2022/08/03 | 0 | 3851
التحول في عالم البشرية -التعليم خط ذو اتجاهين في التحول الحضاري
سماحة الشيخ عبد الجليل البن سعد - محاضرة الليلة الثانية -فريق صدى المنبر تحرير: حكيمة آل حماد
قال تعالى: (هُوَ ٱلَّذِى بَعَثَ فِى ٱلْأُمِّيِّۦنَ رَسُولًا مِّنْهُمْ يَتْلُواْ عَلَيْهِمْ ءَايَٰتِهِۦ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ ٱلْكِتَٰبَ وَٱلْحِكْمَةَ وَإِن كَانُواْ مِن قَبْلُ لَفِى ضَلَٰلٍۢ مُّبِينٍۢ)
مدار حديثنا هذا المساء وضمن سلسلة التحول في عالم البشرية هو التعليم واتجاهاته المتخالفة والمتعاكسة في بناء وهدم الحضارة؛ لأن من طرق التعليم ما ينهض بالحضارة، ومنها ما يهدمها، وفي هذا المدار أربع مواد:
1- عناصر التربية والتعليم في القرآن الكريم.
2- الانقلاب على التعليم (هل يجور الانسان على التعليم؟).
3- النظرة القاصرة للمادية في التعليم.
4-الكارثة والنتيجة البالغة الخطورة للتعامل مع التعليم بالتسامح.
▪️▫️▪️▫️▪️▫️▪️▫️▪️▫️
-المادة الأولى/ عناصر التربية والتعليم في القرآن الكريم.
حددت الآية الكريمة خمسة عناصر للتعليم ومن تلك الأمور التي ألمعت إليها هي:
1-نظرية الوجود الترابطي؛ وهي نظرية فلسفية إسلامية طرحها الملا صدرا، فحينما تناول موضوع التعليم قال: بأن مخاطبة الإنسان بالتعليم يمكن أن تكون جافة؛ وهي أن تخاطب الإنسان بالتعليم مباشرة، ويمكن أن تكون مخاطبة رطبة وسهلة وسالكة؛ بأن تخاطبه بالتعليم عن طريق التوحيد لله عزوجل.
(يَتْلُواْ عَلَيْهِمْ ءَايَٰتِهِۦ) بدأت الآية مع هذا المعنى، (وَيُزَكِّيهِمْ) وهذا المرقى الثاني في السلم،
( وَيُعَلِّمُهُمُ) وهو المرقى الثالث في السلم.
كل ما تطلبه نظرية الوجود الترابطي من الإنسان من (علم و عدالة واستقامة) يجب أن يكون بسم الله الطلب، وبسم الله الافتتاح ، وبسم الله الشروع والابتداء هو التوحيد (يَتْلُواْ عَلَيْهِمْ ءَايَٰتِهِۦ).
ومختصر هذه النظرية الإسلامية ( الوجود الترابطي) على لسان الملا صدرا:
أن الإنسان مرتبط بكيانه وبما يبحث عنه ويسمو إليه وبما يفر منه بالتوحيد ارتباطا واضحا.
2-العنصر الثاني مع الآية المباركة/ الوسيلة:
تتنوع وسائل التعليم حسب قابليات العصر.
أما الوسيلة الخاصة للتعليم فهي الكتاب (وَيُعَلِّمُهُمُ ٱلْكِتَٰبَ وَٱلْحِكْمَةَ)
3-العنصر الثالث/ الأمان الذي يأتي من الهدى (الهدياوي)
يكون من خلال تحقيق الإنسانية والحكمة في دنيا الإنسان التي لابد أن تزدان بأمرين:
الإنسانية والحكمة.
الإنسانية (يُزَكِّيهِمْ)، أما الحكمة فجعلها خاتمة النداء (وَيُعَلِّمُهُمُ ٱلْكِتَٰبَ وَٱلْحِكْمَةَ)،وما يكون في خاتمة النداء هو الجوهر والمحور الذي يمثل موضوع ذلك الطلب والنداء.
تتحدث الآية عن التحول الصاعد (التحول من الضلال إلى الهدى) الذي لا يمكن التماسه وتفعيله إلا من خلال هذه العناصر (وَإِن كَانُواْ مِن قَبْلُ لَفِى ضَلَٰلٍۢ مُّبِينٍۢ)
-العنصر الرابع/ المعلم:
القرآن جعل النبي محمد (ص) معلما.
