2024/08/17 | 0 | 993
الأمراض الوبائية في الأحساء
مع كتاب الطبابة والأوضاع الصحية في الأحساء ملامح تاريخية. للمؤلف محمد علي الحرز الطبعة الأولى 1446 هـ/2024م
جزء من المقدمة:
فكان لكل بلد - كنتيجة تراكمية بمرور الوقت - تاريخه الطبي والعلاجي الذي بناه أبناؤه بتجاربهم وخبراتهم والاطلاع الواسع على العلوم الطبية، فمنها ما هو في غاية العراقة والقدم، ومنها البدائي الذي يحتاج إلى تطوير وهذا مرتبط بالتاريخ الحضاري والثقافي لتلك البلدان، وهمة أبنائها ورجالاتها، ومدى الإقبال على العلوم والمعارف الطبية، وما تحمله من إرث تاريخي في هذا الجانب عبر الزمن.
يضع علماء الطب تصنيفات متعددة للأمراض باختلاف اللحاظ، والذي يعنينا هنا نوعان من الأمراض:
أولا: الأمراض غير السارية: ونعني به المرض الذي لا يمكن انتقاله من فرد إلى آخر، قد يكون مرضًا مزمنا، كالسكري وفقر الدم، والضغط وغيرها، ومنها عارض يزول بعد مدة زمنية بالمكافحة والعلاج كالزكام والسعال وغيره، وقد سبق الحديث عن هذا النوع من الأمراض واستعراض الكثير من ملامحه وتفصيلاته.
ثانيا: الأمراض السارية الوبائية: وهي الأمراض المعدية، ذات الانتشار الواسع كالطاعون والكوليرا، والسل، وغيرها. وخلال السطور القادمة سنتناول الأمراض الوبائية التي وجدت طريقها نحو البلاد وما خلفته من أثر بالغ، وكذلك الأمراض الأكثر انتشارًا في المنطقة وذلك نتيجة للعامل الخارجية والطبيعة المناخية والطبيعية للمنطقة، وإن كانت المصادر لا تساعد كثيرًا لإشباع البحث ولملمت جميع أطرافه.
علما إن المصادر المحلية بجهود الباحثين ومن خلال التاريخ الشفهي تم رصد العديد من هذه الأمراض التي عرفت في الأحساء ومسمياتها، وهي قد تتفق مع الاسم العلمي وقد تتفرد المنطقة به تبعا للهجة المحلية.
إنَّ الذاكرة الأحسائية القريبة حبلى بأنواع من الأمراض التي تعود إلى القرن الماضي، وقد تناقلها الآباء وبقيت مغروسة في الذاكرة الشعبية كأحد الأمراض الأكثر فتكا في الأحساء.
يعرف المرض المنتشر على نطاق واسع بالجائحة وتعني: وباء ينتشر عبر مساحة جغرافية ممتدة تشمل العديد من دول العالم أو قارة أو أكثر، وهو بهذا وباء عالمي يصيب نسبة كبيرة من السكان أو التجمعات الحيوانية.
وقد شهدت البشرية عددًا من الجوائح التي أسهمت في انتشار الأمراض والقضاء على مئات آلاف من البشر في مختلف أرجاء وبقاع العالم، والأحساء كانت من البلدان التي عصفت بها الأمراض حالها حال العديد من المناطق في العالم، ففتك بحياة الكثير من الناس فيها.
وما بين أيدينا من مصادر تشير إلى عدة جائحات شهدتها الأحساء، وكلها تركت وجعة وألمًا في قلوب الأحسائيين في مَنْ فقدوا من الأحبة والأهل، نستعرض بعض من معالم تلك الأوبئة، وما خلفته من آثار مدمرة على الحياة الاجتماعية والاقتصادية. وكان للحجاج أثر كبير في نقل الأمراض إلى المنطقة خصوصا الأمراض الوبائية الفتاكة، فبعد حج سنة 1274هـ، بدأ الطاعون في الانتشار، فكانت الأحساء ممن ضربها الوباء ومات خلق كثير فيها، رغم إن المصادر لا تبين تلك الملامح.
