2019/10/06 | 0 | 2860
زيارة الحسين (ع) ـ 1
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، وعلى أهل بيته الطيبين الطاهرين، واللعنة الدائمة على أعدائهم أعداء الدين.
﴿رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي ~ وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي ~ وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِن لِسَانِي ~ يَفْقَهُوا قَوْلِي﴾. [طه: 25 ـ 28.].
في الرواية عن الإمام الرضا (ع) : «يا ابن شبيب إن سرّك أن تلقى الله عز وجل ولا ذنب عليك، فزُر الحسين (ع)». [الأمالي، الشيخ الصدوق: 130.].
ذكرنا فيما مضى فضل البكاء على الحسين (ع) وقد ثبت في الروايات والأخبار لدى الفريقين أن السماء بكت على الحسين (ع) أربعين يوماً، كما ذكرنا بعض الشواهد التاريخية التي أثبتت أن السماء مطرت دماً في ذلك اليوم، في مناطق مختلفة من العالم غير كربلاء والكوفة والشام، وغيرها . وفي هذا الأسبوع نتحدث قليلاً عن زيارة الحسين (ع).
التوبة والاستغفار :
إن الإنسان معرض للابتلاء في هذه الدنيا، والله جل وعلا ترك الاختيار للإنسان، فإن غلب عقلُه على شهوته كان أفضل من الملائكة، وإن كان غير ذلك كان أسوأ من الحيوانات. والسبب في ذلك أن الباري عز وجل جعل للإنسان عقلاً يميز به بين الخير والشر، فإن اختار الخير كان أفضل من الملائكة، لأن الملائكة لا شهوة لها، وليس لديها خيار، فهم مجبورون على عمل الخير، ومن كان مجبوراً على عمل الخير، لا يُقاس بمن كان مخيراً بين الخير والشر فيختار الخير، مع ما هو عليه من وجود الشهوات والغرائز التي تضغط عليه وتجره باتجاه الشرّ.
وكذلك الحيوانات، فإن الله تعالى أودع فيها الشهوات والغرائز دون العقول، فهي مسيّرة مرغمة لتختار هذا الطريق، وليس لديها خيار آخر، إذ لا عقل لها. فإن ترك الإنسان طريق الخير، كان أسوأ منها، لأنه لم يستفد من عقله وقواه الفكرية. فالحيوان لا يحاسب على ارتكابه الخطأ، ولا يعتبر ذلك ذنباً منها، فهي خاضعة ومنقادة للشهوات والغرائز، وليست لديها تلك القوى التي لدى الإنسان كي تتجنب الخطأ.
فللإنسان الخيار والاختيار أن يبلغ الدرجات العليا، وبيده أن ينزل ويتسافل للدرجات والمراتب السفلى.
ومن البديهي أن الإنسان غير معصوم، ولا نتوقع منه أن لا يقع في الذنب والخطأ، فقد تقوده الشهوة للذنب، لأن القوّتين المذكورتين (العقل والغريزة) تتنازعانه وتتجاذبانه.
ومن هنا لم يدع النبي (ص) والأئمة (ع) طريقاً إلا بيّنوه، إما تجنّباً للذنب، أو تصحيح الخطأ والتوبة فيما إذا وقع المؤمن في ذنب أو خطيئة. فمن يقدم على المعصية تارة يكون جاهلاً بها، فهو معذور من الله تعالى بشكل عام، وإن كان هنالك تفصيل في الجاهل القاصر أو المقصر، ولكن على نحو الإجمال أن الجاهل معذور. وتارة أخرى يكون عامداً قاصداً، فهذا أيضاً له طريق للتوبة بيّنه النبي (ص) والأئمة (ع).
فالإنسان معرض لارتكاب الذنب، عالماً كان أو جاهلاً، وهو ليس معصوماً كما ذكرنا. ولكن الله تعالى جعل له مخرجاً وخطاً للرجوع، وهو باب التوبة المفتوح، شريطة أن يكون الإنسان صادقاً مع الله مخلصاً له. وهذا من كرم الباري ولطفه.
ومن لطفه أيضاً أن يكون الذنب معلقاً لفترة معينة، لكي يمنح الإنسان فرصة للتوبة والرجوع قبل أن يثبت عليه ويسجل في صحيفة أعماله. فعلى الإنسان أن لا يتماهل ولا يسوّف، ولا يقول : أتوب بعد يومين أو ثلاثة أو أكثر، بناءً على كون الله تعالى لا يسارع في تسجيل الذنب في صحيفة أعماله. لأن تراكم الذنوب وتكرارها يجعل الإنسان بمرور الأيام ينظر للذنب باستخفاف، بل كأنه ليس ذنباً، فيعتاد ارتكابه دون أي شعور بتأنيب الضمير.
فضل زيارة الحسين (ع) :
من هنا بين لنا النبي (ص) والأئمة (ع) الكثير من الطرق التي يسلكها المؤمن للتوبة وتصحيح المسار، ومن أهمها زيارة الحسين (ع). فالإمام الرضا (ع) في الرواية السابقة يخبر ابن شبيب أنه إذا شاء أن يلقى الله تعالى بلا ذنب، فعليه أن يزور الحسين (ع). فمن زاره وكانت عليه ذنوب، فإنها تزول فيعود كيوم ولدته أمه. وذلك إكراماً للحسين (ع) الذي ضحّى بكل ما لديه في سبيل تشييد الدين.
