2009/09/01 | 3 | 5446
المفاهيم القرآنية في الصحيفة السجادية (3)
إننا في الواقع نعتقد كما قلنا أن الصحيفة هي (أخت القرآن) ونقصد بذلك أنها تتحدث عن مفاهيم القرآن فكراً وروحاً، إما بشكل مباشر أو من خلال معانٍ تضمنية لمفهوم القرآن، وليست أخت القرآن بمعنى أنها قرآن ثان أو أنها تغني عن القرآن. وكيف يغني عن القرآن ما هو مستوحى منه ؟!. كلا ، بل هي كما قلنا .
وعلى كل حال فإن في بيان الموافقة بين هذا الدعاء وبين القرآن كفاية في رد هذه التهمة :
جزاء الحمد:
الحمد لله الذي هدانا لأن نحمده ونذكره بالجميل وجعلنا من أهل الحمد (وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَٰذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلَا أَنْ هَدَانَا اللَّهُ) ﴿الأعراف: ٤٣﴾ -لأن الحامد شاكر لإحسان الله تعالى- ليجزينا بحمدنا هذا جزاء المحسنين (فَأَثَابَهُمُ اللَّهُ بِمَا قَالُوا جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَٰلِكَ جَزَاءُ الْمُحْسِنِينَ) ﴿المائدة: ٨٥﴾ فمَن حَمِدَ أحْسَن ومن أحسنَ جوزي خيرا و (هَلْ جَزَاءُ الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ) ﴿الرحمن: ٦٠﴾.
وهذا معنى قوله عليه السلام: (الْحَمْدُ للهِ الَّذِي هَدَانَا لِحَمْدِهِ، وَجَعَلَنَا مِنْ أَهْلِهِ، لِنَكُونَ لاحْسَانِهِ مِنَ الشَّاكِرِينَ، وَلِيَجْزِيَنَا عَلَى ذلِكَ جَزَآءَ الْمُحْسِنِينَ).
الهداية للإسلام:
والحمد لله الذي حبانا بدينه الإسلام (إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ) ﴿آل عمران: ١٩﴾ وجعلنا من أهل الطريقة التي اختارها للبشر وأدخلنا في سبل إحسانه (وَقَدْ هَدَانَا سُبُلَنَا ) ﴿ابراهيم: ١٢﴾ و(لِّتَسْلُكُوا مِنْهَا سُبُلًا فِجَاجًا) ﴿نوح: ٢٠﴾ تفضلاً وإحساناً لنسير فيها بمنه ولطفه فننتهي إلى رضوانه (وَاتَّبَعُوا رِضْوَانَ اللَّهِ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ) ﴿آل عمران: ١٧٤﴾ حمدا لا تشوبه شائبة ويرضى به عنا (أَفَمَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَ اللَّهِ كَمَن بَاءَ بِسَخَطٍ مِّنَ اللَّهِ وَمَأْوَاهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ) ﴿آل عمران: ١٦٢﴾
وهذا معنى قوله عليه السلام : (وَالْحَمْدُ للهِ الَّذِي حَبَانَا بِدِينِهِ، وَاخْتَصَّنَا بِمِلَّتِهِ، وَسَبَّلَنَا فِي سُبُلِ إحْسَانِهِ، لِنَسْلُكَهَا بِمَنِّهِ إلَى رِضْوَانِهِ، حَمْدَاً يَتَقَبَّلُهُ مِنَّا، وَيَرْضَى بِهِ عَنَّا).
شهر رمضان طريق لرضا الرب:
والحمد لله الذي جعل شهر رمضان من الطرق المؤدية لرضاه وهو شهره وهو شهر الصيام (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) ﴿البقرة: ١٨٣﴾ وشهر الإسلام، والإضافة إلى الإسلام لأن الإسلام قرر فيه الصيام وشهر الطهور لأن الإنسان يطهر فيه من أدران المعصية (يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) ﴿المائدة: ٦﴾ وهو شهر التمحيص أي: الابتلاء والاختبار، لأنه يظهر فيه المطيع من العاصي (وَلِيُمَحِّصَ مَا فِي قُلُوبِكُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ) ﴿آل عمران: ١٥٤﴾ وشهر القيام الذي يستحب فيه قيام الليالي بالعبادة، وقد أمرنا الله بذلك وحثنا عليه في آيات متعددة منها (فَإِذَا قَضَيْتُمُ الصَّلَاةَ فَاذْكُرُوا اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَىٰ جُنُوبِكُمْ فَإِذَا اطْمَأْنَنتُمْ فَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَّوْقُوتًا) ﴿النساء: ١٠٣﴾ وقوله تعالى: (وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّدًا وَقِيَامًا) ﴿٦٤﴾ الفرقان.
وقد ذكر الإمام في ضمن الدعاء الآية الكريمة (الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَىٰ وَالْفُرْقَانِ) وهي جزء من قوله تعالى (شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَىٰ وَالْفُرْقَانِ فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَن كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَىٰ سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَىٰ مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) ﴿البقرة: ١٨٥﴾.
