2020/12/30 | 0 | 4686
شهادة الزهراشهادة الزهراء (ع)ء (ع)
مسجد الامام علي (ع) بالمطيرفي
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، وعلى أهل بيته الطيبين الطاهرين. واللعنة الدائمة على أعدائهم أعداء الدين.
﴿رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي ~ وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي ~ وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِن لِسَانِي ~ يَفْقَهُوا قَوْلِي﴾().
قال تعالى في محكم كتابه الكريم: ﴿إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ ~ فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ ~ إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ﴾().
لا زلنا أيها الإخوة المؤمنون نعيش ذكرى شهادة السيدة الزهراء (ع) من الذكرى الأولى وهي رواية الأربعين يوماً، التيً تصادف الثامن من ربيع الثاني . إلى الذكرى الثالثة وهي رواية التسعين التي تصادف اليوم الثالث من جمادى الثاني . وكذلك الرواية الوسطى التي تمرعلينا هذه الأيام، وهي رواية الخمسة والسبعين يوماً التي تصادف الثالث عشر من جمادى الأول.
والسيدة الزهراء (ع) خُصّت في القرآن الكريم بآيات عدّة، ومنها هذه السورة المباركة التي تلوناها على مسامعكم، والتي نزلت على رسول الله (ص) عندما انتهى من دفن ابنه بعد وفاته، إذ انتقل ولده عن هذه الدنيا، فاستهزأ به كبار المشركين من قريش، وشمتوا به، ومنهم العاص بن وائل السهمي، والد عمرو بن العاص، فقد جاء إلى رسول الله (ص) بعد دفن ابنه، وهو لا زال عند القبر الشريف، وكان يصفه بالأبتر.
وكان الكفار يتصورون أن النبوة سوف تستمر في عقب النبي (ص) وأبنائه بعد ارتحاله، فلما توفي ابنه فرحوا بذلك، فوصفوه بالأبتر. وهي صفة يُطلقها العرب بإزاء من لا عقب له ولا ذرية، وكانوا يرون أن امتداد النسل ينحصر بالأبناء. فزاد حزن النبي (ص) لشماتتهم وسخريتهم به، فنزل جبريل (ع) من السماء، وأقرأه السلام من السلام، وقرأ له هذه السورة المباركة التي لا تتعدى الآيات الثلاث المذكورة، وهي أصغر سورة في القرآن الكريم، ولكن لها عظيم الشأن والفضل، لا سيما عند قراءتها في الصلوات الواجبة أو المستحبة.
ففي الحديث الشريف عن الإمام الصادق (ع) أنه قال: «من كانت قراءته إنا أعطيناك الكوثر في فرائضه ونوافله، سقاه الله من الكوثر يوم القيامة، وكان متحدثه عند رسول الله في أصل طوبى»().
وعن النبي (ص): «من قرأ هذه السورة سقاه الله تعالى من نهر الكوثر، ومن كل نهر في الجنة، وكتب له عشر حسنات، بعدد كل من قرب قرباناً من الناس يوم النحر. ومن قرأها ليلة الجمعة مائة مرة رأى النبي (صلى الله عليه وآله) في منامه رأي العين، لا يتمثل بغيره من الناس إلا كما يراه»().
لقد نزلت هذه السورة لتهدئة قلب النبي (ص) وإدخال السرور عليه. وقد جعلت السورة الكوثر في مقابل الأبتر، أي جعلت العاص بن وائل هو الأبتر وليس رسول الله (ص). وقد تحقق ذلك الوعد الإلهي، فمن يراجع كتب الأنساب اليوم لا يجد أثراً للعاص بن وائل، فيما يجد نسل رسول الله (ص) يملأ الخافقين، بل هو بالملايين، وليس بالآلاف فقط.
إن فاطمة الزهراء (ع) التي نعيش ذكراها هي المرأة العظيمة التي لولاها لما خلق الله السماوات والأرض، ولولاها لما خلق الخلق، حتى الأنبياء والرسل. فتأملوا عظمة هذه المرأة التي لم تعش سوى ثمانية عشر ربيعاً.
إنها فاطمة (ع) التي لم تكتمل نبوة نبي إلا بمحبتها، وهي الآية الكبرى، والحجة العظمى على جميع المعصومين، فضلاً عن سائر البشرية، والحديث الوارد عن الإمام العسكري (ع) يقول: «نحن حجة الله على الخلق، وفاطمة حجة علينا»(). فهي حجة الله عليهم جميعاً، من أولهم حتى آخرهم.
وهي ليلة القدر، فمن عرفها عرف ليلة القدر وأدركها. ومن أراد أن يدرك ليلة القدر فلا بد أن يعرف فاطمة بنت رسول الله (ص).
والحديث عن الزهراء (ع) لا يقف عند حدّ، فإن تحدثنا عنها من الجانب القرآني نجد أن القرآن الكريم نطق بفضلها ومنزلتها. وإن تحدثنا من جانب السنة النبوية أو أحاديث المعصومين (ع) من أبنائها، نجد أن مقامها لا يطاله مقام. وهكذا في الجانب الاجتماعي والمحيط الذي عاشته. فالزهراء (ع) منهج عمل وتجسيد للرسالة، وتطبيق، وليست شعاراً فقط، ولا انتماء لها فحسب، فهذا كله لا يكفي ولا يفي بالغرض.
