2019/10/09 | 0 | 4621
(٢)المراسل الحسيني
هل تطيّر السفير ؟ )
تكامل الإنسان لايتوقف على خرق الطبائع ولا يتحقق بالكرامات، بل يتحقق بالمعاناة والمجاهدات ثم يأتي دور الكرامة كأحد نتائج المجاهدة بالتكريم ، وإلا فإن الاستقامة خير من (الكرامة)
وبعضهم يردد :(استقامة خير من ألف كرامة).
المجاهدة حقاً متعبة جهاد أكبر (يا أيها الإنسان إنك كادح إلى ربك كدحاً فملاقيه)
تعب المجاهدة لايقتصر على عناء الطاعة إنما تجاوز الاضطرابات المعنوية والنفسية، بينها التطيّر خوفاً على الترقي وحذر تفويت المكرمات.
نتوقف على طريق سفير النهضة الحسينية مسلم بن عقيل، البطل القريب الحبيب النسيب للإمام الحسين ع الذي وصفه لأهل الكوفة (أخي وابن عمي وثقتي من أهل بيتي) .. كيف يتطير ؟!
قبل الجواب المباشر نؤكد أن النظرة التاريخية للوقائع الساخنة غير النظرة الكلامية أوالروحانية الباردة المبرمجة للتاريخ بحسب الخلفية الايديولوجية والعقدية.
لقد عبرت النهضة الحسينية منعطفات مكانية وزمانية صعبة جداً، لو حسبت بحساب مادي ربما لم تنطلق أساساً، من بينها صعوبة المراسلة وخطورتها، هذه وحدها مشكلة لاتبعث على التفاؤل. فالتشاؤم بمقدار أحياناً من رشحات الحذر بل الشفافية.
قبل التوجه نحو الكوفة لنتوقف عند محطة جانبية لكنها خطيرة.
@مراسلة البصرة @
البصرة كانت تحت ولاية ابن زياد قبل أن يتركها لأخيه عثمان ويتوجه نحو الكوفة بأمر يزيد حسب رأي مستشاره سرجون لمواجهة مخطط مسلم.
تلقى وجهاء البصرة رسائل من الإمام الحسين ع يطلب منهم (إحياء معالم الحق وإماتة البدع)
لاحظوا حذر الإمام من التصريح بالمطلوب من الرسالة !!
يذكر مؤلف الأخبار الطوال : أنهم جميعاً كتموا الرسالة إلا (المنذر بن الجارود) ..
بينما يلفت النظر تجاه الرسالة موقفان :
١- موقف يزيد بن مسعود النهشلي :
كتب هذا إلى الحسين أنه فهم المراد ومستعد للفوز بالمناصرة وأنه أعد قبيلة تميم وبني سعد لذلك، داعياً الحسين أن يأتي إلى العراق.
فوصل كتابه مع بريد آخر .
ثم تجهز بن مسعود هذا للخروج من البصرة فبلغه مقتل الحسين ع .
٢- موقف المنذر بن الجارود العبدي :
موقف غريب بل خسيس فهو والد بَحرية زوجة ابن زياد، وقد أفشى سر الرسالة الحسينية لابن زياد فتم اعتقال حامل الرسالة وهو سليمان أبو رَزين وتم صلبه.
فهاهو مراسل البصرة قتل كما قتل ابن مسهر وابن يقطر في الكوفة.
يذكر بعض المؤرخين بينهم صاحب الملهوف مبرر المنذر بن الجارود لماذا أفشى رسالة الحسين لابن زياد ؟ أنه خاف أن تكون مزورة دسيسة من ابن زياد !!
التطيّر على طريق الكوفة
كما ذكرنا سابقاً تداول القدماء حادثة التطيّر بنظرة عادية بينما تحولت لدى المتأخرين إلى نظرة كلامية كأنها عقيدية حساسة فعارضها البعض بشدة.