في القاموس الفلسفي نقرأ المعلم الأول أرسطو طاليس والثاني الفارابي والثالث ابن سينا والبعض يقول الدامات أين النبي من هذه التراتبية؟
فعندما تقول الأول فأنت تتحدث عمن يُقاس به ويُقاس عليه، والنبي لا يُقاس به أحد فهو فوق ذلك.
يأتي أحدهم إلى الإمام الصادق فيقول: أو ليس يُروى عن جدك رسول الله: (ما أظلَّتِ الخضراءُ ولا أقلَّتِ الغبراءُ من ذي لهجةٍ أصدقَ من أبي ذرٍّ)، قال: بلى، فقال: فأين علي وفاطمة والحسن والحسين، أين هؤلاء؟ فقال ويحك هؤلاء لا يقاس بهم أحد).
———————————
- المادة الثانية/ ما هو حجم الانقلاب على التعليم؟
كتب روجيه جارودي كتابا سماه (الإرهاب الغربي) وأهم فصل فيه كان يتحدث عن الانقلاب الكبير، وهذا الفصل استله المترجم سلمان حرفوش وطبعه باستقلالية وسماه كتاب
(الانقلاب الكبير).
يقول روجيه جارودي:(إن الحياة في أوربا فيها سلسلة من الانقلابات لكن التحول الكبير هو انقلابه على التعليم).
ويقول أيضا: (أنهم اعتبروا الحياة المادية التي تقوم عليها الحضارة الأوربية هذه حاضنة للانقلابات وإن الانقلاب على التعليم هو الانقلاب الكبير في هذه الحضارة).
هل التعليم مهم في بناء الإنسان وكيف يكون ذلك؟
هناك اثنينية عالِمٌ وعالَم؛ ولابد من علاقة استواء أو اضطراب ما بينهما.
العلاقة بين العالِم والعالَم قائمة على الصلاح والإصلاح؛ عالَمٌ صالح يستطيع الإنسان أن يعيش فيه بأمان دون انقلابات وتحولات.
إنسان مصلح يستطيع العالَم أن يتمدد وينتعش ويزدهر، وحينما لا يكون صلاح في العالَم ولاإصلاح في الإنسان فالعلاقة ليست علاقة سالكة بل مضطربة.
آليات الإصلاح هي (التعليم والحكمة ):
الإنسان يحتاج إلى من يسير به في دائرة الحكمة، والذي يسير بالإنسان في دائرة الحكمة إما أن يكون تربية نبوية، أوسيرا تربويا على النمط الأسري أو المدرسي الرسمي.
الإنسان لا يولد والحكمة في رأسه؛ لذلك يحتاج أن يتعاطى الحكمة تحت نظر مدرب، والمدرب إما أن تكون الأسرة وإما أن تكون المدرسة.
تمر دائرة غرس الحكمة بأربع محطات:
-المحطة الأولى/ التلقين:
كلمة التلقين تسبطن الصعوبة عند الطرف الآخر، وأول مسؤولية تلقى على عاتق الأبوين هو تلقين الطفل الحكمة؛ أي تبين له حدود الأشياء، وسمي تلقينا لأنه يحتاج إلى التكرار.
-المحطة الثانية/ التمرين:
معلم يعلمهم الكتاب ومدرب يعلمهم الحكمة؛ لأن النبي مرة نأخذ منه أفكار من خلال الكتاب، ومرة نأخذ منه قبسات من خلال حياته وسيرته، فهو مدرب، فسير التعليم يحتاج إلى المدرب بعد كونه معلما.
-المحطة الثالثة/ التأمين :
يكون التأمين عن طريق الاحترام.
احترم الموقف الإيجابي من الطفل وشجعه إما تشجيعا دعميا إذا احتاج إلى مادة وإما تشجيعا معنويا وهو أن تحفظ له المواقف وتعيش معه المعادلات، فهناك معادلات في التربية أهمها
أن تعرف قانون العلاقة بالطفل؛ فأهم ما ينفع معه هو أن يشعر بالقرب منك، وتوفر له امتيازات دعمية أو معنوية.
-المحطة الرابعة/ التوفير:
وهذا ليس مسؤولية الأب وحده؛ وهو أن تُفتح الأدوار والسبل أمامه إذا كبر.
وهذا ما يحصل في كثير من الدول، وعندنا أيضا؛ فكثيرا ما يعلن عن رؤى للوزارة وغيرها،
وهذه سنة طبيعية لأن حياة بدون توفير يمكن أن تنقلب على الحكمة.