شهر رمضان هو الشهر الذي فرض فيه الصيام، وهو الذي أنزل فيه القرآن، هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان، أي معيار معرفة الحق والباطل.
وهذا معنى قول الإمام: (وَالْحَمْدُ لِلّه الَّذِي جَعَلَ مِنْ تِلْكَ السُّبُلِ شَهْرَهُ شَهْرَ رَمَضَانَ، شَهْرَ الصِّيَامِ، وَشَهْرَ الاِسْلاَم، وَشَهْرَ الطَّهُورِ، وَشَهْرَ التَّمْحِيْصِ، وَشَهْرَ الْقِيَامِ، الَّذِي أُنْزِلَ فِيْهِ الْقُرْآنُ هُدىً لِلنَّاسِ، وَبَيِّنَات مِنَ الْهُدى وَالْفُرْقَانِ).
فضل شهر رمضان على بقية الشهور:
لقد أظهر الله أفضلية شهر رمضان على بقية الشهور بما جعل لشهر رمضان من الاحترام والتقدير والإكرام، فقد جعل فيه ليلة القدر وهي خير من ألف شهر (لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِّنْ أَلْفِ شَهْرٍ) وحرم فيه ما أحله في غيره، كالأكل والشرب والجماع وسائر المفطرات وجعل له وقتا محدداً وهو الشهر التاسع من الشهور القمرية فلا يكون قبل ذلك كأن يصوم في رجب أو شعبان مثلاً ولا يكون بعد كأن يكون في شوال مثلا حيث قال (شَهْرُ رَمَضَانَ ..... فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ) وقد فضل فيه ليلة من لياليه وجعلها خيراً من ألف شهر وسماها ليلة القدر لأن في هذه الليلة تقدر أمور الخلائق إلى العام القابل (فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ) ﴿الدخان: ٤﴾ ثم ضمن دعاءه قوله تعالى (تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِم مِّن كُلِّ أَمْرٍ) بمعنى أن الملائكة والروح تتنزل في هذه الليلة بأمر ربهم لتقدير كل أمر من الأمور (سَلَامٌ هِيَ حَتَّىٰ مَطْلَعِ الْفَجْرِ) وهذه الآية تصف الليلة بأنها مفعمة بالخير والسلامة والرحمة حتى الصباح. القرآن نزل فيها ، وعبادتها تعادل عبادة ألف شهر، وفيها تنزل الخيرات والبركات، وبها يحظى العباد برحمة خاصة ، كما أن الملائكة والروح تتنزل فيها من أول الليل إلى الصبح على من يشاء من عباده.
وهذا معنى قوله عليه السلام: (فَأَبَانَ فَضِيْلَتَهُ عَلَى سَائِرِ الشُّهُورِ بِمَا جَعَلَ لَهُ مِنَ الْحُرُمَاتِ الْمَوْفُورَةِ وَالْفَضَائِلِ الْمَشْهُورَةِ، فَحَرَّمَ فِيْهِ ما أَحَلَّ فِي غَيْرِهِ إعْظَاماً، وَحَجَرَ فِيْهِ الْمَطَاعِمَ وَالْمَشَارِبَ إكْرَاماً، وَجَعَلَ لَهُ وَقْتاً بَيِّناً لاَ يُجِيزُ جَلَّ وَعَزَّ أَنْ يُقَدَّمَ قَبْلَهُ، وَلا يَقْبَـلُ أَنْ يُؤَخَّرَ عَنْهُ، ثُمَّ فَضَّلَ لَيْلَةً وَاحِدَةً مِنْ لَيَالِيهِ عَلَى لَيَالِي أَلْفِ شَهْر، وَسَمَّاهَا لَيْلَةَ الْقَدْرِ، تَنَزَّلُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْر، سَلاَمٌ دَائِمُ الْبَرَكَةِ إلَى طُلُوعِ الْفَجْرِ، عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ بِمَا أَحْكَمَ مِنْ قَضَائِهِ).