1- الجُدري أو الجَدري:
هو مرض معد ذو أصل فيروسي وشديد العدوى وبائيا بسبب فيروس الجدري، ويتكون على شكل بثور في الجسم والوجه لا تلبث أن تسقط مخلفة ندبة مكانها، ومن أبرز آثاره الإصابة بالعمى، أو وجود بثور وندب في الجسم والوجه، كما أنه حصد الكثير من الأرواح.
وقد تم الانتصار عليه وآخر حالة منه عرفتها البشرية سنة 1397هـ، وقد كان لهذا المرض حضور في الأحساء، وقد تسبب في عمى الكثير من الناس فيها، وقد طرق هذا الوباء باب الأحساء عدة مرات متكررة على مدى القرون، وكما أشرنا سابقاً إما عن طريق الحجاج أو ينشأ في البلدان المجاورة ويتفشى في مختلف البلدان المحيطة.
انتشر مرض الجدري كما يشير (الفاخري) في تاريخه نهاية سنة 1251 هـ، وبداية عام ١٢٥٢هـ، وكثر وجوده في الصبيان ،دون الإشارة لمنطقة بخصوصها، مما لا يبعد تأثر الأحساء بتلك الموجة من المرض، والمعروف مع عدم العناية الصحيحة يتسبب في العمى وتشوهات في الوجه على شكل بثور.
2- السل:
مرض معد خطير يُصيب الرئتين في الأساس، تنتقل البكتيريا التي تتسبب في الإصابة بمرض السل من شخص إلى آخر من خلال الرذاذ الذي يخرج في الهواء عبر السعال والعطس، وتسبب في موت الكثير من الناس فيها، وكان يعالج في تلك الفترة بالكي.
3- الطاعون:
يعد أحد الأمراض الفتاكة والوبائية السارية والتي يمكن أن ينتشر في الهواء، أو عن طريق الطعام أو المواد الملوثة غير المطبوخة جيدًا، ويقضي على المصاب به خلال يوم أو أيام قليلة، ويعد من أكثر الأمراض التي أودت بحياة الناس في الأحساء بعد أن وجد طريقه إليها، ولمرات متعددة.
ومن الحقب الزمنية التي جاء فيها المرض إلى الأحساء سنة 1236هـ، فقد بدأ بالبحرين فأفنا فيها خلقا كثيرًا، ثم القطيف ثم الأحساء، ثم اتجه إلى الصحراء ووصل نجد، فالوباء إذا ضرب في منطقة تأثرت المناطق المحيطة بها، وهذا ما وقع بالفعل، لعدة أوبئة انتشرت في الأحساء معظمها كان قادما من الخارج سواء عن طريق الحج أو البلدان والمناطق المجاورة.
4- سنة الرحمة في الأحساء:
انتشرت في الأحساء أمراض وبائية كان لها الأثر الكبير على حياة السكان، حتى أنه قلما تجد بيتا نجى من الوفاة، مما ترك بصمة في الذاكرة الأحسائية لا يمكن أن تمحى خصوصا عند كبار السن ممن عاصر تلك الأحداث وعاش مآسيها، ومن أبرزها ما يعرف بـ ( سنة الرحمة)، لكثرة الترحم على الموتى، أو بـ ( سنة الصخونة)، كتعبير عن ارتفاع درجة الحرارة التي يصاب بها المريض، وقد ذهب ضحيتها مئات الأحسائيين.
تذكر المصادر أن مرض الطاعون انتشر في الأحساء سنة 1918م، الموافق 1337هـ، وقد عرف عالميًا ب (وباء الأنفلونزا الإسبانية)، وقد استمر الوباء ثلاثة أشهر، إلا أن حصيلتها عالميًا بين 50 إلى 100 مليون نسمة، نصيب دولة إسبانيا وحدها فقط ثمانية ملايين من سكانها.
