2020/10/26 | 0 | 3841
أين دُفِنَ رأس الحسين الشريف؟
تلبية لطلب أحد الأخوة الأعزاء, سأتحدث في هذا المقال عن المواضع المحتملة لدفن رأس مولانا أبي عبدالله الحسين, وكذلك المقامات والمزارات المنتشرة عبر المدن, والمنسوبة إلى الرأس الشريف, وسيكون البحث ضمن أربعة مستويات, مع ذكر الشواهد والأدلة:-
على المستوى الروائي
على مستوى الشهرة لدى الشيعة الإمامية
على مستوى نصوص التاريخ
على مستوى الأثر القائم على الواقع الجغرافي
1- المستوى الروائي:- وصلنا عدد معتبر من الروايات الواردة عن الإمام جعفر الصادق في كتب حديثية إمامية من أمهات كتب الحديث الشيعي, توضح موضع دفن رأس الحسين, وكلها تشير إلى أن الرأس دُفن في النجف الأشرف على ما يأتينا, بالإضافة إلى رواية واحدة ذكرت أن الدفن كان في كربلاء ملحقاً بالجسد, ولكنها وردتنا عن فاطمة بنت علي, وليس عن أحد الأئمة.
ونستعرض شيئاً من تلك الروايات حسب الكتب, كالتالي:-
أ- كامل الزيارات: وصلتنا من هذا الكتاب روايتان. الأولى: عن الإمام جعفر الصادق قال لعلي بن أسباط: إنك إذا أتيت الغري رأيت قبرين, قبراً كبيراً وقبراً صغيراً, فأما الكبير فقبر أمير المؤمنين, وأما الصغير فرأس الحسين بن علي.
الرواية الثانية: وهي رواية طويلة عن يونس بن ظبيان عن الامام الصادق, بعد كلام طويل, قال الامام الصادق ليونس: الموضع الذي صلَّيت عنده أولاً هو قبر أمير المؤمنين, والأكمة الأخرى رأس الحسين بن علي بن أبي طالب.
ب- الكافي: نجد في فروع الكافي روايتين أيضاً, الأولى: عن يزيد بن عمر بن طلحة عن أبي عبدالله الصادق, في رواية مفصلة, قال فيها الصادق لابنه إسماعيل: قُم فسلّم على جدك الحسين, فقلتُ- يعني يزيد بن عمر: جُعلت فداك أليس الحسين بكربلاء؟ فقال نعم, ولكن لما حُمل رأسه إلى الشام, سرقه مولىً لنا فدفنه بجنب أمير المؤمنين.
الرواية الثانية: عن أبان بن تغلب قال: كنتُ مع أبي عبدالله الصادق, فمرَّ بظهر الكوفة فنزل فصلَّى ركعتين, ثم تقدم قليلًا فصلَّى ركعتين, ثم سار قليلًا فنزل فصلَّى ركعتين, ثم قال: هذا موضع قبر أمير المؤمنين, فقال أبان: جُعلت فداك, والموضعين اللذين صلَّيت فيهما؟ قال: موضع رأس الحسين, وموضع منزل القائم.
ت- تهذيب الأحكام: نجد فيه روايتين, الأولى: عن عبدالله بن طلحة النهدي, قال: دخلت على أبي عبدالله الصادق, فذكر حديثًا فحدثناه, قال: فمضينا معه- يعني أباعبدالله- حتى انتهينا إلى الغري, قال: فأتى موضعًا فصلَّى.
ثم قال لاسماعيل: قُم فصلّ عند رأس أبيك الحسين, قلت: أليس قد ذُهِبَ برأسه إلى الشام؟ قال بلى, ولكن فلان مولانا سرقه, فجاء به فدفنه هاهنا.
الرواية الثانية: وهي طويلة عن مبارك الخباز, يذكر بعدما صلَّى الصادق في ثلاثة مواضع قال: إن الركعتين الأولتين موضع قبر أمير المؤمنين, والركعتين الثانيتين موضع رأس الحسين, والركعتين الثالثتين موضع منبر القائم.