معرفة فضل الشهر:
وعَرِّفنا يا رب فضل هذا الشهر بأن تلهمنا معرفة فضل شهر رمضان حتى نعظم حرمته، وألهمنا بأن نحفظ أنفسنا عن المحرمات ( إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ) ﴿يونس: ١٥﴾ واحفظ أعضاءنا عن عصيانك فإن حفظ الجوارح عن العصيان من آداب الصوم، واستعمل جوارحنا فيه بما يرضيك من طاعتك حتى لا نصغي بأسماعنا إلى لغو الكلام (وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ) ﴿المؤمنون: ٣﴾ واجعلنا مصداق قولك (وَإِذَا سَمِعُوا اللَّغْوَ أَعْرَضُوا عَنْهُ وَقَالُوا لَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ لَا نَبْتَغِي الْجَاهِلِينَ) ﴿القصص: ٥٥﴾
وأبعدنا عما يلهينا عن أمرك (الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَهُمْ لَهْوًا وَلَعِبًا وَغَرَّتْهُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا فَالْيَوْمَ نَنسَاهُمْ كَمَا نَسُوا لِقَاءَ يَوْمِهِمْ هَٰذَا وَمَا كَانُوا بِآيَاتِنَا يَجْحَدُونَ) ﴿الأعراف: ٥١﴾ وحتى لا نمد أيدينا إلى حرام كالسرقة وما أشبهها (وَلَا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَىٰ عُنُقِكَ وَلَا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُومًا مَّحْسُورًا) ﴿الإسراء: ٢٩﴾ ولا نخطو بأقدامنا إلى ما حجرته ومنعته كأن نذهب إلى محل المعاصي وحتى لا تشتمل بطوننا إلا ما أحللت فلا نأكل الحرام ولا نكون ممن قلت فيهم (أُولَٰئِكَ مَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ إِلَّا النَّارَ وَلَا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ) ﴿البقرة: ١٧٤﴾ وذلك قوله تعالى : ( يَسْأَلُونَكَ مَاذَا أُحِلَّ لَهُمْ قُلْ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَمَا عَلَّمْتُم مِّنَ الْجَوَارِحِ مُكَلِّبِينَ تُعَلِّمُونَهُنَّ مِمَّا عَلَّمَكُمُ اللَّهُ فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ وَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ) ﴿المائدة: ٤﴾ ولا تنطق ألسنتنا إلا بما حدثت لأنه في يوم القيامة (تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُم بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) ﴿النور: ٢٤﴾ ولا نعمل إلا ما يقرب من ثوابك من الطاعات والعبادات (مَّن كَانَ يُرِيدُ ثَوَابَ الدُّنْيَا فَعِندَ اللَّهِ ثَوَابُ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَكَانَ اللَّهُ سَمِيعًا بَصِيرًا) ﴿النساء: ١٣٤﴾ ولا نعمل إلا الذي يحفظ من عقابك ونارك بأن نترك المحرم ونأتي بالواجب ونتوب ثم خلص ذلك العمل كله حتى يكون كله خالصاً من رياء المرائين (الَّذِينَ هُمْ يُرَاءُونَ) ﴿الماعون: ٦﴾ حتى لا تكون أعمالنا الصالحة لأجل رؤية الناس فإنه يذهب بالثواب ويوجب العقاب لأنك (شَدِيدُ الْعِقَابِ) ﴿البقرة: ٢١١﴾ ولا تجعلني عاملاً لأجل أن أسمع الناس كما يعمل بعض الناس للسمعة فإنني لا أشرك في العمل أحداً دونك (إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ) ( ذَٰلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِن دُونِهِ هُوَ الْبَاطِلُ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ) ﴿الحج: ٦٢﴾ بأن نعمل لك لا لغيرك ولا نبتغي فيه مراداً سواك فلا نطلب بعملنا رضا غيرك (وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّن يَدْعُو مِن دُونِ اللَّهِ مَن لَّا يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلَىٰ يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَهُمْ عَن دُعَائِهِمْ غَافِلُونَ) ﴿الأحقاف: ٥﴾ ( يَدْعُو مِن دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَضُرُّهُ وَمَا لَا يَنفَعُهُ ذَٰلِكَ هُوَ الضَّلَالُ الْبَعِيدُ) ﴿الحج: ١٢﴾
وهذا معنى قول الإمام عليه السلام: (اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّد وَآلِهِ، وَأَلْهِمْنَا مَعْرِفَةَ فَضْلِهِ وَإِجْلاَلَ حُرْمَتِهِ وَالتَّحَفُّظَ مِمَّا حَظَرْتَ فِيهِ وَأَعِنَّـا عَلَى صِيَـامِـهِ بِكَفِّ الْجَـوَارِحِ عَنْ مَعَاصِيْكَ، وَاسْتِعْمَالِهَا فِيهِ بِمَا يُرْضِيْكَ حَتَّى لاَ نُصْغِي بِأَسْمَاعِنَا إلَى لَغْو، وَلا نُسْرِعُ بِأَبْصَارِنَا إلَى لَهْو، وَحَتَّى لاَ نَبْسُطَ أَيْدِيَنَا إلَى مَحْظُور، وَلاَ نَخْطُوَ بِأَقْدَامِنَا إلَى مَحْجُور، وَحَتَّى لاَ تَعِيَ بُطُونُنَا إلاَّ مَا أَحْلَلْتَ، وَلا تَنْطِقَ أَلْسِنَتُنَا إلاَّ بِمَا مَثَّلْتَ وَلا نَتَكَلَّفَ إلاَّ ما يُدْنِي مِنْ ثَوَابِكَ، وَلاَ نَتَعَاطَى إلاّ الَّذِي يَقِيْ مِنْ عِقَابِكَ، ثُمَّ خَلِّصْ ذَلِكَ كُلَّهُ مِنْ رِئآءِ الْمُرَائِينَ وَسُمْعَةِ الْمُسْمِعِينَ، لاَ نَشْرِكُ فِيهِ أَحَداً دُونَكَ، وَلا نَبْتَغِيْ فِيهِ مُرَاداً سِوَاكَ).
