تثير الكلمات الانفعالية أنماطًا خاصة بالتكافؤ الانفعالي من إفراز معدِّل عصبي (ناقل عصبي) متزامن في المهاد والقشرة الدماغية في البشر. مصدر الشكل: مجلة تقارير الخلية.
فريق بحث دولي، بقيادة باحثين من معهد فرجينيا للتكنولوجيا،كشف عن علاقة نشاط النواقل العصبية بكيف يعالج البشر المحتوى الانفعالي للغة. [الانفعالات الستة الرئيسة emotions هي الغضب، والاشمئزاز، والخوف، والسعادة، والحزن، والدهشة (1).
في دراسة جديدة غير مسبوقة (2) نشرت في مجلة Cell Reports، أثبت الباحثون أن النواقل العصبية في الدماغ البشري تُفرٓز أثناء معالجة المحتوى الانفعالي للغة، مما مكنهم من الحصول على أفكار جديدة عن كيف يفسر الناس معاني الكلمات.
هذا البحث، الذي أجراه فريق دولي بقيادة باحثين من معهد فرجينيا للتكنولوجيا، زود الباحثين بفهم أعمق عن كيف تؤثر اللغة في خيارات الإنسان وقراراته وفي صحته العقلية.
بقيادة باحث علم الأعصاب الحوسبي ريد مونتاغو Read Montague، برفسور معهد فرالين Fralin لأبحاث الطب الحيوي في معهد فرجينيا للتكنولوجيا ومدير مركز أبحاث علم الأعصاب البشري التابع للمعهد، هذه الدراسة تمثل استكشافًا هو الأول من نوعه عن كيف تعالج النواقل العصبية المحتوى الانفعالي للغة. وهذه تعتبر وظيفة خاصة يتفرد بها الإنسان دون غيره من الحيوانات الأخرى.
الدراسة تجسر العمليات البيولوجية والرمزية، التي تربط بين العمليات العصبية والتي من المحتمل أنها نشأت في مجموعة واسعة من الأنواع البيولوجية من أجل البقاء (3) عبر العصور إلى إثراء التواصل والانفعالات بين البشر.
وقال مونتاغو، المؤلف المشارك للدراسة: "إن الاعتقاد السائد حول المواد الكيميائية في الدماغ، مثل الدوبامين والسيروتونين، هو أنها ترسل إشارات تتعلق بالتكافؤ الإيجابي أو السلبي للتجارب (4)." "تفيد النتائج التي توصلنا إليها بأن هذه المواد (النواقل) الكيميائية تٌفرٓز في مناطق معينة في الدماغ عندما نعالج المعنى الانفعالي للكلمات. وعلى نطاق أوسع، يدعم بحثنا فكرة أن أنظمة الدماغ التي تطورت لمساعدتنا على التفاعل مع الأشياء الجيدة (الإيجابية) أو السيئة (السلبية) في محيطنا قد تلعب أيضًا دورًا في كيف نعالج نحن البشر الكلمات (معاني الكلمات)، والتي لها نفس القدر من الأهمية لبقائنا على قيد الحياة.
الباحثون هم أول من قام بقياس إفراز هرمونات الدوبامين والسيروتونين والنورإبينفرين بالتزامن لدى البشر في سياق ديناميكيات الدماغ المعقدة التي وراء كيف يفسر الناس اللغة ويستجيبون لها.
وقال مونتاغو: "تشترك في معالجة المحتوى الانفعالي للكلمات نواقل هرمونية متعددة، ولكن كل هرمون يتباين في النشاط." "لا تقوم بنشاط معالجة المعنى منطقة دماغ واحدة فقط، إذ الأمر ليس ببساطة أن تُمثل كل مادة كيميائية واحدة (هرمون واحد) انفعالًا واحدًا."
أُخذت قياسات كيميائية عصبية من المرضى الذين يخضعون لجراحة تحفيز عميق للدماغ لعلاج الرعاش مجهول السبب (5) أو لزرع أقطاب جراحيًا لمراقبة النوبات لدى مرضى الصرع. تستهدف هذه العملية منطقتين دماغيتين مختلفتين تمامًا عن بعضهما وهما المهاد والقشرة الحزامية الأمامية، على التوالي.
