2021/12/17 | 0 | 3942
رسالة أحسائيّة من زائر قبل أكثر من مئة عام .
مقدّمة :
لازالت الرسائل الورقيّة المتداولة تعكس لنا حال زمانها ، و لرسائل الزوّار نكهة خاصّة و هذه رسالة بعثها زائر لخراسان قبل ما ينيف عن قرن هذا نصّها :
إلى جناب الأجلّ الأمجد الأكرم المكرّم الأحشم الأشيم حميد السجايا و الشّيم الابن العزيز و الركن الحريز علي بن ناصر بن امسبّح سلّمه الله تعالى ، السّلام عليكم عدد شوقنا إليكم ورحمة الله و بركاته و أزكا[1][1] و أشرف تحيّاته موجب الكتاب هو الاستفسار عن كيفيّة أحوالكم و اعتدال مزاجكم نسئل[2][2] الله الكريم أن يديم سلامتكم و أن يجمع بيننا و بينكم على حال الصحّة و السّلامة بصاحب الغمامة و أن سئلتم[3][3] عنّا فنحن على ما تحبّون بخير و عافية لا نسئل إلا عنكم أحال الله عنّا و عنكم كلّ سوء و مكروه , وبعده يا محبّ نخبركم بأنا طبّينا معصومه قم يوم الثامن و العشرين من رجب و نريد نتوجّه لخدمة مولانا علي بن موسى الرّضا على راس الشهر ، و بعد يا محبّ يكون حال وصول الخطّ إليكم تشتري لنا خمس ذبايح غير التيوس الذي ذكرنا لك ، يكون الخرفان على خمسة أو ستة أريل في هل اقيام هذا ما لزم رفعه لجنابك و بلّغ سلامنا نفسك و العيال و أهل البيت و الحمولة و الجماعة كافّة صغيرا و كبيرا خصوصا من يسأل عنّا من غير عدد منّأ مجمل و منكم مفصّل و من لدينا سيّد علي بن سيد هاشم و العيال محمّد علي و منصور و الوالدات و بنت موسى حسينه و البقشي و النّجاجير و جميع الزوّار يردون السّلام و نخبركم عن الدّرب أمان لاكن[4][4] فيه خسر حقّ للغزّاغه و القرصونيّه من فرمان شاه زاده ، هذا ما لزم رفعه لجنابك و عمرك باقي و السّلام محرّر يوم التاسع و العشرين من رجب 1332هـ .
المحبّ الداعي لجنابك
والدك ناصر بن امسبّح
تاريخ الرّسالة :
التاسع و العشرين من رجب 1332هـ يوافق يوم الثلاثاء 23 يونيو 1914 م .
المرسل :
ناصر بن علي بن حسين بن محمد بن إبراهيم المسبّح ، من مواليد البطالية حدود عام 1243هـ ، و نشأ فيها في ظلّ والده الوجيه و تولّى عموديّة البطّالية مطلع القرن العشرين ، و كان له مجلس يشرعه لاستقبال زوّاره و ضيوفه من البطالية و خارجها ، كما كان يشرف على أوقاف والده الكثيرة ، و رغم كونه أميّا إلا أنّه كان ميالا للأدب ، و قد أنجب من الأبناء الذكور من ثلاثة هم محمد علي[5][5] ( ت 1398هـ ) و منصور و علي .
و توفي الحاج ناصر رحمه الله عام 1345هـ .
المرسل إليه :
هو الحاج علي بن ناصر المسبّح ثالث أبناء الحاج ناصر المسبّح ،
بنت موسى حسينه : هي الزوجة الثانية للحاج ناصر المسبّح و توفيت في نفس الرحلة لاحقا .
عن الرّسالة :
كانت زيارة مشهد و قم من الوجهات التي لم ينقطع عنها الأحسائيون ففي الأولى مرقد الإمام علي بن موسى الرّضا ( ت 203هـ ) و في الثانية مرقد أخته السيّدة فاطمة المعصومة ( ت 201هـ ) و الوجهتان مقصد للزيارة من أنحاء العالم الإسلامي .
و هذه الرّسالة تشير لذلك ، و في العادة لم تكن زيارة الإمام الرّضا عليه السلام من الأمور المتيسّرة للجميع لذا غالبا لا يوفق لها إلا المتمكنون ماليا و بدنيا سيّما مع بعدّ الشّقة و مشّقة الطريق .
و في العادة لا ينوي الزائر السفر منفردا ، بل غالبا ينضمّ الحملداري خبير في الطّرق و في تيسير نقلهم و خدمتهم ، و غالبا ما يجيد اللّغة الفارسيّة و لو بشكل يتناسب مع هذا الغرض ، و في تلك المحطات ينضمّ معه آخرون من تلك المناطق .