المحافظة على الصلوات:
اللهم وعلمنا في شهرك الكريم على مواقيت الصلوات بأن نصليها لوقتها(وَهُمْ عَلَىٰ صَلَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ ﴿الأنعام: ٩٢﴾ وهي الصبح والظهران والعشاءان (حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَىٰ وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ) ﴿البقرة: ٢٣٨﴾ بحدودها التي حددت من الآداب والشرائط، وواجباتها التي فرضت، ووظائفها التي وظفت، وأوقاتها فإن لكل صلاة وقتاً خاصاً بها (أَقِمِ الصَّلَاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَىٰ غَسَقِ اللَّيْلِ وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا) ﴿الإسراء: ٧٨﴾ وأنزِلْنا في هذه الصلوات الخمس اليومية منزلة المصيبين لمنازلها، بأن نكون نازلين في المنزلة التي ينبغي أن ينزل الإنسان فيها، الحافظين لأركانها الأساسية وهي النية والقيام وتكبيرة الإحرام والركوع والسجود، المؤدين لها في أوقاتها الخاصة بها حتى لا نؤخر الصلاة عن وقتها (وَالَّذِينَ هُمْ عَلَىٰ صَلَوَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ) ﴿المؤمنون: ٩﴾ على ما سنه وبينه عبدك ورسولك محمد (صلواتك عليه وآله) في ركوعها وسجودها (رِجَالٌ لَّا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَن ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ) ﴿النور: ٣٧﴾ وجميع فواضلها في حال كون إتياننا بها بطهارة تامة بإسباغ الوضوء حتى نكون خاشعين في الصلاة خشوعاً بيناً ظاهراً بالغاً منه الحد المرغوب فيه شرعا (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ وَإِن كُنتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا وَإِن كُنتُم مَّرْضَىٰ أَوْ عَلَىٰ سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِّنكُم مِّنَ الْغَائِطِ أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُم مِّنْهُ مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُم مِّنْ حَرَجٍ وَلَٰكِن يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) ﴿المائدة: ٦﴾
وهذا معنى قول الإمام عليه السلام : (اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّد وَآلِهِ، وَقِفْنَـا فِيْـهِ عَلَى مَـوَاقِيْتِ الصَّلَوَاتِ الْخَمْس بِحُدُودِهَا الَّتِي حَدَّدْتَ، وَفُرُوضِهَا الَّتِي فَرَضْتَ وَوَظَائِفِهَا الَّتِي وَظَّفْتَ، وَأَوْقَاتِهَا الَّتِي وَقَّتَّ، وَأَنْزِلْنَا فِيهَا مَنْزِلَةَ الْمُصِيْبينَ لِمَنَازِلِهَا الْحَافِظِينَ لاِرْكَانِهَا الْمُؤَدِّينَ لَهَـا فِي أَوْقَاتِهَـا عَلَى مَا سَنَّـهُ عَبْدُكَ وَرَسُـولُكَ صَلَوَاتُـكَ عَلَيْهِ وَآلِـهِ فِي رُكُوعِهَا وَسُجُودِهَا وَجَمِيْعِ فَوَاضِلِهَا عَلَى أَتَمِّ الطَّهُورِ، وَأَسْبَغِهِ وَأَبْيَنِ الْخُشُوعِ وَأَبْلَغِهِ).
التوفيق للأعمال الصالحة في هذا الشهر:
ووفقنا في شهر رمضان لأن نصل فيه أرحامنا كما قال تعالى: (وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ) وقال تعالى (فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِن تَوَلَّيْتُمْ أَن تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ) ﴿محمد: ٢٢﴾، وقال تعالى (وَالَّذِينَ يَصِلُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَن يُوصَلَ وَيَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ وَيَخَافُونَ سُوءَ الْحِسَابِ) ﴿الرعد: ٢١﴾ فإن صلة الرحم واجبة ولها فضل في شهر رمضان، وأن نصلهم بالبر كإعطاء المال إليهم (...وَلَٰكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَىٰ حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَىٰ وَالْيَتَامَىٰ وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ أُولَٰئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ) ﴿البقرة: ١٧٧﴾ والصلة تكون بالمراودة وما أشبه وأن نتعاهد جيراننا بالإفضال بأن نتفضل عليهم بالزيارة ونحوها والعطية بمعنى إعطائهم المال ونحوه (وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَىٰ وَالْيَتَامَىٰ وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَىٰ وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ مَن كَانَ مُخْتَالًا فَخُورًا) ﴿النساء: ٣٦﴾
وأن نعطي الناس حقوقهم من المال (وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَّعْلُومٌ ﴿٢٤﴾ لِّلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ ﴿٢٥﴾ وأن نزكي تلك الأموال (خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِم بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلَاتَكَ سَكَنٌ لَّهُمْ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ) ﴿التوبة: ١٠٣﴾ فإن الزكاة تطهر المال (وَمَثَلُ الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ وَتَثْبِيتًا مِّنْ أَنفُسِهِمْ كَمَثَلِ جَنَّةٍ بِرَبْوَةٍ أَصَابَهَا وَابِلٌ فَآتَتْ أُكُلَهَا ضِعْفَيْنِ فَإِن لَّمْ يُصِبْهَا وَابِلٌ فَطَلٌّ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ) ﴿البقرة: ٢٦٥﴾
وأن نعود من ابتعد عنا حتى لو كان هو من ابتدأ، فإن الإنسان الخير هو الذي يبتدئ بالمراجعة، وأن لا نتعدى على من ظلمنا فإنه كثيراً ما يعتدي المظلوم على الظالم بقول أو عمل أو غير ذلك (فَمَنِ اعْتَدَىٰ عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَىٰ عَلَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ) ﴿البقرة: ١٩٤﴾ (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ) ﴿البقرة: ٢٠٨﴾ وأن نسالم من عادانا (وَأَن تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوَىٰ) ، (وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ ﴿فصلت: ٣٤﴾ (وَإِن جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ ۚ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ) ﴿٦١﴾ بأن لا نعاديه أي أننا نغلّب جانب المسالمة على جانب المحاربة ، باستثناء الذي نعاديه لأجلك لأنه خلاف الدين، كما قال تعالى (لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ) ولأجلك فإننا لا نصادقه ولا نسالمه، وكذلك الحزب والجمع الذي لا نتمكن من الصداقة معه.