ومن الذكريات المؤلمة التي يتناقلها كبار السن عن تلك الأيام، أن الأهالي استعاضوا بالأبواب الخشبية عن النعوش لكثرة الموتى، ففي كل يوم تنقل عشرات الجنائز إلى المقابر، والناس يتعاونون على حمل الموتى إلى المساجد للصلاة عليهم، ومنها نحو مثواهم الأخير، بلا توقف، ولم يكن المرض يمهل المرضى الكثير من الوقت، فمن يصاب في المساء يفارق الحياة قبل الفجر، ومن يبتلى نهارًا قد لا يصمد إلى المساء، والمحظوظ يبقى عدة أيام قبل مغادرة الحياة وفراق الأحبة، ما شكل حالة من الهلع والفزع.
5- الكوليرا:
ويعرف بالكوليرا الآسيوية أو الكوليرا الوبائية، وهي من الأمراض المعوية المعدية الجرثومية، وتنتقل الجرثومة إلى البشر عن طريق تناول طعام أو شرب مياه ملوثة، والأحساء كانت نتيجة للحياة البدائية محل لمثل هذا المرض الحضور المسببات له بقوة. فقد بدأ وباء الكوليرا بمكة قبل قدوم الحاج في شهر ذي القعدة من سنة 1246 هـ حتى إنه مات من أهل مكة ستة عشر ألف شخص، فقد ضرب مختلف الحجاج ففتك بمعظم الحاج الشامي، ووصل بعد الحج إلى أهل نجد فحصد منهم الكثير، ثم حل الوباء في البصرة والعراق، وقد طالت الجائحة الأحساء وحصدت الأرواح فيها حتى كادت أن تفتك بجميع أهلها.
6- الملاريا
الملاريا مرض يُسببه طفيل، وينتقل الطفيلي إلى البشر عبر لدغة البعوض حامل العدوى، ويشعر الأشخاص المصابون بالملاريا بإعياء شديد عادة مع ارتفاع في درجة الحرارة وقشعريرة مصحوبة برجفة. وتعد الملاريا من الأمراض السارية التي حصدت أرواح الكثير من الناس، وقد انتشر في الأحساء على فترات متقطعة، منها سنة 1914م / 1332هـ، وقد بدأت المملكة العربية السعودية مشروع مكافحته سنة 1367هـ، حتى استطاعت القضاء عليه.
7- الحصبة:
لم يذكر المرض في الكتاب أو يتطرق إلى إصابة أهل الأحساء بالحصبة. وهو مرض شديد العدوى وخطير ينتقل عبر الهواء ويسببه فيروس يمكن أن يؤدي إلى الإصابة بمضاعفات وخيمة وإلى والوفاة.
ولقد فقدت اخي الصغير توأمي مع أختي بمرض الحصبة وكنت مشرفا على حالته مع والدي وكنت في خامس ابتدائي واتذكر جيداً حالته و قاله الدكتور لنا: خذوه إلى البيت حالته الصحية حرجة جدا وقد لا يعيش إلا ساعات لأن الحرارة والطفح الجلدي كانت شديدة وعلاج الشراب والحقن لم تسعفه وتوفي وفقدناه طفلا جميلا ولديه فطنه وذكاء رحمه الله.
طرق مكافحة الوباء في سنة الرحمة:
من مظاهر المرض الإسهال، وارتفاع درجة الحرارة، وقامت كل من وزارة الصحة والبلدية بدور نشر الوعي وإصدار بعض التعليمات للمواطنين والمقيمين ومنها: منع شرب الماء إلا بعد غليه، وكان يسمح لزائري الأحساء دخولها، ويمنع مغادرتها، واستمر ذلك لمدة شهر.
ثم أقدمت الجهات الطبية المختصة على إعطاء بعض الجرعات العلاجية للمضطر الذي يريد الخروج منها، حتى استطاعت الدولة القضاء على المرض بشكل تدريجي.
