2022/10/12 | 0 | 2749
إطلالة فضاء البيت
aramco life القافلة السعودية
لا أعرف شخصًا إلا واستوطنه البيت كفكرة وواقع، واحتله كقلق وجودي، وأخذ منه مساحات شاسعة من حياته هي الأكثر غورًا وعمقًا، وكان البيت بالنسبة له هو سر الأسرار، ومكمن الحنين، ومخزن الذكريات.
وأنتَ كلما تأملتَ البيتَ الذي قضيتَ شطرًا كبيرًا من أيامك فيه، رأيتَ ما لا يمكن تخطيه بالإهمال أو عدم المبالاة؛ رأيتَ ما لا يُستعاد من النظرات الأولى، وما لا يُزاح بمجرد الملامسة أو النبش؛ رأيتَ حياتك مثل الجبل الراسخ الذي ينهار جزء كبير منه بفعل عوامل التعرية، وبالتالي فإن ما تحتاجه لإعادة الجزء المنهار منه هو محاولة استعادة ذكرياتك من البيت ذاته الذي طمرها بين جدرانه ونوافذه وأبوابه، في غفلة منك.
فضاء البيت لا يسعه إلا أن تجاريه، حتى يمكنك أن تتحدث إليه، تصغي إلى ما يقوله عنك، في طفولتك وصباك ثم شبابك. إنه كنزك الذي لا يمكن إهداره، أو التخلي عنه للآخرين.
يحدث أن ننسى البيت في زحمة الحياة. ننسى أننا قضينا فيه أجمل لحظات حياتنا: مع الفرح، مع الألم، مع العائلة، التي نراها تكبر في أرجائه. ويحدث أن نعود إليه بعد أن يأخذ الزمن من أجسادنا كل مأخذ، ويتركنا مثل الهشيم الذي لا آثار له.
يصدف في حياتك أن تدخل بيوت الأصدقاء، بيوت الأقارب، بيوت أناس عابرين لا تجمعهم بك سوى المصلحة، وكنتَ تظن حينئذ أن البيوت تتشابه، ليس في بنائها الهندسي، أو في سعة المبنى أو ضيقه، فهذا الأمر لا اختلاف عليه، بل تتشابه في كونها تضم بين أرجائها حياة واحدة فقط، ورغم اختلاف البشر في طبيعتهم البيولوجية والنفسية والاجتماعية، واختلافهم أيضًا في الكيفية التي يستهلكون بها هذه الحياة حتى انقضاء العمر، إلا أن الأمر يؤول في نهاية المطاف إلى حياة واحدة، هي حياة الإنسان نفسه.
لكن حينما تهرم سنينك، والأشياء من حولك أيضا تكبر وتذوي، تتساءل بينك وبين نفسك: هل تتشابه البيوت حقًّا؟ إذا كانت كذلك، فلماذا حين نذهب إلى البيت الذي ألفنا ونحن صغار اللعبَ بين غرفه وممراته، لا نشعر بالشعور ذاته الآن وقد غادرنا مدارج الطفولة، حين كان فضاء البيت يتسع لأكثر من أسرة تسكنه، ويراه الصغار قصرًا منيفًا، بينما في اللحظة الراهنة يتملكنا الاستغراب، ونتساءل: هل هذه البقعة الصغيرة ضمت حياة العديد من الأسر والعوائل تاركين ذكرياتهم ومواجعهم وأحزانهم وأفراحهم تتصارع للبقاء في هذا الحيز الصغير؟
يا للغرابة! أنت لم تدرك إلا متأخرًا أن البيوت تأخذ طابع حياة من يعيشون فيها. تعطيهم الاطمئنان والأمان لكنها تسلب منهم حياتهم السرية التي لا يمكن استرجاعها إلا ببصيرة نافذة، قوامها المخيلة والكتابة.
جديد الموقع
- 2024-12-24 الشاعر علي النحوي يشعل الجمهور بقصائده الفنّية الإنسانيّة
- 2024-12-24 جمعية الأدب بالأحساء تحتفي باليوم العالمي للغة العربية
- 2024-12-22 احنا جيرانه (ص) أهداها الله كفوفه (1)
- 2024-12-22 يا يوم لغتي .. أينك أم أيني عنك
- 2024-12-22 ألم الرفض الاجتماعي
- 2024-12-22 نمط حياتك قد ينعكس على صفحة دماغك ويؤدي إلى شيخوخته أبكر مما تظن
- 2024-12-22 الكتاب السادس عشر لـ عدنان أحمد الحاجي (تطور اللغة واضطراباتها وعسر القراءة عند الأطفال)
- 2024-12-22 تأثيرات لغوية للقراءة الرقمية
- 2024-12-22 الزهراء (ع) .. المجاهدة الشهيدة
- 2024-12-22 نحو كتب في الشوارع