وأن نتقرب إليك في شهر رمضان بالأعمال الزاكية (جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَٰلِكَ جَزَاءُ مَن تَزَكَّىٰ) ﴿طه: ٧٦﴾ والمراد بها الأعمال الصالحة (وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَٰئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ) ﴿البقرة: ٨٢﴾ والأعمال التي تسبب طهارتنا من الآثام، فإن الحسنات يذهبن السيئات (قَدْ أَفْلَحَ مَن تَزَكَّىٰ) ﴿الأعلى: ١٤﴾ و (قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا) ﴿الشمس: ٩﴾
واحفظنا في هذا الشهر (قُلْ مَن ذَا الَّذِي يَعْصِمُكُم مِّنَ اللَّهِ إِنْ أَرَادَ بِكُمْ سُوءًا أَوْ أَرَادَ بِكُمْ رَحْمَةً وَلَا يَجِدُونَ لَهُم مِّن دُونِ اللَّهِ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا) ﴿الأحزاب: ١٧﴾ مما نريد تجدده واستئنافه من العيوب والآثام حتى لا يورد عليك أحد من ملائكتك الحاملين لطاعات العباد (مَالِ هَٰذَا الْكِتَابِ لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا) ﴿الكهف: ٤٩﴾ إلا ما هو من أبواب الطاعة لك فتكون طاعتنا أكثر من طاعة الجميع (وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَٰئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَٰئِكَ رَفِيقًا) ﴿النساء: ٦٩﴾ بما فيهم الملائكة وقربنا إليك.
وهذا معنى قول الإمام عليه السلام: (وَوَفِّقْنَا فِيهِ لاِنْ نَصِلَ أَرْحَامَنَا بِالبِرِّ وَالصِّلَةِ وَأَنْ نَتَعَاهَدَ جِيرَانَنَا بِالاِفْضَالِ وَالْعَطِيَّةِ وَأَنْ نُخَلِّصَ أَمْوَالَنَا مِنَ التَّبِعَاتِ، وَأَنْ نُطَهِّرَهَا بِإخْرَاجِ الزَّكَوَاتِ، وَأَنْ نُرَاجِعَ مَنْ هَاجَرَنَـا وَأَنْ نُنْصِفَ مَنْ ظَلَمَنَا وَأَنْ نُسَـالِمَ مَنْ عَادَانَا حَاشَا مَنْ عُودِيَ فِيْكَ وَلَكَ، فَإنَّهُ الْعَدُوُّ الَّذِي لاَ نُوالِيهِ، وَالحِزْبُ الَّذِي لاَ نُصَافِيهِ. وَأَنْ نَتَقَرَّبَ إلَيْكَ فِيْهِ مِنَ الاَعْمَالِ الزَّاكِيَةِ بِمَا تُطَهِّرُنا بِهِ مِنَ الذُّنُوبِ، وَتَعْصِمُنَا فِيهِ مِمَّا نَسْتَأنِفُ مِنَ الْعُيُوبِ، حَتَّى لا يُورِدَ عَلَيْكَ أَحَدٌ مِنْ مَلاَئِكَتِكَ إلاّ دُونَ مَا نُورِدُ مِنْ أَبْوابِ الطَّاعَةِ لَكَ، وَأَنْوَاعِ القُرْبَةِ إلَيْكَ).