ث- أمالي الطوسي: عن المفضل بن عمر: جاز مولانا جعفر بن محمد الصادق بالقائم المائل في طريق الغري, فصلَّى عنده ركعتين, فقيل له: ماهذه الصلاة؟ قال: هذا موضع رأس جدي الحسين بن علي, وضعوه هاهنا.
ج- المزار للشهيد الأول: وفيه نجد رواية عن المفضل بن عمر عن الإمام الصادق قال: هذا موضع رأس جدي الحسين بن علي, وضعوه هاهنا, لما توجهوا إلى كربلاء, ثم حملوه إلى عبيدالله بن زياد.
ح- رواية أمالي الصدوق: هذه هي الرواية الوحيدة عن أحدِ من آل البيت في دفن الرأس بكربلاء, وهي مروية عن فاطمة بن علي, بعد كلام مفصل قالت: إلى أن خرج علي بن الحسين بالنسوة ورَدَّ رأس الحسين إلى كربلاء.
إذن على المستوى الروائي نجد أن كل الروايات التسع المروية عن المعصوم (وهو هنا الإمام الصادق حصرًا) تذكر أن موضع دفن رأس الحسين كان في النجف, عدا رواية فاطمة بنت علي في أمالي الصدوق, تذكر رد الرأس إلى كربلاء, وليس لدينا حسب البحث أي رواية عن معصوم, تبين موضع دفن الرأس في غير النجف, وعليه قال الشيخ المجلسي: إعلم أنه يظهر من الأخبار المتقدمة أن رأس الحسين صلوات الله عليه وآله, وجسد آدم ونوح وهود وصالح صلوات الله عليهم, مدفونون عنده صلوات الله عليه – يعني أمير المؤمنين- فينبغي زيارتهم جميعهم بعد زيارته.
2- مستوى الشهرة لدى الشيعة الإمامية: الشهرة المنقولة عند الشيعة وعنهم عبر قرون, هي أن الرأس قد رُد إلى كربلاء, ودُفن مع الجسد الشريف, ونستعرض بعض هذه الأقوال لعلماء ورجال الطائفة في ذلك.
أ- قال السيد المرتضى في أماليه: وقد رووا أيضًا أن الرأس أُعيد بعد حمله إلى هناك, ودُفن مع الجسد بالطف.
ب- السيد بن طاووس في الملهوف قال: أما رأس الحسين, فرُوي أنه أُعيد فدفن بكربلاء مع جسده الشريف صلوات الله عليه, وكان عمل الطائفة على هذا المعنى المشار إليه.
ت- القرطبي صاحب التفسير في كتابه التذكرة بأحوال الموتى والآخرة , يتحدث عن الشيعة في زمنه (القرن السابع الهجري) قال: الامامية تقول: إن الرأس أُعيد إلى الجثة بكربلاء بعد أربعين يومًا, من المقتل وهو يومٌ معروفٌ عندهم, يسمُّون الزيارة فيه زيارة الأربعين.
ث- السيد محمد بن أبي طالب في كتابه تسلية المجالس قال: وأما رأس الحسين, فرُوي أنه أُعيد إلى كربلاء, ودُفن مع جسده الشريف, وكان العمل من الطائفة على هذا.
يبدو لنا أن الشيعة وعلماء الشيعة لم يكونوا يعملون بالروايات التي تتحدث عن دفن الرأس عند قبر أمير المؤمنين, وأن الشهرة لديهم بخلاف ذلك, ولا نعلم السبب, ورغم عدم وصول أي رواية إلينا من المعصوم تذكر دفن الرأس مع الجسد في كربلاء, إلا أن هناك شهرة لدى الشيعة في ذلك, ولم نجد أحدًا يعول على تلك الروايات, عدا الشيخ المجلسي كما مر, ورغم هذه الشهرة إلا أنهم لم ينقلوا لنا سببها في رواية واحدة عن المعصوم, تذكر دفن الرأس في كربلاء مع الجسد.
3- المستوى التاريخي (نصوص التاريخ): بعد التعرض لهذه القضية على المستوى الروائي وعلى مستوى الشهرة, نعرّج على نصوص التاريخ والمؤرخين من الفريقين.
