2023/12/25 | 0 | 1699
اللغة العربية ووسائل التواصل الاجتماعي
تعتبر اللغةُ وسيلةً من وسائل التواصل التي تعبِّر عن مقاصد المتكلم لتحقيق وظيفة تواصلية بين طرفين أو أكثر، فهي لغةٌ تحمل هويةَ صاحبها وثقافتَهُ من ناحية وقيمَ وحضارةَ الإنسان من ناحية أخرى، ومن هنا تكمن أهمية اللغة بصفتها حاملة لجوهر الطبيعة البشرية، فيما تكمن أهمية اللغة العربية في كونها نابعة من الهوية العربية الإسلامية، إذ تجسد ثقافة العربي المسلم في مختلف جوانب حياته اليومية، ومن الطبيعي أن تواجه التحديات مثل بقية اللغات التي تعمل على المحافظة على موروثها الأصيل.
وقد اعتنى بعض النحاة باللغة العربية نتيجة لما أدركوه من خطورة تتمثل في لحن الكثير من المتحدثين بالعربية جراء الاختلاط باللغات الأخرى الأعجمية، ومن هذا المنطلق أسس أبو الأسود الدؤلي علم النحو، وتبعه بعد ذلك الخليل الفراهيدي -صاحب معجم العين – وأسس علم العروض، فيما أصدر تلميذه سيبويه (الكتاب) الذي اعتنى بعلم النحو أيضًأ، المسمى بقرآن النحو، وأكمل العلماء من بعدهم تقعيد قواعد اللغة مستمدين أصوله من القرآن الكريم والأحاديث النبوية الشريفة والشعر العربي والأمثال، الأمر الذي جعلهم يتعصبون للغة، فدارت حولها القضايا والمعارك التي تقوم على رفض أي دخيل عليها خصوصًا لدى علماء القرن الثاني إلى الرابع الهجري، وقد لجأ ابن جني إلى تعريف اللغة في كتابه الخصائص: بأنها "أصوات يعبر بها كل قوم عن أغراضهم"]الخصائص: ص15[، وهذا التعريف يتقاطع مع تعريف العلماء المعاصرين الذي أسسوا اللسانيات، مثل دو سوسير وغيره.
ومنذ بداية وسائل التواصل الاجتماعي في 2004م ونحن نرى انحسارًا إلى حد ما في تناول اللغة العربية الفصحى أمام شيوع العامية واللغة الأجنبية، ولكن لم يؤثر ذلك على اللغة العربية كونها قائمة بذاتها وصامدة أمام التحديات، مع أن وسائل التواصل الاجتماعي أحدثت تغيرًا كبيرًا على مستويات أساليب الحياة وانعكست الحياة الافتراضية على الواقعية، ومن الصفات الإيجابية في تلك الثورة التكنولوجية أنها أسهمت في نشر علوم اللغة العربية، وسهلت وصول المعلومة بالنسبة للفرد، وذلك لحاجة الإنسان الملحة للإشباع الفكري والمعرفي، الأمر الذي جذب العالم بأسره إلى الحياة الافتراضية سيما في نشر واكتساب لغته وثقافته، كما أسهمت بعض البرامج التكنولوجية مثل (التيمز، والزوم، والانستقرام، وغيرهم..) في تلبية احتياج العالم في نقل المعرفة على إثر ما مرَّ به من ظروف جعلته يلجأ إليها بديلًا عن الحضور على أرض الواقع، فاتُخذت وسيلة لمواصلة بث العلوم بشتى أنواعها سيما اللقاءات الأدبية والتعليمية، مما جعل المرسل والمتلقي حاضرين ومتفاعلين معًا ومتجاوزين القيود الزمانية والمكانية المفروضة عليهما سابقًا، بعدما كان مهتمًّا بالإعلام التقليدي، ولأن الفضاء الافتراضي المفتوح والمتنوع قادر على تحويل الهويات وقلبها وتشكيل ثقافة مختلفة بواسطة التواصل الاجتماعي، ولأن اللغة هي الركيزة الأساسية المعبرة عن الهوية والكاشفة عن الثقافة والانتماء، ولما للعربية من خصوصية وإرث عريق، يستدعي الاهتمامَ به وحمايتَهُ من الظواهر الدخيلة ومنزلق الابتذال، والمحافظةَ على تنميته وحضوره على مختلف منصات التواصل، فإن ذلك كله يتطلب من المختصين في هذا المجال العمل الدؤوب ومضاعفة الجهود لخدمة اللغة العربية التي هي خدمة للهوية بالدرجة الأولى سواء على المستوى الديني أو الانتماء الوطني.