نص المراسلة المحرجة
لنقتبس هذا النص من تاريخ الطبري عن مقتل أبي مخنف كما أورده الشيخ المفيد :
كتب مسلم بن عقيل مع قيس بن مسهر الصيداوي إلى الحسين وذلك بالمضيق من بطن الخبيت. :
" اما بعد فاني اقبلت من المدينة معي دليلان لي فجارا عن الطريق وضلا واشتد علينا العطش فلم يلبثا أن ماتا واقبلنا حتى انتهينا إلى الماء فلم ننج الا بحشاشة أنفسنا وذلك الماء بمكان يدعى المضيق من بطن الخبيت وقد تطيرت من وجهي هذا فان رأيت
أعفيتنى منه وبعثت غيري والسلام".
فكتب اليه الحسين:
"اما بعد فقد خشيت الا يكون حملك على الكتابة إلي في الاستعفاء من الوجه الذي وجهتك له الا الجبن، فامض لوجهك الذي وجهتك له، والسلام عليك".
فقال مسلم لما قرأ الكتاب: هذا ما لست أتخوفه على نفسي.
قال أبوهجر : كما أشرنا مجرد الإشكال على التطيّر لايكفي لنفي هذه المراسلة وذلك لعدة عوامل منها :
-أولاً : التطير المذموم الوارد في الأحاديث المروية، يقصد به تطير أهل الجاهلية الذين يعتقدون بالتطير مع ترتيب الأثر عليه والتعامل بموجبه، أما مجرد التطير من خلال علامات تشعر بالخطر والشر فهذا لايبلغ إلى درجة التطير الجاهلي .
-ثانياً : إن التطير أو الطِيَرة مما لايؤاخذ عليه المسلم لأنه ليس من الأفعال ولا من المشاعر الاختيارية وذلك بموجب حديث الرفع النبوي الشهير
" رفع عن أمتي : ما لايعلمون.. والطيَرة " .
-ثالثاً : إن مسلم بن عقيل من الشخصيات التي تتكامل بالاستفادة من الإمام المعصوم، تتعلم منه وتتربى بتوجيهاته، ولا إساءة إلى مسلم أن يعرض عليه التشاؤم في موقف صعب كهذا ثم يتلقى الإرشاد من إمامه فيستأنف العزم على مواجهة المخاطر بشجاعة أفضل وإيمان أكمل .
-رابعاً : لامانع أن يرشد الحسين ع أخاه وثقته بشدة عند المنعطف الصعب ليحرضه ويشد عزمه، ومن الطبيعي أن فضل مسلم لايغنيه عن هذه الرعاية الحسينية بل يتشرف بهكذا تربية وتزكية فإن المتكامل يأخذ من الإنسان الكامل.
- خامساً: أن مثل مسلم بن عقيل البطل الثقة ليس ممن يتطير خوفاً على نفسه، وحيث أننا لاننفي النص بناء على قصد التنزيه العرفاني النوراني المفارق للنفس البشرية فإن الذي يليق ببطولة مسلم أنه يتطير خوفاً على المهمة الصعبة وهي (السفارة الحسينية)، خشية أن لايؤدي المهمة الخطيرة على أكمل وجه فصدق مع نفسه وإمامه طالباً الإعفاء، إلا أنه واصل المسير بعد تلقي جواب الحسين ع بهمة أقوى وهذا ماصرح هو به بعد تلقي الجواب قائلاً :
" هذا ما لست أتخوّفه على نفسي "
وكيف يخاف على نفسه مثل مسلم .
- سادساً : من المفارقة أن من يعترض على خبر (التطير) وهو في نص أهم، يتقبل (التفاؤل) ل مسلم من خبر ليس بتلك الأهمية :
لما ارتحل من ذلك الماء أشرف على رجل يرمي ظبياً فصرعه فسره وتفأل بقتل عدوه "
حسب خبر الطبري و إرشاد المفيد.