أ- البيروني في كتابه الآثار الباقية من القرون الخالية, قال: ورَدُّوا رأس الحسين إلى مجثمه, حتى دُفن مع جثته, وهم حَرَمُهُ بعد انصرافهم من الشام.
ب- المستوفي الهروي في ترجمة الفتوح لابن أعثم الكوفي قال: وفي العشرين من صفر, أُلحق رأس الحسين, ورؤوس سائر الشهداء بأبدانهم.
ت- القزويني في عجائب المخلوقات قال: العشرون منه –أي من صفر- رُد رأس الحسين إلى جثته.
ث- البلاذري في أنساب الأشراف ينقل عن الكلبي: بعث يزيد برأسه -أي رأس الحسين- إلى المدينة, فنُصب على خشبة, ثم رُد إلى دمشق, فدُفن في حائط بها, ويقال في دار الإمارة, ويقال في المقبرة, وقال : دُفن رأس الحسين في حائط بدمشق, إما حائط القصر وإما غيره, وقال قوم دُفن في القصر, حُفِر له وأُعمق.
ج- ونقل ابن عساكر في تاريخ دمشق في موضعين, تحدث في الموضع الأول عن إستخراج الرأس, من خزائن بني أمية ثم دفنه بدون تحديد موضع, ويتحدث في الثاني عن أن بني العباس قد حفروا موضع الرأس من الشام ولا يُعلم أين أخذوه؟ وكذلك نقل ابن حجر هذا في تهذيب التهذيب وابن كثير في البداية والنهاية.
ح- سبط ابن الجوزي في كتابه تذكرة الخواص ذكر: رد الرأس إلى الجسد بكربلاء, فدُفن معه, قاله هشام وغيره.
أيضًا قال سبط ابن الجوزي: أن الرأس كفَّنوه ودفنوه بباب الفراديس, في دار الإمارة, وكذا ذكر الواقدي أيضًا.
خ- في تاريخ البخاري ذكر: أن رأس الحسين حُمل إلى المدينة. ودفن بها في البقيع عند قبر أمه.
د- إبن حبان في كتابه الثقات قال: اُختلف في موضع رأس الحسين, فمنهم من زعم أن رأسه على رأس عمود في مسجد جامع دمشق عن يمين القبلة, وقد رأيت ذلك العمود, ومنهم من زعم أن رأسه في البرج الثالث من السور على باب الفراديس بدمشق, ومنهم من زعم أن رأسه بقبر معاوية, وذلك أن زيد دفن رأسه في قبر أبيه, وقال أُحصِنُهُ بعد الممات, أما جثته فبكربلاء.
ذ- نقل ابن سعد في طبقاته, أن عمرو بن سعيد بن العاص والي المدينة, أمر برأس الحسين, فكُفّن ودُفن بالبقيع عند قبر أمه, وكذلك نقل ذلك الخوارزمي في مقتل الحسين.
ر- وقال إبن الحوراني في الاشارات إلى أماكن الزيارات ت بعد 1117هـ: وداخل باب الفراديس, مشهد الحسين, ويسمى مسجد الرأس, وهو معروف الآن, وهو مشهد حافل عليه جلالة وهيبة, وله وقف على مصالحه, وهذا المشهد يقصده الناس للزيارة والدعاء والتبرك والتماس الحوائج, وهو في غاية القبول. انتهى. وهذا المشهد هو مشهد السيدة رقية اليوم وسيأتي الكلام عنه لاحقًا
ز- مصادر أخرى ذَكَرَت نقل الرأس من مدفنه بعسقلان إلى مصر أيام الفاطميين, منها معجم البلدان والبداية والنهاية, ونقل ذلك ابن نما الحلي عن بعض المصريين في زمنه, وقال سبط إبن الجوزي في التذكرة: الخامس أن الخلفاء الفاطميين نقلوه من باب الفراديس إلى عسقلان, ثم نقلوه إلى القاهرة, وهو فيها, وله مشهد عظيم, يُزار في الجملة.
وقال إبن كثير: وادعت الطائفة المسمَّون بالفاطميين الذين ملكوا الديار المصرية قبل سنة أربعمائة إلى مابعد سنة ستين وخمسمائة, أن رأس الحسين وصل إلى الديار المصرية ودفنوه بها, وبنوا عليه المشهد المشهور به بمصر, الذي يقال له تاج الحسين بعد سنة خمسمائة.