السؤال بحق الشهر الفضيل:
اللهم إني أسألك يا رب بحق شهر رمضان وبحق من أطاعك في هذا الشهر (وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَمَن يَتَوَلَّ يُعَذِّبْهُ عَذَابًا أَلِيمًا) ﴿الفتح: ١٧﴾ من ابتدائه إلى انتهائه من ملك قربته إلى ذاتك الكريمة، وبحق كل من له شأن لديك نبيا كان أو ملكا أو عبدا تقيا اختصصته بكرامة من عندك، لكثرة صلاحه وطاعته (لَّن يَسْتَنكِفَ الْمَسِيحُ أَن يَكُونَ عَبْدًا لِّلَّهِ وَلَا الْمَلَائِكَةُ الْمُقَرَّبُونَ) ﴿النساء: ١٧٢﴾ واجعلنا أهلاً في هذا الشهر لما وعدت أولياءك من كرامتك حتى نكون كأحدهم وأوجب لنا في هذا الشهر ما أوجبت لأهل المبالغة في طاعتك (لَّا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ) ﴿التحريم: ٦﴾ الذين يكثرون في الطاعة ويبالغون فيها، واجعلنا في عداد من استحق الرفيع الأعلى الذي ليس فوقه رفعة برحمتك وفضلك لا باستحقاق منا.
وهذا معنى قوله عليه السلام: (أللَّهُمَّ إنِّي أَسْأَلُكَ بِحَقِّ هَذَا الشَّهْرِ، وَبِحَقِّ مَنْ تَعَبَّدَ لَكَ فِيهِ مِنِ ابْتِدَائِهِ إلَى وَقْتِ فَنَائِهِ مِنْ مَلَك قَرَّبْتَهُ أَوْ نَبِيٍّ أَرْسَلْتَهُ أَوْ عَبْد صَالِح اخْتَصَصْتَهُ أَنْ تُصَلِّيَ عَلَى مُحَمَّد وَآلِهِ، وَأَهِّلْنَا فِيهِ لِمَا وَعَدْتَ أَوْلِياءَكَ مِنْ كَرَامَتِكَ، وَأَوْجِبْ لَنَا فِيهِ مَا أَوْجَبْتَ لاِهْلِ الْمُبَالَغَةِ فِي طَاعَتِكَ، وَاجْعَلْنَا فِي نَظْمِ مَنِ اسْتَحَقَّ الرَّفِيْعَ الاعْلَى بِرَحْمَتِكَ).
اللهم جنبنا الإلحاد والشك
وجنبنا الميل (الإلحاد) في توحيدك كأن نعمل رياءً أو سمعة -مما هو شرك له سبحانه في العمل- لأن الله (لَا يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَٰلِكَ لِمَن يَشَاءُ) ﴿النساء: ٤٨﴾ ولأنه ( مَن يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنصَارٍ) ﴿المائدة: ٧٢﴾ والمراد الأعم من الشرك الجلي والشرك الخفي.
وجنبنا التقصير في مدحك والشك في دينك أي في الإسلام (إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللَّهِ الْإِسْلام) حتى لا نشك فيه (قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِن كُنتُمْ فِي شَكٍّ مِّن دِينِي فَلَا أَعْبُدُ الَّذِينَ تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ وَلَٰكِنْ أَعْبُدُ اللَّهَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ) ﴿يونس: ١٠٤﴾ وجنبنا العمى عن طريقك بأن لا نراه فنسلك غيره، كالأعمى الذي يسلك غير الطريق (فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ وَقِهِمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ) ﴿غافر: ٧﴾ والإغفال عن حرمتك فلا نحترم ما جعلته محترماً بأن ننخدع لعدوك الشيطان الرجيم (وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) ﴿الأنعام: ٤٣﴾ (وَإِذْ زَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ وَقَالَ لَا غَالِبَ لَكُمُ الْيَوْمَ مِنَ النَّاسِ وَإِنِّي جَارٌ لَّكُمْ فَلَمَّا تَرَاءَتِ الْفِئَتَانِ نَكَصَ عَلَىٰ عَقِبَيْهِ وَقَالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِّنكُمْ إِنِّي أَرَىٰ مَا لَا تَرَوْنَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ وَاللَّهُ شَدِيدُ الْعِقَابِ) ﴿الأنفال: ٤٨﴾ (وَمَن يَكُنِ الشَّيْطَانُ لَهُ قَرِينًا فَسَاءَ قَرِينًا) ﴿النساء: ٣٨﴾ المرجوم باللعن كما يرجم الشخص بالحجارة (وَمَن يَتَّخِذِ الشَّيْطَانَ وَلِيًّا مِّن دُونِ اللَّهِ فَقَدْ خَسِرَ خُسْرَانًا مُّبِينًا) ﴿النساء: ١١٩﴾.
وهذا معنى قوله عليه السلام: (اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّد وَآلِهِ، َجَنِّبْنَا الالْحَادَ فِي تَوْحِيدِكَ وَالتَّقْصِيرَ فِي تَمْجِيدِكَ وَالشَّكَّ فِي دِينِـكَ وَالْعَمَى عَنْ سَبِيْلِكَ وَالاغْفَالَ لِحُرْمَتِكَ، وَالانْخِدَاعَ لِعَدُوِّكَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ).
