2021/06/18 | 0 | 4652
عقد مبايعة قاري و حمار في وثيقة أحسائيّة .
مقدّمة :
عندما نشاهد الآن مبايعة سيارة فإننا لن نستغرب كثيرا ، لأن السيّارة هي اليوم من وسائل النّقل المعاصرة ، لذا هذه الوثيقة التي سنستعرضها الآن تنتمي لجيل كان للحمار و القاري شأن و قيمة و أهميّة في النّقل داخل الواحة .
بسم الله الرحمن الرّحيم
أقرّ و أعترف على نفسي أنا ناصر بن عبدالله الصّالح الحسن ، بأنني بعت على الحاج علي بن عبدالله الشايب القاري و الحمار العائد لي بقيمة عدّها و قدرها ألفان ريال 2000 على أن يدفع لي الحاج علي المذكور ، مبلغ خمسمائة ريال مقدّما و قد قبضت الخمسمائة فقط على المشتري بنسبة ثمانون ريال لكل شهر حتى نهاية الطّلب و على هذى جرى الاتفاق التصديق عليه و أذنت لمن يشهد عليّ و كفى بالله شهيدا و صلّ الله على سيّدنا محمّد و آل و صحبه و سلّم تحريرا 27 / 3 / 1378هـ .
صحح ناصر بن عبدالله الصالح .
و قد اشترطت على المشتري أنّه متى باع القاري نقدا يدفع لي باقي قيمة نقدا في 27 / 3 / 1378هـ
شهد بذلك
طاهر بن حسن الطريفي .
و عبدالمحسن بن محمد الصّعيليك .
هامش علوي على نفس الورقة :
نعم أنا ناصر بن عبدالله الصالح قبضت من يد إبراهيم بن علي الشايب مائة و ستين ريال عن قسطين من قيمة القاري و الحمار أحد القسطين عن شهر ربيع الثاني و الآخر عن جمادى الأوّل بشهادة حسن بن عبدالمحسن الجزيري ، و شهادة عبدالمحسن الصّعيليك 25= 6 = سنة 1378هـ .
تفتّحت عيناي و والدي يمتلك سيّارة لذا لم أجرّب طوال طفولتي أن أركب في قاري لذا كنت وقت مرافقتي لوالدي أو أحد أخوتي الكبار لسوق الفواكه و الخضار في عند مقبرة البغلي أن أجرّب ركوبه فقد كان هناك طابورمن القواري ، عند جدارمدرسة الإمام علي بن أبي طالب المقابل لها ، و طابور آخرأيام الخميس ينتظم غير بعيد منها في منطقة الخِرّ التي يعقد فيها سوق الخميس حتى أوائل الثمانينات الميلاديّة ، و كان منظر الأُسر و هي تركبه مسلّيا لي و محفّزا للتجريب ، أيضا كنت أترقّب اثنان حولنا يستخدمان القاري الأوّل هو الحاج عبدالحميد بن الشيخ حسن البغلي الذي يكاري حمارا بقاري ليحمل تموين بقّالته كل أسبوع من سوق الوطاة في الكوت ، و الآخر هو القادم من فريج الشعبة و هو يونس الجاسم بحمارته الضخمة التي تجرّ القاري و تخبّ في مشيها .
تلك الفترة أي السبعينيات الميلاديّة وقت طفولتي كانت فترة تراجع لاستخدام القاري فقد بدأ الكثير ممن يشتغلون على القاري في التخلّي عن حميرهم و قواريهم و استبدالها بسيّارات الجينور و سيارات النّقل الأخرى .
و ربما يستغرب الكثيرون أنّ القاري كعربة نقل لم تكن شائعة في الأحساء إلا مع قدوم أرامكو ! ، و قد يتبدّد هذا الاستغراب لوجود عدّة أسباب منها أن شبكات الطّرق القديمة داخل الواحة لم تكن كما هي الوضع الآن ، بل كان أغلبها ضيّقا لدرجة أنّه لم يكن بعضها يستوعب حمارين محمّلة بالحطب بدون قواري فيكيف بالقواري ؟ و قد أخبرني أكثر من مسنّ أنه أثناء تلاقي حمارين محملين بالمحاصن أو بمراحل التّمر الملأى فإنّ كلّ حمّار ينحّي حماره إلى أبعد ما يمكن كي يستطيعا المرور ، كما أنّه من الشائع أن يصف بعض الفلاحين عقارا زراعا بأنّ فيه ( درب حمارة ) و هو حقّ ارتفاق شرعي – عرفي يسجّل في الوثائق يسوّغ للجيران العبور بدوّابّهم داخل نخله لتيسير المرور.
و ضيق الطرق الزراعيّة أيضا يفسّر قلّة عدد القواري داخل الواحة في مقابل توفّره داخل مدينتي الهّفوف و المبرّز التي كانت شوارعها أكثر اتّساعا – نسبيّا - وقتها .