فالذي عليه أكثر أهل السنة على أن دفن الرأس كان في دمشق, ما بين أن يكون في باب الفراديس, أو في القصر الأموي, أو في مقبرة دمشق العامة, أو في الجامع الأموي, وذكر بعض أهل السنة (ابن سعد والبخاري) أن الرأس دُفن في المدينة المنورة بالبقيع, ولم يُشتهر في البقيع قبر أو مزار لرأس الحسين, ونقل بعضهم (البيروني والقزويني) حمله إلى كربلاء في الأربعين ودفنه هناك موافقًا في نقله لمشهور الشيعة, والذي عليه الطائفة الاسماعيلية على أنه نُقل من دمشق إلى عسقلان, ثم إلى القاهرة بمصر, حيث أقرَّ أئمتُهُم الفاطميون ذلك المشهد, وحكموا بصحته.
4- مستوى الأثر القائم (مزارات الرأس): أما على مستوى المزارات القائمة للرأس على أرض الواقع جغرافيًا, إما مكان وُضع فيه الرأس, أو قيل أنه موضع لدفنه, وصار مزارًا له, فنذكرها تباعًا :-
أ- مسجد الحنَّانة في النجف الأشرف: روى محمد بن المشهدي أن الامام الصادق زار الحسين في مسجد الحنانة, وذكر نص الزيارة, ثم قال: أنه موضع رأس الحسين في النجف.
وظَلَّ مسجد الحنانة من الأماكن المرشحة لكونه مدفنًا للرأس الشريف في مدينة النجف, ولكن هذه الشهرة ليست واضحة في العصر الحاضر, رغم وجود أصل لها.
ب- جوار مشهد أمير المؤمنين: حيث نقل السيد بحر العلوم أن مسجد الرأس في النجف بُنِي من أجل الرأس الشريف, وذكر الشيخ محمد حرز الدين, أن السيد داود الرفيعي, ينقل عن أبيه عن آبائه أنه: في المسجد الغربي المتصل بالساباط أي مسجد الرأس, يوجد ايوان صغير مربع في الجدار القبلي بين محراب المسجد والساباط, فيه قبر عليه شباك فولاذ ثمين, وله باب صغيرة, وفيها قفل وهو قبر موضع رأس الحسين عليه السلام كما في الروايات.
ومسجد الرأس في النجف الأشرف, هو مسجد مبني في الجهة الغربية من الصحن الحيدري, والمشهور أن تسميته بمسجد الرأس نسبة إلى جهة رأس أمير المؤمنين, ولكن المنقول عن السيد بحر العلوم, وكذلك ماذكره الشيخ حرز الدين على أنه منسوب لرأس الحسين, وبُنِي المسجد أول ما بني في عهد الإيلخانيين ثم جدده الشاه عباس الكبير الصفوي, وآخر من جدده نادر شاه الأفشاري, وإذا كان لدينا كل تلك الروايات السالفة, فإن هذا يدعو فعلًا إلى وجود موضع للرأس, وهو مسجد الرأس ذاته.
ت- مدينة مرو : قال المقدسي في كلامه عنها: وعلى فرسخين من مرو, يوجد رباط, قالوا أن فيه رأس الحسين بن علي, ولم يُشتهر الموضع ولا المزار.
ث- مشهد النقطة في الموصل: وهو مكان منسوب لوضع الرأس فيه أثناء السبي, لا دفنه.
ج- مشهد النقطة في نصيبين: وهو مكان منسوب أيضًا لوضع الرأس فيه أثناء السبي, لا دفنه.
ح- مشهد النقطة في حماة: وهو مكان منسوب أيضًا لوضع الرأس فيه أثناء السبي, لا دفنه.