وتعزى الأسباب وراء عزوف المجتمع في وقتنا الحاضر عن العربية الفصحى إلى انتشار العامية وسيطرتها على منصات التواصل، وصدارة المشاهير المتحدثين باللهجة العامية في ظل غياب النخبة من المتحدثين باللغة الفصحى، ولكن تبقى اللغة العربية حاضنة للهوية، والوسيلة المثلى في التواصل بين الأفراد المختلفة لهجاتهم، فاللغة الفصحى قادرة على إيصال المعنى ونقل المعرفة أكثر من اللهجة سيما في المجال الإعلامي أو الديني، ولا شك أن استعمال العامية وهيمنتها في أغلب المنصات من وسائل التواصل يحدث أثرًا سلبيًّا وتأخرًا في تقدم المجتمع على المستوى العلمي والمعرفي، لما للغة الفصحى من أهمية في بناء ثقافة اجتماعية تحدو به إلى النمو والازدهار، وبناء على ذلك فإن الوعي الأسري هو المنطلق في هذا الصدد، حيث تشكل الأسرة البناء الأول للفرد في اكتساب المعرفة، وتسهم في تنمية الطفل وتثقيفه لغويًّا، الأمر الذي ينعكس بصورة إيجابية على واقعه الافتراضي في تواصله متكئًا على لغة قوية ومتينة.
ويمكن القول إن تكثيف الحسابات التي تهتم باللغة العربية واستثمار محتوها في علوم اللغة المختلفة سيسهم في إعادة قوتها ومتانتها، ولا شك أن المهتمين بكتابة الخواطر -مثلًا- يقدمون محتوى مليئًا بالمعاني العذبة، ولكن الأخطاء اللغوية تحد من جمالها، والأمثلة كثيرة في هذا الشأن، ومن هنا ندرك الحاجة الملحة إلى استحداث البرامج التنموية التي تنهض باللغة وتسهم في تطويرها، ونحن لا نغفل عن الإيجابية الكبيرة لوسائل التواصل الاجتماعي ودورها في الثقافة، إلا أننا لا نغفل أيضًا عن خطرها المحدق بلغتنا الجميلة، ويتوجب علينا جميعًا مواكبة هذا التطور التكنولوجي الهائل بتطوير المحتويات التي تجعل لغتنا الفصحى حاضرة بقوة، ومجابهة كل ما يشكل خطرًا لإضعافها وغيابها.
وفي هذا الشأن أدرك الشاعر الأحسائي أهمية اللغة العربية، واستشعر وحشة غيابها، واستحضر هذا المعنى في قصائده، فيقول الشاعر الكبير جاسم الصحيح مخاطبًا اللغة العربية:
كُنتِ الطليقةَ في العصورِ فما لهم
فرَضوا عليكِ اليومَ حظرَ تجوِّلِ؟
فتحوا الكتابَ وأودعوكِ بسِجنِهِ
من خلف أسوارِ المِدادِ الـمُقفلِ
وفي هذا المعنى رفض كبير في أن تبقى اللغة حبيسة الكتب، وعدم ظهورها بالشكل المطلوب في وسائل التواصل الاجتماعي.
ويقول الشاعر عبد الله المعيبد في احتفاله بيوم اللغة العربية:
لغةٌ ترفُّ وموعدٌ يتجدَّدُ
هي لم تزلْ تحكي فيحتفلُ الغدُ
عكفت على الجريان نهرَ حضارةٍ
للطامحينَ، إذ الحروفُ تمرُّدُ
والمراد هو أن اللغة العربية الفصحى في حضورها تكشف عن الحضارة والقيم الإنسانية لأصحابها، كما تكشف عن قدرتها على التطور والنماء، فحري بنا الاحتفال بها والاحتفاء بجمالياتها المترفة.
وأما الشاعر السيد علي الحسن، فيقول مخاطبًا اللغةَ العربية في أبهى صورة:
بكِ يا ابنةَ الإعجازِ نشوةُ عاشقٍ
تمتدُّ في جسدٍ من الإغواءِ
يا مهرتي الفصحى خذي عن شاعرٍ
نزقٍ حنينَ الصَّبِّ للنُّدماءِ
هكذا كان الشاعر الأحسائي يعبِّرُ عن عشقه للغة العربية، مدركاً أهميتَها المتمثلةَ في الحضارة والقيم الإنسانية، والأفكار والمعارف.
إن للغة العربيةِ الفصحى حضورٌ متين وقوي على مرِّ القرون، وتكمن قوتُها في خصائصها اللغوية المتسمةِ بالانتظام الذي يكفل للفرد العربي أن يتواصل مع الآخر دون الحاجة إلى وسيط لإيصال ما يصبو إليه، كما في اللغات الأخرى، فينبغي منا مواكبة التقدم في الثورة التكنولوجية الواسعة، والاهتمام بلغتنا وعدم إهمالها والاعتماد على اللغات الأخرى اعتماد يقلل من أهميتها، وذلك من أجل إبقاء اللغة العربية الفصحى حاضرة وقوية ومستمرة كونها قابلة للتطور والازدهار.
جديد الموقع
- 2025-01-06 افراح العبدالنبي والغزال في قاعة نيارة الاحساء
- 2025-01-05 افراح الموسى والحمادة في قاعة أماسي الطرف بالاحساء
- 2025-01-05 الصبر والعوامل المحددة له
- 2025-01-05 الصبر والعوامل المحددة له
- 2025-01-05 الدكتور عبدالله الخضير والدكتورة بشاير محمد يمثّلان الأحساء في الشارقة
- 2025-01-05 ( لغز القصيدة وفق التحليل النفسي) امسية بجمعية الادب بالاحساء
- 2025-01-05 عقد قران الشاب جعفر صادق الجاسم تهانينا
- 2025-01-05 اللقاء..
- 2025-01-04 الحياة والأمل
- 2025-01-04 لن تحتاج إلى..