و في العادة يأخذ الأحسائيون طريق الزّيارة برّا إلى العقير[6][6] ثم منها بالمراكب إلى البحرين حيث يمكثون ريثما يجتمع عدد من الزوار من الأحساء و البحرين و زوارها ليتجهوا بالبحر إلى البصرة و منها إلى العتبات المقدّسة في النّجف الأشرف و كربلاء المقدّسة و الكاظميّة المشرفة و سامراء و هذه الزيارة ربما امتدت أشهرا عديدة يتنقّل فيها الزوّار بين هذه المدن و يبقون فل كل منها أسابيعا و ربما أشهرا و عادة يقوم الحملداري بربطهم بمزّوّر للأحسائيين و هي خدمة تشبه ما يقوم به المطوّفون في مكة المكرّمة .
و لكلّ أهل بلد كالأحساء و القطيف و أهل البحرين و الشوام و غيرهم مزورون معينون يتولون رعايتهم بمقابل مادي و هم عادة أفراد لأسر معيّنة تتوارث هذا العمل أبا عن جدّ . و ترتبط هذه الأسر بروابط طيّبة مع أهل تلك الديار و يبادلون الهدايا و الرّسائل كما أشرت في رسائل سابقة[7][7] .
و عادة الحملداري يوكل شطرا غير يسير للعناية بالزوار لهؤلاء المزورين و قد يقفل راجعا للبلد و يقدم بزوار آخرين أو يكمل المسير إلى مشهد عبر مدينة خانقين الحدوديّة و يكمل مسيرته و قديما كان الزوار يتوقفون في خانات في الطريق للاستراحة بين المدن و تكون الدواب هي وسيلة النقل حتى مع بدأ ظهور القطارات و السيارات و التي شاع استخدامها لاحقا .
و قد أشارت الرّسالة للزوّار الواردين ورد فيها إشارة للبقشي و النّجاجير[8][8] و قد تفحصت من زاروا في تلك الفترة من الأقارب ، و عرفت منهم المرحوم حسن بن عبدالله بن محمّد علي البقشي و قد رزق ابنا ابنه المرحوم الحاج عبدالله[9][9] (ت 1390هـ ) أثناء الزّيارة ، و كان الزائر المسافر على أن يعيش في حدود عيش الناس بالنّزول في خانات بسيطة أو في غرفة في بيت تعدّ للإيجار ، و ليس بالطريقة التي اعتاد الناس عليها الآن من إسكان فندقي و معيشة مرفهة مكلفة تلزم ضغط فترة الزيارة ، بل يرجع الزائر قديما متكسّبا قد ربح المال من نقل بضائع بين تلك البلدان التي يمرّ عليها حتى لو كانت تجارات يسيرة . في المواد الغذائيّة أو التمور و البهارات أو الشاي و القهوة و البهارات و الأصواف و السجاد و الزعفران . لذا يصدق عليها المثل الحساوي ( زيارة ، و تجارة و تسفارة ) .
طرفة :
من طرف التّجارة و نقل البضائع من إيران ما ذكره لي أستاذنا الجليل شيخ المؤرخين الشيخ جواد الرمضان - رحمه الله - أن أحد أعيان القرى الشرقية في الأحساء كان في زيارة لمشهد و عند تنقّله في الأسواق لاحظ أنّ سعر الزّرنيخ الذي يستعمل للتّخلص من الشّعر غير المرغوب فيه ، في غاية الرّخص ففكّر في جلب كميّة كبيرة منه لتسويقها في طريق الرّجعة ، في أسواق العراق و الكويت و القطيف و البحرين و الأحساء ، فاشترى كميّة كبيرة و عندما وصل للمنطقة الحدوديّة بين العراق و إيران كانت النّظام يقتضي تبديل السّيارات - لغرض أن يستفيد وكلاء النّقل في كلا البلدين من خدمة نقل المسافرين و بضائعهم- فاضطرّ لنقل بضاعته من الزّرنيخ بين الجمركين وكان الجو قائظا ، فاحتاج بعض الحمالين فأشار له موظفو الجمارك لمجموعة من الأكراد الضّخام مفتولي العضلات متمنطقين بالخناجر ، مفتولي الشوارب فتعاقد مع مجموعة منهم لنقل تلك الأحمال بين العربتين , أثناء التحميل كان غبار الزرنيخ يتناثر من تلك الأكياس على وجوههم و مع العرق يبدو أنّ الزرنيخ يتفاعل و يبدي مفعوله فصارت شعور شواربهم الطويلة تتساقط !! دون أن يشعروا و لكن هذا التاجر الحساوي شعر بذلك ، و علم أنّه سيقع في مأزق ، فانسلّ شيئا فشيئا و أنهي أمر تخليص جواز سفره سريعا ، و عيناه ترمقان هؤلاء الحمالين من بعيد لكن هؤلاء الحمّالين صاروا يتعجّبون من ضحكات المسافرين و موظفي الجمارك الذين صاروا يضحكون على شواربهم التي بدأت تتساقط فصار كل منهم بنصف شنب أو ربعه دون أن يشعر فانتفضوا بخناجرهم باحثين عن هذا التاجر الذي فرّ هاربا تحسبا من طعنات تلك الخناجر .