خ- مشهد النقطة في حلب: جاء في أقوال تاريخية غير مشهورة, أن الرأس دُفن في حلب في وسط جبل جوشن, والموجود حاليًا في حلب هو مشهد النقطة لا موضع دفن الرأس. قال صاحب كتاب نهر الذهب في تاريخ حلب: وفي سنة احدى وستين قُتل الحسين بكربلاء, واحتز رأسه الشريف شمر بن ذي الجوشن, وسار به وبمن معه من آل الحسين إلى يزيد في دمشق, فمرَّ بطريقه على حلب, ونزل به عند الجبل ووضعه على صخرة من صخراته, فقطرت منه قطرة دم, بُني على أثرها مشهد عُرف بمشهد النقطة. وهو مشهورٌ قائم إلى اليوم.
د- مسجد الرقة على الفرات, قال سبط ابن الجوزي في التذكرة: من المواضع المذكورة لدفن الرأس, مسجد الرقة على الفرات بالمدينة المشهورة, ذكره عبدالله بن عمر الوراق في كتاب المقتل, وقال: لما حضر الرأس بين يدي يزيد معاوية, قال: لأبعثنَّه إلى آل أبي معيط عن رأس عثمان, وكانوا بالرقة فبعثه إليهم, فدفنوه في بعض دورهم, ثم أُدخلت تلك الدار في المسجد الجامع, وهو إلى جانب سدرة (سوره) هناك, وعليه شبيه النيل لا يذهب شتاءً ولا صيفًا.
وهذا المشهد غير مشهور, ولم يُنقل حسب ما يظهر عن غير سبط ابن الجوزي, فضلًا عن أن هذا الخبر عن يزيد وآل أبي معيط, لم يُنقل في الكتب التاريخية المعتبرة.
ذ- مشهد الرأس في باب الفراديس (حي العمارة في دمشق), وهو مشهد معروف, ذكره كل من زار دمشق, وهو المسجد الذي نُسب بعد ذلك, إلى طفلة من أطفال الحسين, سُميت أولًا ملكة, ثم استقر اسمها قبل حوالي القرنين على اسم (رقية بنت الحسين). إذن مشهد رقية بنت الحسين في الأصل هو مشهد من مشاهد الرأس قبل أن يتحول إلى مشهد للطفلة في عصرنا.
قال: الهروي في القرن السادس الهجري عنه: باب الفراديس به مشهد الحسين.
وقال ابن كثير: قلتُ: ويُعرف مكانه بمسجد الرأس, داخل باب الفراديس الثاني.
قال الدكتور قتيبة الشهابي في كتابه (معجم دمشق التاريخي – للأماكن والأحياء والمشيدات ومواقعها وتاريخها كما وردت في نصوص المؤرخين): جامع السيدة رقية: لايزال في حي العمارة الجوانية, بين زقاق النقيب وزقاق حمام سامي, يُنسب للسيدة رقية بنت الحسين, وكان في موضعه مسجد قديم صغير يُعرف بمسجد الرأس, نسبة لرأس الامام الحسين, الذي يُعتقد بوجوده فيه, وقد دُفن فيه أيضًا رأس الملك الكامل محمد بن الملك المظفر غازي الأيوبي الذي قتله هولاكو عام 658هـ, وجُدّد الجامع في العهد العثماني عام 1125هـ وسنة 1323هـ, وفي بداية التسعينات من قرننا العشرين بوشر بعمارته بشكل واسع, فجاء على طراز العمارة الاسلامية في إيران, ويُعرف أيضًا بمسجد الرأس, ومشهد الحسين وهو غير مشهد الحسين في الجامع الأموي.
وقال الدكتور صالح وهبي في بحثه (مقامات وأضرحة أهل البيت في مدينة دمشق): وكان المسجد يُعرف بمسجد الرأس, نسبة إلى رأس الامام الحسين, الذي يُعتقد أنه مدفون فيه, ذكر ذلك ابن عساكر وابن طولون, ومنذ القرن الثامن عشر اشتهر المسجد بمقام السيدة رقية,
ر- مشهد الرأس في الجامع الأموي, ذكر محمد بن قاسم بن يعقوب, أن رأس الحسين في مسجد دمشق على رأس اسطوانة, وهناك مزار له في الجامع الأموي إلى اليوم.
قال ابن عساكر: مسجدٌ عند باب المسجد الجامع, يُعرف بمشهد الرأس, فيه قناة, يقال إن رأس الحسين بن علي عليهما السلام وُضع فيه, حين أُوتي به إلى دمشق, له إمام ووقف.