فكاك الرقاب:
اللهم وإن كان لك في كل ليلة من ليالي شهرنا هذا رقاب تعتقها فاعتق رقابنا (فَكُّ رَقَبَةٍ) ﴿البلد: ١٣﴾ من النار بعفوك (فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاصْفَحْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ) ﴿المائدة: ١٣﴾ وغفرانك (غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ) ﴿البقرة: ٢٨٥﴾ وصفحك (فَاصْفَحِ الصَّفْحَ الْجَمِيلَ) ﴿الحجر: ٨٥﴾ أي: عفوك، والأصل أن الإنسان إذا عفا عن شخص أعطاه صفحه كأنه لم ير ما ارتكب، فاجعل رقابنا من تلك الرقاب التي تعفو عنها لأنك يا ربي (الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَعْفُو عَنِ السَّيِّئَاتِ وَيَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ) ﴿الشورى: ٢٥﴾ واجعلنا من خير من صحب هذا الشهر الكريم.
وهذا معنى قوله عليه السلام: (اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّد وَآلِهِ وَإذَا كَانَ لَكَ فِيْ كُلِّ لَيْلَة مِنْ لَيَالِيْ شَهْرِنَا هَذَا رِقَابٌ يُعْتِقُهَا عَفْوُكَ أَوْ يَهَبُهَا صَفْحُكَ فَاجْعَلْ رِقَابَنَا مِنْ تِلْكَ الرِّقَابِ وَاجْعَلْنَا لِشَهْرِنَا مِنْ خَيْرِ أَهْل وَأَصْحَاب).
الخلاص من الذنوب والسيئات:
وامحُ يا ربي ذنوبنا مع دخول هلال شهر رمضان في المحاق، لأنك يا ربي (غَافِرِ الذَّنبِ وَقَابِلِ التَّوْبِ) ﴿غافر: ٣﴾ كما فعلت برسولك (لِّيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِن ذَنبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ وَيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَيَهْدِيَكَ صِرَاطًا مُّسْتَقِيمًا) ﴿الفتح: ٢﴾ وانزع عنا ذنوبنا مع تمام أيام الشهر حتى يخرج الشهر ولا ذنب علينا ولا خطيئة لنا (وَالَّذِي أَطْمَعُ أَن يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّينِ) ﴿الشعراء: ٨٢﴾ وقد أخلصتنا فيه من السيئات (وَقِهِمُ السَّيِّئَاتِ وَمَن تَقِ السَّيِّئَاتِ يَوْمَئِذٍ فَقَدْ رَحِمْتَهُ وَذَٰلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ) ﴿غافر: ٩﴾ فلا سيئة علينا.
وهذا معنى قوله عليه السلام: (اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّد وَآلِهِ وَامْحَقْ ذُنُوبَنَا مَعَ امِّحاقِ هِلاَلِهِ وَاسْلَخْ عَنَّا تَبِعَاتِنَا مَعَ انْسِلاَخِ أَيَّامِهِ حَتَّى يَنْقَضِي عَنَّا وَقَدْ صَفَّيْتَنَا فِيهِ مِنَ الْخَطِيئاتِ، وَأَخْلَصْتَنَا فِيهِ مِنَ السَّيِّئاتِ).
البعد عن الهوى والانحراف:
اللهم وإن ملنا عن الطاعة إلى المعصية في شهر رمضان فعدلنا حتى لا نميل مع الهوى، وإن زغنا فيه أي ملنا وانحرفنا فقومنا حتى لا نزيغ (فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ) ﴿الصف: ٥﴾ ، وإن استحوذ علينا عدوك الشيطان كأنه شيء يغشى الإنسان من جميع جوانبه فخلصنا من وسوسته وكيده (فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ) ﴿النحل: ٩٨﴾ اللهم املأ شهر رمضان بعبادتنا إياك حتى يكون شهراً مليئاً بالعبادة (إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ) ﴿الفاتحة: ٥﴾ وزين أوقاته بطاعتنا لك وأعنا في نهاره على صيامه بأن نصوم بتوفيقك، وفي ليله على الصلاة والتضرع والاستكانة والبكاء إليك وما أشبه (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا) ﴿الأحزاب: ٤١﴾ والخضوع لك (الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ) ﴿المؤمنون: ٢﴾ والذلة بين يديك حتى لا يشهد نهاره علينا بأنا كنا غافلين عنك (يَا وَيْلَنَا قَدْ كُنَّا فِي غَفْلَةٍ مِّنْ هَٰذَا بَلْ كُنَّا ظَالِمِينَ) ﴿الأنبياء: ٩٧﴾ ، (لَّقَدْ كُنتَ فِي غَفْلَةٍ مِّنْ هَٰذَا فَكَشَفْنَا عَنكَ غِطَاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ) ﴿ق: ٢٢﴾ ولا ليله بتفريط بأن فرطنا ولم نكسب أجراً (يَا حَسْرَتَنَا عَلَىٰ مَا فَرَّطْنَا فِيهَا).
