2022/08/02 | 0 | 4090
الشيخ أمجد الأحمد : العفاف وقاية وجمال
المأتم: حسينية المطر (الأحساء ـ الفضول) الليلة الثالثة محرم 1444هـ
يقول تعالى: (وَلْيَسْتَعْفِفِ الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ نِكَاحًا حَتَّىٰ يُغْنِيَهُمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ) النور 33 .
إنّ للعفاف قيمة جوهرية أبرزها الخطيب في محورين:
الأول: بيان مفهوم وصور العفاف
الثاني: تحصيل قيمة العفاف والمحافظة عليها
المحور الأول: بيان مفهوم العفاف وصوره
عرّف الخطيب مفهوم العفاف بأنه كف النفس عما لا يليق ، فإن للإنسان القدرة على السيطرة على نفسه ويجنبها من الزلل ولها مصاديق عديدة منها:
1-كف النفس عما حرم الله وعدم التساهل في المعصية.
2- الكف عن الأمور التي تقلل من شأن كرامة الإنسان.
3-الكف عن منافيات المروءة ، ورد عن أمير المؤمنين عليه السلام: (على قدر الحياء تكون العفة).
4-كف النفس عن الشبهات وعن أي مشتبهات، أن رجلاً قال للباقر عليه السلام : إني ضعيف العمل قليل الصيام ، ولكني أرجو أن لا آكل إلا حلالاً ، فقال له : (وأي الاجتهاد أفضل من عفة بطن وفرج؟!).
وأكد الخطيب بأن مفهوم العفاف مفهوم عام وشامل كما جاء في القرآن الكريم ولا يقتصر على النساء فقط بل للرجال والنساء معاً وكذلك لا ينحصر في الأمور الجنسية فقط كما يتبادر إلى الذهن بل في كل نواحي الحياة.
مفاهيم العفة في القرآن الكريم:
1-عفة الفقير بالقناعة وحفظ النفس وصيانة الوجه عن ذل المسألة يقول تعالى: (يَحْسَبُهُمُ الْجَاهِلُ أَغْنِيَاءَ مِنَ التَّعَفُّفِ تَعْرِفُهُم بِسِيمَاهُمْ لَا يَسْأَلُونَ النَّاسَ إِلْحَافًا) 273 البقرة.
2-عفة الغني عن الجشع والطمع والاعتداء على أموال الناس، يقول تعالى: ( وَمَنْ كَانَ غَنِيًّا فَلْيَسْتَعْفِفْ) النساء 6. وهنا حث الخطيب إلى التخفيف عن المستأجرين في الإيجارات والمساهمة في رفع الفقر عن المحتاجين.
3-عفة القواعد من النساء وهي المرأة الكبيرة في العمر فهي لا ترجو الزواج ولا يرغب فيها بالزواج ولها خصوصية في الإسلام كعدم وجوب لبس الحجاب لها وليس بواجب كالفتاة وأكد بأن ذلك من العفة تضمنتها الآية الكريمة: (وَالْقَوَاعِدُ مِنَ النِّسَاءِ اللَّاتِي لَا يَرْجُونَ نِكَاحًا فَلَيْسَ عَلَيْهِنَّ جُنَاحٌ أَن يَضَعْنَ ثِيَابَهُنَّ غَيْرَ مُتَبَرِّجَاتٍ بِزِينَةٍ ۖ وَأَن يَسْتَعْفِفْنَ خَيْرٌ لَّهُنَّ ۗ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ) النور 60.
4-عفة الشاب الأعزب والفتاة العزباء وحاجتهم للزواج في حال عدم القدرة عليه وعلاج ذلك الصبر والاستعفاف عن الإنزلاق في الحرام كما أوصت به الآية الكريمة (وَلْيَسْتَعْفِفِ الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ نِكَاحًا حَتَّى يُغْنِيَهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ) النور 33.
هذا وأوضح الخطيب من خلال عرض الآيات الكريمة إلى أن للعفة قيمة عظيمة كما ورد عن أمير المؤمنين عليه السلام:
ـ (أفضل العبادة العفاف).
ـ (العفة رأس كل خير).
ـ (ما المجاهد الشهيد في سبيل الله بأعظم أجرأ ممن قدر فعف، لكاد العفيف أن يكون ملكاً من الملائكة).
