية بما فيها أجسام مضادة (6)، وسيتوكينات (7)، ومستقبلات التعرف على مسببات الأمراض (8)، والخلايا المناعية. ومن المثير للاهتمام، يحتوي هذا الغذاء (الحليب) المخصص للرضيع على بروتينات فريدة (كازين-a وكازين-b وكازين- k (9) وغلوبين الحليب-b ويومين الحليب -a وبروتين مصل اللبن الحمضي)، وقطرات دهنية محاطة بغشاء، وسكريات (لاكتوز، وسكريات الحليب قلية التعدد) التي لا توجد في أي مصدر آخر في الطبيعة أو الجسم. والأهم من ذلك، بعكس أمهاتهم، فسيولوجيا الرضع تتغير يوميًا، وتتكيف مع احتياجاتهم التنموية والتحديات المناعية الجديدة اليومية، مثل التعرض لمستضدات (10) جديدة من البكتيريا أو المواد المسببة للحساسية في بيئتهم. بالرغم من أن حليب الثدي يحتوي على محتوى أساسي، تركيبته المتغيرة جدًا باستمرار بحسب الوقت من اليوم، وسن الرضيع والتعرض البيئي التراكمي للأم exposome قبل انعقاد الحمل وفي الأثناء (11، 12) يثبت كيف يمكن اعتبار حليب الثدي أول دواء طبيعي مشخصن للطفل ذاته. ويتجلى ذلك بشكل أفضل من خلال نقل الأجسام المضادة من الأم من خلال حليب الثدي، والتي تكون خاصة ببيئة الأم أثناء الحمل وبعده، ومن الحليب إلى رضيعها. مؤخرًا، بينا أيضًا أنه بالرغم من حقيقة أن الغلوبيولين المناعي A الذي يتفاعل مع بروتينات فيرس سارس-2 موجود في حليب الأم قبل الجائحة. تم اكتشاف النشاط المعادل فقط في الحليب المصاب بفيروس سارس-2.
الدراسة
مراجعتان لأوراق علمية، منشورة في دوريات علمية مفتوحة للقراء أجرتهما اختصاصية مرموقة في مناعة حديثي الولادة، سلطت الضوء على فرادة جهاز الرضع المناعي المتطور (أثناء مراحل النمو) [بعد تشكله أثناء فترة الحمل (13)] وكيف يوفر الحليب البشري طريقة مشخصنة (مصممة لرضيع الأم بعينه) وفي الوقت الفعلي لتلبية الاحتياجات المتغيرة لحديث الولادة.
وجدت البروفيسور ڤالاري ڤيرهاسيلت Valerie Verhasselt، مديرة مركز مؤسسة لارسون روزنكويست Larsson-Rosenquist للمناعة والرضاعة الطبيعية في كلية الطب بجامعة غرب أستراليا ورئيسة قسم المناعة والتغذية في معهد أبحاث الأطفال في أستراليا، أن الحليب البشري يعكس التعرض البيئي المتراكم للأم (الماضي والحاضر) (11، 12). كما أنه يحمي الرضع من التهديدات الخارجية مثل مسببات الأمراض والمواد المسببة للحساسية ويساعد جهاز مناعة الرضيع على تطوير استجابة مناعية مناسبة وفعالة للتحديات المستقبلية.
في الدراسة (1) الأولى، التي نشرت في مجلة Immunological Reviews، استكشفت البروفيسور فيرهاسيلت الحليب من منظور الرضيع، معتبرةً أن حليب الثدي هو مصدر الغذاء الطبيعي لحديثي الولادة.
قامت البرفسور فيرهاسيلت باقتفاء الأصول القديمة (تطور) الحليب الفريد للثدييات إلى زمن إفرازات الغدد الجلدية لأسلاف هذه الثديات قبل 300 مليون سنة (1)، والتي تم إفرازه في البداية للحفاظ على رطوبة البويضات وحمايتها بمركبات مضادة للميكروبات.
وقالت البروفيسور فيرهسيلت: "لقد تطور حليب الأم منذ ذلك الحين ليس فقط لوقاية الرضع ضد مسببات الأمراض، ولكن أيضًا لتدريب لتكييف المناعية على الاستعداد للتعرض إلى التحديات الآتية من العالم الخارجي."
"بهضم البروتينات الغذائية بشكل مسبق وإدخال هذه المستضدات - وهي البروتينات الغذائية التي يتعرف عليها الجهاز المناعي - في حليب الثدي، يصبح الجهاز المناعي للرضيع مجهزًا لتحمل هذه المغذيات."