كما أنّ عدد الحمير التي تستخدم داخل الواحة كان كبيرا فقد قدّره لوريمر : [1][1] بحوالي ثلاثة آلاف حمار أبيض و حوالي عشرة آلاف من الحمير من الأنواع الأخرى .
و يذكر روبرت تشيزمان[2][2] في كتابه ( في شبه الجزيرة العربية المجهولة :
لا تتضح الإجابة إلا بعد أن تتجوّل في طرقات الهفّوف و الطرق الرئيسيّة حول الواحة و عندها فقط تدرك أنّك حيثما اتجهت تجد سيلا متتابعا من الحمير البيض ، هناك حمير محمّلة بالبضائع من العقير ، و أخرى محمّلة بالحطب المجلوب من الصحراء ، و صفوف من الحمير محمّلة بكتل من الحجر الجيري المجلوب من المحاجر في طريقه إلى القرية أدوات للبناء ، و يقود هذه الحمير ولد صغير جالس على مؤخّرة الحمار الأخير ! ، تكون الحمير في طريق العودة غير محمّلأة و تجري ف يموكب عبر الشوارع الضيّقة يسوقها ولد عفيريت مرح في المؤخّرة يرتفع في الهواء عاليا مع وثبة لحماره ، و لكن بنوع من التجاذب العجيب خارج نطاق التوازن يعود إلى النقطة نفسها على ظهر حماره في كلّ مرّة ، و يصيح على الحمار الذي في المقدّمة بشكل متواصل Hike ، آخذا نفسا طويلا يتبعه هذر من اللعنات ذات الوقع العظيم على الحمير مستمرّا على ذلك ما دام له نفس يتحمّل حتى آخر نداءه مجرّد لهاث غير مفهوم و يمكن أن تتغيّر الكلمات و لكنّ الكلمة الأولى ( إلى الأمام Hike ) و طريقة الألقاء لا تتغيّر ، و لهذا فإنّ صيحة سائقي الحمير في الأحساء ذات وقع مستمرّ ، ثم هناك حمير التّجار و المعروفة بزخارفها الثّمينة و كانت أكثر هدوء من تلك المنطقة إلى السّوق بسرعة ستّة إلى سبعة اميال في الساعة .
ثمّ يضيف قائلا : ( تروح آلاف من الحمير الأخرى و تجيء ساعة بعد ساعة في منحدر رافعة الماء - الغرّافة - مسايرة أغنية الرّجل و وقع صوت القرب الكبيرة ( الغروب ) عندما تفرغ ماءها في الأحواض عند نهاية كلّ لفّة )
أيضا لك أن تعرّف أنّ مقابل هذه العدد الكبير من الحمير كان هناك طبقة من العمّال من المشتغلين في الزراعة و التحميل كانت تسترزق من وراء نظام التحميل المباشر على الحمير ، و طبعا كان المجتمع بالكامل بحاجة لاستيعاب تلك الطبقة العريضة من العمالة في تلك الأعمال اليدويّة حتى و لو بأجور زهيدة ، حتى أنّ الفائض منهم كان يهاجر للعمل في الأسواق الأخرى في الخليج .
و العامل الثالث هو أنّ القاري و مع الحمار كان سعرهما غاليا نسبيا كما تشير الوثيقة المعروضة أي أنّ تكلفة تشبه تكلفة سيارة حاليا بل ربما تقارب قيمة بيت صغير و هو أمر غير متيسّر للجميع .
و مع بروز الاحتياج للقاري مع استيعاب أرامكو لجزء من العمالة المحلّية ، و أعمال توسيع حكوميّة و أهلية للطرق الزراعيّة و بدأ نسبيا تستوعب القاري في بعض أجزائها و توفرّ احتياجاتها ، عمد بعض التّجار على استيراد هياكل القاري الخشبيّة من الهند ، فيذكر الأستاذ حسين بن أحمد بو خمسين ( أن المرحوم الحاج إبراهيم بو خمسين و شريكه محسن بن سرحان قد استوردها في الأربعينيات هياكل للقواري ، و كان موضع تخزينها أرض عائدة لهما تقع في الرّفعة الوسطى ،و كنت مع رفاقي نذهب للفرجة على تلك البضاعة الغريبة علينا وقتها )
و كما أشرت كان القاري يأتي على شكل هيكل خشبي مفتوح فيدفع للنّجاجير الحساوية الذين يجهّزونه بعوارض خشبيّة جانبيّة ، و حاجز متحرّك لأحكام إغلاق الصندوق ، و سحّارة خشبيّة أمامه لتخزين احتياجات الحَمّار ، و يثبّت مواضع لتركيب الإطارات المطاطيّة فيه ، إضافة للدِنقِل و هما مربوعتان خشبيّان قويّتان يعلّق عليهما السلاسل التي تعقد على سرج الحمار ليتمكّن من جرّ القاري تشدّ كلّ هذه الأجزاء بمفصلات حديدية و تثبت ببراغي . و عادة يصنّ‘ القاري من ألواح و مرابيع الخشب الجاوي و هو خشب متين غاية في الصلابة يناسب الأحمال الثقيلة
و كان للقاري عادة مقاس شائع للعمل و النقل و يوجد مقاس أكبر نسبيّا لمن يستخدمه لنقل الجتّ مثلا لغرض أن يتمكّن من نقل جنايب الجتّ بشكل أكبر فيحتاج تكبير مقاسه . و الأابعاد القياسيّة للقاري هي حدود 125 سم طول الصندوق × 110 سم لعرض الصندوق × 40سم ارتفاع الصندوق أمّا مربوعتي القاري و التي تحمله و يشد عليها سلاسل على چتب الحمار ليجرالقاري فطولها 165 سم .