ز- مشهد الرأس في عسقلان والقاهرة, ذكرتهما – أي عسقلان والقاهرة- تحت عنوان واحد, لارتباطهما الوثيق ببعضهما, ولأنه إذا انتفى مشهد عسقلان, فقد انتفى مشهد القاهرة, لارتباط ثبوت مشهد القاهرة بثبوت مشهد عسقلان أولاً, حيث ترتكز قصة نقل الرأس إلى القاهرة على وجود مشهد سابق للرأس في عسقلان. وكذلك إذا ثبتت قصة نقل الرأس إلى مشهد القاهرة, فقد خَلَت منه عسقلان إذن, فثبوت نقل الرأس إلى القاهرة يعني عدم وجوده في عسقلان. ولا وجود لمشهد منسوب لرأس الحسين اليوم في عسقلان كما يظهر (تقوم مكان عسقلان اليوم مدينة اشكلون بين أشدود وغزة), وقد خَرَّب الصليبيون عسقلان, ثم خرَّبها صلاح الدين الأيوبي خشية أن يستولي عليها الإفرنج وذلك في عام 578هـ, وذكر الهروي ت611هـ دخوله لمدينة عسقلان عام 570هـ, ولم يذكر أن فيها مشهدًا عامرًا لرأس الحسين, وإنما قال نُقل منه.
قيل في قصة مشهد عسقلان والقاهرة, أن الرأس دُفن في مقابر المسلمين في دمشق -كما مَرَّ- ثم نُبش ونُقل إلى عسقلان, ومنها إلى القاهرة في آخر العهد الفاطمي, فقد ذكر محمد بن علي الصبَّان (المصري من أهل القرن الثالث عشر الهجري) في إسعاف الراغبين: أن يزيد أمر بأن يُطاف برأس الحسين في البلاد, فطِيف به حتى انتهى إلى عسقلان, فدفنه أميرها بها, فلما غلب الافرنج (الصليبيون) على عسقلان, افتداه منهم الصالح طلائع وزير الفاطميين, بمال جزيل, ومشى إلى لقائه, من عدة مراحل, ووضعه في كيس حرير أخضر على كرسي من خشب الأبنوس, وفرش تحته المسك والطيب, وبنى عليه مشهده الحسيني المعروف بالقاهرة, قريبًا من خان الخليلي. ونقل الشعراني ما يشبه هذه القصة في كتابه طبقات الأولياء.
وقد نقل رواية وجود الرأس في عسقلان, ثم نقله منها إلى القاهرة كلٌ من ابن ميسر والقلقشندي والسايح إبن إياس, والهروي,وسبط ابن الجوزي, بنى له الصالح طلائع مسجده المعروف, ليُدفن فيه, ولكن الخليفة الفاطمي, أَبَى وقال: لا يكون إلا داخل القصور الزاهرة, وبنى له المشهد الحسيني المعروف, وكان ضمن القصر الفاطمي, ثم غدا مستقلًا عنه, بعد هدم القصور الفاطمية والإبقاء على المشهد الحسيني, وقام الأمير جركس الخليلي في أيام المماليك بنبش مقبرة الخلفاء الفاطميين (مقبرة الزعفران وفيها أضرحتهم) ورمى بعظامهم على كيمان البرقية, وهي مزبلة القاهرة وتقع شرقيها, وبنى مكانها خان الخليلي المعروف, ولكن لم يجرؤ على مس المشهد الحسيني, لما له من مكانة عظيمة. ويعود جزءٌ من عمارة المشهد الحسيني الحالي في القاهرة إلى العهد الأيوبي, وقد دافعتْ الدكتورة سعاد ماهر في كتابها (مساجد مصر وأولياؤها الصالحون) عن صحة مشهد القاهرة.
س- مشهد الحسين في كربلاء: وهو موضع دفن الجسد الشريف, وتحدثنا عن الشهرة, وبعض نصوص التاريخ, التي تذكر إعادة الرأس إلى الجسد في كربلاء, ودفنه معه, وهو المعمول به عند الشيعة إلى اليوم.