ففي ليلة زواجها أهداها النبي (ص) ثوباً، وما أدراك ما ذلك الثوب الذي أهداها إياه! وكان يريد أن يراها في تلك الليلة بذلك الثوب، لكنه رآها في ثوبها المعتاد، فسألها عن ذلك، فطأطأت برأسها وقالت: يا أبتاه، أهديته إحدى بنات الأنصار، التي استشهد أبوها فيما سبق، وهذه ليلة زفافها. فهل نحن مقتدون بالزهراء (ع) التي تهدي ثوب زفافها في ليلة زفافها؟
الزهراء (ع) في القرآن الكريم:
أما الآيات الواردة في حقها، فهي كثيرة، منها:
1 ـ سورة الكوثر: وقد ذكرناها فيما سبق.
2 ـ آية التطهير: ﴿إِنَّما يُريدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهيراً﴾(). فالزهراء (ع) واحدة من أفراد آية التطهير. وقد كان رسول الله (ص) يمر ببيت فاطمة (ع) صبيحة كل يوم، وهو ذاهب إلى المسجد لصلاة الفجر، فيطرق الباب وهو ينادي، الصلاة يا أهل البيت ﴿ إِنَّما يُريدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهيراً﴾.
3 ـ آية المباهلة: وهي قوله تعالى:﴿فَمَنْ حَاجَّكَ فيهِ مِنْ بَعْدِ ما جاءَكَ مِنَ العِلمِ فَقُلْ تَعالَوْا نَدْعُ أَبْناءَنا وَأَبْناءَكُمْ وَنِساءَنا وَنِساءَكُمْ وَأَنْفُسَنا وَأَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَةَ اللهِ عَلَى الْكاذِبينَ﴾(). فقد خرج بها رسول (ص) هي وعلي والحسنان لمباهلة نصارى نجران، وهو أمر معروف ومشهور لدى جميع المسلمين.
4 ـ آيات الإطعام: وهي في سورة الإنسان، أو سورة هل أتى، وهي قوله تعالى: ﴿يُوفُونَ بِالنَّذْرِ وَيَخَافُونَ يَوْماً كَانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيراً ~ وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِيناً وَيَتِيماً وَأَسِيراً ~ إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللهِ لَا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلَا شُكُوراً﴾(). وذلك عندما مرض الحسنان، فطلب رسول الله (ص) من الزهراء (ع) أن تنذر صيام ثلاثة أيام لله إذا شفي الحسنان، فنذرت، وشفي الحسنان، فصاموا اليوم الأول، أملاً أن يفطروا على خبز الشعير، ولكن طرق الباب ذلك اليوم مسكين، فأعطوه ما لديهم من خبز، وأمسكوا حتى اليوم التالي، واكتفوا بالماء. وفي اليوم التالي، وبينما كانوا يستعدون للإفطار، طرق الباب يتيم، فأعطوه ما لديهم من الخبز، وأمسكوا مكتفين بالماء كما فعلوا في اليوم الأول. وهكذا في اليوم الثالث، طرق الباب أسير، ففعلوا كما فعلوا في اليومين الأول والثاني.
وباتوا في مجاعة ومخمصة، وقد أضر بهم الجوع أيما إضرار. وفي اليوم الرابع جاء الإمام علي (ع) بالحسنين إلى رسول الله (ص) وقد بان عليهما الضعف، وكانا يرتعشان من الجوع كالفراخ. فنزل قوله تعالى: ﴿ وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِيناً وَيَتِيماً وَأَسِيراً﴾.
5 ـ آية المودة: وهي قوله تعالى: ﴿قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى﴾().
6 ـ قوله تعالى: ﴿وَآتِ ذَا القُرْبَى حَقَّهُ وَالمِسْكِيْنَ وَابْنَ السَّبِيْلِ﴾(). وذلك بعد أن انتهت معركة خيبر، حيث كانت هناك مجموعة من اليهود مجاورة لفدك، قد طلبت عقد معاهدة مع رسول الله (ص) تسلمه بموجبها نصف أرض فدك، فسلمته إياها. ثم نزلت هذه الآية مباشرةً، فقام رسول الله (ص) بتسليم فدك لفاطمة (ص). وكان هذا التسليم بأمر من الله تعالى كما هو واضح. وطلب من فاطمة (ع) أن تباشر العمل بهذه الأرض بواسطة علي (ع) كي يترسخ في أذهان المسلمين جميعاً أن هذه الأرض لفاطمة (ع). فكان علي (ع) يستعمل فيها الفلاحين، ويأتي بمردودها للزهراء (ع). وكانت سلام الله عليها تتصدق بما يأتيها من فدك على عوائل المهاجرين والأنصار، حتى لا يبقى في بيتها منه شيء. وبقيت في يد فاطمة (ع) إلى أن رحل رسول الله (ص) فأُخذت منها كما هو معروف مشهور.
هذا ما أحببنا أن نتطرق إليه في هذه المناسبة، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
جديد الموقع
- 2024-10-31 العمل الفردي ومعضلة الاستمرارية.
- 2024-10-31 دع الكتب تمضي
- 2024-10-31 يعيشون بيننا - الأستاذ المرحوم أحمد الحبابي
- 2024-10-31 تقنية الطباعة ثلاثية الأبعاد
- 2024-10-31 قراءة في ديوان الشاعر محمد الحرز ( مشّاؤون بأنفاس الغزلان) -تمثيل وتشخيص وترجمة سرديّة وأمثولات رمزية وتوغُل في صميم التجريب.
- 2024-10-31 جمعية أدباء بالاحساء تعقد جلسة أنسها الأدبية الثامنة
- 2024-10-31 الروضة بالاحساء ينظم برنامج كبارنا معلمو الحياة
- 2024-10-31 متلازمة القلب المنكسر؟ - ومسائل انفعالية أخرى
- 2024-10-30 الكتاب المسموع منافس أم مكمل؟
- 2024-10-30 مفارقة اللذة