أما السحارة فهي مصمّمة بغطاء علوي متحرك مرن يفتح لأعلى من جهة واحدة ، و مشطوفة من أحد الجوانب من الداخل .
و لتنظيم عمل القاري كان القاري يصدر له رخصة خاصة من البلديّة و لوحة مروريّة تثبّت عليه و يستوفى عليه رسم ، و هذه اللوحة تمكّن من معرفة سائقه ، و كان موظفو البلدية يتشددون في ضرورة حصول الحمّار على اللوحة فيقومون بجولات تفتيشية على الأسواق و في حال امتناع الحمّار عن الإذعان يرهنون مخدة القاري أو الچتب مما يجعل الحمّار غير قادر على العمل فيضطر للإذعان و استخراج اللوحة .
و أثناء قيادة الحمّار للقاري كان يجلس في العادة على الدّنقل كي يتمّكن من السيطرة على الحمار بسهولة بحيث يحرّكه يمنة و يسرى حسب الطريق و قد يضطرّ للنّزول و لشكم الحمار و إيقافه أو حرفه عن الطّريق .
* كان صاحب القاري يحرص على نطافته و تزيينه و أحيانا على تلوينه بالاحمر و ألاخضر , إلصاق بعض العلامات اللامعة للتنبيه ليلا ، إضافة لوضخ خبابات للإطارات ، و صواني للإطارات و المرور قديما عند موقف القواري يشكّل حالة بهيجة من الألوان الزاهية .
* كان الحمار الذي يعدّ لجرّ القاري يعدّ اعدادا خاصّا و يدرب على ذلك ، و من له خبرة كان يفرّق بين الحمار الذي يكّد على قاري من غيره ، حيث من خلال ملاحظة ذنبه الذي يضعف و يتأثر بكثرة ارتطامه بالقاري .
* كما أنّ المخاطر تحفّ بركوب السيارات فإنّ المخاطر أيضا محفوفة بركوب القواري فقد يحدث أحيانا مصادمات بين القواري أو يمكن أن يفقد الحمّار السيطرة على القاري فيدهس أحد المارّة و قد يؤدّى أحيانا لوفيات كما حدث للطفل محمد بن الحاج إبراهيم بن حسين بو خمسين الذي تعرّض لحادث مؤسف بواسطة قاري أدّى لوفاته .
بالرّجوع للمبايعة الأنفة فالبائع هو :
ناصر بن عبدالله الصالح الحسن ، من فلاح من أهالي الجبيل لاو لازال حيّا يرزق
أمّا المشتري فهو :
هو الحاج علي بن عبدالله بن محمد بن صالح الشايب ، من مواليد الجبيل حدود عام 1304هـ ، و والدته المرحومة الحاجة مريم بنت أحمد العيسى المحمّد ، تلقى تعليما تقليديا في المطوّع و تعلّم القراءة و الكتابة ، لذا كان يمارس بعض الأدوار التي تناط بالمتعلّمين و كقراءة القرآن ، و قراءة الفخري أيام الوفيات ، و كتابة الرسائل و التدوين في السجلّات لذا يسمّى أحيانا ملا علي الشايب في بعض الرسائل ، أما عمله فهو الفلاحة , كان يمتلك نخلا معروفا هو الوجير بطرف الوجير قرب الجبيل ، كما كان مكثرا من قبالة النخيل حيث كان كثير من أقاربه و أرحامه يستوعبون في أعمال القبالة التي كان يلتزم بها .
كما كان له مجلسان يوميان أحدهما صباحي بُعيد صلاة الفجر مباشرة و ينطلق منه ، مع روّاد المجلس للعمل في نخيلهم ، أما المجلس الآخر فهو مجلس مسائي بعد العشاء ، كما كان يقيم مناسبات الوفيات للأئمة الطاهرين في مجلسه بنفسه .