————————————-
لمادة الثالثة/نظرة المادية القاصرة للتعليم والحكمة:
الحكمة هي النمو الطبيعي للأشياء (وهي أنك تعرف تمام المعرفة لحدود النمو ولحدود الشيء).
المادية في نظرتها القاصرة ارتكبت أخطاء كثيرة جدا غالبيتها مستوحاة من كتاب جارودي
(الانقلاب الكبير) فهو يتكلم عن المادية الغربية فيما تنجزه، ومشكلتها في أنها تركز على الحال والوضع الراهن فهي تبني حالا بلا جذر ولا ثمرة.
فهي لم تلاحظ الماضي ولم تنظر للجذر ولا لثمر المستقبل.
فهناك خط في أول طرف منه الماضي ثم الحال وفي آخر طرف منه المستقبل.
ومن مشاكلها أيضا التعتيم وطمس الحقائق والأتمتة (أن تجعل من الإنسان إنسانا اتوماتيكيا)
لا يفكر ولا يقرر ولا يعترض.
وكذلك من الأخطاء العلمنة (بدأت العلمنة رسميا سنة 1904).
ويرى جارودي بأن العلمنة متناقضة؛ فقد طرحت شعارا أخذ بشغاف النفس، لكنها نقضت هذا الشعار باطنيا وهذا الشعار: (لك حريتك واختيارك).
تسيدت العلمنة مؤسسات التعليم في العالم المادي فكيف أدارت هذه المؤسسات؟
منعت في مناهج التعليم تعليم الأوربي ثقافة الشعوب وعقائد الأمم وإعطاء نبذة عن الكتب السماوية ومنها القرآن الكريم، فأين حرية الاختيار في ذلك؟!!!!
————————————
-المادة الرابعة /الكارثة
يخاطب روجيه الأوربيين بقوله:
(ماذا لو عبثنا بمستقبل غيرنا ولم نمنح غيرنا مستقبله ستكون النتيجة انتحار الكوكب الأرضي) بمعنى أن (الكوكب سينتهي ولن يكون صالحا للحياة).
وهذا المعنى موجود عند الأوربيين- فهم يطلقون على بعض فلاسفتهم ومفكريهم أنبياء من باب المجاز، فهناك دول مبنية على رواية مثل روايات دوستويفسكي ، وكثيرا ما كانوا يستشهدون بها،- وقد استدلوا بقول أحد أبطال الرواة :
(ليس بيدي القدرة على أن أخلق لنفسي وجودا إنسانيا وإنما بقي لدي القدرة على تدميره)
إن هذه الكارثة نجدها بتعبير أجود وبموقف أقوى عند الحسين:
(ألا وإنّ الدّعيّ ابن الدّعيّ قد ركز بين اثنتين؛ بين السلّة والذلّة، وهيهات منّا الذلّة)
يشير الإمام الحسين إلى الكارثة، فقد وصلنا وكنا في صلح وهدنة واليوم نقبل على كارثة
ولا نستطيع أن نحمي أنفسنا ووطننا الذي وطننا إياه رسول إلا بان ننتجع كارثة خلاقة؛
فيزيد يريد منا كارثة ماحقة وأنا اختار الكارثة الخلاقة التي سوف تشهد النفوس وتوقظ العقول
ولذلك أصر على موقفه ومهد له ظاهراً بعد أن كان يمهد له باطناً.
————————————-
جديد الموقع
- 2024-12-22 احنا جيرانه (ص) أهداها الله كفوفه (1)
- 2024-12-22 يا يوم لغتي .. أينك أم أيني عنك
- 2024-12-22 ألم الرفض الاجتماعي
- 2024-12-22 نمط حياتك قد ينعكس على صفحة دماغك ويؤدي إلى شيخوخته أبكر مما تظن
- 2024-12-22 الكتاب السادس عشر لـ عدنان أحمد الحاجي (تطور اللغة واضطراباتها وعسر القراءة عند الأطفال)
- 2024-12-22 تأثيرات لغوية للقراءة الرقمية
- 2024-12-22 الزهراء (ع) .. المجاهدة الشهيدة
- 2024-12-22 نحو كتب في الشوارع
- 2024-12-22 بين فيزيائية الكتب وكيميائية الكلمات
- 2024-12-22 من أجل القراء المترددين