وفي الرواية عن الحسين بن ثوير بن أبي فاختة قال : قال أبو عبد الله (ع) : «يا حسين، إنه من خرج من منزله يريد زيارة قبر الحسين بن علي (ع) إن كان ماشياً كُتب له بكل خطوة حسنة، ومحي عنه سيئة. فإن كان راكباً كتب الله له بكل حافر حسنة، وحطّ بها عنه سيئة. حتى إذا صار في الحائر كتبه الله من المفلحين المنجحين. حتى إذا قضى مناسكه كتبه الله من الفائزين. حتى إذا أراد الانصراف أتاه مَلَكٌ فقال له : إن رسول الله (ص) يقرئك السلام ويقول لك : استأنف العمل، فقد غفر الله لك ما مضى». [ثواب الأعمال وعقاب الأعمال، الشيخ الصدوق: 91.].
ومن هنا كان الأئمة (ع) يحثون شيعتهم بشكل كبير على زيارة الإمام الحسين (ع) ويصرّون عليها، مع ما كان فيها من مخاطر شديدة، حتى أنه في بعض مقاطع التاريخ كان يقتل منهم من كل عشرة واحد، أو تقطع الأيدي، أو يدفعون الأموال.
وهكذا نجد أن هناك العديد من المواسم لزيارته صلوات الله عليه، مع العنوان العام للزيارة في كل وقت. فمن تلك الزيارات المخصوصة: زيارة عاشوراء والأربعين ويوم عرفة والنصف من شعبان والزيارة الرجبية وليالي الجمعة وليالي القدر، وغيرها من الزيارات. ولذلك نلاحظ أن الكثير من المؤمنين يذهبون للزيارة حتى مع عدم اطلاعهم على هذه الروايات، لأن الأئمة (ع) سنّوا هذه السنة وأسسوا لها وأصّلوها في شيعتهم منذ القدم.
ومن أعظم البشارات في هذه الرواية أن هناك ملكاً يأتي الزائر بعد إتمام زيارته فيبشره عن رسول الله (ص) أنه سوف يعود لبيته مغفوراً له تماماً، وعليه أن يبدأ من جديد وكأنه أتى للدنياً حديثاً.
ومن تلك الروايات الواردة في فضل زيارة الحسين (ع) ما جاء عن الإمام الصادق (ع) أنه قال : «إن الرجل ليخرج إلى قبر الحسين (ع) فله إذا خرج من أهله بأول خطوة مغفرة ذنوبه. ثم لم يزل يُقدَّس بكل خطوة حتى يأتيه، فإذا أتاه ناجاه الله تعالى فقال : عبدي، سَلْني أعطك. ادعني أجبك. اطلب مني أعطك. سلني حاجة أقضها لك. قال : وقال أبو عبد الله (ع) : وحقٌّ على الله أن يعطي ما بذل». [كامل الزيارات، ابن قولويه: 152.].
فما أعظمها من كرامة! وما أجلها من بشارة! بحيث أن الله تعالى يتعهد له أن يقضي حوائجه كلها.
وعن أبي الصامت قال : سمعت أبا عبد الله (ع) وهو يقول : «من أتى قبر الحسين (ع) ماشياً، كتب الله له بكل خطوة ألف حسنة، ومحا عنه ألف سيئة، ورفع له ألف درجة. فإذا أتيت الفرات فاغتسل، وعلّق نعليك، وامش حافياً، وامش مشي العبد الذليل، فإذا أتيت باب الحائر فكبّر أربعاً، ثم امش قليلاً ثم كبّر أربعاً، ثم ائت رأسه فقف عليه فكبر أربعاً (فكبر وصلّ عنده واسأل) وصلّ أربعاً واسأل الله حاجتك». [كامل الزيارات، ابن قولويه: 133.].
ولا خلاف ولا تعارض بين الروايات القائلة بأن له بكل خطوة حسنة، وهذه التي تذكر أن له بكل خطوة ألف حسنة، فالله واسع كريم لا تنقص خزائنه، ولا تزيده كثرة العطاء إلا كرماً وجوداً، والأئمة (ع) إنما يذكرون الأعداد لا للتحديد، إنما للترغيب والحث، وإلا فإن الله تعالى يعطي ما هو أكثر من ذلك.
هذا ما أردنا بيانه في هذا الأسبوع، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين، وصلى الله على محمد وعلى أهل بيته الطيبين الطاهرين.
جديد الموقع
- 2024-09-19 سمو محافظ الأحساء يشيد بمضامين الخطاب الملكي في افتتاح أعمال السنة الأولى من الدورة التاسعة لمجلس الشورى
- 2024-09-19 أمير الشرقية: الخطاب الملكي أكد على مضي بلادنا لتحقيق المزيد من التطور والازدهار والنماء
- 2024-09-19 سمو نائب أمير الشرقية يشيد بمضامين الخطاب الملكي السنوي
- 2024-09-19 قصيدة النثر باعتبارها صندوقا مملوءا بالذهب
- 2024-09-19 أفراح العباد والبخيت بالمطيرفي تهانينا
- 2024-09-18 التعصب والمتعصبون
- 2024-09-17 الفتيات الصغيرات تستخدم مستحضرات مضادة للشيخوخة شاهدنها عبر وسائل التواصل الاجتماعي. الضرر النفسي الحاصل بسببها أعمق من الضرر الذي أصاب البشرة
- 2024-09-17 التدخين أثناء الحمل يضر بالأم وبالجنين ولاحقًا بمستوى تحصيل الطفل الدراسي
- 2024-09-17 الأدلة لا تفيد بأن من عاشوا خلال المراحل الأخيرة من العصر الحجري في شمال غرب المملكة العربية السعودية قد واجهوا تحديات موجات جفاف مما اضطرّهم الي الترحال، بل عاشوا حياة متقدمة ومزدهرة
- 2024-09-17 ما الصور الذهنية وما فوائدها؟