البعد الروحي لمكافحة الوباء:
وكان للدعاء إسهام كبير من قبل العلماء في مختلف مناطق الأحساء، وفي مدينة الهفوف كان الشيخ حبيب بن قرين (1275 - 1363هـ) ، والميرزا علي بن موسى الحائري (1305 - 1387هـ)، بالمقبرة يقيمان صلاة الموتى، فأوصى الميرزا علي بتكسير الجرار القديمة بالمنازل وإبدالها بالجديدة بعد القراءة فيها بآيات من القرآن الكريم، وبعض أدعية أهل البيت عليهم السلام.
ومما أمر به الميرزا علي الحائري التصدي لذلك الوضع بذبح عجل وتوزيعه على فقراء البلد، وأمر بتوزيع حرز يكتب ويعلق على بيوت المنازل.
أما الشيخ عيسى الشواف الذين اتجه إليه الناس في حي الفوارس بالأحساء، فكان مما رواه الآباء عنه أنه كان يرسل الطعام ويجهز الذبائح والأطعمة للمرضى ومن يعتني بهم وإلى العوائل والأسر من الفقراء والمساكين بعد أن يقرأ عليه هذا الدعاء الذي نقله الآباء عنه، حيث كان يقرأ سورة التوحيد سبع مرات ثم يقرأ الدعاء التالي:
( بسم الله الرحمن الرحيم اللهم صل على محمد وآل محمد، اللهم إني أسألك بأسمائك، يا مؤمن يا مهيمن يا قريب، خلصنا من الوباء والطاعون، يا الله الأمان، يا الله الأمان يا الله الأمان يا ذا النعمة السابغة يا ذا الكرامة الظاهرة، يا ذا الحجة البالغة، خلصنا من الوباء والطاعون يا الله الأمان يا الله الأمان، يا الله الأمان. يا قائم لا يزول، يا عالم لا ينسى، يا باقي لا يفنى، خلصنا من الوباء والطاعون، يا الله الأمان، يا الله الأمان يا الله الأمان. وصل اللهم على محمد وآل محمد).
وفي مدينة المبرز طلب القاضي السيد محمد بن حسين العلي من الناس:
بالدعاء لثلاث ليال بالمسجد، وكان يردّد 12 ألف مرة :(أَمَّن يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ ) النمل. 62 ، مع بعض الأدعية والبكاء.
كما أمر الشيخ عمران بن حسن العلي السليم (1270 - 1360هـ)، في حينها بالخروج إلى البر والدعاء لتفريج هم المؤمنين من هذا المرض، وساهم ذلك في تقليل أعداد الموتى.
أوبئة أخرى:
هناك بعض الأمراض تأتي إلى المناطق وتفتك بأهلها دون معرفة حقيقة المرض ومسبباته، خاصة مع بدائية العلاجات الطبية والإمكانات، فكانوا يرون المرض يفتك بالناس ويأخذون التدابير كل بحسبه وبما لديه من خبرات وتدابير طبية، إلا أن الأمراض الوبائية تحتاج إلى أكثر من القدرات الطبية البسيطة المتوفرة، لذا تحصد مثل هذه الأمراض بأرواح الناس وتسري في العباد إلى أن يرتفع البلاء بفضل الله.
جديد الموقع
- 2024-11-24 التفوق العلمي طريق الى التقدم والازدهار
- 2024-11-24 قافية أيوب الأخرس
- 2024-11-24 البريد السعودي يصدر طابعاً بريدياً بمناسبة اليوم العالمي للطفل
- 2024-11-23 جمعية الكشافة تُشارك في الاحتفاء باليوم العالمي للجودة
- 2024-11-23 العرابي يتوّج في الاحساء بطلاً للجولة الثالثة والأخيرة لمنافسات بطولة السعودية تويوتا الدرفت 2024
- 2024-11-23 الفتح يتصدر ترتيب الأندية في الدوري المشترك للبلياردو
- 2024-11-23 ذاكرة القلم عن ملتقى الفريج الشمالي
- 2024-11-23 الأدلجة السلوكية
- 2024-11-23 في يومين : الأدباء الشباب في ضيافة ابن المقرب
- 2024-11-23 أفراح الملفي و الفليو تهانينا