وخلافا للاعتقاد الشائع، قالت البروفيسور فيرهاسيلت كان الرضع أكثر عرضة للتفاعلات الالتهابية في الأغشية المخاطية والحواجز الجلدية بدلا من تطوير القدرة على التحمل، وبالتالي كانوا عرضة للغاية للحساسية.
الوقاية الشخصية التي توفرها الأجسام المضادة لحليب الثدي الطبيعي (1)
"إن حليب الثدي، بما يحتويه من آلاف المركبات النشطة بيولوجيًا، لديه القدرة على التأثير في تطور الطبقات الظهارية (14) والخلايا المناعية لدى الرضيع، سواء بشكل مباشر أم غير مباشر، من خلال تشكيل النبيت المجهري الطبيعي (الميكروبيوتا) في الأمعاء، وبالتالي تعزيز الاستجابة المناعية المناسبة لمسببات الحساسية الغذائية،"
وقالت البروفيسور فيرهسيلت: "معرفة كيف يتواصل حليب الثدي مع أجهزة مناعة الرضيع يزودنا بأدلة لتطوير أساليب مصممة خصيصًا للوقاية من الحساسية، وذلك بتقديم ارشادات للأمهات عن نمط الحياة، كالمغذيات أثناء الرضاعة الطبيعية، وبتطوير علاجات مستوحاة من حليب الأمهات الطبيعي للأطفال المعرضين للخطر."
وفي ورقة المراجعة الثانية (15)، التي نُشرت أيضًا في مجلة Immunological Reviews، استكشفت البروفيسور فيرهاسيلت وزملاؤها تأثير الأجسام المضادة لحليب الأم في صحة الرضيع.
تناولت الدراسة كيف تحمي الأجسام المضادة الموجودة في حليب الثدي الأطفال حديثي الولادة من التهديدات البيئية، وتساعد في تشكيل وتوجيه جهازهم المناعي، وتعزيز تكيف جهازهم المناعي عبر الأجيال مع بيئته.
وقالت البروفيسور فيرهسيلت: "الجهاز المناعي لحديثي الولادة غير جاهز بعد لمواجهة المستضدات التي يتعرض إليها، مثل مسببات الأمراض والميكروبات والبروتينات الغذائية، مما يجعله عرضة للعدوى أو الالتهابات المعوية أو ردود الفعل التحسسية (الحساسية)".
"تساعد الأمهات رضيعها وذلك بنقل الأجسام المضادة إليه أثناء الحمل مما يوفر الوقاية له في الأشهر القليلة الأولى ضد العدوى التي سبق أن تعرض لها أثناء الحمل.
"من خلال مسار بارع للجهاز المناعي الثديي والغدة الثديية، بنقل حليب الثدي أجسامًا مضادة لا تعكس فقط تاريخ التعرض البيئي للأم في الماضي، ولكن أيضًا في الحاضر [التعرض التراكمي exposome]، لمسببات الأمراض.
"هذه الأجسام المضادة تكوِّن طبقة على الغشاء المخاطي العلوي للجهاز التنفسي والهضمي للرضيع، وهي في وضع مثالي لضبط الاستجابات للمستضدات البيئية، وقد تصل حتى إلى الدورة الدموية للرضيع.
"لذلك تلعب الأجسام المضادة لحليب الأم دورًا رئيسًا في الوقاية المناعية للطفل النامي ولها تأثير كبير في قابلية إصابته بالأمراض المعدية في كل من الدول المرتفعة والمنخفضة الدخل الاقتصادي، مع امكانية إنقاذ حياة ما يصل إلى مليون شخص.
وقالت: "علاوة على ذلك، يُظهر بحث جديد مدى أهمية الأجسام المضادة الموجودة في الحليب في تشكيل النبيت المجهري الطبيعي في الرضيع، ونحن نعرف مدى أهمية هذا النبيت في تنظيم جهاز المناعة والقابلية للإصابة بالأمراض".
وقالت البروفيسور فيرهسيلت إن مجموع النتائج للدراسات تؤكد الأهمية الحاسمة لحليب الثدي في دعم صحة الرضع وفي تطوير استراتيجيات لتعزيز الاستجابات المناعية الصحية.
وقالت: "الازدياد في فهم القنطرة التي يتيحها حليب الأم الطبيعي بين الطفل وبيئته يجب أن يساعدنا على ايجاد أفضل التدخلات لتعزيز التنمية الصحية".