2023/04/25 | 0 | 729
المثقف والمطرقة .
في جلسة معايدة حميمية مع بعض الإخوة المهتمين بالشأن الثقافي ، تداعى بنا الحديث إلى موقف ودور المثقف من موضوع التنوير .
ثمة طرح كان يؤيد فكرة المطرقة ، في معنى أنه لابد للمثقف أن يهوي بمطرقته على مايراه متخلفاً من أفكار ، ويصدع بما يراه صائباً من دون أدنى تحفظ أو ممايعة في سبيل التنوير .
هذا الطرح لي معه وقفتان ، أما الأولى : فهو يتجاوز الحديث عن منطلقاته المعرفية والفلسفية التي يؤسس في ضوئها آراءه ، ويبني بها مطرقته التي يسعى لإصلاح أعطاب الآخرين بها . هو يمضي إلى الحديث عن عملية الهدم وإعادة البناء مباشرة ، وكأن من ستُهدم معتقداتهم وأفكارهم تطوعاً من قبل المثقف سيُقّرون له بوهنها وبصلابة مالديه من أدوات وأفكار ..
وأما الثانية : فتختص بمفهوم المطرقة ذاته ، وهذه تتطلب شيئاً من التفصيل ..
في البدء ، لا أعتقد بأننا نختلف على ضرورة توافر مطرقة لكي يستعين بها المثقف أو الإصلاحي أو التنويري -سمه ماشئت - في هدم وتفكيك الأفكار البالية التي تؤخر انتقال مجتمعه لحالة أرقى على أي صعيد من صُعد معيشه . .
وذلك ببساطة لأننا لا نختلف على فكرة بسيطة ، وهي ضرورة الهدم قبل إعادة أي بناء ، وعلى ضرورة وجود مطرقة أو ما في حكمها لعملية الهدم ذاتها ، ولكننا نختلف في منظورنا لمفهوم المطرقة ذاته .
طيب ، لماذا أقول ذلك ؟
لأن مزيداً من التأمل في المطرقة الفعالة والتي استخدمها المجتمع الغربي في سياق نهضته هو من يفرض علينا إعادة النظر في مفهوم المطرقة ذاته .
واقعاً إن كنا منبهرين بالتحول الحداثي الغربي ، فمن الضرورة بمكان أن تكون لدينا رؤية شاملة للمشهد بحيث لا نقفز على منعطفات مهمة لها دورها المحوري في صنع مطرقته .
أود أن أذكر بأن المطرقة - التي اُستخدمت لهدم ماتبقى من الأساس المهترئ للفكر الكنسي المستبد والمستحوذ على كل مجالات الفكر والمعرفة ، وبناء أساس عقلاني بديل لعصر الحداثة والأنوار والعقلنة - لم تكن عبارة عن مجموعة أطروحات واستحسانات شخصية جريئة مضادة لمعتقدات مجموعة من أفراد العامة لا حول لهم ولاقوة .
تلك المطرقة التي نتكلم عنها ، والتي أحدثت أثرها في واقعها لم تكن بمعزل عن الفتوحات المعرفية لكوبرنيك ، والحسابات الدقيقة لجاليلي وتلسكوبه ، والفكر الخلّاق لنيوتن ومعادلاته .
هذه هي المطرقة الحقيقية ، والمعول الأساس الذي خلخل مدعيات الكنيسة وأبان الوهن في أسسها الفلكية البطليمية .
هذه المطرقة لم تكتف بذلك ، بل هي التي طرقت مسامير أسس العلم الحديث ، وما تلاه من مناهج علمية في مختلف الحقول من الطبيعي المادي الصرف إلى الأنثربولوجي بكل تفصيلاته .
بالتأكيد لست هنا لكي أستعرض إمكانات وإنجازات تلك المطرقة أو ماسبق صناعتها من جهود على أيادي كل من ديكارت وبيكون وليبنتز وآخرين ….
ولست هنا لكي أشكك في حاجتنا للتغيير ، أو لكي نقف ضد فكرة المطرقة ، أو نقول أننا مع الجمود . لا ، فكل ماتتغياه فكرة المقال هو الإفادة من تجارب السابقين ؛ والتأسيس عليها في إعادة رؤيتنا لمطرقة الهدم ، والتي عليها فعلاً أن تختلف .
عليها أن تختلف ، لكي تتأسس على ما انتهى إليه العلم ، وما لا تتجاوزه الفلسفة ، وما لا يقوضه العمل الثقافي من أخلاق ومعنى ، اعتقد وقتئذٍ يمكن الحديث عن فاعليتها في هدم الأسس المهترئة التي يقوم عليها أي بناء لا علمي أو لا فكري أو لا أخلاقي .
جديد الموقع
- 2024-07-21 الأسس البيولوجية للجاذبية والعلاقات الرومانسية
- 2024-07-21 اختتام حملة بر النجاح بحصاد 395 كيس دم وتكريم والدة إعلامي وأصغر مصور
- 2024-07-21 سمو الأمير سعود بن طلال بن بدر يطلع على الخطة التنفيذية لموسم صرام تمور الأحساء 2024م
- 2024-07-21 مجلس الجمعيات الأهلية يدشن " ديم للمنح التنموي"
- 2024-07-21 بقوام متين يستند على رؤية 2030: السعودية: سوق منافسة وتدفقات لا تعرف التوقف
- 2024-07-21 أمير الشرقية يستقبل منسوبي فرع وزارة الاستثمار بالمنطقة
- 2024-07-21 نائب أمير الشرقية يستقبل منسوبي فرع وزارة الاستثمار بالمنطقة
- 2024-07-21 النيابة العامة تطالب بعقوبات مشددة على وافدين لغشهم في منتجات غذائية
- 2024-07-21 جامعة الإمام عبدالرحمن بن فيصل تبدأ استقبال طلبات الالتحاق الإلكتروني غدٍ الإثنين عبر بوابة القبول الإلكترونية والأجهزة الذكية
- 2024-07-20 الفتيات ومحرم الحرام