وهذا انتقاء لامبرر له بل هو موقف كلامي عرفاني لا بحث تاريخي اجتماعي.
هكذا لم نجد أي داع للتشدد تجاه إشكالية التطير عند مسلم .
@مناقشة من ناحية أخرى@
تبقى مناقشة مشكلة طلب مسلم الإعفاء من السفارة بغير التطير ومن ذلك ماجاء في موسوعة محمد الري شهري وغيره من المستحدثين:
إشكال أن خروج مسلم كان في ١٥ رمضان سنة ٦٠ هج ووصل الكوفة في ٥ شوال على مسافة ١٤٠٠ كلم تقريبا بين مكة والكوفة، فيكون قد قطع حوالي ٧٠ كلم كل يوم . فرسالة مسلم مع انتظار جواب الحسين تقتضي التأخير لأكثر من مدة الطريق ال٢٠ يوما.
قال أبوهجر : جواب الإشكال : أن المدة غير محددة بدقة بل بالتقريب، فالتوقيت يتوقف على سرعة المسافر والبريد الذي قد يختصر الأوقات إلى ثلثي المدة مع السرعة.
أما استبعاد موت الدليلين عطشاً أو مرضا مع اعتياد مشقات الطريق فليس في الموت استبعاد.
نعم علينا عدم المكابرة تجاه خبر موت (الدليلين) معاً بالذات فهذا لا يخلو من استغراب، ولو لم يرد خبر موتهما في نص رسالة مسلم، لأمكننا مناقشة ذلك وترميمه بحمله على المبالغة مثلاً واستنتاج موت شخص واحد فقط، لذلك نجد هذا الاستغراب أهم إشكال على هذه المراسلة، فهو أهم من إشكالات الوقت والجغرافيا والتطيّر الذي لانستبعده ولانستغربه ولايخل بتوثيق مسلم .
عموماً : نحن لانقطع بالحادثة فقد تكون مبالغة وأن مسلم لم يطلب الاستقالة من السفارة وإنما توقف لطلب المشورة من الإمام .
إنما قصدنا هنا الإشارة إلى نقطتين :
١- عدم قراءة الحادثة التاريخية بنظرة أجنبية عنها كالعرفانية والكلامية، فنحن عند إشكال منهجي بتحويل القراءة التاريخية إلى عقائدية .
٢- ملاحظة صعوبة ظروف النهضة (الزمكانية) وتأثير بطء المراسلات على مسيرة النهضة ونتائجها عند تأخر الجواب أو الأنصار وفوات الأوان في بعض المواقف الحاسمة مما لتأخر هذه المراسلات من أثر في تغيير مسار الأحداث مايؤكد خضوعها للمسار المادي الزماني المكاني الطبيعي وأن تأثير الخوارق طفيف معنوي محدود ربما لحكمة الابتلاء و إثبات إرادة إنسانية تصلح كأسوة وقدوة للبشرية .
جديد الموقع
- 2024-11-24 التفوق العلمي طريق الى التقدم والازدهار
- 2024-11-24 قافية أيوب الأخرس
- 2024-11-24 البريد السعودي يصدر طابعاً بريدياً بمناسبة اليوم العالمي للطفل
- 2024-11-23 جمعية الكشافة تُشارك في الاحتفاء باليوم العالمي للجودة
- 2024-11-23 العرابي يتوّج في الاحساء بطلاً للجولة الثالثة والأخيرة لمنافسات بطولة السعودية تويوتا الدرفت 2024
- 2024-11-23 الفتح يتصدر ترتيب الأندية في الدوري المشترك للبلياردو
- 2024-11-23 ذاكرة القلم عن ملتقى الفريج الشمالي
- 2024-11-23 الأدلجة السلوكية
- 2024-11-23 في يومين : الأدباء الشباب في ضيافة ابن المقرب
- 2024-11-23 أفراح الملفي و الفليو تهانينا