2011/12/08 | 0 | 6512
كيف يتعامل الشباب مع الروايات ؟
كنت أقول للشباب أن الخطيب - أي خطيب في الأعم الأغلب - لا يمكن أن تسلم له عقيدتك ومنهجك وفكرك، لأن الخطباء - ليس على نحو الإطلاق - لا يكلفون أنفسهم عناء البحث والتحقق، لذا فإنهم يسلكون الطريق الأسهل لترتيب مواضيعهم التي يطرحونها بأن يسلكوا منهجاً معيناً مثلاً أو كتباً معينة تخفف عنهم عناء البحث وتسهل لهم التنقل بين هذا المنبر أو ذاك، ولذا أقول على الشباب على الأقل أن يتعرفوا ولو بشكل مجمل على الطريقة الصحيحة للتعامل مع الروايات حتى لو سمع الشاب رواية ما قد يكون لا يتقبلها لسبب من الأسباب أن يسائل الناقل لها من أين أتيت بها، أي ما هو مصدرها؟ وقد كان هذا أسلوب علمائنا كما نقل شيخ الطائفة الطوسي في عدته، وهل الرواية معتبرة أو غير معتبرة؟ وفيما ترتبط هذه الراوية؟ وهل هي صحيحة على جميع المباني؟ أو هي صحيحة على مبنى المتحدث لو فرض أن هناك خطيب أو إمام جماعة يقول مثلاً «صحيحة فلان»؟ من هنا أحاول أن أوضح للشباب بعض هذه الأمور فأقول:
الروايات على نوعين:
1 - الروايات المتواترة
2 - وروايات الآحاد
1 - المتواترة: وهي خبر جماعة بلغوا في الكثرة إلى حد أحالت العادة اتفاقهم وتواطيهم على الكذب، ويحصل بإخبارهم العلم وإن كان للوازم الخبر مدخلية في إفادة تلك الكثرة العلم.
وقيل: خبر جماعة يفيد بنفسه القطع بصدقه.
بمعنى أنه لا بد أن تكون كل طبقة من طبقات الرواية مكونة من جماعة يستحيل تواطؤهم على الكذب بلا استثناء وإذا وجدت في طبقة من الطبقات راوٍ واحد فهو خبر آحاد لا تواتر.
مثال: إذا كان الخبر منقولاً من النبي - مثلا - لابد أن يكون هناك عدد من الصحابة يستحيل تواطؤهم على الكذب ثم التابعين ثم تابعي التابعين وهكذا في كل طبقة من الطبقات إلى الشيخ الكليني - مثلا - فيكون بدايته كنهايته ووسطه كطرفيه، فإذا اختل هذا المقدار فلا يمكن أن يكون تواتراً بل يكون خبر آحاد بحيث لو كان في إحدى الطبقات راوٍ واحد حكم عليه بكونه آحادي.
ويقسم الخبر الواحد - من حيث إفادته للعلم من عدمه - إلى قسمين:
1 - الخبر المحفوف بالقرينة وهذا يفيد العلم بصدوره من المعصوم. وسيأتي الحديث عن هذا بشكل مفصل.
2 - الخبر غير المحفوف بالقرينة وهذا يفيد الظن.
وأما موقف الشباب فإنهم قد لا يعرفون أن هذه الرواية متواترة أو آحادية فلذا عليه أن يلزموا المتحدث - خطيباً كان أو إمام جماعة - بأن يبين لهم كيف هو التواتر ولماذا حكم به، لأن هذه المسألة بالخصوص كثيراً ما يدعيها بعضهم دون أن يتعب نفسه فيها بل يلقيها جزافاً فعلى الشباب أن يلزموا محدثيهم ببيان كيفية التواتر ونوعه.
مباني خبر الواحد:
ومع ما عرفت أيها الشاب الكريم من أن لخبر الواحد نوعان إلا أن الأكثر انتشاراً في كتبنا الحديثية هو النوع الثاني وهو غير المحفوف بالقرينة، والعلماء يختلفون في التعامل تجاهه بطريقتين أو مبنيين هما:
مبنى الوثاقة ومبنى الوثوق
والفرق بينهما: أن الأول يعتمد وثاقة الراوي أساساً في الحجية، فإذا أحرزت وثاقته أخذ بالرواية سواء حصل الوثوق بصدورها أو لم يحصل كما هي طريقة السيد الخوئي مثلا وغيره.
وأما الاتجاه الثاني فيرى أن العبرة بحصول الوثوق بالرواية لا بالراوي، فكلما حصل وثوق بصدورها كان ذلك كافياً للأخذ بها ولو لم تحرز وثاقة الرواة، وإذا لم يحصل الوثوق بها كان ذلك كافياً لرفضها حتى لو كان رواتها ثقاة عدولاً.