المحور الثاني: تحصيل قيمة العفاف والمحافظة عليها
لتحقيق ذلك على الصعيد الفردي والاجتماعي من خلال بعض الجوانب الدينية:
الأول: الجانب الفكري:
1-الحاجة أن يعي الإنسان بأن العفة عبادة: ويتمثل ذلك في الوعي والبصيرة في سلوك الإنسان لأن السلوك تبع لفكره، يقول الإمام علي عليه السلام: (من عقل عفَّ).
كما حث الخطيب في هذا الجانب على ضرورة المصارحة مع النفس حتى في الجوانب المباحة واكتشاف مكامن القوة والضعف للسيطرة على النفس. فالنفس تحتاج إلى التهذيب والتربية وتقوية ملكة العفة بالصبر والزهد كما ورد عن أمير المؤمنين عليه السلام: (إنما هي نفسي أروضها بالتقوى لتأتي آمنة يوم الخوف الأكبر، وتثبت على جوانب المزلق).
2-أن يعي الإنسان ويسعى إلى معرفة هدف وجوده في الحياة وهو أن يكون خليفة على الأرض وللعبادة وإعمار الأرض وليس لممارسة الغريزة الجنسية أو إشباع الحاجات الجسدية وإن كانت ضرورية ، عن أمير المؤمنين عليه السلام: (فما خلقت ليشغلني أكل الطيبات كالبهيمة المربوطة همها علفها، أو المرسلة شغلها تقممها) وقوله عليه السلام: (مَا لِعَلِيٍّ وَلِنَعِيمٍ يَفْنَى وَلَذَّةٍ لَا تَبْقَى).
3-أن يعي الإنسان مقاصد الشريعة والأحكام وفلسفتها، كحكم لبس الحجاب وفلسفة لبسه للمرأة دون الرجل وأن المساواة في هذا المجال من ترك الحجاب باسم الحرية هو ذلك وإلغاء ومصادرة لخصوصية المرأة كأنثى.
4-وعي مشروع المفسدين وأهل الشهوات لضرب القيم: كالإعلانات السيئة والمواقع الإباحية والمسلسلات المخالفة للحياة وحذر الخطيب من أن هذا المشروع هو مؤامرة وعقول مدروسة لضرب القيم والأخلاق وسلب العفة والإنحراف إلى طريق الشيطان والله يريد للإنسان الخير والعفة وقد حذرنا في قرآنه الكريم: (وَاللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَنْ تَمِيلُوا مَيْلا عَظِيمًا (27) يُرِيدُ اللَّهُ أَن يُخَفِّفَ عَنكُمْ ۚ وَخُلِقَ الْإِنسَانُ ضَعِيفًا (28)) النساء .
الثاني: الجانب السلوكي والعملي: ولتحقيق ذلك من خلال بعض البرامج الدينية:
1-غض البصر: لتحقيق العفة في هذا الجانب هو غض البصر حيث أمر الله سبحانه غض البصر في قوله تعالى: (قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ۚ ذَٰلِكَ أَزْكَىٰ لَهُمْ) النور 30. وقوله تعالى: (وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ) النور 31 وهنا التفاتة من الخطيب من خلال الآيات الكريمة بأن النظر المحرم من الرجل والمرأة هو مقدمة للوقوع في الزنا والفحشاء والعياذ بالله وهو حبل إبليس وسهم مسموم وعلى عكسه فإن غض البصر يمنع ذلك بإذن الله.
كما حذر الخطيب من مشاهدة الأفلام الإباحية لما فيها من التعب النفسي والأذى الروحي والجسدي واستشهد بذلك قول أمير المؤمنين عليه السلام: (من غض طرفه أراح قلبه).
2-فرض لبس الحجاب للمرأة: لتحقيق العفة هو الالتزام بالستر ولبس الحجاب للمرأة ونشر الحجاب كثقافة عامة للمجتمع حيث أكد الخطيب بأن العفاف الباطني بالضرورة يجب أن ينعكس على المظهر الخارجي لقول تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلَابِيبِهِنَّ ۚ ذَٰلِكَ أَدْنَىٰ أَن يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ ۗ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا) الأحزاب 59.
