جناية ذكاء الانسان على الحياة

حين كان الإنسان يجهل كثيرا من أسرار الكون، عاش عيشة هانئة، رغم التعب والنصب اللذين لاقاهما. لكنه عاش جاهلا سعيدا. كانت حياته تشبه حياة بعض الحيوانات : عمل وكدح وتناسل. وحين بدأ يفكر في سبر أغوار الكون والحياة، بدأ يشعر أنه يمتلك عقلا جبارا. وبهذا العقل بدأ يسخر كل شيء لمصلحته. اخترع السلاح في البداية ليصطاد به فرائسه من الحيوانات. ثم تطور به الحال فصار يصطاد بهذا السلاح بني جنسه!! وبدأت الحروب والاستعمارات البشرية البدائية، بين القبائل. وصدق المتنبي:
كلما أنبت الزمان قناة/
ركب المرء في القناة سنانا !! واستخدم السحر الأسود في حرب الخصوم والأعداء والتغلب عليهم.
ولم تهدأ الحروب حتى الآن. ولن تهدأ أبدا. واستعمل الانسان ذكاءه في حرب أعدائه. وابتكر الاسلحة البدائية المتطورة. فبدلا من العصا اخترع السيف، وبدلا من الحصاة اخترع السهم وهكذا. حتى وصل الإنسان إلى اختراع القنابل المدمرة والصواريخ العابرة للقارات !! كل هذا وغيره سببه ذكاء الانسان وإعمال فكره. الذي جنى عليه أكثر مما أفاده. ولقد انتبه الإغريق الى خطورة الذكاء وجنايته علي حياة الإنسان.رغم أنهم أعلوا من شأن العقل وقدسوا الحكمة وخرج فيهم الفلاسفة الكبار. إلا أنهم وعوا لخطورة الذكاء حين يسخر ضد الآلهة الوثنية التي يتزعمها (زيوس) زعيم آلهة الأولمب . ففي اسطورة (أوديب) نرى أن سبب مأساته هو ذكاؤه الرهيب حين حل لغز (سفنكس) : أبو الهول. وأن سبب مأساة(سيزيف) هو ذكاؤه أيضا. وقل مثل ذلك عن (برومثيوس) وغيرهم. الذكاء يولد الغرور والغرور يولد الطغيان !! وفي مسرحية (فاوست) يوضح لنا (غوتيه) كيف يقود ذكاء الانسان صاحبه الى طلب المستحيل، حين رهن الدكتور فاوست نفسه للشيطان كي يتعلم السحر الاسود ليبلغ من العلم والاكتشاف مالم يبلغه غيره. وفي القرن التاسع عشر بلغ الذكاء البشري في أوربا مبلغا عظيما، فانتشرت الاكتشافات والمخترعات، حتى تغير وجه الحياة. وظهرت النظريات العلمية التي فصلت الانسان عن خالقه وربطته بالطبيعة والمادة، حتى صار الانسان مجرد آلة تمشي على الأرض. اخترع المصباح الكهربائي، فصار الانسان لايخاف الليل كما كان.وبهذا الاختراع انزاح عن عقل الانسان الغطاء الكوني القديم وهو(الظلام) فقد روض هذا المارد المرعب الذي أخاف أسلافه، والذي عد الخوف منه بعد ذلك عالم النفس الشهير كارل يونغ من الأنماط الأولية عند الإنسان. لهذا كله ألفت الروائية (ماري شلي) روايتها الاعجوبة (فرانكنشتاين) تحذر فيها من خطورة هذا الذكاء الانساني الذي سيؤدي بالبشرية الى الفناء . وجاء القرن العشرين بالفيزياء الكمية ونظرية النسبية. حتى توصل إلى اختراع القنبلة الذرية وغيرها ، ونسي الناس البارود الذي كان اول اختراع للتدمير الشامل. وجاءت الموضة بذكائها فأفسدت جسد الانسان الفطري وذوقه. فاخترعت المشدات التي شوهت جسد المرأة الاوربية وغيرها. وجاءت بعض الألعاب والفنون التي جعلت الانسان يطوع جسده وعقله من أجلها. مثل لعبة كمال الاجسام وفن الباليه والتي تقول عنه (ايزا دورا دونكان) الراقصة الشهيرة بأنه شوه جسد المرأة.
الحديث يطول عن جناية ذكاء الانسان على حياته. وهانحن نعيش اليوم خطورة الاختراعات والمكتشفات من النعجة( دوللي) الى الريبوت (صوفي) كلها بسبب ذكاء الانسان الغربي الذي يريد أن يصبح إلها بشريا !! على غيره وهاهي الاختراعات الجرثومية والأمراض التي تستخدم سلاحا لفناء الجنس البشري بدأت تفعل فعلها بشكل وحشي ينم عن غباء إنساني رهيب !! وصدقت العرب حين قالت (الباحث عن حتفه بظلفه)