و توفي رحمه الله عام 1384هـ و دفن في مقبرة الجبيل .
أمّا كاتب الوصل و المبايعة فهو المرحوم الشيخ حسن بن عبدالمحسن بن حسن بن محمد الجزيري من أهالي العمران بالاحساء ، الخطيب الأديب الشهير من مواليد الشويكية بالعمران تتلمذ على المرحوم الشيخ عبدالكريم بن الشيخ حسين الممتّن ( ت 1375هـ ) و أشير له في عدد من كتب التراجم كالشيخ محمد علي التاجر و شيخ المؤرخين الشيخ جواد الرمضان في مطلع البدرين و أعلام الأحساء ٍ ، و الأستاذ أحمد البدر في أعلام هجر من الماضين ، و قد مارس الراحل الخطابة في الأحساء و البحرين
و قد وثّق بشعره الكثير من المناسبات و وفيات بعض الأعيان و زواجاتهم ، فوثيق مقدم الشيخ حبيب القرين ( ت 1363هـ ) للأحساء عام و وفاة المرجع الراحل الميرزا علي الحائري ( ت 1386هـ ) و القاضي العلامة السيّد محمد السيّد حسين ( ت 1388هـ ) و افتتاح حسينية النعاثل الشرقي و غيرها و قد توفي رحمه الله في الأحساء عام 1405هـ و دفن في البقيع ، و قد قام الباحث الأستاذ أحمد بن عبدالمحسن البدر بجمع شعره في ديوان .
و الشيخ رحمه الله له علاقة و ثيقة بأهالي الجبيل كونه قد درس شطرا من مشواره الدراسي فيها على يد الشيخ عبدالكريم الممتّن و أيضا كان الخطيب الرئيسي عندهم .
الحاج إبراهيم بن علي الشايب : المذكور أنّه سلّم البائع قسطين هو الابن الثالث للمشتري ، و الجميع هم أقارب فالشاهد الثاني ( عبدالمحسن بن محمد الصعيليك ) هو صهر المشتري , أيضا البائع هو صهر لهم أيضا . و الجميع من أهالي الجبيل .
مصادر :
* مقالات في التراث للمهندس عبدالله الشايب .
* مطلع البدرين في تراجم علماء الأحساء و القطيف و البحرين لشيخ المؤرخين الشيخ جواد الرمضان .
* دليل الخليج : لوريمر .
* في شبه الجزيرة العربيةّ المجهولة : تشيزمان ، ترجمة : د / عبدالله المطوّع ، د / محمد الفريح .
* واحة الأحساء : فدريكو فيدال .
إفادات :
* المهندس / عبدالله الشايب .
* الأستاذ راضي بن طاهر الحسين .
* الأستاذ حسين بن أحمد بو خمسين .
* الأستاذ حسين معتوق بو خمسين .
* الأستاذ السيد حسين العلي .
* الأستاذ حسين بن علي الخليفة ( متحف الخليفة ) .
* الحاج أحمد البردويل .
[3][1]لوريمر : جون غوردن لوريمر موظف دبلوماسي بريطاني ، و مؤرخ و جغرافي أعدّ موسوعة دليل الخليج و هو من أثرى الموسوعات الجغرافية التاريخية التي وصفت الخليج العربي توفي في بو شهر عام 1914م
[4][2] تشيزمان / روبرت إرنست تشيزمان ، ضابط بريطاني عمل سكرتيرا للنفوّض السامي البريطاني في العراق بيرسي كوكس و كان له شغف بالطيور و الحيوانات البرية و رصدها ،و قام برحلات مسح للجزيرة العربية لأجل ذلك نتج عن تلك الرحلات كتابه ( في شبه الجزيرة العربية المجهولة ) ، توفي عام 1962م
جديد الموقع
- 2024-08-02 دار الرحمة توقع مذكرة تعاون مع أمانة الأحساء ومؤسسة إكرام الموتى بالرياض
- 2024-08-02 بذكرك لهجاً على خطى السجاد (ع)
- 2024-08-02 الإكتئاب أثناء الحمل مرتبط بارتفاع هرمون الكورتيزول في شعر الأطفال الدارجين مما قد يسبب مشكلات صحية للطفل
- 2024-08-02 تشخيص أنواع مختلفة من الخرف باستخدام الذكاء الاصطناعي أصبح ممكنًا الآن
- 2024-08-02 استراتيجية جديدة للتعامل مع التوتر العاطفي
- 2024-08-02 التاريخ يشكل مادة خصبة للأدب
- 2024-08-02 سوء إخراج الكتب يؤثر سلبا في تسويقها
- 2024-08-02 25 لوحة ترصد تاريخ الأحساء قبل 100 عام
- 2024-08-02 اشرب من الچـوچـب
- 2024-08-01 نبتة الغاف الأحمر والسعودية الخضراء.