بعد استعراض المقامات والمزارات على الأرض الجغرافية نجد أن المشهور منها, والذي صمد عبر الزمن, وتكاثرت النصوص حوله وعنه, هو:-
1- النجف الأشرف, إما في مسجد الحنانة, أو مسجد الرأس ضمن المشهد العلوي
2- دمشق, مشهد الرأس في باب الفراديس
3- القاهرة, المشهد الحسيني
4-كربلاء, مشهد الحسين
أما المشهد الحسيني بالقاهرة فهو من أشهر مشاهد رأس الحسين في الدنيا, وله في نفوس المصريين مكانة كبيرة, وله زُوَّار لا ينقطعون سائر الأيام.
أما ثبوته, فمتوقف على ثبوت مشهد عسقلان, وعندما نستقرئ كتب التاريخ ونصوص الرحالة, لا نجد لمشهد عسقلان ذكرًا ولا أصلًا, قبل ظهور المشهد الحسيني في القاهرة. ويعتقد البعض أن قصة مشهد عسقلان إنما هي دعاية أنشأها الخلفاء الفاطميون, لتزويد مصر الفاطمية بمعلم ورمز منسوب لشخصية عظيمة ومؤثرة, مثل الحسين وما ارتبط به من مأساة الطف, والبحث لا يساعد على ثبوت مشهد عسقلان- القاهرة.
وأما مشهد الرأس في باب الفراديس فلم يُعرف لدى الشيعة ولا تحدثوا عنه في كتبهم, ولو كان فعلًا مدفنًا ثابتًا للرأس لذكره أئمة أهل البيت, ولأكَّدوا على زيارته, والشيعة تهتم بزيارة أي موضع يُنسب لأحدٍ من آل البيت, فكيف برأس الحسين بن علي؟ وقد تحول هذا المشهد بعد ذلك إلى مشهد رقية بنت الحسين, وصار الشيعة من أكثر زوَّاره , لا لوجود نص أو أثر فيه, وإنما على أساس شهرة متأخرة.
النجف الأشرف: عندما ننظر في الروايات تبقى النجف هي المرشح الأكبر على مستوى الروايات والنصوص التي جاءتنا عن الإمام الصادق, في حوالي تسع أو عشر روايات, وعبر كتب مشهورة ومبكرة, مثل الكافي وتهذيب الأحكام وكامل الزيارات وأمالي الطوسي وغيرها, ويُعَكّر هذه الترشيح إعراض الشهرة عند الشيعة الإمامية عنه بداية من كلام السيد المرتضى وما بعده كما مَرَّ.
قبر الحسين في كربلاء: وهذا هو الموضع الذي اتفقت عليه الشهرة الشيعية منذ القرن الخامس الهجري على الأقل, وصولًا إلى يومنا هذا, وهو المعمول به, والمعوَّل عليه.
جديد الموقع
- 2024-03-28 نادي الباحة الأدبي يناقش (كينونه) كأول تجربة عربية لمسرح الكهف.
- 2024-03-28 البيئة تطلق خدمة الحصاد المجاني للقمح لمساحات 30 هكتارًا
- 2024-03-28 جامعة الإمام عبد الرحمن بن فيصل تطلق مشروع الحديقة المركزية على مساحة 15 ألف متر مربع السعودية الخضراء .. مبادرة تاريخية ملهمة لتحقيق المستقبل الأخضر العالمي
- 2024-03-28 جامعة الإمام عبد الرحمن بن فيصل تتصدر المؤشر الوطني للتعليم الرقمي في فئة (الابتكار)
- 2024-03-28 رئيس جمعيــة المتقاعديــن بالمنطقة الشرقية يقدم الشكر والتقدير لرواد ديوانية المتقاعدين
- 2024-03-28 نائب أمير الشرقية يستقبل رئيس مجلس إدارة جمعية تعافي
- 2024-03-28 نائب أمير الشرقية يطلع على برامج جمعية ترابط
- 2024-03-28 احتفاء جمعية كيان باليوم العربي لليتيم في عيونهم 2/2
- 2024-03-28 دراسة تربط بين السجائر الإلكترونية والسرطان .. واستشاري يعّلق
- 2024-03-28 مداد السلسبيل