بالرغم من أن الكلمات المشحونة عاطفيًا قد عرضت على الشاشة، أٌجريت القياسات باستخدام أقطاب ألياف الكربون المزروعة في المهاد وبأقطاب البلاتين والإيريديوم التقليدية المزروعة في القشرة الحزامية الأمامية.
اكتشف الباحثون أن الكلمات – ذات التكافؤ الإيجابي أو السلبي، أو المحايد – تعدّل إفراز النواقل العصبية (6). ومن خلال قياس ديناميكيات إفراز الهرمونات على نطاق زمني دون الثانية الواحدة، تعرفوا على أنماط مميزة مرتبطة بالحالة الانفعالية، ومناطق الدماغ التشريحية، وأي من نصفي الدماغ له علاقة بهذه الانفعالات.
إشارات في مناطق دماغية غير متوقعة
وقال ويليام "مات" هاو William “Matt” Howe، الأستاذ المساعد في قسم علم الأعصاب، كلية العلوم في معهد فرجينيا للتكنولوجيا: "جاءت النتيجة المدهشة من المهاد:" "لم يكن يُعتقد أن هذه المنطقة لها دور في معالجة اللغة أو المحتوى الانفعالي لها، بيد أننا قد لاحظنا تغيرات في النواقل العصبية استجابةً للكلمات الانفعالية. ويوحي هذا إلى أنه حتى مناطق الدماغ التي لا ترتبط عادةً بالمعالجة الانفعالية أو اللسانية (اللغوية) قد تظل مخصوصة بتلك المعلومات. على سبيل المثال، مناطق الدماغ المسؤولة عن التشجيع على الحركة قد تستفيد من الوصول إلى معلومات مهمة من الناحية الانفعالية لتوجيه السلوك.
وبينما كان الاكتشاف الأولي على البشر، فإن التحقق من صحة الاكتشاف الذي تم أيضًا على نماذج حيوانية قد أعطى الباحثين ثقة إضافية في النتائج.
وقال هاو، المؤلف المشارك في الدراسة: "ما لاحظناه في الدماغ البشري كان استثنائياً:" "التحقق من صحة النتائج على النماذج الحيوانية يدعم ويعزز تداعيات هذه النواقل العصبية على نظامي اتخاذ القرار [المترجم؛ قد يعني بهذين النظامين؛ التفكير السريع والتفكير البطيء أو نظام 1 السريع والتلقائي والبديهي وغير المجهد ونظام.2 البطيء والواعي والمُتأمٓل فيه والمقصود والذي يتطلب جهدًا، واللذين كتب عنهما دانيال كانمان (7، 8) ]."
النتائج الجديدة تعتمد على دراسة (9) نشرت في يناير 2024 في مجلة نتشر السلوك البشري Nature Human Behavior، حيث سلطت المجموعة البحثية التي أجرت الدراسة الضوء على دوري الدوبامين والسيروتونين في السلوك الاجتماعي. "بينما ركزت الدراسات السابقة على النقل العصبي [النقل العصبي هو عملية تفرز فيها نهايات المحاور المشبكية العصبية المفرزة للنواقل العصبية موادًا كيميائية تُعرف بالنواقل العصبية (10)] أثناء اتخاذ القرار، فإن هذه الدراسة استكشفت شيئًا فريدًا بالبشر وهو المحتوى الانفعالي للكلمات المكتوبة،" كما قال سيث باتن Seth Batten، باحث في مختبر مونتاغو والمؤلف الأول للدراسة. "بعكس الحيوانات، يستطيع البشر فهم الكلمات وسياقها ومعناها. تبحث الدراسة في كيف تعالج أنظمة النواقل العصبية الكلمات التي لها تكافؤ انفعالي مختلف [التكافؤ الايجابي المتمثل بالانجذاب والتكافؤ السلبي المتمثل في النفور (5)]، مما يعكس الفرضية القائلة بأن هذه الأنظمة، التي تطورت لإبقائنا على قيد الحياة، تساعدنا أيضًا على تفسير محتوى اللغة.
ورغم أن هذه الدراسة لا تزال في مراحلها الأولى، إلا أن أهميتها تكمن في طبيعتها التأسيسية والأسئلة التي تثيرها للدراسات في المستقبل.
الكلمات المستخدمة في هذه الدراسة استخلصت من قاعدة بيانات المعايير الانفعالية للكلمات الإنجليزية، والتي تصنف الكلمات حسب التكافؤ الانفعالي الإيجابي أو السلبي أو المحايد (4).