وهذا المبنى يفترض البداية في دراسة المضمون أولاً قبل حجية الصدور ويعزو ذلك إلى عدم صحة الحديث في مورد معين يلزم منه انعدام الثمرة من رأس ولغوية البحث في الصدور تماماً أما العكس فلا يتم فإن ضعف السند لا يعني عدم صحة المضمون بل يبقى احتمال الصدور وارداً فلو وافقت هذه الرواية عمومات القرآن مثلا أو محكماته فإن هذا يقوي درجة احتمال الصدور.
وعلى هذا يفترض أصحاب هذا المبنى أنه لو كانت الرواية مخالفة للكتاب أو السنة فلا يبقى مجال لاحتمال الصدور.
وعلى الشباب هنا أن يفرقوا بين هذين وأن يلزموا متحدثهم ببيان نوعية الصحيح، فهل أن الرواية صحيحة على مبنى الوثوق أو مبنى الوثاقة؟ وهل لأصحاب كل مبنى إلزام المبنى الآخر باعتماد الروايات على طريقته ومبناه أو لكل أصحاب مبنى طريقتهم وحجيتهم للروايات فما كان حجة عند هؤلاء قد لا يكون حجة عند هؤلاء فتنبه أيها الشاب.
وتحصيل الوثوق والاطمئنان بصدور الخبر على مبنى الوثوق رهن توفر عناصر موضوعية تساعد على حصوله ومن أهمها:
1 - وثاقة الرواة.
2 - وموافقة الخبر للكتاب.
3 - وموافقته للسنة القطعية.
4 - وموافقته وعدم منافاته لأحكام العقل.
فهل أن الرواية عرضت على الكتاب والسنة ولم تخالف العقل أو لا؟ أم أن الرواية بمجرد أن يراها المتحدث في أي كتاب له الحق أن يلقيها على الناس وأن يحكم فيها بما شاء.
نوعية الروايات:
والروايات على أنواع فمنها ما يرتبط بالعقائد، ومنها ما يرتبط بالأحكام «المسائل الفقهية»، ومنها ما يرتبط بالتاريخ، ومنها ما يرتبط بالأخلاق فكيف نتقبل الرواية؟
أما الأمور العقائدية فليعلم الشباب أن المأخوذ به والمعتمد عليه في أخذ الروايات عند علمائنا الأبرار المتقدمين منهم، والمتأخرين، ومتأخري المتأخرين، والمعاصرين إلا من شذ منهم فهي الروايات المتواترة وليست الآحادية بل أن ما يؤخذ به في العقائد كما قلنا في الكثير من مقالاتنا:
1 - القرآن الكريم وفيه معظم العقديات.
2 - السنة القطعية المتواترة وخبر الواحد المحفوف بالقرينة «إن وجد»
3 - العقل الصريح.
وأما في الأحكام فإنه يعتمد أحد المبنيين السابقين الوثوق أو الوثاقة، وأما التاريخ فيرى بعض العلماء أن كثرة نقل الحادثة المعينة من عند المؤرخين كافية في قبولها حتى لو كانت رواياتها ضعيفة.
وعليه فعلى الشباب أن يتنبهوا لذلك فهل أن الروايات مما يثبت بها مطلب عقائدي أو لا؟
فإن كان المطلب عقائدياً فلا بد أن يطالبوا محدثهم بروايات متواترة بأحد شقيها اللفظي أو المعنوي وأما التواتر الإجمالي فغير معتبر وليس له دخل في المسائل العقائدية.
ومن هنا نقول على الشباب أن لا يكونوا مجرد أوعية تتلقى كل الأفكار والآراء دون مناقشة، ودون محاسبة وعلى أي متحدث أن يتقبل المناقشة وردود الشباب وأن يحقق في الروايات وإلا يلتزم بقوله «روي عن الإمام» لا أن يقول «قال الإمام» كما هو حرام عند بعض العلماء أن يقول أحدهم «قال الإمام» دون تحقق.
جديد الموقع
- 2024-12-22 احنا جيرانه (ص) أهداها الله كفوفه (1)
- 2024-12-22 يا يوم لغتي .. أينك أم أيني عنك
- 2024-12-22 ألم الرفض الاجتماعي
- 2024-12-22 نمط حياتك قد ينعكس على صفحة دماغك ويؤدي إلى شيخوخته أبكر مما تظن
- 2024-12-22 الكتاب السادس عشر لـ عدنان أحمد الحاجي (تطور اللغة واضطراباتها وعسر القراءة عند الأطفال)
- 2024-12-22 تأثيرات لغوية للقراءة الرقمية
- 2024-12-22 الزهراء (ع) .. المجاهدة الشهيدة
- 2024-12-22 نحو كتب في الشوارع
- 2024-12-22 بين فيزيائية الكتب وكيميائية الكلمات
- 2024-12-22 من أجل القراء المترددين