3-احترام الحدود في العلاقة بين الرجل والمرأة: أسهب الخطيب في هذه الفقرة مؤكداً على احترام الحدود أثناء الاختلاط في العمل أو الدراسة كما حذر إلى منع المفاكهة والممازحة بين الجنسين لنهي النبي الأكرم صلى الله عليه وآله: (ومن فاكه امرأة لا يملكها حبسه الله بكل كلمة كلمها في الدنيا ألف عام). ولا يضمن المؤمن نفسه الاختلاء مع المرأة فإن الشيطان ثالث لهما لقوله صلى الله عليه وآله: (لا يخلون رجل بامرأة؛ فإن الشيطان ثالثهما).
كما استشهد الخطيب بقصة النبي يوسف عليه السلام مع امرأة العزيز ومواجهة اغرائها له في قوله تعالى: (إِلَّا تَصْرِفْ عَنِّى كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُن مِّنَ ٱلْجَٰهِلِينَ) يوسف 33.
أيضاً حذر الخطيب المصافحة من المرأة الأجنبية لقوله صلى الله عليه وآله: (من صافح امرأة تحرم عليه فقد باء بسخطٍ من الله عزَّ وجلَّ). وفي إشارة إلى العفة والستر أورد الخطيب قصة نبي الله موسى عليه السلام ابنتي نبي الله شعيب عليه السلام في قوله تعالى: (وَلَمَّا وَرَدَ مَاءَ مَدْيَنَ وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً مِّنَ النَّاسِ يَسْقُونَ وَوَجَدَ مِن دُونِهِمُ امْرَأَتَيْنِ تَذُودَانِ ۖ قَالَ مَا خَطْبُكُمَا ۖ قَالَتَا لَا نَسْقِي حَتَّىٰ يُصْدِرَ الرِّعَاءُ ۖ وَأَبُونَا شَيْخٌ كَبِيرٌ (24) فَجَاءَتْهُ إِحْدَاهُمَا تَمْشِي عَلَى اسْتِحْيَاءٍ قَالَتْ إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ مَا سَقَيْتَ لَنَا (25) القصص.
الثالث: الجانب الروحي:
يحتاج العفاف إلى مناعة روحية والاستعانة بالله تعالى وفي ذلك المحافظة على بعض العبادات على تلاوة القرآن وذكر الله وحضور مجالس الحسين عليه السلام والمحافظة على إقامة الصلاة والاستعانة بها ضد الشيطان، يقول تعالى: (مِن بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ) مريم 59 وقوله تعالى: (وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ ) البقرة 45.
كما أن صور العفاف والمناعة الروحية والخوف من الله تعالى تتجلى في قول أمير المؤمنين عليه السلام: (و اللّه لو أعطيت الأقاليم السبعة بما تحت أفلاكها على أن أعصي اللّه في نملة أسلبها لما فعلت).
وكشف الخطيب سر الموقف العظيم لأبي عبدالله عليه السلام ـ في ثورته الحسينية ـ وهذا السر هو ارتباطه بالله تعالى القوية يتأتى ذلك في قوله سلام الله عليه (يأبَى اللهُ لَنَا ذلكَ ورَسُولُهُ والمؤمِنونَ) جعلت هذه القوة تقف أمام ظلم بني أمية ويوقفهم عاجزين من أن ينالوا من شخصية الحسين عليه السلام ومن كرامته ومبادئه وقيمه وعزته وعفافه حيث كان الحسين عليه السلام مستعداً بأن يضحي بكل غالي في سبيل هذه المبادئ مشيراً إلى أن أول تضحياته عليه السلام هي خروجه من مدينة جده صلى الله عليه وآله.
يهدى هذا العمل المتواضع إلى أرواح المؤمنين والمؤمنات
جديد الموقع
- 2024-12-22 احنا جيرانه (ص) أهداها الله كفوفه (1)
- 2024-12-22 يا يوم لغتي .. أينك أم أيني عنك
- 2024-12-22 ألم الرفض الاجتماعي
- 2024-12-22 نمط حياتك قد ينعكس على صفحة دماغك ويؤدي إلى شيخوخته أبكر مما تظن
- 2024-12-22 الكتاب السادس عشر لـ عدنان أحمد الحاجي (تطور اللغة واضطراباتها وعسر القراءة عند الأطفال)
- 2024-12-22 تأثيرات لغوية للقراءة الرقمية
- 2024-12-22 الزهراء (ع) .. المجاهدة الشهيدة
- 2024-12-22 نحو كتب في الشوارع
- 2024-12-22 بين فيزيائية الكتب وكيميائية الكلمات
- 2024-12-22 من أجل القراء المترددين