وهذا معنى قوله عليه السلام: (اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّد وَآلِهِ، وَإنْ مِلْنَا فِيهِ فَعَدِّلْنا، وَإنْ زِغْنَا فِيهِ فَقَوِّمْنَا، وَإنِ اشْتَمَلَ عَلَيْنَا عَدُوُّكَ الشَّيْطَانُ فَاسْتَنْقِذْنَا مِنْهُ. أللَهُمَّ اشْحَنْهُ بِعِبَادَتِنَا إيَّاكَ، وَزَيِّنْ أَوْقَاتَهُ بِطَاعَتِنَا لَكَ، وَأَعِنَّا فِي نَهَـارِهِ عَلَى صِيَـامِـهِ، وَفِي لَيْلِهِ عَلَى الصَّـلاَةِ وَالتَّضَرُّعِ إلَيْكَ وَالخُشُوعِ لَكَ، وَالذِّلَّةِ بَيْنَ يَدَيْكَ حَتَّى لا يَشْهَدَ نَهَارُهُ عَلَيْنَا بِغَفْلَة، وَلا لَيْلُهُ بِتَفْرِيط).
الصالحون من العباد:
اللهم واجعلنا في سائر الشهور والأيام من شهور السنة الأحد عشر، غير أيام رمضان في طاعتك وعبادتك والخضوع لك طيلة إبقائك لنا في دار الدنيا، واجعلنا من عبادك الصالحين الذين يرثون الفردوس.
وقد ضمن الإمام دعاءه بثلاث آيات من آيات سورة المؤمنون وهي تَمَنٍّ بأن يجعلنا من (الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ) ﴿المؤمنون: ١١﴾ ومن (وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوا وَّقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَىٰ رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ) ﴿المؤمنون: ٦٠﴾ ومن الذين (يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ) ﴿المؤمنون: ٦١﴾
وهذه صفات المؤمن وقد تناولتها الآية الكريمة (يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَأُولَٰئِكَ مِنَ الصَّالِحِينَ) ﴿آل عمران: ١١٤﴾
وهذا معنى قوله عليه السلام: (اللَّهُمَّ وَاجْعَلْنَا فِي سَائِرِ الشُّهُورِ وَالاَيَّامِ كَذَلِكَ مَا عَمَّرْتَنَا، وَاجْعَلْنَا مِنْ عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ، هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ، وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُـونَ، وَمِنَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ).
وختاماً:
يختم الإمام هذا الدعاء الشريف بطلبه الصلاة على محمد وآله في كل وقت وفي كل حين وعلى كل حال (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) ﴿الأحزاب: ٥٦﴾ وأن تكون هذه الصلاة عدد ما صليت على من صليت عليه من جميع خلقك، كالأنبياء الذين يصلي عليهم الله تعالى، فإن الصلاة من الله الرحمة الخاصة ومن المعلوم أن رحمته الخاصة شاملة لكثير من الناس كالأنبياء والملائكة حتى تكون صلواتك للرسول وحده أضعاف صلواتك لغيره جميعاً بالأضعاف التي لا يحصيها غيرك لكثرتها، حتى يكون فوق ملايين الأضعاف إنك يا رب (فَعَّالٌ لِّمَا يُرِيدُ) ﴿البروج: ١٦﴾ أي: كثير الفعل لكل ما تريده من الأشياء، وهذا استعطاف من الداعي فإن مدح الطرف بالقدرة، استعطاف له حتى يجيب حاجة الداعي.
وهذا معنى قوله عليه السلام: (اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّد وَآلِهِ، فِي كُلِّ وَقْت وَكُلِّ أَوَان وَعَلَى كُـلِّ حَال عَـدَدَ مَا صَلَّيْتَ عَلَى مَنْ صَلَّيْتَ عَلَيْهِ، وَأَضْعَافَ ذَلِكَ كُلِّهِ بِالاضْعافِ الَّتِي لا يُحْصِيهَا غَيْرُكَ، إنَّكَ فَعَّالٌ لِمَا تُرِيدُ).
جديد الموقع
- 2024-12-22 يا يوم لغتي .. أينك أم أيني عنك
- 2024-12-22 ألم الرفض الاجتماعي
- 2024-12-22 نمط حياتك قد ينعكس على صفحة دماغك ويؤدي إلى شيخوخته أبكر مما تظن
- 2024-12-22 الكتاب السادس عشر لـ عدنان أحمد الحاجي (تطور اللغة واضطراباتها وعسر القراءة عند الأطفال)
- 2024-12-22 تأثيرات لغوية للقراءة الرقمية
- 2024-12-22 الزهراء (ع) .. المجاهدة الشهيدة
- 2024-12-22 نحو كتب في الشوارع
- 2024-12-22 بين فيزيائية الكتب وكيميائية الكلمات
- 2024-12-22 من أجل القراء المترددين
- 2024-12-19 (قصة عجائبية من المخيال الاجتماعي الشعبي) (حلال المشاكل...القصة التي حفظتها أمهاتنا عن ظهر قلب)
تعليقات
هجري
2009-09-03للأسف أن يقال له شيخ وهولايعرف أبسط عقائد الشيعة
هجري
2009-09-03للأسف أن يقال له شيخ وهولايعرف أبسط عقائد الشيعة
هجري
2009-09-04أنا اقصد عباس الموسى الذي يعترض على الاستغاثة بالأئمة عليهم السلام