********
( النجاجير ) يشار فيها لمجموعة من الأسر التي تقطن فريج النّجاجير في الكوت كالحرز و الشاوي و البراهيم و الحسن و الحاجي محمد و الحويجي و غيرهم ، ممن يمتهنون النجارة عادة[10][10]
(و نخبركم عن الدّرب أمان لاكن فيه خسر حقّ للغزّاغه و القرصونيّه من فرمان شاه زاده(
يشخّص كاتب الرسالة حال الطرق في إيران في تلك الفترة ، التي توافق الهزيع الأخير من حكم الدولة القاجاريّة و حكم أخر ملوكها الشاة الشابّ أحمد شاه[11][11] و الذي كانت فترة حكمه مضطربة و دبّ في مفاصلها الوهن و الضعف بحيث كما أشير في الرسالة يحصّل الأوباش و القراصنة الخارجون على النظام رسوما غير نظاميّة على المسافرين .
( وبعده يا محبّ نخبركم بأنا طبّينا معصومه قم يوم الثامن و العشرين من رجب و نريد نتوجّه لخدمة مولانا علي بن موسى الرّضا على راس الشهر ) ،
و قد درج الزوّار القاصدون لزيارة مشهد على تفضيل أن يقضوا شهر رمضان فيها ليصوموا هناك ، و لو حصل و أن تمكنوا من إلحاق شهري رجب و شعبان فهذا يعتبر فضل كبير لما لهذين الشهرين من فضل ، و أعمال مستحبّة مهيّأة للروح لتلقي شهر الله بأرضية قابلة لتلقي فيوضه . و كانت هذه عادة دارجة متوارثة .
كما يلاحظ التعبير عن المدينة باسم مشرفها من قوله معصومة قم و هذا التعبير الشعبي على ألسنة الآباء في في الأحساء كما يعبّر ب الكاظم عن الكاظميّة بنسبة لمشرّفها الإمام الكاظم عليه السلام .
و بعد يا محبّ يكون حال وصول الخطّ إليكم تشتري لنا خمس ذبايح غير التيوس الذي ذكرنا لك يكون الخرفان على خمسة أو ستة أريل في هل اقيام
هنا توثيق لسعر متوسط بيع و شراء الخراف تلك الفترة [12][12] و هذا غير مستغرب حيث أنّ قيمة الريال الشرائيّة عالية حيث كان الريال المتداول فضيا و ليس ورقيا كما أشرت في رسائل سابقة و عادة إذا أطلق في الرسائل تلك الفترة كلمة ريال يقصد منها الريال العثماني الذي يسمى الريال المجيدي أما إذا كان ريال الفرانسه فإنّه يقصد منه العملة النمساوية المشهورة و كلا العملتين كانت دارجة في الأحساء و متداولة .
و قد ذكر لي أستاذنا الأستاذ طاهر بن معتوق العامر – سلّمه الله تعالى - أنّ والده اطلّع على وصيّة عتيقة لشخص من أسرة البحراني يوصي أبناءه بإخراج أضحية و لو بلغت قيمتها ريال ! .
كما ضمّن كتاب ( الوثائق المنيرة في المعاملات و حسن الجيرة ) إعداد و تحقيق نايف بن عوض الوسمي لوثيقة تعود لعام 1220هـ كانت فيها قيمة الماعز بريال ! . و لفت نظري المؤرّخ الأستاذ حسين بن جواد الرمضان أنّ الوثايق التي اطّلع عليها تعكس أسعار المعيشة في حينها فأسعار مثل هذه تعتبر غالية إذا التفتنا أنّ بعض الوصايا و الوثايق [13][13]تشير لقيمة أمهار النساء و هي ليست بعيدة كثيرا عن تلك الأسعار كثيرا !
و جانب آخر تعكسه التوصية و حيث كان الكريم في العادة يحرص على أن يوفّر عددا من الذبائح جاهزة للذبح عند نزول ضيوفه و هذا غير مستغرب من شخصية وجيهة . ( و من لدينا سيّد علي بن سيد هاشم و العيال محمّد علي و منصور و الوالدات و بنت موسى حسينه ) .
سيد علي بن سيد هاشم :
من أهالي البطالية و كان يعمل في الفلاحة .
إفادات :
الأستاذ عبدالخالق بن ملا عبدالحميد المسبّح الأستاذ محمد ملا عبدالحميد المسبّح . الأستاذ أنور بن حسن المسبّح المؤرّخ الأستاذ حسين بن جواد الرمضان الأستاذ طاهر بن معتوق العامر الأستاذ الشيخ أحمد بن عبدالله السّمين . الحاج محمّد بن زهر اليوسف الحاج السيّد محمد الدّريس . المهندس علي محسن الحاجي . د توفيق المحسّن الحكم و الإدارة في الأحساء و القطيف و قطر أثناء الحكم العثماني الثاني
( 1288 – 1331هـ ) الطبعة الأولى عام 1420هـ صفحة 233 .
[14][1] هكذا وردق مكتوبة و الصحيح أزكى
[15][2] هكذا وردت مكتوبة
[16][3] هكذا وردت في النص
[17][4] هكذا و ردت في النص
[18][5] هو والد الخطيب و الراوية الملا عبدالحميد المسبّح الرجل المعمّر و متعددّ المواهب و الذي كان مقصدا للباحثين و المهتمين بتاريخ و تراث المنطقة و الذي توفي يوم الأحد 9 شعبان عام 1432هـ
[19][6]غالبا ما يتجه الناس للبحرين لعدّة أسباب منها تكوين عدد من الزّوار يؤلّف قافلة فقد يحتاج الحم
[20][7]أإلب الرسائل التي تناولت الشيخ موسى بو خمسين و أخرين أشارت لمزوري أهل الأحساء في النجف الأشرف كالسيّد تاج الرفيعي .
[21][8]
[22][9] سمّي رحمه الله عبدالله راضي تيّمنا باسم الإمام الرّضا عليه السلام و الذي ولد في مدينته .
[23][10]ليس من الضروري أن يكون كل القاطنين في الفريج من يحترفون النجارة ففيهم من تجار الغزل و الحياك و الصفافير و مخايطة البشوت و غيرها من المهن لكن يكتسب الاسم من باب تغليب السائد .
[1][11]جلس هذا الشاه الصغير على العرش في عمر الحادية عشر سنة عام 1909م خلفا لوالده محمد علي شاه ، و أطاح به رضا شاه بهلوي عام 1925 م
[24][12] أخبرني
[25][13] أمهار النساء التي ترد في الوصايا غالبا ما يقصد منها المهر المؤجّل الي يدفعه الرجل بعد العقد و هناك اشتباه شرعي واسع لدى شريحة عريضة من الناس هو أنّ المهر المؤجّل يدفع عند الطلاق أو الوفاة و هذا غير صحيح ، بل الواجب دفعه للزوجة في حياته و أثناء سريان عقد الزوجيّة ، و كان الناس يدونونه في وصاياهم لتعذّردفعه لكثير منهم أو تماهلهم ، لذا كان يقع في ذممهم فكانوا يدونونه لإبراء ذممهم ، و في الغالب تكون الأمهار المؤجّلة في حدود عُشر إلى رُبع قيمة المهر المُعجّل و يندر أن يكون معادلا له ، أو حتى أكثر منه إلا في حالات نادرة و محاذير معيّنة من أولياء الزّوجة . . ٍ
جديد الموقع
- 2024-08-02 دار الرحمة توقع مذكرة تعاون مع أمانة الأحساء ومؤسسة إكرام الموتى بالرياض
- 2024-08-02 بذكرك لهجاً على خطى السجاد (ع)
- 2024-08-02 الإكتئاب أثناء الحمل مرتبط بارتفاع هرمون الكورتيزول في شعر الأطفال الدارجين مما قد يسبب مشكلات صحية للطفل
- 2024-08-02 تشخيص أنواع مختلفة من الخرف باستخدام الذكاء الاصطناعي أصبح ممكنًا الآن
- 2024-08-02 استراتيجية جديدة للتعامل مع التوتر العاطفي
- 2024-08-02 التاريخ يشكل مادة خصبة للأدب
- 2024-08-02 سوء إخراج الكتب يؤثر سلبا في تسويقها
- 2024-08-02 25 لوحة ترصد تاريخ الأحساء قبل 100 عام
- 2024-08-02 اشرب من الچـوچـب
- 2024-08-01 نبتة الغاف الأحمر والسعودية الخضراء.